المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



معاوية بن ابي سفيان وفلسفة الحكم  
  
2507   11:16 صباحاً   التاريخ: 6-11-2017
المؤلف : الدكتور نوري جعفر
الكتاب أو المصدر : الصّراع بين الأمويين ومبادئ الإسلام
الجزء والصفحة : 101- 111
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الدولة الاموية / الدولة الاموية في الشام / معاوية بن ابي سفيان /

 جانب من جوانب فلسفة الامويين في الحكم .

 وقد وضع معاوية بن أبي سفيان أصبعه على موطن الداء في الحكم الاموي .

 ومعاوية بالطبع أعرف بدخائل ذلك الحكم من غيره ـ حين قال ـ عندما تلقاه رجال من قريش بعد عام الجماعة فقالوا :

 الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلا كعبك ـ « أما بعد فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي . ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة . ولقد رضت لكم نفسي على عمل ابن ابي قحافة وأردتها على عمل عمر ، فنفرت من ذلك نفاراً شديداً . واردتها على ثنيات عثمان، بأبت فسلكت بها طريقاً لي ولكم فيه منفعة ـ مؤاكلة حسنة ومشاربة جميلة . فان لم تجدوني خيركم فإني خير لكم ولاية .

 يا أهل المدينة إقبلونا بما فينا . فان ما وراءنا شر لكم . وإن معروف زماننا هذا منكر زمان قد مضى ، ومنكر زماننا معروف زمان لم يأت (1) » .

 ومما يلفت النظر حقاً أن الامويين وولاتهم لم يصغوا لنصح الناصحين من المسلمين وقد مر بنا موقف من مواقف عبد الملك في هذا الشأن . وهناك أمثلة أخرى كثيرة من هذا القبيل .

 خطب الحجاج متذمراً من أهل العراق « فقال : له جامع المحاربي أما إنهم لو أحبوك لأطاعوك . على أنهم ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك ، ولا لذات نفسك فدع عنك ما يباعدهم منك إلى ما يقربهم إليك .

 فقال الحجاج : ما أراني أرد بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف .   

 فقال أيها الأمير : إن السيف إذا لاقى السيف ذهب الخيار .

 قال الحجاج : الخيار يومئذ لله ... قال أجل .. ولكنك لا تدري لمن يجعله الله ..

 قال الحجاج : والله لقد هممت أن أخلع لسانك فأضرب به وجهك .

 فقال يا حجاج : إن صدقناك أغضبناك وإن كذبنا أغضبنا الله . فغضب الامير أهون علينا من غضب الله ( 2 ) .

 ويلاحظ ـ في الظاهر ـ أن جامع المحاربي لم يقل للحجاج شيئاً يستلزم أن يهدده الحجاج بالقتل !! غير إننا إذا نفذنا إلى الجانب النفسي العميق ـ في هذا الموضوع ـ أمكننا أن نقول :

 إن جامع المحاربي قد استفز الحجاج وأثار كوامن نفسه فكان طبيعياً أن يجيبه الحجاج بالشكل الذي مر بنا ذكره . فالحجاج ـ في قرارة نفسه ـ عارف أنه متمرد على الله وعلى رسوله ، وإن حكم الله سيكون عليه لاله . ولكنه ـ مع هذا ـ حاول أن يخفي ذلك في قرارة نفسه كلما وجد إليه سبيلا ، فلما حادثه جامع ـ بالذي ذكرناه ـ تحركت نوازع نفسه فطفحت تهديداً على لسانه ليقطع الحديث على جامع ويخيفه لئلا يعود إليه في المستقبل .

 و « دخل إعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال : ـ يا أمير المؤمنين ـ إني أريد أن أكلمك بكلام ... فإذا أمنت بادرة غضبك فسأطلق لساني بما خرست به الألسن ... تأدية لحق الله .

 يا أمير المؤمنين أنه قد تكنفك رجال أساؤا الإحسان لأنفسهم ، وابتاعوا دنياهم بدينهم ورضاك بسخط ربهم ، وخافوك في الله ، ولم يخافوا الله فيك ... فلا تأمنهم على ما يأمنك الله عليه ، إنهم لم يأتوا إلا ما فيه تضييع ، وللأمة خسف وعسف . وأنت مسئول عما اجترموا ، وليسوا مسئولين عما اجترمت . فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك ... فتغافل سليمان كأن لم يسمع شيئاً .

 وخرج الإعرابي فكان آخر ( 3 ) العهد به .

 وموقف سليمان هذا لا يختلف عن موقف الحجاج من الناحية المبدئية العامة ، وان اختلف عنه من حيث الشكل المظهر الخارجي .

 فقد صمت سليمان وانطوى على نفسه بدلا من أن يجيب كما أجاب الحجاج . وسليمان بصمته هذا كتم نوازع نفسه التي أظهرها الحجاج . غير أن الأمر ، مع هذا ، اعمق من ذلك وأكثر تعقيداً .

 فقد صرح الإعرابي ـ على بساطته ـ بما يجول في نفسه ، وألقى اللوم ـ في ظاهره ـ على حاشية الملك سليمان . وقد فاته أن يتذكر أن سليمان مسئول عن حاشيته لأنه اختارها وفق إرادته ووفق هواه ومزاجه . وأخذ هؤلاء ـ بدورهم يقومون بضروب الأفعال التي يرتضيها مزاج الملك . واذا بدر منهم ما يثيره ـ أحيانا ـ حمل ذلك منهم على حسن النية .

 فسليمان الاموي لا « يصلح » إلا بحاشية فاسدة . والحاشية الصالحة لا « تصلح » لسليمان .

 لقد فتح الامويون قلوبهم كما فتحوا خزائن بيت مال المسلمين لكل من حدثته نفسه بالخروج على أسس الدين أو مناوؤة الامام علي بن ابي طالب وتعاليمه .

 فقد انضوى تحت لواء معاوية ـ مثلا ـ « أثناء نزاعه مع علي » كل من كان حاقداً علي ابن ابي طالب لعدالته وسلامة معتقداته في السياسة والدين والأخلاق . وفي مقدمة أولئك :

عبيد الله بن عمر بن الخطاب الذي هرب خوفاً من أن يقيده الامام بالهرمزان الذي قتله ظلماً .

 ولجأ إلى معاوية أيضاً هصقلة بن هبيرة الشيباني الذي اشترى أسرى الخوارج من جماعة الخريت بن راشد السامي بعد أن التوى بما شرطه على نفسه .

 وفر إلى معاوية كذلك القعقاع بن شور بعد إعتدائه على أموال المسلمين .

 والتحق بمعاوية أيضا النجاشي بن الحرث بن كعب الشاعر المعروف . وبما أن قضية هروب النجاشي تكشف بعض الجوانب من أخلاق الإمام ـ بالإضافة إلى طرفتها ـ فقد رأينا أن ننقلها إلى القارئ ..

 حدث ابن الكلبي عن عوانه . قال : خرج النجاشي في اول يوم من شهر رمضان فمر بأبي سمال الاسدي وهو قاعد بفناء داره . فقال له أين تريد ؟ فقال :

 اردت الكناسة . فقال : هل لك في رؤوس وآليات قد وضعت في التنور من أول الليل فأصبحت قد أينعت وقد تهرت !! .

 قال ويحك ! في أول يوم من رمضان ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! . قال دعنا مما لا يعرف .

 قال ثم مه ! قال اسقيك من شراب كالورس . يطيب النفس ، يجري في العرق ويزيد في الطرق ، يهضم الطعام ، ويسهل للقدم الكلام . فنزل فتغديا . ثم أتاه بنبيذ فشرباه .

 فلما كان آخر النهار . علت أصواتهما ، ولهما جار من شيعة علي ، فأتاه فأخبره بقصتهما . فأرسل إليهما قوماً فأحاطوا بالدار .

 فأما أبو سمال فوثب إلى دور بني أسد فأفلت ، وأخذ النجاشي فأتى به إلى علي فلما أصبح أقامه في سراويل فضربه ثمانين جلدة (4) .

وروى صاحب « كتاب الغارات (5) »  أن عليا لما حد النجاشي غضبت اليمانية لذلك وكان أخصهم به طارق بن عبد الله بن كعب النهدي . فدخل عليه فقال يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أهل المعصية والطاعة ، وأهل الفرقة والجماعة ـ عند ولاة العدل ومعادن الفضل ـ سيان في الجزاء حتى راينا ما كان من صنيعك بأخي الحرث فأوغرت صدورنا ..

 فقال علي : وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين !! وهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا كان كفارته .

 أن الله تعالى يقول : ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا . إعدلوا هو أقرب للتقوى .

 قال : فخرج طارق من عنده فلقيه الاشتر فقال يا طارق : انت القائل لأمير المؤمنين أو غرت صدورنا وشتت أمورنا ؟

 قال طارق : نعم أنا قائلها .

 قال : والله ما ذاك كما قلت . إن صدورنا له لسامعة وإن أمورنا لجامعة . فغضب طارق وقال ستعلم يا أشتر غير ما قلت . فلما جنه الليل همس والنجاشي إلى معاوية ، فلما قدما عليه دخل آذنه فأخبره بقدومهما ـ وعنده وجوه اهل الشام منهم : عمرو بن مرة الجهني وعمرو بن صيفي وغيرهما . فلما دخلا نظر معاوية إلى طارق وقال : مرحبا بالمورق غصنه المعرق أصله المسود غير المسود من رجل كانت منه هفوة ونبوة باتباعه صاحب الفتنة ورأس الضلالة والشبهة .. فقام طارق فقال يا معاوية إني متكلم فلا يسخطك . ثم قال :

(أما بعد فان ما كنا نوضع فيما اوضعنا فيه « بين يدي إمام تقي عادل » مع رجال من أصحاب رسول الله أتقياء مرشدين ما زالوا مناراً للهدى ، ومعالم للدين ، خلفا عن سلف مهتدين أهل دين لا دنيا . كل الخير فيهم . اتبعهم من الناس إقيال وأهل بيوتان وشرف ليسوا بناكثين ولا قاسطين ، فلم يكن رغبة من رغب منا عنهم ؛ وعن صحبتهم إلا بقرارة الحق حيث جرعوها ولوعورته حيث أسلكوها وغلبت عليهم دنياً مؤثرة وهوى متبع فلا تفخرن يا معاوية إن شددنا نحوك الرحال وأوضعنا إليك الركاب ..) فعظم على معاوية ما سمعه . وغضب ولكنه أمسك . وقال يا عبد الله : إنا لم نرد بما قلناه أو نوردك مشرع ظما ولا أن نصدرك عن مكر ري . ولكن القول قد يجري بصاحبه إلى غير ما ينطوي عليه من الفعل .

 ثم أجلسه معه على سريره ... وأقبل نحوه بوجهه يحدثه حتى قام وقام معه عمرو بن مرة وعمرو بن صيفي الجهنيان . فأقبلا عليه بأشد العتاب وأمضه ، يلومانه في خطيته وما واجه به معاوية .

 فقال طارق : والله ما قمت بما سمعتماه حتى خيل إلى أن بطن الارض خير لي من ظهرها عند سماعي ما أظهر من العيب والنقص لمن هو خير منه في الدنيا والآخرة ( 6 ) .

 فلم يكن طارق يرى ـ وهو على حق ـ أن أهل المعصية والطاعة ، وأهل الفرقة والجماعة ـ أي الخصوم والانصار على السواء ـ سيان في الجزاء ، عند ولاة العدل ، إلا حين رأى معاملة الامام للمسلمين بصورة عامة وموقفه من النجاشي ( 7 ) ، ـ شاعره ـ بصورة خاصة . ولكن ذلك الموقف العادل ـ مع هذا ـ قد أوغر صدر طارق وأثار حفيظة قومه على ما يقول . فقد كان قومه ـ على زعمه ـ يتوقعون أن يغض الامام طرفه عن هفواتهم لاتصالهم به ووقوفهم معه أزاء خصومه الذين انغمسوا في الموبقات إلى الاذقان .

ويلوح للباحث إن طارق بن عبد الله كان جاهلا بنفسية الامام ـ وإن كان ملتصقا به ـ . فغاب عن ذهنه أن الصديق الوحيد للإمام هو الحق وإشاعة العدل بين الناس . وقد دفعه جهله إلى إعلان استغرابه من موقف الامام ـ الطبيعي ـ من النجاشي . فالنجاشي ـ بنظر الامام ـ رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فاستحق على ذلك العقوبة الشرعية المناسبة .

 وهنا يكمن سر خلود الامام ـ على مر الاجيال ـ ، ويتجلى الامام ـ في اتباعه الحق ـ كالطود ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير . وفي هذه النقطة بالذات يصعق مناوؤه ويتخاذلون فيذهبون مع الملك بالايام التي انسلخت من أعمارهم أثناء الحياة .

 وفي هذه النقطة بالذات كذلك يبرز أنصار الامام ومشايعوه على السواء . فطارق المار الذكر لم يكن من أنصاره ـ من مشايعيه . وينعكس الامر عند الاشتر كما رأينا .

 ولم يكن الامام غافلا عما ذكرناه . ولكنه كان مقيدا ـ في سياسته العامة ـ بقيود الشريعة ، مدفوعاً إلى اتباعها . فكان يقف مع النصوص لا يتعداها إلى الاجتهاد والاقيسة إذ لا اجتهاد في معرض النص .

 وكان الامام يطبق أمور الدنيا على امور الدين ، ويسوق المسلمين جميعا مساقا واحداً . ولا يرفع ولا يضع إلا بالكتاب والسنة . ولم يكن يرى مخالفة الشرع لأجل السياسة سواء اكانت سياسة دينية ام دنيوية .

 ولم يكن أيضا ينزل العقوبة ـ بمن يستحقا ـ إلا إذا ثبت عنده أن الانسان قام بعمل يستوجب العقاب . أي ان الاصل ـ عنده ـ براءة الذمة كما يقولون . ولا يعاقب قبل حدوث الجرم .

 فالإمام إذن ـ وان فتح قلبه للمشايعين ـ لم يتردد في إزاحتهم عنه كلما آنس بتصرفاتهم خروجا عن الدين . واذا صح ما ذهبنا اليه جاز لنا ان نقول أن أولئك المشايعين كانوا ـ في عواطفهم ـ مع خصومه قبل إلتحاقهم الظاهر بهم. ولا تخرج عملية الالتحاق تلك عن كونهم حملوا أجسامهم من مكان إلى مكان . والعكس صحيح كذلك .

 ولقد اشار الامام الى هذا المعنى حين قال : « إني وشيعتي في ميثاقي الله لا يزاد فينا رجل ولا ينقص إلى يوم القيامة ( 8 ) .

 تذكرنا القصة الآنفة الذكر بقصص أخرى مشابهة من هذا القبيل . لعل أطرفها وأهمها ما تذكره كتب التاريخ والادب العربي في معرض التحدث عن موقف طائفة من فضليات نساء المسلمين « كن نصرن علياً في صفين » من معاوية ابن ابي سفيان بعد مصرع ابن ابي طالب . قال ابن عبد ربه :

 « وفدت سودة ابنة عمارة بن الاشتر الهمدانية على معاوية .. فقال لها : أنت القائلة لأخيك ـ يوم صفين :

 

شمر كفعــل أبيك يا ابن عمـارة *** يوم الطعـان وملتقى الاقران

وأنصر علياً والحسين ورهطـه *** وأقصد لهند وابنهـا بهــوان

إن الامــام ـ أخــا النبـي محمـد *** علـم الهدى ومنـارة الايمــان

فقد الجيـوش وسـر أمام لوائـه *** قدمـا بأبيض صــارم وسنان

قالت : مات الرأس وبتر الذنب . فدع عنك تذكار ما قد نسى .. هذا ابن ارطاة قدم بلادي ، وقتل رجالي وأخذ مالي ، فإما عزلته فشكرناك ، وإما لا فعرفناك ، فقال معاوية : والله لقد هممت أن أردك إليه على قتب أشرس فينفذ حكمه فيك . فسكتت ثم قالت :

صلى الاله علـى روح تضـمنه *** قبر فـاصبح فيــه العدل مدفوناً

قد حالف الحق لا يغبى به ثمنا *** فصار بالحق والايمان مقروناً

 

 قال : ومن ذاك ؟ قالت : علي بن أبي طالب . أتيته يوما في رجل ولاه صدقاتنا . فكان بيننا وبينه ما بين الغث والسمين . فوجدته قائما يصلي . فانفتل من الصلاة . ثم قال ـ برأفة وتعطف ـ ألك حاجة ؟ فاخبر به خبر الرجل فرفع يده إلى السماء وقال : اللهم إني لم آمرهم بظلم خلقك ، ولا ترك حقك ثم أخرج من جيبه قطعة من جراب فكتب فيه : قد جاءكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ، ولا تبخسوا الناس أشاءهم ، ولا تعثوا في الارض مفسدين (9) .

 ودخلت بكادة الهلالية على معاوية فسألها عن حالها ، قالت بخير . قال . غيرك الدهر ؟ قالت : كذلك هو ذو غيره ، من عاش كبر ، ومن مات فقد .

 قال عمرو بن العاص : هي والله القائلة ـ يوم صفين :

يا زيد دونك فأحتقر من دارنا *** سبقـا حساما في الترب دفينا

قــد كنت أدخره ليوم كـريهـة *** فاليـوم أبرزه الزمان مصونا

 قال مروان وهي ـ والله ـ القائلة :

أترى ابن هند للخلافة مالكــا ! *** هيهات ـ ذاك ـ وإن أراد ـ بعيد

قال سعيد بن العاص وهي القائلة :

 

قد كنت أطمع أن أموت ولا أرى *** فوق المنابر ـ من أمية ـ خاطبا

فــالله أخـر مــدتـي فتـطــاولـــت *** حتى رأيــت من الزمان عجائبا

ثم سكتوا ، فقالت أنا والله قائلة ما قولوا . وما خفى عليك مني أكثر فضحك وقال ليس يمنعنا ذلك من برك . أذكري حاجتك . قالت . أما الآن فلا ( 10) .

 وكتب معاوية إلى عامله في الكوفة أن يوفد إليه الزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية ، وكانت شهدت ـ مع قومها ـ صفين . فلما دخلت عليه قال « الست الراكبة الجمل الاحمر والواقفة بين الصفين تحظين على القتال وتوقدين الحرب ؟ . والله ـ يا زرقاء ـ لقد شركت علياً في كل دم سفكة .

 قالت . أحسن الله بشارتك . فمثلك من يبشر بخير . فضحك وقال : والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته . أذكري حاجتك . قالت : آليت على نفسي أن لا اسأل أميرا أعنت عليه أبداً ( 11 ) .

 ودخلت أم سنان بنت جشمة بن خرشة المذحجية على معاوية تكلمه في غلام من بني ليث حبسه مروان . « فقال لها معاوية كيف قولك .

عزب الرقـاد فمقلتـي لا تـرقـد *** والليــل يصـدر بالهموم ويـورد

يا آل مذجح لا مقــام فشمروا *** أن العــدو لآل أحمـــــد يقصـــد

هــذا علــي كـالهـــلال تحفــه *** وسط السماء من الكواكب أسعد

خير الخلائــق وابن عم محمد *** أن يهدكــم بالنــور منـه تهتدوا

فقال رجل من جلسائه وهي القائلة :

 

أما هلكت ـ أبا الحسين ـ فلم تزل *** بالحق تعـــرف هاديــا مهديــا

فأذهب عليـك صلاة ربك ما دعت *** فوق الغصون ـ حمامة قمريـا

قـد كنت ـ بعد محمــد ـ خلفا كمـا *** أوصي إليـك بنــا فكــنت وفيـا

قالت لسان صدق ، وقول نطق . وكان ـ والله ـ علي أحب إلينا منك ( 12 ) . ودخلت ـ على معاوية ـ عكرشة بنت الاطرش بن رواحه متوكئة على عكاز « فسلمت عليه بالخلافة . ثم جلست . فقال لها معاوية الآن يا عكرشة صرت ـ عندك ـ أمير المؤمنين !! قالت : نعم إذ لا علي حي ( 13 ) . ، فعبرت بذلك عن الخسارة التي حلت بالمسلمين بعد مصرع الامام أحسن تعبير، فقد مات علي . فمات العدل معه . وباستطاعة معاوية ـ ومن هم على شاكلته أن يصبحوا أمراء للمؤمنين .

 وسأل معاوية ـ ذات يوم ـ درامية الحجونية عن سبب حبها لعلي وبغضها معاوية . فقالت . أو تعفيني ، قال لا أعفيك .

 قالت أما إذا أبيت فأني أحببت علياً على عدله في الرعية وقسمه بالسوية . وأبغضتك على قتال من هو أولى منك بالامر وطلبتك ما ليس لك بحق . وواليت علياً على ما عقد له رسول الله من الولاء ، وحبه المساكين وإعظامه لأهل الدين . وعاديتك على سفكك الدماء وجورك في القضاء وحكمك بالهوى ..

 فقال : هل لك من حاجة ؟ قالت او تفعل إذا سألتك ؟ قال نعم .

 قالت : تعطيني مئة ناقة فيها فحلها وراعيها .

 قال : تصنعين بها ماذا ؟ قالت أغذوا بألبانها الصغار واستحيي بها الكبار وأكتسب بها المكارم وأصلح بها بين العشائر ... قال أما والله لو كان علي حيا ما أعطاك منها شيئاً ! !

قالت : لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين.

 إن هذه الحكايات ـ أن دلت على شيء ـ فإنما تدل على أن نفوس الناس أوعية تقبل الخير ـ على أسوء الفروض ـ كما تقبل الشر . فاذا ساد الشر في المجتمع وتبناه حكام السوء اختفت الفضيلة وقل ناصرها . والعكس صحيح كذلك . وبما أن التاريخ البشري بصورة عامة ، والتاريخ العربي الاسلامي بصورة خاصة قد غلبت على حكامه ـ باستثناء علي بن أبي طالب ـ شهوة الحكم والمحافظة على المصالح الذاتية ـ بنسب متفاوتة ـ فلا عجب أن رأينا نفوس الرعايا قد طبعت على الشر والهبوط عن مستويات الاخلاق الرفيعة .

____________

(1) ابن عبد ربه : « العقد الفريد » 2 | 361 .

(2) ابن قتيبة « عيون الأخبار » 2 | 212 طبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة .

( 102 )

(3) المسعودي « مروج الذهب » ومعادن الجوهر 3 | 115 ـ 116 .

(4) ابن أبي الحديد « شرح نهج البلاغة » 1 | 366 ـ 368 .

(5) طبع أكثر من مرة في طهران إيران مع تعليق الاستاذ السيد جلال الدين المحدث .

(6) شرح نهج البلاغة 1 | 367 .

(7) شاعر الامير ـ في الماضي ـ يقال مدير الدعاية في عهدنا ويتمتع عادة بامتيازات كثيرة معرفة من الناحيتين المادية والمعنوية .

(8) ابن أبي الحديد ، 1 | 368 . روى ذلك يونس بن أرقم عن زيد بن أرقم عن زيد بن ارقم عن أبي ناجية ـ مولى ام هانئ ـ قال كنت عند علي فأتاه رجل عليه زي السفر . فقال يا أمير المؤمنين إني أتيتك من بلدة ما رأيتك لك بها محباً . قال من أين أتيت ؟ قال من البصرة . قال من البصرة . قال أما انهم لو يستطيعون أن يحبوني لأحبوني . « إني وشيعتي ـ في ميثاق الله ـ لا يزاد فينا رجل ولا ينقص إلى يوم القيامة . »

(9) ابن عبد ربه « العقد الفريد » 1 | 211 ـ 212 .

(10) العقد الفريد 1 | 212 ـ 213 .

(11) المصدر نفسه ص 213 ـ 214 .

(12) العقد الفريد : 1 | 214 ـ 215 .

(13) المصدر نفسه ص 215 ـ 216 .

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).