تعتبر مرحلة المراهقة، ومرحلة العقد الثاني من العمر عموما مرحلة بناء الأسس، فهي المرحلة الموصلة الى مرحلة النضج، وكل ما يتعلمه الإنسان فيها من معارف وتجارب سيكون لها دور فاعل ومصيري في بلورة اتجاهات حياته. فلو أننا تجاوزنا السنوات الستة الأولى من العمر التي أكد علماء النفس التربويون على أهميتها البالغة، يتحتم علينا الاعتراف بعدم وجود فترة أخرى أكثر أهمية من مرحلة المراهقة في وضع الركائز الأساسية وبناء اللبنات الأولى لحياته، فكثير من الخصائص والأبعاد تأخذ قالبها وصيغتها النهائية في هذه المرحلة، وتتحدد فيها أيضا أكثر الأسس الحيوية، وأهمها:
أولا: أساس سلامة الجسم ونموه والكمال والنقص الجسمي، خاصة في العمود الفقري والساق، والقدم .
ثانيا: بناء أسس السلامة النفسية، وضرورة الانتباه في هذا المجال إلى كون السلوك قويما ومتزنا.
ثالثا: تبلور أسس النضوج والتوجه العاطفي، الذي يتخذ شكله في الميل إلى بعض الناس أو بعض الاتجاهات.
رابعا: وضع الأسس الأخلاقية، وهي مجموعة القيم التي تحكم علاقاته، فتستقر في نفسه وتأخذ قالبها المحدد.
خامسا: بناء أسس الطبائع الاجتماعية من ناحية الأدب والحياء والانفتاح أو الانطواء في العلاقات مع الآخرين.
سادسا: بلورة أسس الاستدلال والمنطق والمسار الفكري وأطره، والرؤية الكونية، ونمط التعامل مع شؤون الحياة.
سابعا: تركيز الأسس الدينية والعقائدية والاتجاه الديني والعادات والتصرفات ذات الطبيعة الدينية، والقدرة الدفاعية اللازمة للذود عنها.
ثامنا: يتحدد خلال هذه الفترة أيضا الكثير من الأسس الأخرى؛ كاستيقاظ الفطرة والضمير.
أما الشؤون المرتبطة بالدين، فأحد أبعادها يتعلق بالجوانب التكميلية للديانة، والاستعداد لأداء جميع الأوامر والتعاليم الدينية، لا سيما وأنه سيدخل مرحلة التكليف الديني في أواخر هذه المرحلة، وما يترتب على ذلك من دخوله في سن التكليف كرجل ناضج، أو امرأة ناضجة.
وهذا يفترض حاليا تنظيم ما كان يؤديه في مرحلة الطفولة من محاكاة، أو لعب، أو تمارين دينية لكي يتخذ طابعا رسميا وإلزاميا. كما أن مسألة تبلور الأخلاق - ومنها الأخلاق الدينية - يجب أن تتخذ لنفسها في هذه الفترة قالب الكمال؛ إذ يفترض فيه أن يدخل ميدان الحياة الاجتماعية وهو شخص ملتزم.