يواجه الفرد المتدين اتهامات وهجمات قاسية من قبل التيارات اللادينية في المجتمع المعاصر، في كونه لا يمتلك رؤية عقلية مستقلة، فهو تابع لرجال الدين في عقيدته، وهذا يكشف عن تعطيل عقله؟
وهذا الكلام فيه مغالطة تسري في كل مفاصله.
وقد بلغ الحال ببعض الشباب المتدين إلى أن لا يفصح عن هويته الدينية خجلا من أن يتهم أو يستهزأ به!
ويرد على هذه الاتهامات، وإبطال هذه المغالطات، وإسكات المستهزئين عبر تحديد مفهوم العقل.
فما هي دلالة العقل المتفق عليها بين الناس مهما اختلفت ظروفهم وتباعدت أزمانهم وتغايرت بيئاتهم وعاداتهم وأعرافهم؟
بديهي لا يراد بالعقل ما يقابل الجنون والخبل، وإنما يراد به القدرة على تمييز الحقيقة عن الباطل، وتشخيص المصالح عن المفاسد، وأدراك العلل والمعاليل والأسباب والمسببات وإقامة الأدلة على إثبات الأمور أو إبطالها، وتلقائية التفكير والتأمل.
ومعلوم أن دلالة العقل بهذا المفاد يتفق عليها الناس جميعا، مهما اختلفت أحوالهم وبيئاتهم وأزمانهم وعقائدهم ومذاهبهم، والفرد المتدين إنما يصدر عن أصول الدين التي ترتكز على أرضية العقل كأساس لكل عقيدة وشريعة، وبدونها يخرج عن زمرة أهل الدين، وقد شحنت نصوص القرآن والسنة النبوية بذكر دور العقل في البنية الإيمانية، حتى قال أئمة أهل البيت -عليهم السلام-
: (من كان عاقلا كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنة)، وإن العقل (ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان)، و (العقل دليل المؤمن) ...
بل عد العقل معيارا كاشفا عن التدين؛ فقال رسول الله-صلى الله عليه وآله- : (إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا كيف عقله؟ لا يعبأ بأهل الدين ممن لا عقل له).
فبعد هذا هل تصمد تلك المغالطات التي يتهم بها اللادينيون؟ فالمؤمن إنما يسلم لتعاليم القرآن وسنة النبي كقوانيين تربوية ينظم بها سلوكه وعلاقاته، وهذا من أجلى مصاديق التعقل التي تكشف عن سلامة في التفكير وعصمة عن الفوضى والعبث.