قال ممثل المرجعية العليا في كربلاء والمتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين عليه السلام، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، إن التواضع من خصال الأنبياء التي اكدّت عليها الآيات القرانية والاحاديث الشريفة.
وأضاف، خلال خطبته الأولى من صلاة يوم الجمعة في الصحن الحسيني المطهر، أن التواضع هو ان لا يتعالى ولا يتكبر على احد من الناس ولا يرى انه فوقهم لأن الله تعالى فضّله على الاخرين بعلم او مال او جاه او قوة او سلطان او غير ذلك.
وفي ما يلي النص الكامل للخطبة الاولى لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 28/رجب الأصب/1437هـ الموافق 6 /5 /2016م :
من دعاء الامام السجاد (عليه السلام) لجيرانه واوليائه اذا ذكرهم :
(وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً، وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً، وَأسِرُّ لَهُمْ بِالْغَيْبِ مَوَدَّةً، وَأُحِبُّ بَقَاءَ النِّعْمَةِ عِنْدَهُمْ نُصْحاً، وَاُوجِبُ لَهُمْ مَا اُوجِبُ لِحَامَّتِي)
يقول الامام السجاد (عليه السلام) : (وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً)
إلانة الجانب لهم كناية عن الرفق والتلطّف بهم ومنه قوله تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ).
والتواضع : التذلّل وخلاف الترفع والتكبّر أي : إلانة تواضع أو لاجل التواضع..
ورقّ له: عطف عليه وتحنّن عليه..
فالتواضع من خصال الانبياء والاولياء الصالحين وقد اكدّت عليها الآيات القرانية والاحاديث الشريفة وهو ان لا يتعالى ولا يتكبر على احد من الناس ولا يرى انه فوقهم لأن الله تعالى فضّله على الاخرين بعلم او مال او جاه او قوة او سلطان او غير ذلك بل يرى ان كل نعمة فضله الله تعالى بها عليهم انها من الله تعالى وان شاء الله تعالى سلبها منه..
والتواضع منشأه ان يعتقد بعظمة الله تعالى وانه هو المنعم والمتفضل وانه محل النعمة وليس هو مصدر النعمة.. ولابد للمتواضع من امور تعكس هذه الصفة الممدوحة وترسخها في النفس وذلك من خلال الافعال والاقوال والنظرة الى الاخرين بل تشمل حتى نبرة الكلام وطبيعة التصرف والمواقف مع الاخرين..
فعلى صاحب العلم ان لا ينظر باستكبار واحتقار وازدراء لمن هو اقل منه علما والغني كذلك مع الفقير وصاحب الجاه مع الذي لا جاه ولا حكام له عند الناس وصاحب السلطة مع الرعية والسيد مع الخادم والاستاذ مع الطالب والكبير مع الصغير والشريف مع الوضيع.. وهكذا..
سئل الامام الحسن (عليه السلام) عن التواضع فقال : (هو ان تخرج من بيتك فلا تلقى احداً الا رأيت له الفضل عليك..)
من نتائج التواضع :
ان للتواضع آثاراً ونتائج كثيرة على المستويات الفردية والاجتماعية وعلى مستوى الابعاد النفسية وكذلك في داري الدنيا والاخرة..
1- انتشار المحبة والمودة بين الناس، عن الامام علي (عليه السلام) : (ثمرة التواضع المحبة، ثمرة الكِبر المسبّة).
2- السلامة والامان بين الناس ومنع العدوان: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (تواضعوا حتى لا يبغي احدٌ على احد).
3- المهابة والاحترام بين الناس: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " ما تواضع احد لله إلا رفعه الله تعالى".
4- التحصّن من ابليس : عن علي (عليه السلام) : (اتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم ابليس وجنوده فان له من كل امة جنوداً واعوانا).
5- الذكر الحسن والسمعة الحسنة : عن الامام علي (عليه السلام) : "التواضع ينشر الفضيلة، التكبر يظهر الرذيلة".
6- علو المقام والدرجة : عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " اذا تواضع العبد رفعه الله الى السماء السابعة".
7- الحكمة: "ان الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار، لان الله جعل التواضع آلة العقل وجعل التكبّر من آلة الجهل".
ورأس التواضع هو التواضع لله تعالى ومن التواضع للوالدين بان يقف الابن عند دخول الاب عليه ويسكت عند حديثه ولا يقاطعه ويخفض صوته في حضرته وغير ذلك..
(وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً)
(اهل البلاء) المبتلون بالمكروه.
(الرحمة) رقة القلب والتعطف، أي اكون رقيق القلب على المبتلين منهم بالداء والمصائب.. بان اكون رقيق القلب عطوفا وشفيقا بهم ولا اكون قاسيا او فضاً وخشناً في التعامل معهم او غير مكترث بمصائبهم وابتلاءاتهم..
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "الراحمون يرحمهم الرحمان يوم القيامة، ارحم من في الارض يرحمك من في السماء".
(وَأسِرُّ لَهُمْ بِالْغَيْبِ مَوَدَّةً)
أي اُخفي واكتم لهم المودة ملتبساً بالغيب عنهم أي : غائباً عنهم، لا كالمنافق الذي اذا لقي اصحابه اظهر لهم المودة واذا غاب عنهم لم يكن في ستره شيء منها..
ويحتمل ان يكون المراد بالغيب القلب لأنه مستور والمعنى : ايسرُّ لهم بقلبي مودة، لا كالذين يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم..
علاج النفاق:
1- ان يعلم بعقوبة النفاق يوم القيامة واضراره الدنيوية والاخروية..
2- حسن الخلق
3- الصلاة على محمد وآل محمد فانها تذهب النفاق.. فلا يصح للمؤمن ان يكون ذا وجهين ولسانين، فهو في حضور شخصي يمدحه ويثني عليه ويظهر محبته وحب الخير له، وفي غيابه بخلاف ذلك أي يذمه ويتعدى لايذائه والاضرار به..
4- ان يعلم ويتأمل من عقوبة المنافق في الاخرة..
5- انه سينكشف حالة للاخرين ويبتعد عن الناس ولا يحترمونه بل ربما يقاطعونه ويتركون التعامل معه..لذلك على المؤمن ان يطهر قلبه وينظفه من الحقد والعداوة والكراهية للاخرين وان يطهر قلبه من النفاق..
(وَأُحِبُّ بَقَاءَ النِّعْمَةِ عِنْدَهُمْ نُصْحاً)
أي واجعلني احبُّ واودُّ بقاء النعمة ودوامها وثباتها لديهم حتى يكونوا دائماً بنعمة من الله تعالى وحبي لبقاء النعمة عندهم محبة نصح لهم، او لاجل النصح لهم في ارادة الخير لهم وايثار نفعهم من غير شائبة غرض آخر كأن يكون محبة بقاء النعمة لأنه ينتفع منها ولو زال الانتفاع منها لم تبق محبته لبقاء النعمة لديهم..
وفي مقابل هذه الصفة الممدوحة هناك صفة الحسد المذمومة والتي ينبغي للمؤمن ان يطهر نفسه منها وهي تمني زوال النعمة عن صاحبها وان لم يردها لنفسه.. وهو مذموم ويؤدي الى الحقد والبغض والكره والعداوة والكيد بالاخرين .. والحسد من الامراض العظيمة للقلوب ولا يداوى الا بالعلم والعمل وبذلك بان تعلم حقيقة الحسد وضرره على الانسان في الدنيا والاخرة وان المحسود لا ضرر عليه بل يستفيد من ذلك بان يحصل على الثواب.. وعلى الحاسد ان يعرف ان ما عنده وعند غيره هو من قضاء الله تعالى وقدره..
وان الحسد لا يورث الا التألم والعذاب والهم والغم بل مقابل وبلا فائدة..
(وَاُوجِبُ لَهُمْ مَا اُوجِبُ لِحَامَّتِي)
وحامّة الرجل : خاصته من اهله وولده..
اوجبت الشيء: جعلته واجب او اعتقدته واجباً أي لازماً ثابت..