أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2017
4703
التاريخ: 9-10-2017
49739
التاريخ: 10-10-2017
31276
التاريخ: 10-10-2017
5941
|
قال تعالى : {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 19 - 26].
لما قص الله سبحانه هذه الأقاصيص عقبها سبحانه بأن خاطب المشركين فقال {أ فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} أي أخبرونا عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله وتعبدون معها الملائكة وتزعمون أن الملائكة بنات الله وقيل معناه أ فرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعزى ومناة بنات الله لأنه كان منهم من يقول إنما نعبد هؤلاء لأنهم بنات الله عن الجبائي وقيل إنهم زعموا أن الملائكة بنات الله وصوروا أصنامهم على صورهم وعبدوها من دون الله واشتقوا لها أسماء من أسماء الله فقالوا اللات من الله والعزى من العزيز وكان الكسائي يختار الوقف على {اللات} بالتاء لاتباع المصحف لأنها كتبت بالتاء والعزى تأنيث الأعز وهي بمعنى العزيزة وقيل إن اللات صنم كانت ثقيف تعبده والعزى صنم أيضا عن الحسن وقتادة وقيل إنها كانت شجرة سمرة عظيمة لغطفان يعبدونها فبعث إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خالد بن الوليد فقطعها وقال :
عن مجاهد وقال قتادة كانت مناة صنما بقديد بين مكة والمدينة وقال الضحاك والكلبي كانت لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة وقيل إن اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في الكعبة يعبدونها والثالثة نعت لمناة والأخرى نعت لها أيضا ومعنى الآية أخبروني عن هذه الأصنام هل ضرت أو نفعت أو فعلت ما يوجب أن تعدل بالله فحذف لدلالة الكلام عليه .
ثم قال سبحانه منكرا على كفار قريش قولهم الملائكة بنات الله والأصنام كذلك {أ لكم الذكر وله الأنثى} أي كيف يكون ذلك كذلك وأنتم لو خيرتم لاخترتم الذكر على الأنثى فكيف أضفتم إليه تعالى ما لا ترضونه لأنفسكم {تلك إذا قسمة ضيزى} أي جائرة غير معتدلة بمعنى أن القسمة التي قسمتم من نسبة الإناث إلى الله تعالى وإيثاركم بالبنين قسمة غير عادلة {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} أي ليس تسميتكم لهذه الأصنام بأنها آلهة وأنها بنات الله إلا أسامي لا معاني تحتها لأنه لا ضر عندها ولا نفع فهي تسميات ألقيت على جمادات {ما أنزل الله بها من سلطان} أي لم ينزل الله كتابا لكم فيه حجة بما تقولونه عن مقاتل.
ثم رجع إلى الأخبار عنهم بعد المخاطبة فقال {إن يتبعون إلا الظن} الذي ليس بعلم {وما تهوى الأنفس} أي وما تميل إليه نفوسهم {ولقد جاءهم من ربهم الهدى} أي البيان والرشاد بالكتاب والرسول عجب سبحانه من حالهم حيث لم يتركوا عبادتها مع وضوح البيان ثم أنكر عليهم تمنيهم شفاعة الأوثان فقال لهم {أم للإنسان} أي للكافر {ما تمنى} من شفاعة الأصنام {فلله الآخرة والأولى} فلا يملك فيهما أحد شيئا إلا بإذنه وقيل معناه بل للإنسان ما تمنى من غير جزاء لا ليس الأمر كذلك لأن لله الآخرة والأولى يعطي منهما من يشاء ويمنع من يشاء وقيل معناه ليس للإنسان ما تمنى من نعيم الدنيا والآخرة بل يفعله الله تعالى بحسب المصلحة ويعطي الآخرة للمؤمنين دون الكافرين عن الجبائي وهذا هو الوجه الأوجه لأنه أعم فيدخل تحته الجميع.
ثم أكد ذلك بقوله {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا} جمع الكناية لأن المراد بقوله {وكم من ملك} الكثرة {إلا من بعد أن يأذن الله} لهم في الشفاعة {لمن يشاء ويرضى} لهم أن يشفعوا فيه أي من أهل الإيمان والتوحيد قال ابن عباس يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه كما قال ولا يشفعون إلا لمن ارتضى .
_____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص293-296.
{ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ والْعُزَّى ومَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرى} . الخطاب لمشركي قريش ، وكانوا يعبدون هذه الأصنام ويقولون : هي بنات اللَّه أو ترمز إليها ، ولذا أنّثوا اللات ومناة بالتاء والعزى بالألف ، وقد سفه سبحانه عقولهم بقوله : {أَلَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} ظالمة جائرة ، ومثله : {ويَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ} - 62 النحل ج 4 ص 25 { إِنْ هِيَ} - الأصنام - {إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ} لأنها أحجار لا تضر ولا تنفع . . وتقدم الكلام عن الأصنام وعبدتها في عشرات الآيات . . وكفى ردا على من يعبدها ويقدسها قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ولَو اجْتَمَعُوا لَهُ وإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ والْمَطْلُوبُ} – [73 الحج] . وقال أديب معاصر : إذا سلبتك الذبابة حياتك بمرض تنقله إليك فمن يستطيع ان يرد لك تلك الحياة . وإذا سلبتك ذرة من طعامك تتحول فورا إلى سكر في أمعائها ، فهل يستطيع عباقرة الكيمياء لو اجتمعوا ان يستردوا ذرتك ؟ .
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وما تَهْوَى الأَنْفُسُ } . المراد بالظن هنا الجهل ، والإنسان يكبح هواه بعقله وعلمه ، فإن كان جاهلا أو ضعيف العقل تحكمت به الأهواء وقادته إلى المهالك {ولَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى} فقالوا : قلوبنا غلف وفي آذاننا وقر ، فحقت عليهم كلمة العذاب { أَمْ لِلإِنْسانِ ما تَمَنَّى} . تمنى المشركون شفاعة الأصنام ، فرد عليهم سبحانه : هل يتحقق للإنسان كل ما يتمناه ؟ .
وبكلمة ان عبدة الأصنام جمعوا بين الجهل والهوى والأماني التي تعمي وتصم . .
فتراكم الجهل على الجهل {فَلِلَّهِ الآخِرَةُ والأُولى } الملك والأمر له وحده دنيا وآخرة ، ولا شيء لأي كائن .{ وكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ ويَرْضى} ؟ . قالوا : نحن لا نعبد الأصنام إلا لتشفع لنا عند اللَّه ! . فقال لهم سبحانه : ان ملائكة السماء على عظمتهم وكرامتهم لا يشفعون عنده إلا بإذنه فكيف تشفع لكم أحجار صماء ؟ . وتكلمنا عن الشفاعة عند تفسير الآية 48 من سورة البقرة ج 1 ص 97 فقرة (الشفاعة) .
_______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص177-178.
شطر من آيات الفصل الثاني من الفصول الثلاثة في السورة تتعرض لأمر الأوثان وعبادتها بدعوى أنها ستشفع لهم والرد عليهم أبلغ الرد، وفيها إشارة إلى أمر المعاد وهو مقصد الفصل الثالث.
قوله تعالى: {أ فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} لما سجل في الآيات السابقة صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه وحي يوحى إليه وترتب عليه حقية النبوة المبنية على التوحيد ونفي الشركاء، فرع عليه الكلام في الأوثان: اللات والعزى ومناة وهي عند المشركين تماثيل للملائكة بدعوى أنهم إناث أو بعضها للملائكة وبعضها للإنسان كما قاله بعضهم ونفي ربوبيتها وألوهيتها واستقلال الملائكة الذين هم أرباب الأصنام في الشفاعة وأنوثيتهم وأشار إلى حقائق أخرى تنتج المعاد وجزاء الأعمال.
واللات والعزى ومناة أصنام ثلاث كانت معبودة لعرب الجاهلية، وقد اختلفوا في وصف صورها، وفي موضعها الذي كانت منصوبة عليه، وفي من يعبدها من العرب، وفي الأسباب التي أوجبت عبادتهم لها، وهي أقوال متدافعة لا سبيل إلى الاعتماد على شيء منها، والمتيقن منها ما أوردناه.
والمعنى: إذا كان الأمر على ما ذكرناه من حقية الدعوة وصدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوى الوحي والرسالة من عند الله سبحانه فأخبروني عن اللات والعزى ومناة التي هي ثالثة الصنمين وغيرهما - وهي التي تدعون أنها أصنام الملائكة الذين هم بنات الله على زعمكم -.
قوله تعالى: {أ لكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى} استفهام إنكاري مشوب بالاستهزاء، وقسمة ضيزى أي جائرة غير عادلة.
والمعنى: إذا كان كذلك وكانت أرباب هذه الأصنام من الملائكة بنات الله، وأنتم لا ترضون لأنفسكم إلا الذكر من الأولاد فهل لكم الذكر ولله سبحانه الأنثى من الأولاد؟ تلك القسمة إذا قسمة جائرة غير عادلة - استهزاء -.
قوله تعالى: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} إلخ، ضمير {هي{ للات والعزى ومناة أولها بما هي أصنام، وضمير {سميتموها} للأسماء وتسمية الأسماء جعلها أسماء، والمراد بالسلطان البرهان.
والمعنى: ليست هذه الأصنام الآلهة إلا أسماء جعلتموها أسماء لها أنتم وآباؤكم ليست لهذه الأسماء وراءها مصاديق ومسميات ما أنزل الله معها برهانا يستدل به على ربوبيتها وألوهيتها.
ومحصل الآية الرد على المشركين بعدم الدليل على ألوهية آلهتهم.
وقوله: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} ما موصولة والضمير العائد إليها محذوف أي الذي تهواه النفس، وقيل: مصدرية والتقدير هوى النفس والهوى الميل الشهواني للنفس والجملة مسوقة لذمهم في اتباع الباطل وتأكيد لما تقدم من أنه لا برهان لهم على ذلك.
ويؤكده قوله : {ولقد جاءهم من ربهم الهدى} والجملة حالية.
والمعنى: إن يتبع هؤلاء المشركون في أمر آلهتهم إلا الظن وما يميل إليه أنفسهم شهوة يتبعون ذلك والحال أنه قد جاءهم من الله وهو ربهم الهدى وهي الدعوة الحقة أو القرآن الذي يهديهم إلى الحق.
والالتفات في الآية من الخطاب إلى الغيبة للإشعار بأنهم أحط فهما من أن يخاطبوا بهذا الكلام على أنهم غير مستعدين لأن يخاطبوا بكلام برهاني وهم أتباع الظن والهوى.
قوله تعالى: {أم للإنسان ما تمنى} أم منقطعة والاستفهام إنكاري، والكلام مسوق لنفي أن يملك الإنسان ما يتمناه بمجرد أنه يتمناه أي ليس يملك الإنسان ما يتمناه بمجرد أنه يتمناه حتى يملك المشركون ما يتمنونه بهوى أنفسهم من شفاعة الملائكة الذين هم أرباب أصنامهم وبنات لله بزعمهم أو يملكوا ألوهية آلهتهم بمجرد التمني.
وفي الكلام تلويح إلى أنهم ليس لهم للدلالة على صحة ألوهية آلهتهم أو شفاعتهم إلا التمني، ولا يملك شيء بالتمني.
قوله تعالى: {فلله الآخرة والأولى} تفريعه على سابقه من تفريع العلة للمعلول للدلالة على التعلق والارتباط ففيه تعليل للجملة السابقة، والمعنى: ليس يملك الإنسان ما تمناه بمجرد التمني لأن الآخرة والأولى لله سبحانه ولا شريك له في ملكه.
قوله تعالى: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} الفرق بين الإذن والرضا أن الإذن إعلام ارتفاع المانع من قبل الآذن، والرضا ملاءمة نفس الراضي للشيء وعدم امتناعها فربما تحقق الإذن بشيء مع عدم الرضا ولا يتحقق رضا إلا مع الإذن بالفعل أو بالقوة.
والآية مسوقة لنفي أن يملك الملائكة من أنفسهم الشفاعة مستغنين في ذلك عن الله سبحانه كما يروم إليه عبدة الأصنام فإن الأمر مطلقا إلى الله تعالى فإنما يشفع من يشفع منهم بعد إذنه تعالى له في الشفاعة ورضاه بها.
وعلى هذا فالمراد بقوله: {لمن يشاء} الملائكة، ومعنى الآية: وكثير من الملائكة في السماوات لا تؤثر شفاعتهم أثرا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء منهم أي من الملائكة ويرضى بشفاعته.
وقيل: المراد بمن يشاء ويرضى الإنسان، والمعنى: إلا من بعد أن يأذن الله في شفاعة من يشاء أن يشفع له من الإنسان ويرضى، وكيف يأذن ويرضى بشفاعة من كفر به وعبد غيره؟.
والآية تثبت الشفاعة للملائكة في الجملة، وتقيد شفاعتهم بالإذن والرضا من الله سبحانه.
_____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص33-35.
هذه الأصنام وليدة أهوائكم :
بعد بيان الأبحاث المتعلّقة بالتوحيد والوحي والمعراج وآيات عظمة الواحد الأحد في السماء، يتناول القرآن أفكار المشركين، فينقضها ويتحدّث عن معتقداتهم الخرافية .. فيقول: بعد أن أدركتم عظمة الله وآياته في خلقه فهل أنّ أصنامكم مثل اللات والعزّى والصنم الثالث وهو «مناة» بإمكانها أن تنفعكم أو تضرّكم: {أفرأيتم اللات والعزّى ومناة الثالثة الاُخرى}(2)؟!
مع أنّكم تزعمون أنّ قيمة البنت دون قيمة الولد ولو بلغكم أنّ أزواجكم أنجبن بنات حزنتم واسودّت وجوهكم!!
{تلك إذاً قسمة ضيزى}(3) فهذه قسمة غير عادلة بينكم وبين الله تعالى فعلام تجعلون نصيب الله دون نصيبكم؟!
وهكذا يتناول القرآن أفكارهم الخرافية مستهزئاً بها! ويقول لهم: إنّكم ترون البنت عاراً وذلّةً وتئدونها وهي حيّة في القبر، وفي الوقت ذاته تزعمون بأنّ الملائكة بنات الله، ولا تعبدون الملائكة من دون الله فحسب بل تصنعون لها التماثيل وتجعلون لها تلك القدسيّة! وتسجدون لها وتلتجئون إليها لحلّ مشاكلكم وتطلبون حوائجكم منها، وذلك مثار للسخرية والإستهزاء حقّاً!.
ومن هنا يبدو واضحاً أنّ العرب الجاهليين كانوا يعبدون بعض هذه الأصنام على الأقل على أنّها تماثيل الملائكة، الملائكة التي يسمّون كلاًّ منها بربّ النوع ومدير الوجود ومدبّره، وكانوا يرون أنّ الملائكة بنات الله!!
فحين تقرن هذه الخرافات إلى خرافة اُخرى وهي نظرتهم عن البنت فإنّ التضادّ العجيب الواقع بين هذه الخرافات بنفسه خير شاهد على سخافة هذه المعتقدات، وكم هو طريف أن يبطل القرآن جميع تلك الخرافات بعدّة جُمل قصيرة وموجزة ويفضحها ساخراً بها.
ومن هنا يتبيّن أنّ القرآن لا يقصد إمضاء ما كان عليه العرب من التفريق بين الذكر والاُنثى، بل يريد بيان ما هو مقبول ومسلّم عندهم (وهو منطق الجدل)، وإلاّ فلا فرق في نظر الإسلام ومنطقه بين الذكر والاُنثى من حيث القيمة الإنسانية، ولا الملائكة فيهم ذكر واُنثى، ولا هم بنات الله، وليس عند الله من ولد أساساً، فهذه إفتراضات لا أساس لها .. إلاّ أنّ هذا الردّ خير جواب لمن يعتقد بهذه الخرافات.
وفي آخر آية من الآيات محلّ البحث يقول القرآن بضرس قاطع: {إن هي إلاّ أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}(4).
فلا دليل لديكم من العقل، ولا دليل عن طريق الوحي على مدّعاكم، وليس لديكم إلاّ حفنة من الأوهام والخيالات الباطلة.
ثمّ يختتم القرآن الآية بالقول: {إن يتّبعون إلاّ الظنّ وما تهوى الأنفس(5)} فهذه الخيالات والموهومات وليدة هوى النفس {ولقد جاءهم من ربّهم الهدى} ..
إلاّ أنّهم أغمضوا أعينهم عنه وخلّفوه وراء ظهورهم وتاهوا في هذه الأوهام والضلالات!
وقوله تعالى : {أَمْ لِلإِنسَان. مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الاْخِرَةُ وَالاْولَى (25) وَكَم مِّن مَّلَك فِى السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِى شَفَعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى }
الشفاعة أيضاً بإذنه :
هذه الآيات أيضاً تتناول بالبحث والتعقيب ـ موضوع عبادة الأصنام وخرافتها، وهي تتمّة لما سبق بيانه في الآيات المتقدّمة!
فتتناول أوّلا الاُمنيات الجوفاء عند عَبَدةِ الأصنام وما كانوا يتوقّعون من الأصنام: (أم للإنسان ما تمنّى)؟!.
تُرى! هل من الممكن أن تشفع هذه الأجسام التي لا قيمة لها ولا روح فيها عند الله سبحانه؟ أو يُلتجأ إليها عند المشكلات!؟ كلاّ! (فللّه الآخرة والاُولى).
إنّ عالم الأسباب يدور حول محور إرادته، وكلّ ما لدى الموجودات فمن بركات وجوده، فالشفاعة من إختياراته أيضاً، وحلّ المشاكل بيد قدرته كذلك!
ممّا يلفت النظر أنّ القرآن يتحدّث عن الآخرة أوّلا، ثمّ عن الدنيا، لأنّ أكثر ما يُشغل فكر الإنسان هو النجاة في الآخرة .. وحاكمية الله في الدار الآخرة تتجلّى أكثر منها في هذه الدنيا.
وهكذا فإنّ القرآن يقطع أمل المشركين تماماً ـ بشفاعة الأصنام ـ ويسدّ بوجوههم هذه الذريعة بأنّها تشفع لهم «ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله».
وهناك إحتمال آخر في تفسير الآيتين آنفتي الذكر: وهو أن يتوجّه الإنسان نحو الله لعدم بلوغه أمانيّه وما يرغب إليه .. لأنّ الآية الاُولى من الآيات محلّ البحث تقول: (أم للإنسان ما تمنّى؟) وهذا إستفهام إنكاري، وحيث أنّ جواب هذا الإستفهام أو السؤال بالنفي قطعاً، لأنّ الإنسان لا ينال كثيراً من أمانيه أبداً، وهذا يدلّ على أنّ تدبير هذا العالم بيد اُخرى تتحكّم في هذا العالم، ولذلك فإنّ الآية الثانية تقول: حيث كان الأمر كذلك (فللّه الآخرة والاُولى)!
وهذا المعنى يشبه ما جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «عرفت الله بفسخ العزائم وحلّ العقود ونقض الهمم»(6). ولا يبعد الجمع بين هذا التّفسير والتّفسير السابق أيضاً.
وفي آخر الآيات محلّ البحث يقول القرآن مضيفاً ومؤكّداً على هذه المسألة: (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلاّ من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى).
فحيث لا تستطيع الملائكة على عظمتها حتّى ولو بشكل جماعي أن تشفع لأحد إلاّ بإذن الله ورضاه، فما عسى يُنتظر من هذه الأصنام التي لا قيمة لها، وهي لا تعي شيئاً!؟. وحينما تتساقط النسور المحلّقة وتهوي بأجنحتها عاجزة فما تنفع البعوضة الضعيفة؟ أليس من المخجل أن تقولوا إنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى، أو هؤلاء شفعاؤنا عند الله؟!
والتعبير بـ «كم» في الآية يفيد العموم، أي ليس لأي ملك أن يشفع دون إذن الله ورضاه، لأنّ هذه اللفظة تفيد العموم في لغة العرب، كما أنّ لفظة «كثير» تفيد العموم أحياناً وقد جاء في الآية 70 من سورة الإسراء ما يدلّ على ذلك: {وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا} أي فضّلنا بني آدم على جميع من خلقنا.
كما نجد هذا الإستعمال في شأن الشياطين إذ نقرأ الآية 223 من سورة الشعراء قائلةً: {وأكثرهم كاذبون} مع أنّنا نعلم أنّ جميع الشياطين كاذبون(7).
أمّا الفرق بين «الإذن» و«الرضا» فهوـ أنّ الإذن يعبّر عنه في مقام يكشف الإنسان عن رضاه الباطني، إلاّ أنّ الرضا .. أعمّ من ذلك، وقد تستعمل كلمة «الرضا» لانسجام الطبع مع ما يفعل، وحيث أنّ الإنسان قد يأذن بشيء ما دون أن يكون راضياً في قلبه فقد جاءت كلمة «يرضى» تأكيداً على الإذن، وإن كان الإذن والرضا عند الله لا ينفصل بعضهما عن بعض ولا مجال (للتقيّة) عند الله!
_______________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ،ج13 ، ص 322-331.
2 ـ سنتحدّث عن الأصنام الثلاثة المشار إليها في الآيات محلّ البحث بإذن الله، لكن ممّا ينبغي الإلتفات إليه هو التعبير بمناة الثالثة الاُخرى فقد ذكر لهذه الآية تفاسير عديدة أغلبها عار من الصحّة ولا أساس له ولكن المناسب من هذه التفاسير أنّ أهميّة هذه الأصنام عند مشركي العرب كانت بحسب ما ذكره القرآن فالتعبير بمناة الثالثة أي ثالث الأصنام (في الأهميّة) عند العرب والتعبير بالأخرى هو لتأخّر رتبتها عندهم!
3 ـ ضيزى أي ناقصة وغير منصفة.
4 ـ السلطان: معناه السلطة والغلبة، ويطلق على الدليل القاطع أنّه سلطان أيضاً، لأنّه أساس الغلبة على الخصم.
5 ـ «ما» في «ما تهوى الأنفس» موصولة، ويحتمل أن تكون مصدرية، ولا فرق كبير بينهما.
6 ـ نهج البلاغة، الكلمات القصار ـ الكلمة رقم 250.
7 ـ مع أنّ كلمة ملك في الآية مفردة فقد عاد الضمير عليها جمعاً في «شفاعتهم» وذلك لمفهوم الكلام ورعاية للمعنى!
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|