غالباً ما يصور رسامو الصور المتحركة، ومؤلفو قصص الأطفال، الدببة القطبية وهي تقضي وقتاً مع حيوان البطريق، لكن يستحيل الوقوع في خطأ أكبر من هذا.
ومن المتعارف عليه بين كثير من الناس أن الدببة القطبية تصادق حيوان البطريق، لكن الحقيقة حسبما نعلم أنه لم يسبق وأن التقت الدببة القطبية بطيور البطريق خارج حدائق الحيوان.
تخلص أطفالي من الكتب التي تظهر فيها الدببة القطبية والبطاريق في نفس الصفحة. لكن يوجد عدد هائل من هذه الكتب، وتلك إحدى الأخطاء في الجغرافيا الحيوية التي لا يمكنني غفرانها.
تعيش الدببة القطبية في المحيط المتجمد الشمالي، بالقرب من القطب الشمالي. وتعيش البطاريق في المحيط المتجمد الجنوبي وأجزاء من القارات المجاورة، بجوار القطب الجنوبي. لذا فهذه الحيوانات هي حرفياً في تناقض قطبي. لذا، لا ينبغي الجمع بينها في قصص الخيال لمجرد أنها تبدو ساحرة في صور تجمع بينهم.
إذا أراد مؤلفو قصص الأطفال البحث عن صديق للدب القطبي، بطل قصتهم، فما رأيكم في الدب الأسمر (أو البنّي)؟
ليس هناك أدنى شك في أن الدببة القطبية تشعبت حديثاً من نسل الدببة السمراء. إلا أن هناك سجال مستفيض حول زمن حصول هذا التشعب.
جاء في إحدى التحليلات أن الانقسام بدأ منذ قرابة 5 ملايين سنة مضت. وفي تحليل آخر، فإن الانقسام حصل قبل أقل من 500 ألف سنة. في جميع الأحوال، من الأمور الملحوظة أن الدب القطبي هو حدثٌ جديد في عملية النشوء والتطور.
ويتضح هذا الجزء عما نعرفه عنها من خلال حقيقة أن هذين الصنفين من الدببة لا يزالان متوافقين من الناحية التناسلية.
عندما نجحت بعض حدائق الحيوان في تزويج دب قطبي بدب بني، كانت النتيجة إيجابية وأدى ذلك إلى ولادة أشبال هجينة. هذا النسل الهجين، ويدعى أحياناً بزليز أو غرولارز، قادر أيضا على التزاوج والإنجاب في أكثر الأحيان.
وخلال العقد الماضي، نجحت هذه الحيوانات المتوحشة في العيش في البرية أيضاً.
على سبيل المثال لا الحصر، في عام 2006 قتل أمريكي من صائدي الحيوانات المتوحشة الكبيرة دباً قطبياً في الجزء الكندي من المحيط المتجمد الشمالي، وتبين فيما بعد أنه من النسل الهجين.
وفي عام 2010، قتل أحد أبناء قوم ’إنويت‘ (الاسكيمو) هجيناً من الجيل الثاني ولد نتيجة تزاوج بين أنثى وذكر هجينين.
إنها أدلة قاطعة على أن الدببة القطبية والسمراء يمكنها أن تتزواج، مع أن مستوى علاقتهما الحميمة ربما لن يكون ملائما لقصص الأطفال.
لكن توجد بينهما، بالطبع، إختلافات عديدة، وأكثرها وضوحاً هو لونهما. إن شعر الدببة السمراء صلد جداً، أما شعر الدببة القطبية فيحتوي على تجاويف.
وتذكر بعض التقارير أن هذه التركيبة غير الطبيعية قد تعيق انتقال خلايا إنتاج الصبغة إلى جذوع الشعر.
كما أدت تلك التركيبة المجوفة لشعر الدب القطبي إلى فكرة مثيرة مفادها أن كل خصلة منها قد تقوم بدور يشبه أسلاك الألياف الضوئية، فتحمل دفء الأشعة فوق البنفسجية مباشرة إلى الجلد الملون للدب.
لكن العالم الفيزيائي دانيال كوون اختبر هذه الفكرة في تسعينيات القرن الماضي ولم يجد ما يؤكدها. وجاء في استنتاجه النهائي في بحثه المنشور عام 1998: ليس هناك دليل مباشر يدعم هذه النظرية.
إذا لم تكن الدببة القطبية تستعمل اللب المجوف للشعر لتسخير الطاقة الشمسية، فكيف تبقى على قيد الحياة في البيئة القاسية للقطب الشمالي؟ يعود ذلك في جزئه الأكبر الى شحوم الجسم.
إذ تعتمد الدببة القطبية على أكل شحوم الحيوانات البحرية. ولذا، تحوي أجسامها كميات كبيرة من الشحوم المخزونة، حتى أنها أحياناً تكون أكثر من نصف وزن الجسم.
في عام 2014، بحثت إلين لورينزين وزملاؤها من جامعة كاليفورنيا في بركلي عن الفوارق الوراثية بين الدببة القطبية والدببة السمراء. ومن بين أكثر الأمور البارزة هي عملية التمثيل الغذائي للدهون. فمستويات الكوليسترول في دم الدببة القطبية مفرطة.
قالت لورينزين: بالنسبة للدببة القطبية، السمنة الزائدة هي حالة حميدة.
وورد أيضا في بحث لورينزين وفريقها: من الألغاز التي لم تُحلّ هي قدرة الدببة القطبية على التعامل مع مستويات عالية من الكوليسترول طوال حياتها. ربما تكمن الاجابة في شيء يتعلق بتركيبة جينية معينة في وظيفة جهاز الدورة الدموية للدببة القطبية.
كيف تلتقي الدببة القطبية برفاقها من الدببة السمراء؟ قد تكون تستعمل أنوفها في ذلك.
فقد كشف علماء في عام 2014 أن الغدد العَرقية الموجودة على أقدام الدببة القطبية تترك أثراً لروائح كريهة على طول البحر المتجمد. إنها رائحة مركزة تبقى لفترة طويلة يمكن لغيرها من الدببة أن تكشفها.
لكن لم يذكر ذلك البحث إذا ما كانت الدببة السمراء تترك أثاراً مماثلة من الروائح الكريهة بحيث يمكن تتبع أثرها. لا يبدو أن ذلك سيكون أمراً غريباً.
ومع الارتفاع المتسارع لدرجات حرارة المنطقة المتجمدة الشمالية، سيتوجب على الدببة القطبية أن تنتقل الى أماكن أبعد لكي تبقى على قيد الحياة.
وليس معلوماً إن كانت ستلتقي أكثر من السابق بالدببة السمراء. غير أن ما نعرفه أنها لن تصادف أيّاً من طيور البطريق.