الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
المعاتبة والمعاقبة
المؤلف: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
المصدر: الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة: ج1 / ص 224 ـ 228
2024-12-04
243
بعد «المحاسبة»، يأتي دور المُعاتبة والمُعاقبة للنّفس على أخطائها وأغلاطها، فالحساب بدون إظهار ردّ الفعل، لا فائدة فيه ولا ثمرة، ونتيجته ستكون عكسيةً، بل تحمل النّفس على الجرأة والجسارة والعناد، في حركة الحياة والواقع، فكما يحاسب الرّئيس موظفيه عن تقصيرهم، ويعاقبهم بنوعٍ ما، وكلٌّ حسب حجم تقصيره، فكذلك يفعل السّائرون في طريق الباري، فإذا ما جَمَحَت بهم أنفسهم يوماً، فسوف يعاقبونها لجرأتها على سيّدها ومولاها.
وأكّد القرآن الكريم على هذه المسألة، فأقسَم بالنّفسِ اللّوامة، لأهميتها: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2] (1).
ونحن نعلم أنّ النّفس اللوامة، هي الضّمير الحي الذي يردع صاحبه عن ارتكاب المعاصي، وهو نوع من العِقاب للنفس.
ومن الواضح أنّ العقاب للنفس له درجاتٌ ومراتبٌ، وأوّل ما يبدأ من حالة الملامة، ثمّ يشدّد العقاب، وذلك بحرمان النّفس من بعض اللذائذ الدنيويّة لفترة من الزّمن.
وأشار القرآن الكريم، لنموذجٍ رائعٍ حول هذا الموضوع، وذلك بالنّسبة للثلاثة الذين تخلّفوا في غزوة تَبوك، و أمر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، الناس بمقاطعتهم في كلّ شيءٍ، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فعاقبوا أنفسهم على فعلتهم، وانشغلوا بالتّوبة، وانعزلوا عن الناس بالكامل، وبعد مدّة تاب اللَّه تعالى عليهم، ونزلت الآية الكريمة: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118].
فجملة: «وضاقت عليهم أنفسهم»، ربّما تكون إشارةً إلى مسألة: «معاقبة النّفس»، بالعزلة التي اختاروها لأنفسهم، فقبلها الباري تعالى منهم، وَورد في شأن النّزول للآية(102) من سورة التوبة: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102].
فهي تشير إلى قصة: «أبو لُبابة الأنصاري»، وهو أحد أصحاب النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ولكنّه تهاوَن عن نَصرة رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، في غزوة تَبوك، وبعدها ندم أشدّ الندم، فأراد أن يُكفّر عن فِعلته، فذهب إلى مسجد النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وربط نفسه إلى أحد أعمدته، وأقسم أنّ لا يطلق نفسه إلّا بموافقة اللَّه ورسوله، أو يتوب اللَّه تعالى عليه، فبقي على هذه الصورة حتى تاب اللَّه تعالى عليه، ونزلت الآية، وصرّحت بقبول اللَّه تعالى لِتوبته.
ومن الواضح، أنّ أبا لُبابة كان قد تحرّك من موقع مُحاسبة النفس، و ُعاقبتها على فِعلتها، وهو دليلٌ على أنّ السّير والسّلوك إلى اللَّه تعالى، كان موجوداً على عهد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وأمّا جملة: «خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئَاً»، فهي أيضاً ربّما تكون إشارةً لذلك المعنى أيضاً، وأَتحفتنا الرّوايات أيضاً، وأرشدتنا إلى موضوع بحثنا، ومنها:
+ ما ورد عن علي (عليه السلام)، أنّ قال في أوصاف المتّقين، في نهج البلاغة: "إِن اسْتَصْعَبَتْ عَلَيهِ نَفْسُهُ فيما تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِها سُؤلَها فِي ما تُحِبُّ" (2).
والمقصود منه، أن يمنع نفسه في حالة جموحها، من النوم والرّاحة والأكل والشّرب، لتتأدّب ولتنصاع إليه.
+ ما ورد في غُرر الحِكَم، عن ذلك الإمام (عليه السلام) الهمام، أنّه قال: "إِذا صَعُبَتْ عَلَيكَ نَفْسُكَ فاصْعَبْ لَها تَذِلُّ لَك".
+ وعنه (عليه السلام): "مَنْ ذَمَّ نَفْسَهُ أَصلَحَها، وَمَنْ مَدحَ نَفْسَهُ ذَبَحها" (3).
+ وعنه (عليه السلام)، قال: "دَواءُ النَّفْسِ الصَّومُ عَنِ الهوى وَالحَمِيةُ عَنْ لَذّاتِ الدُّنيا"(4).
ويحدّثنا التاريخ عن نماذجٍ كثيرةٍ من أصحاب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والعلماء الكبار، والمؤمنين المخُلصين، الذين إذا مسّهم إغواء الشّيطان، وارتكبوا بعض الذنوب، كانوا يسارعون في وضع أنفسهم تحت طائلة العقاب، لئلّا يتكرّر هذا العمل منهم مرّةً اخرى في المستقبل، ومنها:
+ ورد أنّ أحد أصحاب النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، واسمه «ثَعلبة» (5) كان من الأنصار، وكان يُؤاخي «سعيد بن عبدالرحمن»، وهو من المهاجرين، وصاحَبَ سعيدٌ الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في إحدى غزواته، وخَلّف ثعلبة في المدينة، مُعتمداً عليه في حلّ مشاكل بيته وعائلته، وما يحتاجونه من باقي الأمور المعيشيّة، وفي يوم ما، احتاجت امرأة «سعيد» إلى شيءٍ، فوقفت خلف الباب، تتحدّث مع ثعلبة في ذلك الأمر، فوسوس له الشّيطان في ممارسة الإثم، فكشف عن حجابها، فرآها جميلةً جدّاً، فأراد أن يضمّها إلى صدره، ولكنّها نهرته قائلة له: ما تفعل يا ثعلبة، أمِنَ الحقِّ أن يكون أخوك في الجِهاد، وأنت تُريد بأهلِهِ السّوء؟!
انتبه ثعلبةُ من نومه وغفلته، وأيقظه هذا النّداء من غيّه، فَصاحَ وفرّ على وجهه في البيداء باكياً، وهو يقول: "إِلَهِي أَنْتَ المُعرُوف بِالغُفرانِ وأَنا المَوصُوفُ بِالعِصيانِ"(6).
فبقي في الصحراء مدّةً طويلةً مُعاقباً نفسه، مَضيّقاً عليها لِما صدر منه، وفي قصّةٍ طويلةٍ تحكي أنّه عاد بعدها إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وتاب على يده، فنزلت الآية أدناه لتوكيد قبول توبته، وهي الآية (135) من سورة آل عمران: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136].
+ نقل عن حالات الفقيه الكبير، المرحوم آية اللَّه، البروجردي (قدّس سره) عندما كان يجلس للدرس مع طلّابه، فربّما بَدَر منه أثناء النّقاش، أن يرفع صوته بالتّوبيخ لأحد طلّابه، ولم يكن ذلك منه إلّا من باب المحبّة، وعلاقة الأب مع ابنه، فكان يندم مباشرةً ويعتذر، وينذر للصوم في غَدِه ليُكفّر عن فعله، رغم أنّه لم يصدر منه ما يخالف الشّرع.
+ نقلُ أحد كِبار عُلماء الأخلاق، عن أحد الوعّاظ أنّه عندما كان يصعد على المِنبَر للوعظ والخطابة، وقبل الشّروع كان يُسلّم على الحسين (عليه السلام)، ولا يبدأ بكلامه حتّى يسمع الجواب منه (عليه السلام)، هذه الحالة المعنويّة، لم تحصل لديه إلّا بعد حادثةٍ حدثت له مع أحد الوعّاظ، حيث قَرّر في يوم من الأيّام مع نفسه، يكسر مجلس ذلك الواعظ المعروف، بإيراده كلاماً أبلغ وأحلى من كلام ذلك الشّيخ، فتنبّه لِخَطئه، وأخذ على نفسه بعدم ارتقاء المنبر لمدّة (40) يوماً، عِقاباً لنفسه على فعلتها تلك، فألقي في قلبه ذلك النّور وتلك الحالة الإلهيّة (7).
وزبدة الكلام، أنّه وللحصول على النتائج والمعطيات، المرجوّة من المراقبة والمحاسبة، أن يتحرّك الشّخص في عملية التّزكية، من موقع معاقبة النفس عند زلَلِها وجُموحها عن الطريق، وإلّا فلا يمكن تَوخّي النّتائج المطلوبة في نطاق التّهذيب والتّزكية، وهذا لا يعني أننا نُمضي أعمال وفعال بعض الصّوفيين المنحرفين، كما أورد بعضها الغزالي في كتابه: «إحياء العلوم»، فما يفعلوه من أعمال خَشنةٍ مُتهوِّرة، وسلوكياتٍ شاذةٍ، في دائرة معاقبة النفس وجُبران تقصيرها، لا تَمُتّ إلى الدّين بصلةٍ، وقصدنا من المعاقبة، هي أعمالٌ مشروعةٌ في دائرة المفاهيم الإسلاميّة، كالصّوم، ومخالفة الهوى، وحرمان النفس من بعض لذّاتها الماديّة، التي لا تخدش في سماحة الدين ورأفته، بل هي من أسسه.
وكما يقول المرحوم النّراقي، في "معراج السّعادة": إذا صدرت من الشّخص مخالفةٌ؛ ما فعليه تأديب نفسه وترويضها، بالعبادات الثّقيلة مثلًا، أو بإنفاق الأموال التي يحبّها ويجمعها، أو يقوم بتجويع نفسه عند أكله لِلُقمة الحرام، أو يؤدّب نفسه بالسّكوت، ويمدح الشّخص الذي يغتابه، أو يجبرها بذكر اللَّه تعالى، وإذا استهان أو استصغر أحداً من الناس لفقره، فليكرمه بالمال الكثير، وكذلك الحال في بقيّة المعاصي، والموبقات التي صدرت منه، ولكلٍّ بِحَسَبِه» (8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعروف بين المفسّرين: أنّ «لا» زائدة وللتأكيد، والجدير بالملاحظة أنّه وردت تفسيرات مختلفة «للنفس اللّوّامة»، فبعض قال: أنّها إشارةٌ للكفّار والعاصين الذين يلومون أنفسهم في يوم القيامة، وبعض أشاروا إليهم في هذه الدنيا، أنّهم يستحقون الملامة في الدنيا قبل الآخرة، ولكنّ المعنى: «الوجدان أو الضمير المستيقظ»، أنسب من الجميع، وقَسَمٌ القرآن بهاٌ دليلٌ على أفضليّتها على باقي الأمور.
(2) نهج البلاغة، الخطبة 193.
(3) غُرَر الحِكَم.
(4) المصدر السابق، ح 5153.
(5) ثعلبة كان اسمًا لعدّة من أصحاب النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وثَعلبةُ هذا، غير ثعلبة بن حاطِب الأنصاري، الذي امتنع عن أداء الزكاة، فطرده الرّسول والمسلمون.
(6) ذكرت هذه القصّة في كتبٍ كثيرةٍ، منها خزينة الجواهر، ص 320، وكذلك في تفسير الفخر الرازي، في ذيل هذه الآية، بصورة ملخصة، ج 9، ص 9.
(7) وكذلك قصّة علي بن يقطين، وإبراهيم الجمّال المعروفة.
(8) معراج السعادة، الطّبعة الجديدة، ص 703، (مع شيءٍ من التّلخيص).