أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-2-2019
1999
التاريخ: 12-4-2016
3295
التاريخ: 7-11-2017
3727
التاريخ: 4-3-2019
2867
|
عندما هاجر النبي (صلى الله عليه واله) الى يثرب أمر علياً (عليه السلام) بالبقاء في مكة عدة أيام من أجل رد الودائع، وقضاء الديون، ثم الاستعداد للهجرة الى المدينة أيضاً وهكذا كان، فقد هاجر علي (عليه السلام) يحمل الفواطم : أمه فاطمة بنت اسد وهي أول من هاجر من النساء، وفاطمة الزهراء (عليه السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) وكانت في الثامنة من عمرها، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب وقيل انها فاطمة بنت حمزة, من دار الشرك في مكة في ذلك الوقت الى دار الايمان في المدينة.
الابتعاد عن الوطن:
كانت الهجرة الى المدينة تقتضي الابتعاد عن الوطن - مكة - مسافة بعيدة، والبقاء في الوطن الجديد بصورة دائمية ونهائية من اجل بناء المجتمع الديني المتماسك والدولة العالمية للاسلام. وكانت كل الدلائل تشير الى أن هناك فرصة حقيقية لتثبيت الاسلام في موقع آمن ونشره في العالم أجمع، بعد ان كان محصوراً في أزقة مكة وبيوتها المعدودة المترقّبة فكانت الهجرة - على ما فيها من مشاق ومصاعب- أمراً حتميّاً من أجل بقاء الدين.
ولا شك أن الاضطهاد الديني الذي مارسته قريش ضد المسلمين كان من العوامل المهمة التي دفعت رسول الله (صلى الله عليه واله) للتفكير بالهجرة من بلده فمع ان للاضطهاد الديني علاجاً مهماً في الاسلام يتمثل بممارسة التقية التي أشار اليها الذكر الحكيم بالقول: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] ، الا ان التقية مقيدة بعدم القدرة على مواجهة الظالم ولا يمكن ان تؤدي وظيفتها في ظرف كان يتطلب الانطلاق والتحرك والجهاد في سبيل الله ومقاتلة المشركين وقد اُستخدمت التقية على نطاق ضيّق في قضية عمار بن ياسر ومسلمين مستضعفين آخرين ولكن استثمار رخصة التقية لا يمكن أن يستمر هكذا فيختنق الدين، فكان لابد من التحرك سريعاً نحو المدينة.
وقد كان الشعور بالأمل، والطموح نحو نشر الدين، وامتلاء النفس بمستقبل التغيير والبناء، وجدية التكليف الشرعي هي التي دفعت المسلمين للهجرة من أجل غدٍ مشرق ومستقبل ديني أفضل، وقد كان المهاجرون المسلمون يحلمون بتحدي قريش ومقاتلتها بالسيف حتى تنتصر كلمة التوحيد وتنتشر في جميع أرجاء المعمورة وكان طموحهم يتجاوز إطار الصحراء العربية ليصل الى العالم كلّه، ولذلك وصفهم سبحانه وتعالى بالقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 20] .
ملامح الهجرة المباركة:
يمكن تشخيص ملامح تلك الهجرة المباركة عبر تشخيص أهدافها والقوّة التي كانت تضعها في المؤمنين بالدين الجديد فقد كان الجو الايماني الملتهب ضد المشركين، والامداد المعنوي الذي كان يمدُّهُ نزول القرآن المجيد على النبي (صلى الله عليه واله)، وقيادة رسول الله (صلى الله عليه واله) للمواجهة بين الايمان والكفر من العوامل الحاسمة في شحن شخصيات المهاجرين. ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه واله) سبّاقاً للهجرة مع طلائع الناس ليأمن اذى المشركين، بل كان (صلى الله عليه واله) من أواخر من هاجر ليطمئن على ان المسلمين قد افلتوا من اذى قريش وملاحقتها لهم وسلكوا الطريق الآمن، حتى لو كان ذلك التأخير يعرّضه للخطر، ولم تنتهِ عملية مغادرة مكة عند ذلك الحد، بل كان علي (عليه السلام) آخر من هاجر من المسلمين مع الفواطم، وبذلك ضرب رسول الله (صلى الله عليه واله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) أروع الامثلة في القيادة الدينية وعدم الاكتراث بالموت.
وفي ضوء ذلك فأننا عندما ننظر الى تلك الهجرة التاريخية العظمى، فأننا لا ننظر الى حجم المهاجرين وطبيعة شبكتهم الاجتماعية والانسانية، بل ننظر الى النوعية التي هاجرت مع رسول الله (صلى الله عليه واله) وغيّرت وجه التأريخ واصبحت قدوة للأجيال الانسانية المتلاحقة ومنهم حمزة وعبيدة وسلمان وابو ذر والمقداد وغيرهم، وقد وصفهم امير المؤمنين (عليه السلام) فيما وصف من اصحاب محمد (صلى الله عليه واله): لقد كانوا يُصبحون شُعثاً غُبراً ، وقد باتوا سُجّداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكرِ معادهم... .
ومن اللافت للنظر ان المسلمين هاجروا بشكل مجموعات وجماعات صغيرة وكبيرة، فكان سلوكهم سلوكاً جمعياً يحمي بعضهم بعضاً، عدا علي (عليه السلام)، فقد هاجر علي (عليه السلام) مع الفواطم فكان حاميهن الوحيد من اعداء جمعوا كل قواهم المعنوية لمحاربة بطل الاسلام وكان أهمّ ما في تلك الهجرة هو حفظ شخصية رسول الله (صلى الله عليه واله)، وبذلك حُفظت بيضة الاسلام وتمت صيانة النبوة والامامة الى أجل مرسوم، حتى تحققا اهدافهما على الارض.
المؤاخاة في المدينة:
كانت الهجرة الى المدينة شاقة بالنسبة للمسلمين، وكان التكليف بعد الهجرة أشق وأصعب؛ لان مجتمع مكة يختلف عن مجتمع المدينة، ولذلك قام رسول الله (صلى الله عليه واله) في أول عمل اجتماعي بعد الهجرة بالمؤاخاة بين المهاجرين والانصار من أجل: اعادة تأهيل المهاجرين نفسياً واجتماعياً، ودمج مجتمع المهاجرين بمجتمع الانصار وتوحيدهم عقائدياً تحت راية الاسلام.
ولكن رسول الله (صلى الله عليه واله) آخى نفسه مع علي (عليه السلام) فكان محمد (صلى الله عليه واله) خاتم الانبياء وعلي (عليه السلام) أخوين، وكان هدف تلك المؤاخاة الفريدة هو تثبيت موقع علي (عليه السلام) منه (صلى الله عليه واله) ومن الرسالة أيضاً، حتى لا يفقد الذين اعماهم الحقد الجاهلي نظرتهم الواقعية لشخصيته الرسالية في خضم مشقة الهجرة وواقع المجتمع الجديد بينما كان حمزة عم رسول الله (صلى الله عليه واله) وزيد بن حارثة أخوين، وكان أبو بكر وخارجة بن زهير أخوين، وكان عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين وقد سقنا تلك الاسماء من أجل ان نرى موقعية علي (عليه السلام) المتميزة في قضية الاخوة الدينية.
اخلاقية رد الامانات الى اهلها:
لم يترك علي (عليه السلام) مكة ما لم يختمها بمنقبة من مناقبه العظيمة، فقد اقام (عليه السلام) بمكة بعد هجرة النبي (صلى الله عليه واله) اياماً يردّ الودائع ويقضي الديون وكان ذلك العمل - على خطورته الامنية لعلي (عليه السلام) - على جانب عظيم من الأهمية في الفلسفة الاخلاقية للدين - ويمكننا لمس أهمية ما قام به الامام (عليه السلام) ضمن النقاط التالية:
أ - ان الوفاء بردّ الامانات الى اهلها كان عملاً اخلاقياً امضى فيه الاسلام عمل رسول الله (صلى الله عليه واله) قبل البعثة وبعدها، حيث اؤتمن (صلى الله عليه واله) على الحفاظ على اموال الناس وحاجاتهم، ولذلك شاع عنه انه الصادق الامين، وفي ضوء ذلك نكتشف متانة الرابط بين الاخلاق والدين والمجتمع، فالأمر بردّ الامانات الى اهلها حتى لو كانوا مشركين، يعبّر عن عمق القيم الدينية الاجتماعية التي حملها الاسلام.
ب - لم يؤخذ في قضية الوفاء بردّ الامانة حجم الخسارة والربح، من حيث احتمالية مقتل علي (عليه السلام) من قبل المشركين، وبذلك يمكننا عدُّ الوفاء برد الامانة، من الاعمال الاخلاقية التي تنظر الى قيمة العمل، لا الى حجم الربح والخسارة.
ج - ان الوفاء برد الامانات قد طُبّق على المجتمع الوثني الكافر حيث ان اغلب الذين ائتمنوا محمداً (صلى الله عليه واله) بعد البعثة ولم يهاجروا الى المدينة وبقوا في مكة كانوا من الذين لم يسلموا بعد، ولذلك تأخر علي (عليه السلام) في مكة لردها، ولو اسلموا لهاجروا، وقيل انه بقي عدد قليل من المسلمين في مكة في الخفاء، ولكن لسان دليل الروايات المتعلق بهذه المسألة لا يخصّ تلك القلّة، بل ان ظهور اللفظ يدلّ على اطلاقها على المسلمين وعلى غيرهم، وفيه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] .
د - كان الوفاء برد الامانات الى اهلها من قبل الدين يعدُّ احتراماً للثقة التي وضعها الفرد المؤتمِن، ولا يمثل احتراماً لسلطة المشركين من قريش، وبذلك فقد كان الحكم تحكيماً للحق على الباطل على مستوى شريحة خاصة من الافراد من الذين وضعوا ثقتهم برسول الله (صلى الله عليه واله).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|