دور القواعد اللفظية في تفسير القرآن
المؤلف:
علي اكبر المازندراني
المصدر:
دروس تمهيدية في القواعد التفسيرية
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص 145-146.
25-04-2015
2735
لا ريب أنّ معاني القرآن ومعارفه العالية ومطالبه الشامخة لا تدرك ولا تفهم إلّا بطريق العلم بألفاظه ومفرداته والقواعد المبتنية عليها الخطابات والآيات القرآنية. فان القرآن إنّما نزّل بلسان قوم العرب ، حتى يتحقق به تبيين حدود اللّه وأحكامه وتفهيم المعارف الحقّة الالهية للناس ، فلو لم يكن القرآن بلسان القوم لم يفهموه حتى يهتدوا بهدايته ، كما قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم : 4] ؛ نظرا إلى دلالة قوله :
{ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } على ذلك.
فيفهم منه أنّ القرآن لا يكون تبيانا ولا بيانا ، إلّا على أساس لسان قوم العرب وما يتكلّمون ويتخاطبون بعضهم مع بعض على أساسه ، من اللغات والقواعد المحاورية ، كما لا يمكن الاكتفاء بذلك في فهم متشابهات القرآن.
وقد أجاد الزركشي في بيان ذلك ؛ حيث قال :
«ومن ادّعى فهم أسرار القرآن ولم يحكّم التفسير الظاهر ، فهو كمن ادّعى البلوغ إلى صدر البيت قبل تجاوز الباب. فظاهر التفسير يجري مجرى تعلم اللغة التي لا بد منها للفهم ، وما لا بد فيها من استماع كثير؛ لأنّ القرآن نزل بلغة العرب.
فما كان الرجوع فيه إلى لغتهم ، فلا بد من معرفتها أو معرفة أكثرها؛ إذ الغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق الفهم ليفتح بابه ، ويستدلّ المريد بتلك المعاني التي ذكرناها من فهم باطن علم القرآن وظاهره. على أنّ فهم كلام اللّه تعالى لا غاية له ، كما لا نهاية للمتكلّم به. فأمّا الاستقصاء فلا مطمع فيه للبشر ، ومن لم يكن له علم وفهم وتقوى وتدبر لم يدرك من لذة القرآن شيئا.
ومن أحاط بظاهر التفسير- وهو معنى الألفاظ في اللغة- لم يكف ذلك في فهم حقائق المعاني ، ومثاله قوله تعالى : {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال : 17] ، فظاهر تفسيره واضح ، وحقيقة معناه غامضة؛ فانّه إثبات للرمي ، ونفي له ، وهما متضادّان في الظاهر ، ما لم يفهم أنّه رمى من وجه ، ولم يرم من وجه ، ومن الوجه الذي لم يرم ما رماه اللّه عزّ وجلّ.
وكذلك قال : {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } [التوبة : 14] ، فاذا كانوا هم القاتلين كيف يكون اللّه تعالى هو المعذّب؟! وإن كان تعالى هو المعذّب بتحريك أيديهم ، فما معنى أمرهم بالقتال!
فحقيقة هذا تستمدّ من بحر عظيم من علوم المكاشفات ، فلا بدّ أن يعلم وجه ارتباط الأفعال بالقدرة ، ويفهم وجه ارتباط القدرة بقدرة اللّه تعالى حتى تستكشف وتتضح ، فمن هذا الوجه تفاوت الخلق في الفهم بعد الاشتراك في معرفة ظاهر التفسير» (1).
هذا ، ولكن ينبغي أن يعلم إجمالا أنّ من أهم شرائط التفسير ثلاثة أمور لا بدّ من مراعاتها :
1- جعل الروايات المفسّرة الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام أصلا ومرجعا في التفسير ، ولا سيما في تفسير الآيات المتشابهة.
2- احراز صحة أسناد الروايات المنقولة في التفسير.
3- الاجتناب عن التفسير بالرأي.
________________________
(1) البرهان : ج 2 ، ص 155- 156.
الاكثر قراءة في مفهوم التفسير
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة