قال ممثل المرجعية في كربلاء والمتولي الشرعي لحرم أبي الفضل العباس عليه السلام السيد أحمد الصافي، إن الإنسان في أمس الحاجة للاعتراف بذنبه.
وأضاف خلال خطبته الأولى من صلاة يوم الجمعة من داخل الصحن الحسيني الشريف، أن "الاعتراف بالذنب يقدم لنا نصف الحل".
وأكد على ضرورة أن يبدأ الإنسان بالتخطيط للمرحلة المستقبلية بينه وبين الله.
وفي ما يلي النص الكامل للخطبة الاولى من صلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 21/رجب الأصب/1437هـ الموافق 29 /4 /2016م :
كان حديثنا في ما مضى عن دعاء الامام السجاد (عليه السلام) في طلب التوبة وذكرنا بعض الفقرات من هذا الدعاء الشريف..
يقول الامام السجاد (عليه السلام) في هذا الدعاء : (فَمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيْـكَ مُتَضَرِّعـاً، وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إلَى الأرْضِ مُتَخَشِّعَاً، وَطَأطَأَ رَأسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلاً، وَأَبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خَضُوعاً).
الانسان قد يمر بحالة من الكبرياء والغرور وبحالة من انه يرى نفسه اكثر واوسع وافضل من بقية الناس وهذه الرؤية تكشف عن مشكلة عند هذا الانسان ولذلك القران الكريم يذكر (ولا تصعّر خدك للناس) .. الانسان مع ابناء جلدته يشترك معهم في مواطن كبيرة فما هو وجه التكبر وما هو وجه العجب ما هو وجه ان يرى نفسه افضل من ان يرى الآخرين ..
حقيقة هذه النظرة الواهية الموهومة بالنتيجة لابد ان تتبدل اما تتبدل باختيار الانسان عندما يلتفت او تتبدل رغماً عنه.. اذا تبدلت هذه النظرة باختيار الانسان معنى ذلك ان الانسان اختار الجادة الوسطى وحاول ان يصل الى معالم الطريق الحقيقية.. واذا لم يكن ذلك فلا شك انه سينزع رداء الكبرياء والعُجب عندما يخرج من هذه الدنيا..
لاحظوا نحن في امس الحاجة ان الانسان يعترف بذنبه ثم يلتفت ثم يبدأ يفتش عن الحل .. ان الانسان اذا اعترف بذنبه هذا نصف الحل، الحل الآخر انه يريد ان يبدل هذه الحالة من حالة الاعتراف بماض سيء وعلاقة سيئة مع الله الى مستقبل وحاضر يكون افضل.. أي يبدأ يخطط لمرحلة مستقبلية بينه وبين الله وكيف يصلح الحالة بينه وبين الله تعالى ..
(فَمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيْـكَ مُتَضَرِّعـاً)
بين يديك : يعني امامك وهذه نحو من الاستعارة فالله تعالى ليس له يد جارحة وانما هذا العبد يريد ان يبين انني حضرت وجئت ومثلت بين يديك لكن هذا المجئ فيه نحو من التذلل لأنه فعل ما لا ينبغي ان يفعل وبعلمك وانت كنت مطلّع عليه..
(وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إلَى الأرْضِ مُتَخَشِّعَاً)
لاحظوا هذه علامات الذلّة والمسكنة وهذه مطلوبة لنا امام الله تبارك وتعالى..
اخواني لاحظوا ان الانسان المتأمل عندما يعتبر سيكتشف انه اقل تدبيراً من بقايا الخلق وان الله تعالى قد وضع اسراره في اضعف خلقه بل الانسان الان يتنافس على لذائذ سواء كان لذائذ الاطعمة وغيرها..
ولذا الانسان اذا انتبه لا خيار له الا ان يأتي الى الله تعالى مطأطأ..والانسان حقيقة مع الله تعالى لا يملك خياراً آخر حتى وان تظاهر بالتكبر واقعاً سينتكس وسيكون عبداً حقيراً صغيراً امام عظمة الله تعالى..
اخواني الخشوع عادة يأتي مع السمع او البصر (خاشعة ابصارهم) عندما يخشع البصر او السمع يكون حالة من الاستكانة وحالة من الخضوع الى الله تبارك وتعالى ولا يكون انساناً متكبراً .. هذه حالة المذلة التي نراها وهي حالة عزّة فالانسان اذا ذلل نفسه الى الله تعالى اصبح عزيزاً ..
هذا النظر الى الارض مهم جداً اخواني لكسر حالة الغرور عند الانسان ان دائماً يكون نظره الى الارض فيه حالة من الخشوع والتواضع وحالة من الاستكانة رفضاً لكل انواع التكبر والغرور.
(وَطَأطَأَ رَأسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلاً)
من العزيز ؟! الله تبارك وتعالى من اسمائه ان يكون عزيزاً فهو العزيز الحكيم.. العزة الحقيقة والمنعة الحقيقية هي الى الله تبارك وتعالى .. نحن اخواني كلما ازددنا تذللاً الى الله تعالى اكتسبناً عزاً .. وهذه من الاشياء الجميلة في علاقتنا مع الله تبارك وتعالى.. الانسان عندما يكون عزيزاً يكون قريباً الى الله تعالى وكلما ازداد الانسان قرباً الى الله تعالى كلما ازداد ذلا ً الى الله تعالى كلما ازداد عبادة الى الله تعالى وكلما ازداد عزاً ..
كل ما كان الانسان يعتقد بعظمة وعزة الله تعالى كلما ازداد عزة من خلال انتمائه الى الله تبارك وتعالى ولاحظوا الانبياء والائمة الاطهار كانوا يخيفون الاخرين..الانبياء عليهم السلام لا يملكون شيئاً الا الانتماء العبودية الحقة الى الله تعالى فكانوا يخيفون الاخرين .. الائمة الاطهار عليهم السلام ايضاً كانوا لا يمتلكون شيئاً من اسباب المنع الظاهري كالجيش والسلطنة لكن كانت عندهم اسباب العزّة وكانوا يخيفون الاخرين ..
وكذلك العلماء السابقين والحاضرين ماذا يملكون من اسباب المنعة الظاهرية ؟! لكن قطعاً يملك اسباب العزة الحقيقة التي تجعل تاثيره على اسباب المنعة الظاهرية قوية ...
وهذه مسألة في سالف الزمان فتوى كانت تصدر في بقاع الدنيا وهذه الفتوى تمر كالنار في الهشيم تصل وتخترق الحدود الجغرافية.. ماذا يملك هذا العالم غير دار متواضعة والبدن النحيف الذي اضنته العبادة .. ماذا يملك ؟! يملك اسباب القوة والعزة التي جعلها الله تبارك وتعالى له حتى اصبح مهاباً بلا هيبة ظاهرية واصبح قوياً بلا قوة ظاهرية واصبح منيعاً .. هذا الانتماء الى الله تعالى يعطي الانسان هذه الهيبة .. والانسان عندما يذنب تنسلخ منه هذه الاشياء ..
ولذا فرق بين انسان متغطرس ومتكبر ومتجبر وبين انسان يأتي الى الله تعالى مطأطأ حتى يستمد العزة من الله تبارك وتعالى.. ولذلك اخرج من ذل المعصية الى عز الطاعة..
الطاعة فيها عز المؤمن قوي بهذا الانتماء الى الله تبارك وتعالى..