1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : التاريخ الاسلامي : الدولة العباسية : الدولة العباسية * :

الشيعة في العصر العباسي

المؤلف:  آية الله الشيخ جعفر السبحاني

المصدر:  أضواء على عقائد الشيعة الإماميّة وتاريخهم

الجزء والصفحة:  ص36- 49

26-10-2018

1946

الشيعة في العصر العباسي

دار الزمان على بني أُميّة ، وقامت ثورات عنيفة ضدّهم أثناء خلافتهم ، إلى أن قضت على آخر ملوكهم (مروان الحمار) : {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45] (1) وامتطى ناصية الخلافة بعدهم العباسيون ، والذين تسربلوا بشعار مظلومية أهل البيت للوصول إلى سدّة الخلافة وإزاحة خصومهم الأُمويين عنها ، بيد أنّهم ما أن استقر بهم المقام وثبتت لهم أركانه حتّى انقلبوا كالوحوش الكاسرة في محاربتهم للشيعة وتشريدهم وتقتيلهم ، فكانوا أسوأ من أسلافهم الأُمويين وأشدّ إجراماً ، ولله درّ الشاعر حين قال :

والله ما فعلت أُميّة فيهم *** معشار ما فعلت بنو العباسِ

1 ـ كان أوّل من تولّى منهم أبو العباس السفّاح، بويع سنة (132هـ) ومات سنة (136هـ)، قضى وقته في تتبّع الأُمويّين والقضاء عليهم، وهو وإن لم يتعرّض للعلوّيين ، لكنّه تنكّر لهم و لشيعتهم ، بل وأوعز إلى الشعراء أن يتعرّضوا لأولاد عليّ وأهل بيته في محاولة مدروسة للنيل من منزلتهم وتسفيه الدعوة المطالبة بإيكال أمر الخلافة الإسلامية إليهم . هذا محمّد أحمد براق يقول في كتابه «أبو العباس السفاح» : «إنّ أصل الدعوة كان لآل عليّ ; لأنّ أهل خراسان كان هواهم في آل عليّ لا آل العباس ، لذلك كان السفّاح ومن جاء بعده مفتّحة عينوهم لأهل خراسان حتّى لا يتفشّى فيهم التشيّع لآل عليّ . . . وكانوا يستجلبون الشعراء ليمدحوهم ، فيقدّمون لهم الجوائز ، وكان الشعراء يعرّضون بأبناء عليّ وينفون عنهم حقّ الخلافة ; لأنّهم ينتسبون إلى النبيّ عن طريق ابنته فاطمة ، أمّا بنو العباس فإنّهم أبناء عمومة» (2) .

2 ـ ثمّ جاء بعده أبو جعفر المنصور، وبالرغم ممّا أُثير حوله من منزلة ومكانة وذكاء، إلاّ أنّ في ذلك مجافاة عظيمة للحقّ وابتعاداً كبيراً عن جادّة الصواب، نعم حقّاً إنّ هذا الرجل قد ثبّت أركان دولته وأقام لها أُسساً قوية صلبة ، إلاّ أنّه أسرف كثيراً في الظلم والقسوة والإجرام بشكل ملفت للأنظار ، ويكفي للإلمام بجرائمه وقسوته ما كتبه ابن عبد ربّه في العقد الفريد عن ذلك حيث قال :

إنّ المنصور كان يجلس ويُجلس إلى جانبه واعظاً، ثمّ تأتي الجلاوزة في أيديهم السيوف يضربون أعناق الناس ، فإذا جرت الدماء حتّى تصل إلى ثيابه ، يلتفت إلى الواعظ ويقول : عظني فإذا ذكّره الواعظ بالله ، أطرق المنصور كالمنكسر ثمّ يعود الجلاوزة إلى ضرب الأعناق ، فإذا ما أصابت الدماء ثياب المنصور ثانياً قال لواعظه : عظني!! (3) .

فماذا يا ترى يريد المنصور من قوله للواعظ : عظني ، وماذا يعني بإطراقه بعد ذلك وسكوته ، هل يريد الاستهزاء بالدين الذي نهى عن قتل النفس وسفك الدماء ، أو يريد شيئاً آخر؟! وليت شعري أين كان المؤرّخون وأصحاب الكلمات الصادقة المنصفة من هذه المواقف المخزية التي تقشعر لها الأبدان، وهم يتحدّثون عن هذا الرجل الذي ما آلوا يشيدون بذكره ويمجّدون بأعماله، وهلاّ تأمّل القرّاء في سيرة هذا الرجل ليدركوا ذلك الخطأ الكبير .

بلى إنّ هذا الرجل أسرف في القتل كثيراً ، وكان للعلويين النصيب الأكبر ، وحصّة الأسد من هذا الظلم الكبير .

يقول المسعودي: جمع المنصور أبناء الحسن ، وأمر بجعل القيود والسلاسل في أرجلهم وأعناقهم ، وحملهم في محامل مكشوفة وبغير وطاء ، تماماً كما فعل يزيد بن معاوية بعيال الحسين . ثمّ أودعهم مكاناً تحت الأرض لا يعرفون فيه الليل من النهار، وأُشكلت أوقات الصلاة عليهم ، فجزَّأوا القرآن خمسة أجزاء ، فكانوا يصلّون على فراغ كلّ واحد من حزبه ، وكانوا يقضون الحاجة الضرورية في مواضعهم ، فاشتدّت عليهم الرائحة ، وتورّمت أجسادهم ، ولا يزال الورم يصعد من القدم حتّى يبلغ الفؤاد ، فيموت صاحبه مرضاً وعطشاً وجوعاً (4) .

وقال ابن الأثير : دعا المنصور محمّد بن عبد الله العثماني ، وكان أخاً لأبناء الحسن من أُمّهم ، فأمر بشقّ ثيابه حتّى بانت عورته ، ثمّ ضرب مائة وخمسون سوطاً ، فأصاب سوط منها وجهه فقال : ويحك اكفف عن وجهي ، فقال المنصور للجلاّد : الرأس الرأس ، فضربه على رأسه ثلاثين سوطاً ، وأصاب إحدى عينيه

فسالت على وجهه ، ثمّ قتله ـ ثمّ ذكر ـ : وأحضر المنصور محمّد بن إبراهيم بن الحسن ، وكان أحس الناس صورة ، فقال له : أنت الديباج الأصفر ، لأقتلنّك قتلة لم أقتلها أحداً ، ثمّ أمر به ، فبني عليه أُسطوانة وهو حيّ ، فمات فيها (5) .

3 ـ ثمّ ولي بعده المهدي ولد المنصور، وبقي في الحكم من سنة (158هـ) إلى سنة (169هـ) وكفى في الإشارة إلى ظلمه للعلويّين، أنّه أخذ علي بن العبّاس بن الحسن ابن عليّ بن أبي طالب، فسجنه فدّس إليه السمّ فتفسّخ لحمه وتباينت أعضاؤه.

4 ـ ولمّا هلك المهدي بويع ولده الهادي، وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر، سار فيها على سيرة من سبقه في ظلم العلويين والتضييق عليهم ، وكفى في الإشارة إلى ذلك ما ذكره أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين حيث قال :

إنّ أُمّ الحسين صاحب فخ هي زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قتل المنصور أباها وأُخوتها وعمومتها وزوجها عليّ بن الحسن ، ثمّ قتل الهادي حفيد المنصور ابنها الحسين ، وكانت تلبس المسوح على جسدها ، لا تجعل بينها وبينه شيئاً حتّى لحقت بالله عزّ وجلّ (6) .

5 ـ ثمّ تولّى بعده الرشيد سنة (170هـ ) ومات (193هـ ) وكان له سجّل أسود في تعامله مع الشيعة تبلورت أوضح صوره فيما لاقاه منه الإمام موسى بن جعفر الكاظم _ عليه السلام _ وإليك واحدة من تلك الأفعال الدامية التي سجّلها له التأريخ ورواها الإصبهاني عن إبراهيم بن رباح ، قال : إنّ الرشيد حين ظفر بيحيى بن عبد الله بن الحسن ، بنى عليه أُسطوانة وهو حيّ ، وكان هذا العمل الإجرامي موروثاً من جدّه المنصور (7) .

6 ـ ثمّ جاء بعده ابنه الأمين ، فتولّى الحكم أربع سنين وأشهراً ، يقول أب والفرج : كانت سيرة الأمين في أمر آل أبي طالب خلاف من تقدّم لتشاغله بما كان فيه من اللهو ثمّ الحرب بينه وبين المأمون ، حتّى قتل فلم يحدث على أحد منهم في أيّامه حدث .

7 ـ وتولّى الحكم بعده المأمون ، و كان من أقوى الحكّام العباسيّين بعد أبيه الرشيد . فلمّا رأى المأمون إقبال الناس على العلويّين وعلى رأسهم الإمام الرضا، ألقى عليه القبض بحيلة الدعوة إلى بلاطه، ثمّ دسّ اليه السمّ فقتله.

8 ـ مات المأمون سنة (210هـ ) وجاء إلى الحكم ابنه المعتصم فسجن محمّد بن القاسم بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلاّ أنّه استطاع الفرار من سجنه .

9 ـ ثمّ تولى الحكم بعده الواثق الذي قام بسجن الإمام محمّد بن عليّ الجواد _ عليه السلام _ ودسّ له السمّ بيد زوجته الأثيمة أُمّ الفضل بنت المأمون.

10 ـ وولي الحكم بعد الواثق المتوكّل، وإليك نموذجاً من حقده على آل البيت وهو ما ذكره أبو الفرج قال : كان المتوكّل شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظاً في جماعتهم ، شديد الغيظ والحقد عليهم ، وسوء الظنّ والتهمة لهم . واتّفق له أنّ عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره يسيء الرأي فيهم ، فحسَّن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله ، وكان من ذلك أن كرب (8) قبر الحسين وعفّى آثاره ، ووضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون أحداً زاره إلاّ أتوه به وقتله أو أنهكه عقوبة .

وقال: بعث برجل من أصحابه (يقال له الديزج وكان يهودياً فأسلم) إلى قبر الحسين وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب ما حوله ، فمضي ذلك فخرّب ما حوله ، وهدم البناء وكرب ما حوله مائتي جريب ، فلمّا بلغ إلى قبره لم يتقدّم إليه أحد ، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه ، وأجرى الماء حوله ، ووكل به مسالحَ ، بين كلّ مسلحتين ميل ، لا يزوره زائر إلاّ أخذوه ووجّهوا به إليه .

وقال أيضاً : حدّثني محمّد بن الحسين الأشناني : بَعُدَ عهدي بالزيارة في تلك الأيّام ، ثمّ عملت على المخاطرة بنفسي فيها ، وساعدني رجل من العطّارين على ذلك ، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل ، حتى أتينا نواحي الغاضريّة ، وخرجنا نصف الليل ، فصرنا بين مسلحتين ، وقد ناموا ، حتى أتينا القبر فخفي علينا ، فجعلنا نشمّه (نتسمه خ ل) ونتحرّى جهته حتّى أتيناه ، وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه ، وأُحرق وأُجري الماء عليه ، فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق ، فزرناه وأكببنا عليه ـ إلى أن قال : ـ فودّعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدّة مواضع ، فلمّا قتل المتوكّل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتّى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه .

وقال أيضاً : واستعمل على المدينة ومكّة عمر بن الفرج ، فمنع آل أبي طالب من التعرّض لمسألة الناس ومنع الناس من البرّ بهم ، وكان لا يبلغه أنّ أحداً أبرّ أحداً منهم بشيء وإن قلّ إلاّ أنهكه عقوبة ، وأثقله غرماً ، حتّى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلّين فيه واحدة بعد واحدة ، ثمّ يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر ، إلى أن قتل المتوكّل فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم بمال فرّقه بينهم ، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادّة مذهبه (9) .

11 ـ وولّي بعده المنتصر ابنه ، وظهر منه الميل إلى أهل البيت وخالف أباه ـ كما عرفت ـ فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس أو مكروه فيما بلغنا .

وأوّل ما أحدثه انّه لمّا ولّي الخلافة عزل صالح بن عليّ عن المدينة، وبعث عليّ بن الحسين مكانه فقال له ـ عند الموادعة ـ : يا عليّ إنّي أُوجّهك إلى لحمي ودمي فانظر كيف تكون للقوم ، وكيف تعاملهم ـ يعني آل أبي طالب ـ فقلت : أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين ـ أيّده الله ـ فيهم ، إن شاء الله . قال : إذاً تسعد بذلك عندي (10) .

12 ـ وقام بعده المستعين بالأمر ، فنقض كلّما غزله المنتصر من البرّ والإحسان ، ومن جرائمه أنّه قتل يحيى بن عمر بن الحسين ، قال أبو الفرج :

وكان ـ رضي الله عنه ـ رجلا فارساً شجاعاً، شديد البدن، مجتمع القلب، بعيداً من رهق الشباب وما يعاب به مثله، ولمّا أُدخل رأسه إلى بغداد جعل أهلها يصيحون من ذلك إنكاراً له ، ودخل أبو هاشم على محمّد بن عبد الله بن طاهر ، فقال : أيّها الأمير ، قد جئتك مهنّئاً بما لو كان رسول الله حيّاً يُعزّى به .

وأُدخل الأُسارى من أصحاب يحيى إلى بغداد ولم يكن فيما رؤي قبل ذلك من الأُسارى أحد لحقه ما لحقهم من العسف وسوء الحال، وكانوا يساقون وهم حفاة سوقاً عنيفاً، فمن تأخّر ضربت عنقه.

قال أبو الفرج: وما بلغني أنّ أحداً ممّن قتل في الدولة العباسيّة من آل أبي طالب رثي بأكثر ممّا رثي به يحيى، ولا قيل فيه الشعر بأكثر ممّا قيل فيه.

أقول: إنّ العباسيين قد أتوا من الجرائم التي يندى لها الجبين وتقشعرّ منها الجلود في حقّ الشيعة بحيث تغصّ بذكرها المجلّدات الكبيرة الواسعة، بل وفاقوا بأفعالهم المنكرة ما فعله الأُمويّون من قبل، ولله درّ الشاعر حيث قال:

تــــالله إن كانــــت أُميّـــة قد أتت *** قتل ابن بنت نبيّها مظلوما

فلقـــد أتـــاه بنـو أبيـــــه بمثلهــا *** هذا لعمـــرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا *** في قتلـــه فتتبّعـــوه رميما

ومن أراد أن يقف على سجلّ جرائم الدولتين (الأُموية والعباسية) وملفّ مظالمهم فعليه قراءة القصائد الثلاث التي نظمها رجال مؤمنون مخلصون، عرّضوا أنفسهم للمخاوف والأخطار طلباً لرضى الحقّ :

1 ـ تائية دعبل الخزاعي الشهيد عام (246هـ)، فإنّها وثيقة تأريخية خالدة تعرب عن سياسة الدولتين تجاه أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، وقد أنشدها الشاعر للإمام الرضا ، فبكى وبكت معه النسوة .

أخرج الحموي عن أحمد بن زياد عن دعبل الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي عليّ الرضا ـ رضي الله عنه ـ :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصاتِ

قال دعبل : ثمّ قرأت باقي القصيدة ، فلمّا انتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة واقع *** يقوم على اسم الله والبركاتِ

فبكى الرضا بكاءً شديداً .

ومن هذه القصيدة قوله :

هُمُ نقضـوا عهد الكتاب وفرضه *** ومحكمــــه بالزور والشبهاتِ

تراث بلا قربى ، وملك بلا هدى *** وحكم بلا شورى ، بغير هداةِ

وفيها أيضاً قوله :

لآل رسول الله بالخيف من منى *** وبالبيت والتعريف والجمراتِ

ديار عليّ والحسين وجعفر *** وحمزة والسجّاد ذي الثفناتِ

ديار عفاها كلّ جون مبادر *** ولم تعف للأيّام والسنواتِ

منازل كانت للصلاة وللتقى *** وللصوم والتطهير والحسناتِ

منازل وحي الله معدن علمه *** سبيل رشاد واضح الطرقاتِ

منازل وحي الله ينزل حولها *** على أحمد الروحاتِ والغدواتِ

إلى أن قال :

ديار رسول الله أصبحن بلقعا *** ودار زياد أصبحت عمراتِ

وآل رسول الله غُلَّتْ رقابهم *** وآل زياد غُلّظُ القصراتِ

وآل رسول الله تُدْمى نحورهم *** وآل زياد زيّنوا الحجلاتِ

وفيها أيضاً :

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا *** وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ

إذاً للطمتِ الخدّ فاطم عنده *** وأجريت دمع العين في الوجناتِ

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي *** نجوم سماوات بأرض فلاتِ (11)

2 ـ ميميّة الأمير أبي فراس الحمداني (320 ـ 357هـ)، وهذه القصيدة تعرف بالشافية، وهي من القصائد الخالدة، وعليها مسحة البلاغة، ورونق الجزالة، وجودة السرد، وقوّة الحجّة، وفخامة المعنى، أنشدها ناظمها لمّا وقف على قصيدة ابن سكرة العبّاسي التي مستهلّها:

بني عليّ دعوا مقالتكم *** لا يُنقص الدُّرَّ وضع من وضعه

قال الأمير في جوابه ميميّته المعروفة وهي :

الحقّ مهتضمٌ والدين مخترم *** وفيء آل رسول الله مقتسمُ

إلى أن قال :

يا للــرجال أمـا لله منتصرٌ *** مــن الطغـــاة؟ أمــــا لله منتـقمُ؟

بنو علي رعايا في ديارهم *** والأمر تملكه النسوان والخدم! (12)

3 ـ جيميّة ابن الرومي التي رثى بها يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد، ومنها :

أمامــك فانظر أيّ نهجيـك تنهج *** طريقــان شتّى مستقيــــم وأعوج

ألا أي هذا الناس طال ضريركم *** بآل رسول الله فاخشوا أو ارتَجُوا

أكـــــلّ أوان للنبـــيّ محــمّـــــد *** قتـــيل زكــــيّ بالدمــــاء مضــرّج (13)

وكم من الانصاف فيما كتبه الأصبهاني عن مدى العبء الذي تحمله أهل البيت وشيعتهم من أجل كلمة الحق، وموقف الصدق، وما ترتّب على ذلك من تكالب لا يعرف الرحمة من قبل الحكومات الجائرة المتلاحقة للقضاء على هذا الوجود المقدّس واجتثاثه من أصله، حيث ذكر:

«ولا يعرف التأريخ أُسرة كأُسرة أبي طالب بلغت الغاية من شرف الأرومة، وطيب النجار، ضلّ عنها حقّها، وجاهدت في سبيل الله حقّ الجهاد من الأعصار، ثمّ لم تظفر من جهادها المرير إلاّ بالحسرات، ولم تعقب من جهادها إلاّ العبرات، على ما فقدت من أبطال أسالوا نفوسهم في ساحة الوغى، راضية قلوبهم مطمئنة ضمائرهم، وصافحوا الموت في بسالة فائقة، وتلقّوه في صبر جميل يثير في النفس الإعجاب والإكبار، ويشيع فيها ألوان التقدير والإعظام.

وقد أسرف خصوم هذه الأُسرة الطاهرة في محاربتها، وأذاقوها ضروب النكال، وصبّوا عليها صنوف العذاب، ولم يرقبوا فيها إلاّ ولا ذمّةً، ولم يرعوا لها حقّاً ولا حرمة ، وأفرغوا بأسهم الشديد على النساء والأطفال ، والرجال جميعاً ، في عنف لا يشوبه لين ، وقسوة لا تمازجها رحمة ، حتّى غدت مصائب أهل البيت مضرب الأمثال ، في فظاعة النكال ، وقد فجّرت هذه القسوة البالغة ينابيع الرحمة والمودّة في قلوب الناس ، وأشاعت الأسف الممض في ضمائرهم ، وملأت عليهم أقطار نفوسهم شجناً ، وصارت مصارع هؤلاء الشهداء حديثاً يروى ، وخبراً يتناقل ، وقصصاً تقص ، يجد فيها الناس إرضاء عواطفهم وإرواء مشاعرهم ، فتطلّبوه وحرصوا عليه» (14) .

نعم ، لقد اقترن تأريخ الشيعة بأنواع الظلم والنكال ، والقتل والتشريد ، بحيث لم تشهده أيّ طائفة أُخرى من طوائف المسلمين . بلى ، لم ير الأُمويّون ولا العباسيّون ولا الملوك الغزانوة ولا السلاجقة ولا من أتى بعدهم أيّ حرمة لنفوسهم وأعراضهم وعلومهم ومكتباتهم ، فحين كان اليهود والنصارى يسرحون ويمرحون في أرض الإسلام والمسلمين ، وقد كفل لهم الحكّام حرّيّاتهم باسم الرحمة الإسلامية ، كان الشيعة يأخذون تحت كلّ حجر ومدر ، ويقتلون بالشبهة والظنّة ، وتشرّد أُسرهم ، وتصادر أموالهم ، ولا يجدون بدّاً من أن يخفوا كثيراً من عقائدهم خوف النكال والقتل ، وبأيدي وقلوب نزعت منها الرحمة .

فلا تثريب إذن على الشيعي أمام هذه الوحشية المسرفة من أن يتعامل مع أخيه المسلم بالتقية، وأن يظهر خلاف ما يعتقده، بل اللوم أجمعه يقع على من حمله على ذلك، بعد أن أباح دمه وعرضه وماله.

هذا هو طغرل بيك أوّل ملك من ملوك السلاجقة ورد بغداد سنة 447هـ، وشنّ على الشيعة حملة شعواء، وأمر بإحراق مكتبة الشيعة التي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير ، وزير بهاء الدولة البويهي ، وكانت من دور العلم المهمّة في بغداد بناها هذا الوزير الجليل في محلّة بين السورين في الكرخ سنة 381هـ على مثال بيت الحكمة الذي بناه هارون الرشيد ، وكانت من الأهمية العلمية بمكان; حيث جمع فيها هذا الوزير ما تفرّق من كتب فارس والعراق ، واستكتب تآليف أهل الهند والصين والروم ، كما قاله محمد كرد علي ، ونافت كتبها على عشرة آلاف من جلائل الآثار ومهام الأسفار ، وأكثرها نسخ الأصل بخطوط المؤلّفين (15) .

قال ياقوت الحموي : وبها كانت خزانة الكتب التي أوقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة ، ولم يكن في الدنيا أحسن كتباً منها ، كانت كلّها بخطوط الأئمّة المعتبرة وأُصولهم المحرّرة (16) .

وكان من جملتها مصاحف بخطّ ابن مقلة على ما ذكره ابن الأثير (17) .

ولمّا كان الوزير سابور من أهل الفضل والأدب ، فقد أخذ العلماء يهدون إليه مصنّفاتهم المختلفة ، فأصبحت مكتبته من أغني دور الكتب ببغداد ، وقد أُحرقت هذه المكتبة العظيمة في جملة ما أُحرق من محال الكرخ عند مجيء طغرل بيك ، وتوسّعت الفتنة حتّى اتّجهت إلى شيخ الطائفة وأصحابه فأحرقوا كتبه وكرسيه الذي كان يجلس عليه للكلام .

قال ابن الجوزي في حوادث سنة (448هـ ) : وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره ، ثمّ قال في حوادث سنة (449هـ ) : وفي صفر هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلّم الشيعة في الكرخ ، وأُخذ ما وجد من دفاتره وكرسي يجلس عليه للكلام ، وأُخرج إلى الكرخ وأُضيف إليه ثلاث مجانيق بيض كان الزوّار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إن قصدوا زيارة الكوفة ، فأُحرق الجميع (18) .

وأخيراً فلعلّ القارئ الكريم إذا تأمّل بتدبرّ وتأنّ إلى جملة ما كتب وأُلّف من المراجع التاريخية ـ وحتّى تلك التي كتبت في تلك العصور التي شهدت هذه المجازر المتلاحقة ، والتي بلا أدنى شكّ كان أغلبها يجاري أهواء الأُسر الحاكمة آنذاك ـ فإنّه سيجد بوضوح أنّ بقاء الشيعة حتّى هذه الأزمنة من المعاجز والكرامات وخوارق العادات ، كيف وإنّ تاريخهم كان سلسلة من عمليات الذبح ، والقتل ، والقمع ، والاستئصال ، والسحق ، والإبادة ، قد تظافرت قوى الكفر والفسق على إهلاكهم وقطع جذورهم ، ومع ذلك فقد كانت لهم دول و دويلات ، ومعاهد وكلّيّات ، وبلدان وحضارات ، وأعلام ومفاخر ، وعباقرة وفلاسفة ، وفقهاء ، ومحدّثون ، ووزراء وسياسيّون ، ويؤلّفون اليوم خمس المسلمين أو ربعهم .

نعم إنّ ذلك من فضله سبحانه لتعلّق مشيئته على إبقاء الحقّ وإزهاق الباطل في ظلّ قيام الشيعة طيلة القرون بواجبها وهو الصمود أمام الظلم ، والتضحية والتفدية للمبدأ والمذهب وقد قال سبحانه : {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65] (19) .

ولا يفوتنّك أخي القارئ الكريم أنّ ثوراتهم المتعاقبة على الحكومات الظالمة الفاسدة الخارجة عن حدود الشريعة الإسلامية العظيمة هي التي أدّت إلى تشريدهم وقتلهم والفتك بهم ، ولو أنّهم ساوموا السلطة الأُموية والعباسية ، لكانوا في أعلى المناصب والمدارج ، لكنّ ثوراتهم لم تكن عنصرية أو قوميّة أو طلباً للرئاسة ، بل كانت لإزهاق الباطل ورفع الظلم عن المجتمع ، والدعوة إلى إعلاء كلمة الله وغير ذلك ممّا هو من وظائف العلماء العارفين .

______________

(1) الأنعام: 45 .

(2) أبو العباس السفّاح : 48 ، كما في الشيعة والحاكمون : 139 .

(3) العقد الفريد 1 : 41 .

(4) مروج الذهب 3 : 310 ط سنة 1948 م .

(5) الكامل 4 : 375 .

(6) مقاتل الطالبيين : 285 ط النجف .

(7) مقاتل الطالبيين : 320 ، وروي في مقتله أمر آخر .

(8) الكرب : إثارة الأرض للزرع .

(9) مقاتل الطالبيين : 597 ـ 599 .

(10) مقاتل الطالبيين : 639 .

(11) لاحظ للوقوف على هذه القصيدة : المناقب لابن شهر آشوب 2 : 394 ، وروضة الواعظين للفتّال النيسابوري : 194 ، وكشف الغمّة للإربليّ 3 : 112 ـ 117 ، وقد ذكرها أكثر المؤرّخين .

(12) نقلها في الغدير برمتها وأخرج مصادرها ، لاحظ 3 : 399 ـ 402 .

(13) مقاتل الطالبيين : 639 ـ 646 .

(14) مقدّمة مقاتل الطالبيين ، بقلم السيد أحمد صقر : الصفحة ي ـ ك ، طبع دار المعرفة .

(15) خطط الشام 3 : 185 .

(16) معجم البلدان 2 : 342 .

(17) الكامل في التاريخ 10 : 3 .

(18) المنتظم 8 : 173 ـ 179 ، نقلنا ما يتعلّق بمكتبة أبي نصر سابور والشيخ الطوسي عن مقدّمة شيخنا الطهراني على التبيان وذكرنا المصادر التي أومأ هو إليها في الهامش ، لاحظ الصفحة (هـ ـ و) من المقدّمة .

(19) الأنفال : 65 .