المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



تفسير الاية(24-31) من سورة محمد  
  
3348   06:50 مساءً   التاريخ: 11-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة محمد /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2017 3349
التاريخ: 11-10-2017 5001
التاريخ: 11-10-2017 4561
التاريخ: 11-10-2017 2699

قال تعالى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَونَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوأَخْبَارَكُمْ } [محمد: 24 - 31].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{أفلا يتدبرون القرآن}  بأن يتفكروا فيه ويعتبروا به وقيل أ فلا يتدبرون القرآن فيقضوا ما عليهم من الحق عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن موسى (عليه السلام) { أم على قلوب أقفالها } معنى تنكير القلوب إرادة قلوب هؤلاء ومن كان مثلهم من غيرهم وفي هذا دلالة على بطلان قول من قال لا يجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبر وسمع وفيه تنبيه أيضا على فساد قول من يقول إن الحديث ينبغي أن يروى على ما جاء وإن كان مخالفا لأصول الديانات في المعنى لأنه سبحانه دعا إلى التدبر والتفكر وذلك مناف للتعامي والتجاهل .

ثم قال سبحانه { إن الذين ارتدوا على أدبارهم } أي رجعوا عن الحق والإيمان { من بعد ما تبين لهم الهدى } أي من بعد ما بان لهم طريق الحق وهم المنافقون عن ابن عباس والضحاك والسدي كانوا يؤمنون عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم يظهرون الكفر فيما بينهم فتلك ردة منهم وقيل هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقد عرفوه ووجدوا نعته مكتوبا عندهم عن قتادة وليس في هذا دلالة على أن المؤمن قد يكفر لأنه لا يمتنع أن يكون المراد من رجع في باطنه عن الإيمان بعد أن أظهره وقامت الحجة عنده بصحته { الشيطان سول لهم } أي زين لهم خطاياهم عن الحسن وقيل أعطاهم سؤلهم وأمنيتهم إذ دعاهم إلى ما يوافق مرادهم وهواهم عن أبي مسلم { وأملى لهم } أي طول لهم أملهم فاغتروا به وقيل أوهمهم طول العمر مع الأمن من المكاره وأبعد لهم في الأمل والأمنية .

ثم بين سبحانه سبب استيلاء الشيطان عليهم فقال { ذلك } أي التسويل والإملاء { بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله } من القرآن وما فيه من الأمر والنهي والأحكام والمروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أنهم بنو أمية كرهوا ما نزل الله في ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) { سنطيعكم في بعض الأمر } أي نفعل بعض ما تريدونه { والله يعلم إسرارهم } أي ما أسره بعضهم إلى بعض من القول وما أسروه في أنفسهم من الاعتقاد { فكيف إذا توفتهم الملائكة } أي فكيف حالهم إذا قبضت الملائكة أرواحهم وإنما حذف تفخيما لشأن ما ينزل بهم في ذلك الوقت { يضربون وجوههم وأدبارهم } على وجه العقوبة لهم.

 ثم ذكر الله سبحانه سبب نزول ذلك الضرب فقال { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله } من المعاصي التي يكرهها الله ويعاقب عليها { وكرهوا رضوانه } أي سبب رضوانه من الإيمان وطاعة الرسول { فأحبط } الله { أعمالهم } التي كانوا يعملونها من صلاة وصدقة وغير ذلك لأنها في غير إيمان ثم قال سبحانه { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم } أي أحقادهم على المؤمنين ولا يبدي عوراتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) { ولو نشاء لأريناكهم } بأعيانهم يا محمد حتى تعرفهم وهو قوله { فلعرفتهم بسيماهم } أي بعلاماتهم التي ننصبها لك لكي تعرفهم بها.

 { ولتعرفنهم في لحن القول } أي وتعرفهم الآن في فحوى كلامهم ومعناه ومقصده ومغزاه لأن كلام الإنسان يدل على ما في ضميره وعن أبي سعيد الخدري قال لحن القول بغضهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال وكنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ببغضهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وروي مثل ذلك عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعن عبادة بن الصامت قال كنا نبور أولادنا يجب علي (عليه السلام) فإذا رأينا أحدهم لا يحبه علمنا أنه لغير رشدة وقال أنس ما خفي منافق على عهد رسول الله بعد هذه الآية { والله يعلم أعمالكم } ظاهرها وباطنها .

ثم أقسم سبحانه فقال { ولنبلونكم } أي نعاملكم معاملة المختبر بما نكلفكم به من الأمور الشاقة { حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } أي حتى يتميز المجاهدون في سبيل الله من جملتكم والصابرون على الجهاد وقيل معناه حتى يعلم أولياؤنا المجاهدين منكم وأضافه إلى نفسه تعظيما لهم وتشريفا كما قال إن الذين يؤذون الله ورسوله أي يؤذون أولياء الله وقيل معناه حتى نعلم جهادكم موجودا لأن الغرض أن تفعلوا الجهاد فيثيبكم على ذلك { ونبلو أخباركم } أي نختبر أسراركم بما تستقبلونه من أفعالكم.

________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9، ص174-180.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها } . ضمير يتدبرون يعود إلى المنافقين ، لأن هذه الآيات والتي قبلها تتحدث عنهم . . وكل ما جاء في القرآن من الدلائل في خلق السماوات والأرض على وجود الخالق ، ومن الحجج البالغة على البعث ونبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وعلى قبح الشرك والظلم والفساد في الأرض ، كل ذلك وما إليه من العبر والعظات ظاهر الدلالة واضح المعنى ، لا غموض فيه ولا تعقيد ، بالإضافة إلى ما يستثيره أسلوب القرآن في قلب القارئ والسامع من الخشوع والاحساس - إذن - فما بال الكافرين والمنافقين لم يتأثروا بهذا المعجز ؟

هل فقدوا الأسماع والأبصار ، أم استغلقت على أفئدتهم أقفال العمى والرين ؟ .

{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وأَمْلى لَهُمْ } . المرتد من آمن بالحق ثم كفر به ، وفي حكمه من عرف الحق بالدليل القاطع ولكن جحده لهوى في نفسه . . هو في حكم المرتد لأن علمه بالحق بمنزلة الايمان به ، وكراهيته له تماما كالارتداد عنه ، أما من أضمر الكفر وأظهر

الايمان فهو منافق ومرتدّ أيضا ، منافق لأنه أظهر خلاف ما أضمر ، ومرتد لأنه يعامل في الدنيا معاملة المؤمنين ، وفي الآخرة معاملة الكافرين ، فكأنه مؤمن ومرتد في آن واحد . . ولفظ الآية يتناول الأصناف الثلاثة لأن الدلائل الظاهرة التي قامت على التوحيد والبعث ونبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) هي الحجة عليهم التي أرادها اللَّه بقوله :

{ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى } ولكن الشيطان أغراهم بالنفاق والارتداد عن الحق ومعاندته ، ووعدهم المواعيد الكاذبة ، ووسوس لهم بتحقيق الأماني والآمال .

{ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ } . ضمير قالوا للمنافقين ، والمراد بالذين كرهوا ما نزل اللَّه اليهود الذين جاوروا الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) لأن اليهود أشد الناس كراهية لكل ما أنزل وبخاصة القرآن ، والمعنى ان المنافقين قالوا لليهود : نحن معكم على محمد ونشارككم في عدائه ، ولكن ظروفنا الخاصة لا تسمح لنا بإعلان الكفر به ونصب العداء له ، فدعونا نتظاهر بالإسلام ونطيعكم في الكيد له والتآمر عليه { واللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ } أي إسرار الطرفين اليهود والمنافقين لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء .

{فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأَدْبارَهُمْ } . تهربوا من الجهاد خوف القتل فهل يتهربون من الموت وضرباته ، والبعث وأهواله ؟ . { ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهً وكَرِهُوا رِضْوانَهُ } يعذبهم اللَّه سبحانه عند الموت وبعده أيضا لأنهم آثروا سخطه على رضوانه ( فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ ) فلا تجديهم شيئا { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ} أضمر المنافقون الحقد والعداء للنبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) والصحابة ، وأظهروا لهم الحب والولاء ، وظنوا ان اللَّه سبحانه لن يظهر ما تخفي صدورهم وتكن ضمائرهم من الكفر والأحقاد .

{ولَو نَشاءُ لأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ } . قوله تعالى : لأريناكهم أي لعرفناك بهم ، وقوله : فلعرفتهم بسيماهم معناه متى عرفناك نحن بهم عرفتهم أنت بالعلامات الفارقة ، والغرض من هذا التفريع الذي يشبه التكرار هو التأكيد بأن النبي لا يغيب عنه شيء يخبره اللَّه به ، أما غير النبي فيجوز أن يخطئ في فهمه . . ويدل ظاهر الآية على أنها نزلت قبل أن يعرف النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) المنافقين لأن { لو} للامتناع ، ولكن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) قد عرف المنافقين بعد ذلك لقوله تعالى : { ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } . ولحن القول فحواه ومغزاه ، كالاعتذارات الكاذبة التي كان يعتذر بها المنافقون ، ونيلهم من الأخيار ، وثنائهم على الأشرار ، وغير ذلك من فلتات اللسان التي تعكس الرياء والنفاق . وعن أنس : لم يخف منافق بعد هذه الآية على رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) . وأيضا كان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) يعرف المنافقين بأفعالهم ، فلقد كانوا يتهربون من الجهاد ، ويتثاقلون عند البذل في سبيل اللَّه .

{واللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ } . هذا تهديد لكل من يظهر الخير ، ويضمر الشر {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ والصَّابِرِينَ ونَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ } . اللَّه يعلم المجاهدين والصابرين قبل أن يختبرهم ، ولكنه يعامل الناس معاملة المختبر بالأمر والنهي ليظهر علمه للعيان ويتميز الخبيث من الطيب بالأفعال التي يستحق عليها الثواب والعقاب ، ويأخذ عباده بالحجة كما هو شأن العادل الحكيم . وفي نهج البلاغة :

ان اللَّه استنصركم وله جنود السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ، واستقرضكم وله خزائن السماوات والأرض وهو الغني الحميد . . . أراد أن يبلوكم أيكم أحسن عملا ، فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران اللَّه في داره .

______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7،ص74-76.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} الاستفهام للتوبيخ وضمير الجمع راجع إلى المذكورين في الآية السابقة، وتنكير {قلوب} كما قيل للدلالة على أن المراد قلوب هؤلاء وأمثالهم.

قال في مجمع البيان،: وفي هذا دلالة على بطلان قول من قال: لا يجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبر وسمع.

انتهى.

قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم{ الارتداد على الأدبار الرجوع إلى الاستدبار بعد الاستقبال وهو استعارة أريد بها الترك بعد الأخذ، والتسويل تزيين ما تحرض النفس عليه وتصوير القبيح لها في صورة الحسن، والمراد بالإملاء الأمداد أو تطويل الآمال.

قوله تعالى: {ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم أسرارهم} الإشارة بذلك إلى تسويل الشيطان وإملائه وبالجملة تسلطه عليهم، والمراد {بالذين كرهوا ما نزل الله} هم الذين كفروا كما تقدم في قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } [محمد: 8، 9].

وقوله: {سنطيعكم في بعض الأمر} مقول قولهم ووعد منهم للكفار بالطاعة وهوكما يلوح من تقييد الطاعة ببعض الأمر على نحو الإجمال كلام من لا يقدر على التظاهر بطاعة من يريد طاعته في جميع الأمور لكونه على خطر من التظاهر بالطاعة المطلقة فيسر إلى من يعده أنه سيطيعه في بعض الأمر وفيما تيسر له ذلك ثم يكتم ذلك ويقعد متربصا للدوائر.

ويستفاد من ذلك أن هؤلاء كانوا قوما من المنافقين أسروا إلى الكفار ما حكاه تعالى عنهم ووعدهم الطاعة لهم مهما تيسر لهم ذلك، ويؤيد ذلك قوله تعالى بعد: {والله يعلم أسرارهم}.

واختلفوا في هؤلاء من هم؟ فقيل: هم اليهود قالوا للمنافقين: إن أعلنتم الكفر نصرناكم، وقيل: هم اليهود أو اليهود والمنافقون قالوا ذلك للمشركين.

ويرد على الوجهين جميعا أن موضوع الكلام في الآية المرتدون بعد إيمانهم واليهود لم يؤمنوا حتى يرتدوا.

وقيل: هم المنافقون وعدوا اليهود النصر كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ } [الحشر: 11].

وفيه أن الآية تقبل الانطباق على ذلك كما تقبل الانطباق على اليهود في وعدهم النصر للمشركين على تكلف في صدق الارتداد على كفرهم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد تبين رسالته لهم لكن لا دليل من طريق لفظ الآية على ذلك فلعلهم قوم من المنافقين غيرهم.

قوله تعالى: {فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} متفرع على ما قبله، والمعنى: هذا حالهم اليوم يرتدون بعد تبين الهدى لهم فيفعلون ما يشاءون فكيف حالهم إذا توفتهم الملائكة وهم يضربون وجوههم وأدبارهم.

قوله تعالى : {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} الظاهر أن المراد بما أسخط الله أهواء النفس وتسويلات الشيطان المستتبعة للمعاصي والذنوب الموبقة كما قال تعالى : {واتبعوا أهواءهم}، وقال : {الشيطان سول لهم وأملى لهم}.

والسخط والرضا من صفاته تعالى الفعلية والمراد بهما العقاب والثواب.

والإشارة في قوله : {ذلك} إلى ما ذكر في الآية السابقة من عذاب الملائكة لهم عند توفيهم أي سبب عقابهم أن أعمالهم حابطة لاتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه، وإذ لا عمل لهم صالحا يشقون بالعذاب.

قوله تعالى : {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} قال الراغب: الضغن - بكسر الضاد - والضغن - بضمها - الحقد الشديد وجمعه أضغان انتهى.

والمراد بالذين في قلوبهم مرض الضعفاء الإيمان ولعلهم الذين آمنوا أولا على ضعف في إيمانهم ثم مالوا إلى النفاق وارتدوا بعد الإيمان، فالتدبر الدقيق في تاريخ صدر الإسلام يوضح أن قوما ممن آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا على هذه الصفة كما أن قوما منهم آخرين كانوا منافقين من أول يوم آمنوا إلى آخر عمرهم، وعلى هذا فعدهم من المؤمنين فيما تقدم بملاحظة بادىء أمرهم.

والمعنى: بل ظن هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله ولن يظهر أحقادهم للدين وأهله.

قوله تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم} السيماء العلامة، والمعنى: ولو نشاء لأريناك أولئك المرضى القلوب فلعرفتهم بعلامتهم التي أعلمناهم بها.

وقوله: {ولتعرفنهم في لحن القول} قال الراغب: اللحن صرف الكلام عن سننه الجاري عليه: إما بإزالة الإعراب أو التصحيف وهو المذموم، وذلك أكثر استعمالا، وأما بإزالته عن التصريح وصرفه إلى تعريض وفحوى، وهو محمود عند أكثر الأدباء من حيث البلاغة.

انتهى.

فالمعنى: ولتعرفنهم من جنس قولهم بما يشتمل عليه من الكناية والتعريض، وفي جعل لحن القول ظرفا للمعرفة نوع من العناية المجازية.

وقوله: {والله يعلم أعمالكم} أي يعلم حقائقها وأنها من أي القصود والنيات صدرت فيجازي المؤمنين بصالح أعمالهم وغيرهم بغيرها، ففيه وعد للمؤمنين ووعيد لغيرهم.

قوله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} البلاء والابتلاء الامتحان والاختبار، والآية بيان علة كتابة القتال على المؤمنين، وهو الاختبار الإلهي ليمتاز به المجاهدون في سبيل الله الصابرون على مشاق التكاليف الإلهية.

وقوله: {ونبلوا أخباركم} كان المراد بالأخبار الأعمال من حيث إنها تصدر عن العاملين فيكون إخبارا لهم يخبر بها عنهم، واختبار الأعمال يمتاز به صالحها من طالحها كما أن اختبار النفوس يمتاز به النفوس الصالحة الخيرة وقد تقدم فيما تقدم أن المراد بالعلم الحاصل له تعالى من امتحان عباده هو ظهور حال العباد بذلك، وبنظر أدق هو علم فعلي له تعالى خارج عن الذات.

_______________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص197-199.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

وتناول آخر آية من هذه الآيات ذكر العلة الحقيقية لإنحراف هؤلاء القوم التعساء، فقالت: {أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها

نعم، إنّ عامل مسكنة هؤلاء وضياعهم أحد اثنين: إمّا أنّهم لا يتدبّرون في القرآن، برنامج الهداية الإلهية، والوصفة الطبية الشافية تماماً، أو أنّهم يتدبّرونه، إلاّ أنّ قلوبهم مقفلة نتيجة اتباع الهوى والأعمال التي قاموا بها من قبل، وهي مقفلة بشكل لا تنفذ معه أي حقيقة إلى قلوبهم.

وبتعبير آخر، فإنّهم كرجل ضلّ طريقه في الظلمات، فلا سراج في يده، ولا هو يبصر إذ هو أعمى، فلوكان معه سراج، وكان مبصراً، فإنّ الإهتداء إلى الطريق في أي مكان سهل ويسير.

{الأقفال} جمع قفل، وهي في الأصل من مادة القفول أي الرجوع، أومن القفيل، أي الأشياء اليابسة، ولمّا كان المتعارف أنّهم إذا أغلقوا الباب وقفلوها بقفل، فكلّ من يأت يقفل راجعاً، وكذلك لمّا كان القفل شيئاً صلباً لا ينفذ فيه شيء، لذا فقد أطلقت هذه الكلمة على هذه الآلة الخاصة.

أفلا يتدبّرون القرآن:

تواصل هذه الآيات الكلام حول المنافقين ومواقفهم المختلفة، فتقول: {إنّ الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى الشيطان سوّل لهم وأملى لهم}.

وبالرغم من أنّ البعض احتمل أنّ هذه الآية تتحدّث عن جماعة من الذين كفروا من أهل الكتاب الذين كانوا يذكرون علامات النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ظهوره، وذلك استناداً إلى ما ورد في كتبهم السماوية، وكانوا ينتظرونه على أحر من الجمر، إلاّ أنّهم أعرضوا عنه بعد ظهوره واتضاح هذه العلامات وتحقّقها، ومنعتهم شهواتهم ومصالحهم من الإيمان به.

بالرغم من ذلك، فإنّ القرائن الموجودة في الآيات السابقة واللاحقة تبيّن جيداً أنّ هذه الآية تتحدث أيضاً عن المنافقين الذين جاؤوا ورأوا بأمّ أعينهم الدلائل الدالّة على حقانية النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسمعوا آياته، إلاّ أنّهم أدبروا اتباعاً لأهوائهم وشهواتهم، وطاعةً لوساوس الشيطان.

{سوّل} من مادة سُؤْل ـ على وزن قفل ـ، وهي الحاجة التي يحرص عليها الإنسان(2)، و{التسويل} بمعنى الترغيب والتشويق إلى الأُمور التي يحرص عليها، ونسبته إلى الشيطان بسبب الوساوس التي يلقيها في نفس الإنسان، وتمنع من هدايته.

وجملة (وأملى لهم) من مادة {إملاء}، وهو زرع طول الأمل فيهم، والآمال البعيدة المدى، والتي تشغل الإنسان، فتصدّه عن الحق والهدى.

وتشرح الآية التالية علّة هذا التسويل والتزيين الشيطاني، فتقول: {ذلك بأنّهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر} وهذا دأب المنافقين في البحث عن العصاة والمخالفين، وإذا لم يكونوا مشتركين ومتفقين معهم في كلّ المواقف، فإنّهم يتعاونون معهم على أساس المقدار المتفق عليه من مواقفهم، بل ويطيعونهم إذا اقتضى الأمر.

بل قد اتجه منافقو المدينة نحو يهود المدينة ـ وهم {بنو النضير} و{بنو قريظة} الذين كانوا يبشرون بالإسلام قبل بعثة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أمّا بعد ظهوره ومبعثه، وتعرّض مصالحهم للخطر، ولحسدهم وكبرهم، فإنّهم اعتبروا الإسلام ديناً باطلاً، وغير سليم ـ ولمّا كان هناك قدر مشترك بين المنافقين واليهود في مخالفتهم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتآمرهم ضد الإسلام، فإنّهم اتفقوا مع اليهود على العمل المشترك ضد الإسلام والمسلمين.

وربّما كان تعبير (في بعض الأمر) إشارة إلى أنّنا نتعاون معكم في هذا الجزء فقط، فإنّكم تخالفون عبادة الأصنام، وتعتقدون بالبعث والقيامة، ونحن لا نتفق معكم في هذه الأُمور(3).

هذا الكلام شبيه بما جاء في الآية (11) من سورة الحشر: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} [الحشر: 11].

وتهدد الآيات هؤلاء في نهايتها فتقول: {والله يعلم إسرارهم} فهو عليم بكفرهم الباطن ونفاقهم، وبتآمرهم مع اليهود، وسيعاقبهم ويجازيهم في الوقت المناسب. وعليم بما كان يخفيه اليهود من حسدهم وعدائهم وعنادهم، فقد كانوا يعرفون علامات نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يعرفون أبناءهم بشهادة كتابهم، وكانوا يذكرون هذه العلامات للناس من قبل، إلاّ أنّهم أخفوها جميعاً بعد ظهوره، والله عليم بهذا الإخفاء ومحاولة طمس الحق.

وجاء في حديث عن الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام): أنّ المراد من {كرهوا ما أنزل الله} بنو أُمية الذين كرهوا نزول أمر الله تعالى في ولاية علي (عليه السلام)(4).

وواضح أنّ هذا النوع تطبيق وبيان مصداق، وليس حصراً لمعنى الآية.

والآية التالية بمثابة توضيح لهذا التهديد المبهم، فتقول: {فكيف إذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم}(5).

نعم، إنّ هؤلاء الملائكة مأمورون أن يذيقوا هؤلاء العذاب وهم على أعتاب الموت ليذوقوا وبال الكفر والنفاق والعناد، وهم يضربون وجوههم لأنّها اتجهت نحو أعداء الله، ويضربون أدبارهم لأنّهم أدبروا عن آيات الله ونبيّه.

وهذا المعنى نظير ما ورد في الآية (50) من سورة الأنفال حول الكفار والمنافقين: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق}.

وتناولت آخر آية من هذه الآيات بيان علّة هذا العذاب الإلهي وهم على إعتاب الموت، فتقول: {ذلك بأنّهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}.

لأنّ رضى الله سبحانه هو شرط قبول الأعمال وكلّ سعي وجهد، وبناءً على هذا، فمن الطبيعي أن تحبط أعمال أُولئك الذين يصرون على إغضاب الله عزَّ وجلّ وإسخاطه، ويخالفون ما يرتضيه، ويودعون هذه الدنيا وهم خالو الوفاض، قد أثقلتهم أوزارهم، وأرهقتهم ذنوبهم.

إنّ حال هؤلاء القوم يخالف تماماً حال المؤمنين الذين تستقبلهم الملائكة بوجوه ضاحكة عندما يشرفون على الموت، وتبشّرهم بما أعد الله لهم: { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32].

وممّا يلفت النظر أنّ الجملة فعلية في مورد غضب الله تعالى: (ما أسخط الله)وهي أسمية في مورد رضاه: (رضوانه)، وقال بعض المفسّرين: إنّ هذا التفاوت في التعبير يتضمن نكتةً لطيفة، وهي أنّ غضب الله قد يحدث وقد لا يحدث، أمّا رضاه ورحمته فهي مستمرة دائمة.

وواضح أيضاً أنّ غضب الله تعالى وسخطه لا يعني التأثر النفسي، كما أنّ رضاه سبحانه لا يعني انبساط الروح وانشراح الأسارير، بل هما كما ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): (غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه)(6).

يعرف المنافقون من لحن قولهم:

تشير هذه الآيات إلى جانب آخر في صفات المنافقين وعلاماتهم، وتؤكّد بالخصوص على أنّهم يظنّون أنّ باستطاعتهم أن يخفوا واقعهم وصورتهم الحقيقية عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين دائماً، وأن ينقذوا أنفسهم بذلك من الفضيحة الكبرى، فتقول أوّلاً: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم}(7).

{الأضغان} جمع ضِغْن، وهو الحقد الشديد.

نعم، لقد كانت قلوب هؤلاء مملوءة غيظاً وحقداً شديداً على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والمؤمنين، وكانوا يتحيّنون الفرص لإنزال الضربة بهم، فهنا يحذّرهم القرآن بأن لا يظنّوا أنّ بإمكانهم أن يخفوا وجههم الحقيقي دائماً، ولذلك فإنّ الآية التالية تضيف: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} فنجعل في وجوههم علامات تعرفهم بها إذا رأيتهم، وتراهم رأي العين فتنظر واقعهم عندما تنظر ظاهرهم.

ثمّ تضيف : {ولتعرفنّهم في لحن القول} فيمكنك في الحال أن تعرفهم من خلال نمط كلامهم.

يقول الراغب في مفرداته: {اللحن} عبارة عن صرف الكلام عن قواعده وسننه، أو إعرابه على خلاف حاله، أو الكناية بالقول بدلاً من الصراحة. والمراد في الآية مورد البحث هو المعنى الثّالث، أي: يمكن معرفة المنافقين مرضى القلوب من خلال الكناية في كلامهم، وتعبيراتهم المؤذية التي تنطوي على النفاق.

حينما يكون الكلام عن الجهاد، فإنّهم يسعون إلى إضعاف إرادة الناس ومعنوياتهم، وحينما يكون الكلام عن الحق والعدالة، فإنّهم يحرّفونه بنحو من الأنحاء، وإذا ما أتى الحديث عن الصالحين المتّقين السابقين إلى الإسلام، فإنّهم يسعون إلى تشويه سمعتهم، وتقليل أهميتهم ومكانتهم، ولذلك روي عن {أبي سعيد الخدري} حديثه المعروف الذي يقول فيه: لحن القول بغضهم علي بن أبي طالب، وكنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ببغضهم علي بن أبي طالب(8).

نعم، لقد كانت إحدى العلامات البارزة للمنافقين أنّهم كانوا يعادون أوّل من آمن من الرجال، وأول مضح في سبيل الإسلام، ويبغضونه.

إنّ الإنسان لا يستطيع عادةً أن يكتم ما ينطوي عليه ضميره لمدة طويلة دون أن يظهر ذلك في كنايات كلامه وإشاراته ولحنه، ولذلك نقرأ في حديث عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (ما أضمر أحد شيئاً إلاّ ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه)(9).

وقد ذكرت آيات القرآن الأُخرى كلمات المنافقين الجارحة، والتي هي مصداق للحن القول هذا، أو حركاتهم المشبوهة، ولعلّه لهذا السبب قال بعض المفسّرين: إنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعرف المنافقين جيداً، من خلال علاماتهم، بعد نزول هذه الآية.

والشاهد على هذا الكلام هو أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أُمر بأن لا يصلّي على من مات منهم ولا يقوم على قبره داعياً الله له: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة : 84].

لقد كان الجهاد بالذات من المواقف التي كان المنافقون يعكسون فيها ما يعيشونه في داخلهم، وقد أشارت آيات كثيرة في القرآن الكريم، وخاصّةً في سورة التوبة والأحزاب إلى وضع هؤلاء قبل الحرب حين جمع المساعدات وإعداد العدّة للحرب، وفي أثناء الحرب في ساحتها إذا اشتد هجوم العدو واستعرت حملته، وبعد الحرب عند تقسيم الغنائم، حتى وصل الأمر بالمنافقين إلى أن يعرفهم حتى المسلمون العاديّون في هذه المشاهد والمواقف.

واليوم أيضاً لا تصعب معرفة المنافقين من لحن قولهم ومواقفهم المضادة في المسائل الإجتماعية المهمة، وخاصة عند الإضطرابات أو الحروب، ويمكن التعرف عليهم بأدنى دقة في أقوالهم وأفعالهم، وما أروع أن يعي المسلمون أمرهم ويستيقظوا ويستلهموا من هذه الآية تعليماتها ليعرفوا هذه الفئة الحاقدة الخطرة ويفضحوها.

وأخيراً تضيف الآية: {والله يعلم أعمالكم} فهو يعلم أعمال المؤمنين ما ظهر منها وما بطن، ويعلم أعمال المنافقين، وإذا افترضنا أنّ هؤلاء قادرون على إخفاء واقعهم الحقيقي عن الناس، فهل باستطاعتهم إخفاءه عن الله الذي هو معهم في سرّهم وعلانيهم، وخلوتهم واجتماعهم؟

وتضيف الآية التالية مؤكّدة وموضحة طرقاً أُخرى لتمييز المؤمنين عن المنافقين: {ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} الحقيقيين من المتظاهرين بالجهاد والصبر.

ومع أنّ لهذا الإبتلاء والإختبار أبعاداً واسعة، ومجالات رحبة تشمل الصبر والثبات في أداء كلّ الواجبات والتكاليف، ولكن المراد منه هنا الإمتحان في ساحة الحرب والقتال لمناسبته كلمة {المجاهدين}، والآيات السابقة واللاحقة، والحق أنّ ميدان الجهاد ساحة اختبار عسير وشديد، وقلّما يستطيع المرء أن يخفي واقعه في أمثال هذه الميادين.

وتقول الآية الأخيرة: {ونبلوا أخباركم}.

قال كثير من المفسّرين: إنّ المراد من الأخبار هنا أعمال البشر، وذلك أن عملاً ما إذا صدر من الإنسان، فإنّه سينتشر بين الناس كخبر.

وقال آخرون : إنّ المراد من الأخبار هنا: الأسرار الداخلية، لأنّ أعمال الناس تخبر عن هذه الأسرار.

ويحتمل أن تكون الأخبار هنا بمعنى الأخبار التي يخبر بها الناس عن وضعهم وعهودهم ومواثيقهم، فالمنافقون ـ مثلاً ـ كانوا قد عاهدوا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يرجعوا عن القتال، في حين أنّهم نقضوا عهدهم: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} [الأحزاب: 15] ونراهم في موضع آخر: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا } [الأحزاب: 13].

وبهذا فإنّ الله سبحانه يختبر أعمال البشر، كما يختبر أقوالهم وأخبارهم. وطبقاً لهذا التّفسير فإنّ لهاتين الجملتين في الآية مورد البحث معنيين متفاوتين، مع أنّ إحداهما تؤكّد الأُخرى طبقاً للتفاسير السابقة.

وعلى أية حال، فليست هذه المرة الأولى التي يخبر الله سبحانه الناس فيها بأنّي أبلوكم لتمييز صفوفكم، وليعرف المؤمنون الحقيقيون وضعفاء الإيمان والمنافقون، وقد ذكرت مسألة الإمتحان والإبتلاء هذه في آيات كثيرة من القرآن الكريم.

وقد بحثنا المسائل المتعلقة بالإختبار الإلهي في ذيل الآية (155) من سورة البقرة، وكذلك وردت في بداية سورة العنكبوت.

ثمّ إنّ جملة {حتى نعلم المجاهدين} لا تعني أنّ الله لا يعلمهم، بل المراد تحقق هذا المعلوم عملياً، وتشخيص هؤلاء المجاهدين، فالمعنى: ليتحقق علم الله سبحانه في الخارج، وتحصل العينية، وتتميز الصفوف.

______________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12، ص642-651.

 2 ـ ولذلك فإنّ البعض قد فسّرها بمعنى الأمل، كما نقرأ ذلك في الآية (36) من سورة طه: (قد

أوتيت سؤلك يا موسى).

3 ـ ثمّة احتمالات عديدة أُخرى في تفسير هذه الآية، لا ينسجم أي منها مع الآيات السابقة واللاحقة، ولذلك أعرضنا عن ذكرها.

4 ـ مجمع البيان، المجلد 9، صفحة 105.

5 ـ كيف، خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: فكيف حالهم...

6 ـ توحيد الصدوق، طبق نقل الميزان، المجلد 18، صفحة 266.

7 ـ اعتبر البعض (أم) في الآية أعلاه استفهامية، والبعض الآخر اعتبرها منقطعة بمعنى بل، ويبدو أنّ الأوّل هو الأفضل.

8 ـ مجمع البيان، ذيل الآيات مورد البحث. ثمّ إنّ جماعة من كبار العامّة نقلوا مضمون هذا الحديث في كتبهم، ومن جملتهم: أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل، وابن عبد البر في الإستيعاب، والذهبي في تاريخ أوّل الإسلام، وابن الأثير في جامع الاُصول، والعلاّمة الگنجي في كفاية الطالب، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة، والسيوطي في الدر المنثور، والآلوسي في روح المعاني، وأورده جماعة آخرون في كتبهم، وهو يبيّن أنّها إحدى الروايات المسلمة عن الرّسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) لمزيد من الإيضاح يراجع إحقاق الحق، المجلد الثّالث، صفحة 110 وما بعدها.

9 ـ نهج البلاغة، الكلمات القصار، الجملة 26.

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .