المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الاقليم المناخي الموسمي
2024-11-02
اقليم المناخ المتوسطي (مناخ البحر المتوسط)
2024-11-02
اقليم المناخ الصحراوي
2024-11-02
اقليم المناخ السوداني
2024-11-02
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01

مبادئ أرستها المحاكم الإدارية الدولية من خلال الرقابة
2024-09-11
دورات النمو في الحمضيات
11-1-2016
سند الشيخ إلى محمد بن عيسى بن عبيد.
2024-05-08
معنى كلمة سرج‌
24-11-2015
Concept
12-11-2021
زَيْغ كُري aberration, spherical
11-9-2017


تفسير الاية (17-28) من سورة الطور  
  
3829   07:08 مساءً   التاريخ: 27-9-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الطاء / سورة الطور /

قال تعالى : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَ وَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ وَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُو الْبَرُّ الرَّحِيمُ } [الطور: 17 - 28].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما تقدم وعيد الكفار عقبه سبحانه بالوعد للمؤمنين فقال {إن المتقين} الذين يجتنبون معاصي الله خوفا من عقابه {في جنات} أي في بساتين تجنها الأشجار {ونعيم} أي وفي نعيم {فاكهين بما آتاهم ربهم} أي متنعمين بما أعطاهم ربهم من أنواع النعيم وقيل فاكهين معجبين بما آتاهم ربهم عن الزجاج والفراء {ووقاهم} أي وصرف عنهم {ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا} أي يقال لهم كلوا واشربوا {هنيئا بما كنتم تعملون} أكلا وشربا هنيئا مأمون العاقبة من التخمة والسقم.

 ثم ذكر حالهم في الأكل والشرب فقال {متكئين على سرر مصفوفة} والسرر جمع سرير والمصفوفة المصطفة الموصول بعضها ببعض وقيل إن في الكلام حذفا تقديره متكئين على نمارق موضوعة على سرر لكنه حذف لأن اللفظ يدل عليه من حيث إن الاتكاء جلسة راحة ودعة ولا يكون ذلك إلا على الوسائد والنمارق {وزوجناهم بحور عين} فالحور البيض النقيات في حسن وكمال والعين الواسعات الأعين في صفاء وبهاء ومعناه قرنا هؤلاء المتقين بحور عين على وجه التمتيع لهم والتنعيم وعن زيد بن أرقم قال ((جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون فقال والذي نفسي بيده إن الرجل منهم ليؤتى قوة مائة رجل على الأكل والشرب والجماع قال فإن الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة فقال عرق يفيض مثل ريح المسك فإذا كان ذلك ضمر بطنه)).

 {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} يعني بالذرية أولادهم الصغار والكبار لأن الكبار يتبعون الآباء بإيمان منهم والصغار يتبعون الآباء بإيمان من الآباء فالولد يحكم له بالإسلام تبعا لوالده واتبع بمعنى تبع ومن قرأ وأتبعناهم فهو منقول من تبع ويتعدى إلى المفعولين وقيل الاتباع إلحاق الثاني بالأول في معنى يكون الأول عليه لأنه لو ألحق به من غير أن يكون في معنى هو عليه لم يكن اتباعا وكان إلحاقا والمعنى أنا نلحق الأولاد بالآباء في الجنة والدرجة من أجل إيمان الآباء لتقر أعين الآباء باجتماعهم معهم في الجنة كما كانت تقر بهم في الدنيا عن ابن عباس والضحاك وابن زيد وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنهم البالغون ألحقوا بدرجات آبائهم وإن قصرت أعمالهم تكرمة لآبائهم.

 فإن قيل كيف يلحقون بهم في الثواب ولم يستحقوه؟ فالجواب أنهم يلحقون بهم في الجمع لا في الثواب والمرتبة وروى زاذان عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((إن المؤمنين وأولادهم في الجنة)) ثم قرأ هذه الآية وروي عن الصادق قال أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم يوم القيامة {وما ألتناهم من عملهم من شيء} أي لم ننقص الآباء من الثواب حين ألحقنا بهم ذرياتهم عن ابن عباس ومجاهد وتم الكلام.

 ثم ذكر سبحانه أهل النار فقال {كل امرىء بما كسب رهين} أي كل امرىء كافر مرتهن في النار بما كسب أي عمل من الشرك عن مقاتل والمؤمن من لا يكون(2) مرتهناً لقوله {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين} فاستثنى المؤمنين وقيل معناه كل إنسان يعامل بما يستحقه ويجازى بحسب ما عمله إن عمل طاعة أثيب وإن عمل معصية عوقب ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره ثم ذكر سبحانه ما يزيدهم من الخير والنعمة فقال {وأمددناهم بفاكهة} أي أعطيناهم حالا بعد حال فإن الأمداد هو الإتيان بالشيء بعد الشيء والفاكهة جنس الثمار {ولحم مما يشتهون} أي وأعطيناهم وأمددناهم بلحم من الجنس الذي يشتهونه {يتنازعون فيها كأسا} أي يتعاطون كأس الخمر.

 ثم وصف الكأس فقال {لا لغو فيها ولا تأثيم} أي لا يجري بينهم باطل لأن اللغو ما يلغى ولا ما فيه إثم كما يجري في الدنيا بين شرب الخمر والتأثيم تفعيل من الإثم يقال ثمة إذا جعله ذا إثم يعني إن تلك الكأس لا تجعلهم آثمين وقيل معناه لا يتسابون عليها ولا يؤثم بعضهم بعضا عن مجاهد {ويطوف عليهم} للخدمة {غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون} في الحسن والصباحة والصفاء والبياض والمكنون المصون المخزون وقيل إنه ليس على الغلمان مشقة في خدمة أهل الجنة بل لهم في ذلك اللذة والسرور إذ ليست تلك الدار دار محنة وذكر عن الحسن أنه قال قيل يا رسول الله الخادم كاللؤلؤ فكيف المخدوم فقال ((والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)) {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} أي يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف في الدنيا عن ابن عباس وهو قوله {قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} أي خائفين في دار الدنيا من العذاب.

 {فمن الله علينا و وقانا عذاب السموم} أي عذاب جهنم والسموم من أسماء جهنم عن الحسن وقيل أن المعنى يسأل بعضهم بعضا عما فعلوه في الدنيا فاستحقوا به المصير إلى الثواب والكون في الجنان فيقولون إنا كنا في دار التكليف مشفقين أي خائفين رقيقي القلب فإن الإشفاق رقة القلب عما يكون من الخوف على الشيء والشفقة نقيض الغلظة وأصله الضعف من قولهم ثوب شفق أي ضعيف النسج ومنه الشفق للحمرة عند غروب الشمس لأنها حمرة ضعيفة وقوله {في أهلنا مشفقين} يريد فيمن يختص به ممن هو أولى بنا والأهل هو المختص بغيره من جهة ما هو أولى به والسموم الحر الذي يدخل في مسام البدن يتألم به وأصله من السم الذي هو مخرج النفس فكل خرق سم أومن السم الذي يقتل قال الزجاج يريد عذاب سموم جهنم وهوما يوجد من لفحها وحرها {إنا كنا من قبل} أي في الدنيا {ندعوه} أي ندعو الله تعالى ونوحده ونعبده {إنه هو البر} أي اللطيف وأصله اللطف مع عظم الشأن ومنه البرة للطفها مع عظم النفع بها وقيل البر الصادق فيما وعده {الرحيم} بعباده .

____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص275-277.

2- وبعض النسخ : والمؤمن لا يكون.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

قال تعالى : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ ونَعِيمٍ فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ و وَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ } .

اتقوا اللَّه في الدنيا فوقاهم في الآخرة عذاب النار ، وجعل الجنة لهم ثوابا يتنعمون فيها ، لا يشغلهم عن ملذاتها شاغل {كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .

أنتم أيها المتقون أحق بهذا النعيم لأنكم عملتم له بإخلاص . . وتدل الآية على أنه لا كرامة عند اللَّه لمخلوق كائنا من كان إلا بالعمل ، أما المناصب والأنساب والأموال فما هي بشيء إلا إذا كانت وسيلة للخير والصالح العام {مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ } . والاتكاء على السرر مع التفرغ للملذات يدل على التحرر من مشاكل الحياة وأتعابها {وزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}  يحار العقل والطرف من حسنهن وكمالهن . . . ويا لها من نعمى ! .

{والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} . ليس من شك ان الأطفال الصغار لا يعذبون بحال ، سواء أكان آباؤهم من الأخيار أم الأشرار ، إذ لا عقاب بلا عصيان ، ولا عصيان بلا تكليف ، وقد رفع سبحانه القلم عن الصبي حتى يحتلم ، وكرر سبحانه في العديد من الآيات : {ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} - 164 الأنعام . أما قول من قال : ان ولد الكافر يدخل النار لأنه لو عاش لاعتنق دين أبيه ، أما هذا القول فمتروك لأن اللَّه يحاسب الإنسان على ما فعل ، ولا يحاسبه على ما لو استطاع لفعل .

وتسأل : هل الأطفال الصغار يحشرون ويدخلون الجنة ؟ .

الجواب : لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا كتاب اللَّه وسنة نبيه ، لأن العقل لا يحكم هنا بشيء سلبا ولا إيجابا . ولا شيء في الكتاب والسنة المتواترة يدل على أن أطفال الكافرين يحشرون . . . وفي حديث عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ان أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم المتقين يوم القيامة . وقال كثير من المفسرين : ان الكبار المؤمنين من ذرية المتقين يلحقون بدرجة آبائهم العليا في الجنة ، وان كانوا دونهم في العمل الصالح لكي تقر بهم أعينهم ، واستدلوا بقوله تعالى : {والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } أي نزيد للأبناء كرامة للآباء ، ولا ننقص الآباء شيئا من ثوابهم ودرجاتهم .

وقال الإمامية والحنفية والشافعية والحنابلة : يحكم بإسلام الطفل تبعا لأحد أبويه ، فإن كانا مسلمين فذاك ، وان كان أحدهما مسلما والآخر كافرا فالطفل بحكم المسلمين

سواء أكان المسلم هو الأب أم كان كافرا لكن الأم كانت مسلمة ، أما المالكية فقالوا : العبرة بإسلام الأب فقط ولا أثر لإسلام الأم بالنسبة إلى الطفل .

{كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} فعليه وحده تبعة أعماله ، وبها يقبل غدا على اللَّه ، ولا يسأل عما فعل سواه {وأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ ولَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} .

خص سبحانه الفاكهة واللحم بالذكر لأنهما سيدا الطعام {يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْو فِيها ولا تَأْثِيمٌ } . يشربون منعشا بلا سكر ولا عربدة ، ولا ما يستوجب الإثم والمؤاخذة على قول أو فعل {ويَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ}  صفاء وبهاء . . . وقوله تعالى : {لهم} إشارة إلى ان الغلمان يأتمرون بأمرهم وينتهون بنهيهم .

{وأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} يسأل بعضهم بعضا : كيف كان في دار الدنيا ؟ وبماذا استحق من اللَّه هذه الكرامة . وتقدم مثله في الآية 50 من سورة الصافات {قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ} . اتقينا اللَّه في دار الدنيا خوفا من غضبه وطمعا في ثوابه {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا} برحمته وخصّنا بنعمته { و وَقانا عَذابَ السَّمُومِ } الذي يذيب الجلود ، ويشوى الوجوه {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُو الْبَرُّ الرَّحِيمُ }. كنا في الدنيا رحماء أبرارا ، فكان اللَّه بنا في الآخرة برا رحيما .

___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص163-165.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {إن المتقين في جنات ونعيم} الجنة البستان تجنيه الأشجار وتستره، والنعيم النعمة الكثيرة أي إن المتصفين بتقوى الله يومئذ في جنات يسكنون فيها ونعمة كثيرة تحيط بهم.

قوله تعالى: {فاكهين بما آتاهم ربهم و وقاهم ربهم عذاب الجحيم} الفاكهة مطلق الثمرة، وقيل: هي الثمرة غير العنب والرمان، ويقال: تفكه وفكه إذا تعاطى الفكاهة، وتفكه وفكه إذا تناول الفاكهة، وقد فسرت الآية بكل من المعنيين فقيل: المعنى: يتحدثون بما آتاهم ربهم من النعيم، وقيل: المعنى: يتناولون الفواكه والثمار التي آتاهم ربهم، وقيل: المعنى: يتلذذون بإحسان ربهم ومرجعه إلى المعنى الأول، وقيل: معناه فاكهين معجبين بما آتاهم ربهم، ولعل مرجعه إلى المعنى الثاني.

وتكرار {ربهم} في قوله: {و وقاهم ربهم عذاب الجحيم} لإفادة مزيد العناية بهم.

قوله تعالى: {كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون{ أي يقال لهم: كلوا واشربوا أكلا وشربا هنيئا أو طعاما وشرابا هنيئا، فهنيئا وصف قائم مقام مفعول مطلق أو مفعول به.

وقوله: {بما كنتم تعملون} متعلق بقوله: {كلوا واشربوا} أو بقوله: {هنيئا}.

قوله تعالى: {متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين} الاتكاء الاعتماد على الوسادة ونحوها، والسرر جمع سرير، ومصفوفة من الصف أي مصطفة موصولة بعضها ببعض، والمعنى: متكئين على الوسائد والنمارق قاعدين على سرر مصطفة.

وقوله: {وزوجناهم بحور عين{ المراد بالتزويج القرن أي قرناهم بهن دون النكاح بالعقد، والدليل عليه تعديه بالباء فإن التزويج بمعنى النكاح بالعقد متعد بنفسها، قال تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا } [الأحزاب: 37] كذا قيل.

قوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} إلخ، قيل: الفرق بين الاتباع واللحوق مع اعتبار التقدم والتأخر فيهما جميعا أنه يعتبر في الاتباع اشتراك بين التابع والمتبوع في مورد الاتباع بخلاف اللحوق فاللاحق لا يشارك الملحوق في ما لحق به فيه.

ولات وألات بمعنى نقص فمعنى ما ألتناهم ما نقصناهم شيئا من عملهم بالإلحاق.

وظاهر الآية أنها في مقام الامتنان فهو سبحانه يمتن على الذين آمنوا أنه سيلحق بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان فتقر بذلك أعينهم، وهذا هو القرينة على أن التنوين في {إيمان} للتنكير دون التعظيم.

والمعنى: اتبعوهم بنوع من الإيمان وإن قصر عن درجة إيمان آبائهم إذ لا امتنان لوكان إيمانهم أكمل من إيمان آبائهم أو مساويا له.

وإطلاق الاتباع في الإيمان منصرف إلى اتباع من يصح منه في نفسه الإيمان ببلوغه حدا يكلف به فالمراد بالذرية الأولاد الكبار المكلفون بالإيمان فالآية لا تشمل الأولاد الصغار الذين ماتوا قبل البلوغ، ولا ينافي ذلك كون صغار أولاد المؤمنين محكومين بالإيمان شرعا.

اللهم إلا أن يستفاد العموم من تنكير الإيمان ويكون المعنى: واتبعتهم ذريتهم بإيمان ما سواء كان إيمانا في نفسه أو إيمانا بحسب حكم الشرع.

وكذا الامتنان قرينة على أن الضمير في قوله: {وما ألتناهم من عملهم من شيء} للذين آمنوا كالضميرين في قوله: {واتبعتهم ذريتهم} إذ قوله: {وما ألتناهم من عملهم من شيء} مسوق حينئذ لدفع توهم ورود النقص في الثواب على تقرير الإلحاق وهو ينافي الامتنان ومن المعلوم أن الذي ينافي الامتنان هو النقص في ثواب الآباء الملحق بهم دون الذرية.

فتحصل أن قوله: {والذين آمنوا} إلخ، استئناف يمتن تعالى فيه على الذين آمنوا بأنه سيلحق بهم أولادهم الذين اتبعوهم بنوع من الإيمان وإن كان قاصرا عن درجة إيمانهم لتقر به أعينهم، ولا ينقص مع ذلك من ثواب عمل الآباء بالإلحاق شيء بل يؤتيهم مثل ما آتاهم أو بنحو لا تزاحم فيه على ما هو أعلم به.

وفي معنى الآية أقوال أخر لا تخلو من سخافة كقول بعضهم إن قوله: {والذين آمنوا{ معطوف على {حور عين{ والمعنى: وزوجناهم بحور عين وبالذين آمنوا يتمتعون من الحور العين بالنكاح وبالذين آمنوا بالرفاقة والصحبة، وقول بعضهم: إن المراد بالذرية صغار الأولاد فقط، وقول بعضهم: إن الضميرين في {وما ألتناهم من عملهم من شيء{ للذرية والمعنى: وما نقصنا الذرية من عملهم شيئا بسبب إلحاقهم بآبائهم بل نوفيهم أعمالهم من خير أوشر ثم نلحقهم بآبائهم.

وقوله: {كل امرىء بما كسب رهين} تعليل لقوله: {وما ألتناهم من عملهم من شيء} على ما يفيده السياق، والرهن والرهين والمرهون ما يوضع وثيقة للدين على ما ذكره الراغب قال: ولما كان الرهن يتصور منه حبسه استعير ذلك لحبس أي شيء كان.

انتهى.

ولعل هذا المعنى الاستعاري هو المراد في الآية والمرء رهن مقبوض ومحفوظ عند الله سبحانه بما كسبه من خير أوشر حتى يوفيه جزاء ما عمله من ثواب أو عقاب فلو نقص شيئا من عمله ولم يوفه ذلك لم يكن رهين ما كسب بل رهين بعض ما عمل وامتلك بعضه الآخر غيره كذريته الملحقين به.

وأما قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ } [المدثر: 38، 39] ، فالمراد كونها رهينة العذاب يوم القيامة كما يشهد به سياق ما بعده من قوله: { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ } [المدثر: 40].

وقيل: المراد كون المرء رهين عمله السيىء كما تدل عليه آية سورة المدثر المذكورة آنفا بشهادة استثناء أصحاب اليمين، والآية أعني قوله: {كل امرىء بما كسب رهين} جملة معترضة من صفات أهل النار اعترضت في صفات أهل الجنة.

وحمل صاحب الكشاف الآية على نوع من الاستعارة فرفع به التنافي بين الآيتين قال: كان نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو مطالب به كما يرهن الرجل عبده بدين عليه فإن عمل صالحا فكها وخلصها وإلا أو بقها.

انتهى.

وأنت خبير بأن مجرد ما ذكره لا يوجه اتصال الجملة أعني قوله: {كل امرىء بما كسب رهين} بما قبلها.

قوله تعالى: {وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون} بيان لبعض تتماتهم وتمتعاتهم في الجنة المذكورة إجمالا في قوله السابق: {كلوا واشربوا هنيئا} إلخ.

والإمداد الإتيان بالشيء وقتا بعد وقت ويستعمل في الخير كما أن المد يستعمل في الشر قال تعالى: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا } [مريم: 79].

والمعنى: أنا نرزقهم بالفاكهة وما يشتهونه من اللحم رزقا بعد رزق ووقتا بعد وقت من غير انقطاع.

قوله تعالى: {يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم} التنازع في الكأس تعاطيها والاجتماع على تناولها، والكأس القدح ولا يطلق الكأس إلا فيما كان فيها الشراب.

والمراد باللغو لغو القول الذي يصدر من شاربي الخمر في الدنيا، والتأثيم جعل الشخص ذا إثم وهو أيضا من آثار الخمر في الدنيا، ونفي اللغو والتأثيم هو القرينة على أن المراد بالكأس التي يتنازعون فيها كأس الخمر.

قوله تعالى: {ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون} المراد به طوافهم عليهم للخدمة قال بعضهم: قيل: {غلمان لهم} بالتنكير ولم يقل: غلمانهم لئلا يتوهم أن المراد بهم غلمانهم الذين كانوا يخدمونهم في الدنيا فهم كالحور من مخلوقات الجنة كأنهم لؤلؤ مكنون مخزون في الحسن والصباحة والصفا.

قوله تعالى: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} أي يسأل كل منهم غيره عن حاله في الدنيا وما الذي ساقه إلى الجنة والنعيم؟.

قوله تعالى: {قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} قال الراغب: والإشفاق عناية مختلطة بخوف لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه قال تعالى: {وهم من الساعة مشفقون} فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر قال تعالى: {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين}، انتهى.

فالمعنى: أنا كنا في الدنيا ذوي إشفاق في أهلنا نعتني بسعادتهم ونجاتهم من مهلكة الضلال فنعاشرهم بجميل المعاشرة ونسير فيهم ببث النصيحة والدعوة إلى الحق.

قوله تعالى: {فمن الله علينا و وقانا عذاب السموم} المن على ما ذكره الراغب الإنعام بالنعمة الثقيلة ويكون بالفعل وهو حسن، وبالقول وهو قبيح من غيره تعالى، قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17].

ومنه تعالى على أهل الجنة إسعاده إياهم لدخولها بالرحمة وتمامه بوقايتهم عذاب السموم.

والسموم - على ما ذكره الطبرسي - الحر الذي يدخل في مسام البدن يتألم به ومنه ريح السموم.

قوله تعالى: {إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} تعليل لقوله: {فمن الله علينا} إلخ، كما أن قوله: {إنه هو البر الرحيم} تعليل له.

وتفيد هذه الآية مع الآيتين قبلها أن هؤلاء كانوا في الدنيا يدعون الله بتوحيده للعبادة والتسليم لأمره وكانوا مشفقين في أهلهم يقربونهم من الحق ويجنبونهم الباطل فكان ذلك سببا لمن الله عليهم بالجنة ووقايتهم من عذاب السموم، وإنما كان ذلك سببا لذلك لأنه تعالى بر رحيم فيحسن لمن دعاه ويرحمه.

فالآيات الثلاث في معنى قوله: { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 2، 3].

والبر من أسماء الله تعالى الحسنى، وهومن البر بمعنى الإحسان، وفسره بعضهم باللطيف.

___________________
1- الميزان ، الطبطبائي ، ج19 ، ص10-14.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

مواهب الله للمتّقين:

تعقيباً على المباحث الواردة في الآيات المتقدّمة حول عقاب المجرمين وعذابهم الأليم تذكر الآيات محلّ البحث ما يقابل ذلك من المواهب الكثيرة والثواب العظيم للمؤمنين والمتّقين لتتجلّى بمقايسة واضحة مكانة كلّ من الفريقين.

تقول الآية الاُولى من الآيات محلّ البحث: {إنّ المتّقين في جنّات ونعيم}.

والتعبير بـ «المتّقين» بدلا من المؤمنين، لأنّ هذا العنوان يحمل مفهوم الإيمان، كما يحمل مفهوم العمل الصالح أيضاً، خاصّة أنّ «التقوى» تقع مقدّمةً وأساساً للإيمان في بعض المراحل، كما تقول الآية 2 من سورة البقرة {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين} لأنّ الإنسان إذا لم يكن ذا تعهّد وإحساس بالمسؤولية وروح تطلب الحقّ وتبحث عنه ـ وكلّ ذلك مرحلة من مراحل التقوى ـ فإنّه لا يمضي في التحقيق عن دينه وعقيدته ولا يقبل هداية القرآن أبداً.

والتعبير بـ {في جنّات ونعيم} بصيغة الجمع والتنكير لكلٍّ منهما، إشارة إلى تنوّع الجنّات والنعيم وعظمتهما.

ثمّ يتحدّث القرآن عن تأثير هذه النِعَم الكبرى على روحية أهل الجنّة فيقول في الآية التالية: {فاكهين بما آتاهم ربّهم}(2).

خاصّةً أنّ الله قد طمأنهم وآمنهم من العقاب {و وقاهم ربّهم عذاب الجحيم}.

وهذه الجملة قد تكون ذات معنين .. الأوّل بيان النعمة المستقلّة قبال نعم الله الاُخر .. والثاني أن يكون تعقيباً على الكلام السابق، أي أنّ أهل الجنّة مسرورون من شيئين «بما آتاهم الله من النعم في الجنّة»، و«بما وقاهم من عذاب الجحيم».

والتعبير بـ «ربّهم» في الجملتين يشير ضمناً إلى نهاية لطف الله ودوام ربوبيته عليهم في تلك الدار.

ثمّ تشير الآية الاُخرى إشارةً إجمالية إلى نعم المتّقين في الجنّة فتقول: {كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون}.

والتعبير بـ «هنيئاً» هو إشارة إلى أنّ أطعمة الجنّة وشرابها السائغة غير المنغّصة، فهي ليست كأطعمة الدنيا وشرابها التي تجرّ الإنسان إلى الوبال عند الإفراط أو التفريط بها .. إضافةً إلى كلّ ذلك لا يحصل عليها بمشقّة، ولا يخاف من إنتهائها، ولذلك فهي هنيئة!(3).

ومن المعلوم أنّ أطعمة الجنّة هنيئة بذاتها، ولكنّ قول الملائكة لأهل الجنّة «هنيئاً» هذا القول له لطفه وعذوبته الخاصّة.

والنعمة الاُخرى التي يتمتّع بها أهل الجنّة هي كونهم: {متكّئين على سرر مصفوفة}.

فهم يلتذّون بالإستئناس إلى أصحابهم والمؤمنين الآخرين، وهذه لذّة معنوية فوق أيّة لذّة اُخرى!.

و«سرر» جمع سرير، وأصل المادّة هو «السرور» وتطلق السرر على الكراسي المهيأة لمجالس السرور ليُتكّأ عليها.

و«مصفوفة» من مادّة صف، ومعناها أنّ هذه السرر مرتبة واحداً إلى جنب الآخر ويتشكّل منه مجلس عظيم للاُنس.

ونقرأ في آيات متعدّدة من القرآن أنّ أهل الجنّه يجلسون على سرر متقابلين.

[الحجر الآية 47 والصافات الآية 44].

وهذا التعبير لا ينافي ما ورد في هذه الآية محلّ البحث، لأنّ مجالس الاُنس والسرور ترتّب الأسّرة فيها على شكل مستدير ومصفوفة جنباً إلى جنب، فجلاّسها على سرر مصفوفة متقابلون!.

والتعبير بـ «متكئين» إشارة إلى منتهى الهدوء، لأنّ الإنسان عند الهدوء يتكىء عادةً، والذين هم في قلق وحزن لا يرون كذلك!.

ثمّ يضيف القرآن بأنّا زوجناهم من نساء بيض جميلات ذوات أعين واسعة {وزوّجناهم بحور عين}(4).

هذه بعض من نعم أهل الجنّة المادية والمعنوية، إلاّ أنّهم لا يكتفون بهذه النعم فحسب، وإنّما تضاف إليها نعم ومواهب معنوية ومادية اُخر! {والذين آمنوا واتّبعتهم ذريّتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء}!.

وهذه نعمة بنفسها أيضاً أن يرى الإنسان ذريّته في الجنّة ويلتذّ برؤيتهم دون أن ينقص من عمله شيء أبداً.

ويفهم من تعبير الآية أنّ المراد من الذرية هم الأبناء البالغون الذين يسيرون في خطّ الآباء المؤمنين ويتّبعون منهجهم.

فمثل هؤلاء الأبناء وهذه الذريّة إذا كان في عملهم نقص وتقصير فإنّ الله سبحانه يتجاوز عنهم لأجل آبائهم الصالحين، ويرتفع مقامهم عندئذ فيبلغون درجة آبائهم، وهذه المثوبة موهبة للآباء والأبناء(5)!.

إلاّ أنّ جماعة من المفسّرين يعتقدون أنّ «الذريّة» هنا تشمل الأبناء الكبار والصغار جميعاً .. غير أنّ هذا التّفسير لا ينسجم مع ظاهر الآية، لأنّ الاتّباع بإيمان دليل على وصولهم مرحلة البلوغ أومقاربتهم لها.

إلاّ أن يقال أنّ الأطفال يصلون في يوم القيامة مرحلة البلوغ ويمتحنون فمتى نجحوا في الإمتحان التحقوا بالآباء، كما جاء هذا المعنى في الكافي إذ ورد فيه أنّه سئل الإمام عن أطفال المؤمنين فقال (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة جمعهم الله ويشعل ناراً فيأمرهم أن يلقوا أنفسهم في النار فمن ألقى نفسه سلم وكان سعيداً وجعل الله النار عليه برداً وسلاماً ومن إمتنع حرم من لطف الله»(6).

إلاّ أنّ هذا الحديث إضافةً إلى ضعف سنده يواجه إشكالات ومؤخذات في المتن أيضاً .. وليس هنا مجال لبيانها وشرحها.

وبالطبع فإنّه لا مانع أن يُلحق الأطفال بالآباء ويكونوا معهم في الجنّة .. إلاّ أنّ الكلام هو هل الآية الآنفة ناظرة إلى هذا المطلب أم لا؟ وقد قلنا إنّ التعبير بـ {اتّبعتهم ذريّتهم بإيمان} ظاهره أنّ المقصود هو الكبار.

وعلى كلّ حال ـ وحيث أنّ إرتقاء الأبناء إلى درجة الآباء يمكن أن يوجد هذا التوهّم أنّه ينقص من أعمال الآباء ويُعطى للأبناء فإنّ الآية تعقّب بالقول: {وما ألتناهم(7) من عملهم من شيء}.

وينقل ابن عبّاس عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إذا دخل الرجل الجنّة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال له إنّهم لم يبلغوا درجتَكَ وعملك. فيقول: ربّ قد عملت لي ولهم فيؤمر بالحاقهم به»(8).

ممّا ينبغي الإلتفات إليه أنّ القرآن يضيف في نهاية الآية: {كلّ امرىء بما كسب رهين}.

فلا ينبغي التعجّب من عدم إنقاص أعمال المتّقين، لأنّ هذه الأعمال مع الإنسان حيثما كان، وإذا أراد الله أن يُلحق أبناء المتّقين بهم تفضّلا منه ورحمة، فلا يعني ذلك أنّه سينقص من ثواب أعمالهم أي شيء!

وقال بعض المفسّرين: إنّ كلمة «رهين» هنا معناها مطلق، فكلّ إنسان مرهون بأعماله، سواءً أكانت صالحةً أم طالحة، ولا ينقص من جزاء أعماله شيء.

ولكن مع ملاحظة أنّ هذا التعبير لا يتناسب والأعمال الصالحة، فإنّ بعض المفسّرين قالوا: إنّ «كلّ امرىء» هنا إشارة إلى أصحاب الأعمال السيّئة! وإنّ كلّ إنسان مرهون بأعماله السيّئة فهو حبيسها وأسيرها.

ويستدلّون أحياناً بالآيتين (38 و39) من سورة المدثر .. {كلّ نفس بما كسبت رهينة إلاّ أصحاب اليمين}.

غير أنّ هذا التّفسير مع الإلتفات إلى سياق الآيات السابقة واللاحقة ـ التي تتكلّم في شأن المتّقين وليس فيها كلام على المشركين والمجرمين ـ يبدو غير مناسب!

وقبال هذين التّفسيرين الذين يبدو كلّ منهما غير مناسب ـ من بعض الوجوه ـ هناك تفسير ثالث ينسجم مع صدر الآية والآيات السابقة والآيات اللاحقة، وهو أنّ من معاني «الرهن» في اللغة «الملازمة»، وإن كان معروفاً أنّه الوثيقة في مقابل الدين، إلاّ أنّه يستفاد من كلمات أهل اللغة أنّ الرهن من معاينة الدوام والملازمة(9).

بل هناك من يصرّح بأنّ المعنى الأصلي للرهن هو الدوام والثبوت، ويعدّ الرهن بمعنى الوثيقة من إصطلاحات الفقهاء، لذلك فإنّه حين يقال «نعمة راهنة» فمعناها أنّها ثابتة ومستقرّة(10).

ويقول أمير المؤمنين في شأن الاُمم السالفة: «ها هم رهائن القبور ومضامين اللحود»(11).

فيكون معنى {كلّ امرىء بما كسب رهين} أنّ أعمال كلّ إنسان ملازمة له ولا تنفصل عنه أبداً، سواءً كانت صالحة أو طالحة، ولذلك فإنّ المتّقين في الجنّة رهينو أعمالهم، وإذا كان أبناؤهم وذريّاتهم معهم، فلا يعني ذلك أنّ أعمالهم ينقص منها شيء أبداً.

وأمّا في شأن الآية (39) من سورة المدثر التي تستثني أصحاب اليمين ممّا سبق، فيمكن أن تكون إشارةً إلى أنّهم مشمولون بألطاف لا حدّ لها حتّى كأنّ أعمالهم لا أثر لها بالقياس إلى ألطاف الله(12).

وعلى كلّ حال، فإنّ هذه الجملة تؤكّد هذه الحقيقة وهي أنّ أعمال الإنسان لا تنفصل عنه أبداً، وهي معه في جميع المراحل.

وقوله تعالى : {وَأَمْدَدْنَهُم بِفَكِهَة وَلَحْم مِّمَّا يَشْتَهُونَ ( 22 ) يَتَنَزَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْو فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ ( 23 ) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ( 24 ) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض يَتَسَآءَلُونَ( 4 ) قَالُوآ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ( 25 ) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَ وَقَنَا عَذَابَ السَّمُومِ( 26 ) إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُو الْبَرُّ الرَّحِيمُ}:

مواهب اُخرى لأهل الجنّة:

أشارت الآيات المتقدّمة إلى تسعة أقسام من مواهب أهل الجنّة، وتشير الآيات محلّ البحث إلى خمسة اُخر منها بحيث يستفاد من المجموع أنّ ما هو لازم للهدوء والطمأنينة والفرح والسرور واللذّة مهيّأ لهم في الجنّة!

فتشير الآية الاُولى من الآيات محلّ البحث إلى نوعين من طعام أهل الجنّة فتقول: {وأمددناهم بفاكهة ولحم ممّا يشتهون}.

«أمددناهم» مشتق من الإمداد ومعناه العطاء والزيادة والإدامة .. أي أنّ طعام الجنّة وفواكهها لا ينقص منهما شيء بتناولهما، وهما ليسا كطعام الدنيا وفواكهها بحيث يتغيّران أو ينقصان.

والتعبير بـ {ممّا يشتهون} يدلّ على أنّ أهل الجنّة أحرار تماماً في إنتخاب الأطعمة ونوعها وكميّتها وكيفيتها، فمهما طلبوا فهو مهيء لهم .. وبالطبع فإنّ طعام الجنّة غير منحصر بهذين النوعين اللحم والفاكهة، إلاّ أنّهما يمثّلان الطعام المهمّ، وتقديم الفاكهة على اللحم إشارة إلى أفضليّتها عليه.

ثمّ تشير الآية التالية إلى ما يشربه أهل الجنّة من شراب سائغ فتقول: {يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم}!

حيث يناول أحدهم الآخر كؤوس الشراب الطاهر من الإثم والإفساد، ويشربون شراباً سائغاً عذباً لذيذاً يهب النشاط خالياً من أي نوع من أنواع التخدير وفساد العقل! ولا يعقبه لغوولا إثم، بل كلّه لذّة وإنتباه ونشاط «جسمي وروحاني».

وكلمة «يتنازعون» من مادّة التنازع ومعناه أخذ بعضهم من بعض، وقد يأتي للمخاصمة والتجاذب، لذلك قال بعض المفسّرين بأنّ أهل الجنّة يتجاذبون الشراب الطهور بعضهم من بعض على سبيل المزاح والسرور.

لكن كما يستفاد من كلمات أهل اللغة أنّ «التنازع» متى أطلق معه لفظ الكأس أو ما أشبه فمعناه أخذ الكأس من يد الآخر! ولا يعني التخاصم أو التجاذب! وينبغي الإلتفات إلى هذه اللطيفة اللغوية وهي أنّ «الكأس» هي الإناء المملوء فإذا كان خالياً لا يطلق عليه كأس(13).

وعلى كلّ حال، فحيث أنّ التعبير بالكأس يُتداعى منه إلى الشراب المخدّر في الدنيا فإنّ الآية تضيف قائلة {لا لغو فيها ولا تأثيم} ولا يصدر على أثرها عمل قبيح كما يعقب الشراب المخدّر! فشراب هذه الكأس طهور نقي يجعلهم أكثر طهارةً وخلوصاً.

أمّا النعمة الرابعة المذكورة لأهل الجنّة فوجود الخدم والغلمان إذ تقول الآية: {ويطوف عليهم غلمان لهم كأنّهم لؤلؤ مكنون}.

و«اللؤلؤ المكنون» هو اللؤلؤ داخل صدفه، وهو في هذه الحالة شفّاف وجميل إلى درجة لا توصف وإن كان خارج الصدف شفّافاً وجميلا أيضاً، غير أنّ الهواء الملوّث والأيدي التي تتناوله كلّ ذلك يؤثّر فيه، فلا يبقى على حالته الاُولى من الشفّافية! فالغلمان وخدمة الجنّة هم إلى درجة من الصفاء حتّى كأنّهم اللؤلؤ المكنون كما يعبّر القرآن الكريم.

وبالرغم من أنّه لا حاجة في الجنّة إلى الخدمة، وما يطلبه الإنسان يجده أمامه، إلاّ أنّ هذا بنفسه إكرام أو إحترام آخر لأهل الجنّة!

وقد ورد في حديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين سئل عن أهل الجنّة فقيل له: يارسول الله إنّ الغلمان هم كاللؤلؤ المكنون فكيف حالة المؤمنين؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي نفسي بيده فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب(14).

والتعبير بـ (لهم) يدلّ على أنّ كلّ مؤمن له خدمة خاصّون به، وحيث أنّ الجنّة ليست مكاناً للهم والحزن فإنّ الغلمان يلتذّون بخدمتهم المؤمنين!.

وآخر نعمة في هذه السلسلة من النعم هي نعمة الطمأنينة وراحة البال من كلّ عذاب أو عقاب إذ تقول الآية التالية: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنّا كنّا في أهلنا مشفقين}.

فمع أنّنا كنّا نعيش بين ظهراني أهلنا وكان ينبغي أن نحسّ بالأمان والطمأنينة، إلاّ أنّنا كنّا مشفقين .. مشفقين أن تحدق بنا الحوادث المزعجة والمكدّرة لحياتنا وأن يصيبنا عذاب الله على حين غرّة في أيّة لحظة.

مشفقين أن يسلك أبناؤنا طريق الضلال، فيتيهوا في مفازة جرداء ويتحيّروا!

مشفقين أن يفجؤنا أعداؤنا القساة ويضيّقوا علينا الميدان! ولكن الله منّ علينا برحمته الواسعة: {فمنّ الله علينا و وقانا عذاب السموم}:

أجل: منّ الله الرحيم علينا فنجّانا من سجن الدنيا ووحشتها، وأنعم علينا في دار القرار وجنّات النعيم.

وحين يتذكّرون ماضيهم وجزئياته ويقيسونه بما هم عليه من حالة منعّمة! يعرفون قدر نعم الله ومواهبه الكبرى أكثر، وستكون تلك النعم ألذّ وأدعى للقلب، لأنّ القيم تتجلّى أكثر في القياس بين نعم الدنيا ونعم الآخرة.

والكلام الذي ينقله القرآن على لسان أهل الجنّة هنا يشير إلى إعترافهم بهذه الحقيقة وهي أنّ كون الله برّاً رحيماً يعرفه أهل الجنّة في ذلك الزمان أكثر من أي وقت مضى فيقولون: {إنّا كنّا من قبل ندعوه إنّه هو البرّ الرحيم}.

إلاّ أنّنا نعرف هذه الصفات الآن بشكل واقعي أكثر ممّا كنّا نعرفها، إذ شملنا برحمته العظيمة قبال هذه الأعمال التي لا تعدّ شيئاً وأحسن إلينا مع كلّ تلك الذنوب الكثيرة!.

أجل إنّ عرصة القيامة ونعم الجنّة مدعاة لتجلّي صفات الله وأسمائه، والمؤمنون يتعرّفون في عرصة القيامة على حقيقة أسماء الله تعالى وصفاته أكثر من أي زمن آخر.

حتّى الجحيم أيضاً تبيّن صفاته وحكمته وعدله وقدرته!

______________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13، ص270-277.

2 ـ كلمة «فاكهين» مشتقّة من فكه على وزن نظر ـ وفكاهة على وزن شباهة، ومعناها كون الإنسان مسروراً، وجعل الآخرين مسرورين بالكلام العذب. ويقول الراغب في مفرداته: الفاكهة معناها كلّ نوع من الثمار. والفكاهة أحاديث أهل الاُنس .. وقد إحتمل بعضهم أنّ الآية: فاكهين بما آتاهم ربّهم إشارة إلى تناول أنواع الفواكه وهذا المعنى يبدو بعيداً ..

3 ـ يقول الراغب في مفرداته: الهنيىء كلّ ما لا يلحق فيه المشقّة ولا يعقبه وخامة ..

4 ـ «الحور»: جمع (حوراء) وأحور، فهو جمع للمذكّر والمؤنث سواء، ويطلق على من حدقة عينه سوداء وبياضها شفّاف أوهو كناية عن الجمال، لأنّ الجمال يتجلّى في العينين قبل كلّ شيء، والعين جمع لأعين وعيناء معناه العين الواسعة، وهكذا فإنّ الحور العين مفهوماً واسع يشمل الأزواج جميعاً الذكور والإناث من أهل الجنّة فالذكور للإناث وبالعكس.

5 ـ الظاهر أنّ جملة والذين آمنوا جملة مستقلّة والواو للإستئناف، وقد إختار جماعة من المفسّرين هذا المعنى «كالعلاّمة الطباطبائي والمراغي وسيّد قطب» إلاّ أنّ العجب أن يعدّ الزمخشري هذه الجملة معطوفة على وزوّجناهم بحور عين مع أنّه لا يتناسب هذا المعنى ومفهوم النصّ ولا ينسجم مع فصاحة القرآن وبلاغته.

6 ـ نور الثقلين، ج5، ص139 بتصرّف وتلخيص.

7 ـ الفعل ألتناهم مشتق من مادّة ألَتَ على وزن ثَبَتَ: ومعناه الإنقاص.

8 ـ تفسير المراغي، ج27، ص26.

9 ـ لسان العرب، مادّة رهن ..

10 ـ مجمع البحرين، مادّة رهن.

11 ـ نهج البلاغة، من كتاب له 45.

12 ـ هناك تفاسير اُخر في أصحاب اليمين سنتناولها ذيل الآية من سورة المدثر إن شاء الله.

13 ـ قال الراغب في مفرداته: الكأس: الإناء بما فيه من الشراب وقال في مجمع البحرين كذلك فإذا خلا الإناء سمّي «قدحاً».

14 ـ راجع مجمع البيان، الكشّاف، روح البيان، روح الجنان.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .