أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-9-2017
5456
التاريخ: 25-9-2017
6577
التاريخ: 25-9-2017
4857
التاريخ: 25-9-2017
1960
|
قال تعالى : {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَو مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُو مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الذاريات: 31 - 46].
{قال} إبراهيم (عليه السلام) لهم {فما خطبكم} أي فما شأنكم ولأي أمر جئتم {أيها المرسلون} وكأنه قال قد جئتم لأمر عظيم فما هو{قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} أي عاصين لله كافرين لنعمه استحقوا العذاب والهلاك وأصل الجرم القطع فالمجرم القاطع للواجب بالباطل فهؤلاء أجرموا بأن قطعوا الإيمان بالكفر.
{لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك} هذا مفسر في سورة هود {للمسرفين} أي للمكثرين من المعاصي المتجاوزين الحد فيها وقيل أرسلت الحجارة على الغائبين وقلبت القرية بالحاضرين {فأخرجنا من كان فيها} أي في قرى قوم لوط {من المؤمنين} وذلك قوله فأسر بأهلك الآية وذلك أن الله تعالى أمر لوطا بأن يخرج هو ومن معه من المؤمنين لئلا يصيبهم العذاب {فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} أي غير أهل بيت من المسلمين يعني لوطا وبنتيه وصفهم الله بالإيمان والإسلام جميعا لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم والإيمان هو التصديق بجميع ما أوجب الله التصديق به والإسلام هو الاستسلام لوجوب عمل الفرض الذي أوجبه الله وألزمه ووجدان الضالة هو إدراكها بعد طلبها {وتركنا فيها} أي وأبقينا في مدينة قوم لوط {آية} أي علامة {للذين يخافون العذاب الأليم} أي تدلهم على أن الله أهلكهم فيخافون مثل عذابهم والترك في الأصل ضد الفعل ينافي الأخذ في محل القدرة عليه والقدرة عليه قدرة على الأخذ وعلى هذا فالترك غير داخل في أفعال الله تعالى فالمعنى هنا أنا أبقينا فيها عبرة ومثله قوله وتركهم في ظلمات وقيل إنه الانقلاب لأن اقتلاع البلدان لا يقدر عليه إلا الله تعالى .
ثم بين سبحانه ما نزل بالأمم فقال {وفي موسى} أي وفي موسى أيضا آية {إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين} أي بحجة ظاهرة وهي العصا {فتولي بركنه} أي فأعرض فرعون عن قبول الحق بما كان يتقوى به من جنده وقومه كالركن الذي يقوى به البنيان والباء في قوله {بركنه} للتعدية أي جعلهم يتولون {وقال} لموسى {ساحر أو مجنون} أي هو ساحر أو مجنون وفي ذلك دلالة على جهل فرعون لأن الساحر هو اللطيف الحيلة وذلك ينافي صفة المجنون المختلط العقل فكيف يوصف شخص واحد بهاتين الصفتين {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} أي فطرحناهم في البحر كما يلقى الشيء في البر {وهو مليم} أتى بما يلام عليه من الكفر والجحود والعتو.
{وفي عاد} عطف على ما تقدم أي وفي عاد أيضا آية أي دلالة فيها عظة وعبرة {إذ أرسلنا عليهم} أي حين أطلقنا عليهم {الريح العقيم} وهي التي عقمت عن أن تأتي بخير من تنشئة سحاب أو تلقيح شجر أو تذرية طعام أو نفع حيوان فهي كالمرأة الممنوعة عن الولادة إذ هي ريح الإهلاك ثم وصفها فقال {ما تذر من شيء أتت عليه} أي لم تترك هذه الريح شيئا تمر عليه {إلا جعلته كالرميم} أي كالشيء الهالك البالي وهو نبات الأرض إذا يبس وديس وقيل الرميم العظم البالي السحيق {وفي ثمود} أيضا آية {إذ قيل لهم تمتعوا} وذلك أنهم لما عقروا الناقة قال لهم صالح تمتعوا ثلاثة أيام وهو قوله {تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم} أي فخرجوا عن أمر ربهم ترفعا عنه واستكبارا {فأخذتهم الصاعقة} بعد مضي الأيام الثلاثة وهو الموت عن ابن عباس وقيل هو العذاب والصاعقة كل عذاب مهلك عن مقاتل.
{وهم ينظرون} إليها جهارا لا يقدرون على دفعها {فما استطاعوا من قيام} أي من نهوض والمعنى أنهم لم ينهضوا من تلك الصرعة {وما كانوا منتصرين} أي ممتنعين من العذاب وقيل معناه ما كانوا طالبين ناصرا يمنعهم من عذاب الله {وقوم نوح} أي وأهلكنا قوم نوح {من قبل} أي من قبل عاد وثمود {إنهم كانوا قوما فاسقين} أي خارجين عن طاعة الله إلى معاصيه وعن الإيمان إلى الكفر فاستحقوا لذلك الإهلاك .
____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، 9 ، ص263-266.
{ قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} . إبراهيم ( عليه السلام ) يسأل ضيوفه بعد أن عرف هويتهم : إلى أين ؟ وما ذا تبغون ؟ {قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} أي قوم لوط ، وهم مجرمون ومسرفون لأنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} . لنهلكهم بحجارة معلمة من طين صلب أعدها اللَّه لمن تجاوز الحد في الكفر ، وأسرف في البغي والفساد {فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} لئلا يصيبهم ما أصاب المجرمين المسرفين { فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وهم بيت لوط إلا امرأته كانت من الهالكين ( وتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الأَلِيمَ ) . ضمير فيها يعود إلى قرى قوم لوط أو مدينتهم ، والمراد بالآية الآثار التي تنبئ عن إهلاكهم وعذابهم ، لتكون تبصرة لمن تدبّر وعبرة لمن اتعظ . وتقدمت هذه الآيات في سورة الأعراف الآية 0 - 84 ج 3 ص 353 وفي سورة هود الآية 7 - 83 ج 4 ص 255 .
{وفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} . أرسل سبحانه موسى بمعجزات كافية وافية إلى فرعون ليردعه عن غيه وضلاله {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} أعرض مغترا بجنده وسلطانه { وقالَ ساحِرٌ أَو مَجْنُونٌ} . . ولما ذا موسى ساحر أو مجنون في منطق فرعون ؟ لأنه قال له : لست إلها يعبد ، وحذره مغبة البغي والطغيان {فأَخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وهُو مُلِيمٌ} . طغى وبغى وقال : أنا ربكم الأعلى فكان عاقبة أمره إغراقا ولوما . . ومن نافلة القول ان نشير إلى ما سبق من
التكرار ، وفي ج 5 ص 206 ذكرنا السبب الموجب لتكرار قصة موسى ، أما هنا فنقول : اللَّه أعلم .
{وفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ } . عاد هم قوم هود ، وقد أهلكهم اللَّه بريح عاصفة قاصفة ( ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) لا تمر بشيء إلا تهدم وتحطم . . وسبقت قصة هود مع قومه في سورة الأعراف الآية 5 - 72 ج 3 ص 347 وفي سورة هود الآية 0 - 60 ج 4 ص 239 .
{وفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} ثمود قوم صالح . وهذه الآية تشير إلى ما جاء في الآية 65 من سورة هود : {فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} . {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وهُمْ يَنْظُرُونَ} .
عصوا اللَّه والرسول ، فأنزل سبحانه عليهم العذاب من السماء ، ولما رأوه خارت قواهم {فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وما كانُوا مُنْتَصِرِينَ} وإذا أراد اللَّه بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال . وتقدمت قصة صالح مع قومه ثمود في سورة الأعراف الآية 3 - 79 ج 3 ص 350 وفي سورة هود الآية 1 - 68 ج 4 ص 244 {وقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ } أغرقهم اللَّه بذنوبهم {إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ} يفعلون الموبقات ، وينتهكون المحرمات . وتقدمت قصة نوح في سورة الأعراف الآية 9 - 64 ج 3 ص 344 وفي سورة هود الآية 5 - 49 ج 4 ص 222 .
__________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص154-155.
قال تعالى: {قال فما خطبكم أيها المرسلون - إلى قوله – للمسرفين} الخطب الأمر الخطير الهام، والحجارة من الطين الطين المتحجر، والتسويم تعليم الشيء بمعنى جعله ذا علامة من السومة بمعنى العلامة.
والمعنى: (قال إبراهيم (عليه السلام) {فما خطبكم} والشأن الخطير الذي لكم {أيها المرسلون} من الملائكة {قالوا} أي الملائكة لإبراهيم {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} وهم قوم لوط {لنرسل عليهم حجارة من طين} طينا متحجرا سماه الله سجيلا {مسومة} معلمة {عند ربك للمسرفين} تختص بهم لإهلاكهم، والظاهر أن اللام في المسرفين للعهد.
قوله تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين} - إلى قوله - العذاب الأليم} الفاء فصيحة وقد أوجز بحذف ما في القصة من ذهاب الملائكة إلى لوط وورودهم عليه وهم القوم بهم حتى إذا أخرجوا آل لوط من القرية، وقد فصلت القصة في غير موضع من كلامه تعالى.
فقوله: {فأخرجنا} إلخ بيان إهلاكهم بمقدمته، وضمير {فيها{ للقرية المفهومة من السياق، و{بيت من المسلمين} بيت لوط، وقوله: {وتركنا فيها آية} إشارة إلى إهلاكهم وجعل أرضهم عاليها سافلها، والمراد بالترك الإبقاء كناية وقد بينت هذه الخصوصيات في سائر كلامه تعالى.
والمعنى: فلما ذهبوا إلى لوط وكان من أمرهم ما كان {أخرجنا من كان فيها} في القرية {من المؤمنين فما وجدنا غير بيت} واحد {من المسلمين} وهم آل لوط {وتركنا فيها} في أرضهم بقلبها وإهلاكهم {آية} دالة على ربوبيتنا وبطلان الشركاء {للذين يخافون العذاب الأليم} من الناس.
قوله تعالى: {وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين} عطف على قوله: {وتركنا فيها آية} والتقدير وفي موسى آية، والمراد بسلطان مبين الحجج الباهرة التي كانت معه من الآيات المعجزة.
قوله تعالى: {فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون} التولي الإعراض والباء في قوله: {بركنه} للمصاحبة، والمراد بركنه جنوده كما يؤيده الآية التالية، والمعنى: أعرض مع جنوده، وقيل: الباء للتعدية، والمعنى: جعل ركنه متولين معرضين.
وقوله: {وقال ساحر أو مجنون} أي قال تارة هو مجنون كقوله: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [الشعراء: 27] ، وقال أخرى: هو ساحر كقوله: { إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} [الشعراء: 34].
قوله تعالى: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم} النبذ طرح الشيء من غير أن يعتد به، واليم البحر، والمليم الآتي بما يلام عليه من ألام بمعنى أتى بما يلام عليه كأغرب إذا أتى بأمر غريب.
والمعنى: فأخذناه وجنوده وهم ركنه وطرحناهم في البحر والحال أنه أتى من الكفر والجحود والطغيان بما يلام عليه، وإنما خص فرعون بالملامة مع أن الجميع يشاركونه فيها لأنه إمامهم الذي قادهم إلى الهلاك، قال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود: 98].
وفي الكلام من الإيماء إلى عظمة القدرة وهول الأخذ وهو أن أمر فرعون وجنوده ما لا يخفى.
قوله تعالى: {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} عطف على ما تقدمه أي وفي عاد أيضا آية إذ أرسلنا عليهم أي أطلقنا عليهم الريح العقيم.
والريح العقيم هي الريح التي عقمت وامتنعت من أن يأتي بفائدة مطلوبة من فوائد الرياح كتنشئة سحاب أو تلقيح شجر أو تذرية طعام أو نفع حيوان أو تصفية هواء كما قيل وإنما أثرها الإهلاك كما تشير إليه الآية التالية.
قوله تعالى: {ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} {ما تذر} أي ما تترك، والرميم الشيء الهالك البالي كالعظم البالي السحيق، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: {وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين - إلى قوله – منتصرين} عطف على ما تقدمه أي وفي ثمود أيضا آية إذ قيل لهم: تمتعوا حتى حين، والقائل نبيهم صالح (عليه السلام) إذ قال لهم: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [هود: 65] قال لهم ذلك لما عقروا الناقة فأمهلهم ثلاثة أيام ليرجعوا فيها عن كفرهم وعتوهم لكن لم ينفعهم ذلك وحق عليهم كلمة العذاب.
وقوله: {فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون} العتو- على ما ذكره الراغب - النبوء عن الطاعة فينطبق على التمرد، والمراد بهذا العتو العتو عن الأمر والرجوع إلى الله أيام المهلة فلا يستشكل بأن عتوهم عن أمر الله كان مقدما على تمتعهم - كما يظهر من تفصيل القصة - والآية تدل على العكس.
وقوله: {فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون} هذا لا ينافي ما في موضع آخر من ذكر الصيحة بدل الصاعقة كقوله: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ } [هود: 67] لجواز تحققهما معا في عذابهم.
وقوله: {فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين} لا يبعد أن يكون {استطاعوا} مضمنا معنى تمكنوا، و{من قيام} مفعوله أي ما تمكنوا من قيام من مجلسهم ليفروا من عذاب الله وهو كناية عن أنهم لم يمهلوا حتى بمقدار أن يقوموا من مجلسهم.
وقوله: {وما كانوا منتصرين} عطف على {ما استطاعوا} أي ما كانوا منتصرين بنصرة غيرهم ليدفعوا بها العذاب عن أنفسهم، ومحصل الجملتين أنهم لم يقدروا على دفع العذاب عن أنفسهم لا بأنفسهم ولا بناصر ينصرهم.
قوله تعالى: {وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين} عطف على القصص السابقة، و{قوم نوح{ منصوب بفعل محذوف والتقدير وأهلكنا قوم نوح من قبل عاد وثمود إنهم كانوا فاسقين عن أمر الله.
فهناك أمر ونهي كلف الناس بهما من قبل الله سبحانه وهو ربهم ورب كل شيء دعاهم إلى الدين الحق بلسان رسله فما جاء به الأنبياء (عليهم السلام) حق من عند الله ومما جاءوا به الوعد بالبعث والجزاء.
_____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص308-311.
مُدُنُ قوم لوط المدمّرة آية وعبرة:
تعقيباً على ما سبق من الحديث عن الملائكة الذين حلّوا ضيفاً على إبراهيم وبشارتهم إيّاه في شأن الولد «إسحاق» تتحدّث هذه الآيات عمّا دار بينهم وبين إبراهيم في شأن قوم لوط.
توضيح ذلك .. إنّ إبراهيم بعد ما اُبعد إلى الشام .. واصل دعوة الناس إلى الله ومواجهته لكلّ أنواع الشرك وعبادة الأصنام .. وقد عاصر إبراهيم الخليل «لوط» أحد الأنبياء العظام ويُحتمل أنّه كان مأموراً من قبله بتبليغ الناس وهداية الضالّين، فسافر إلى بعض مناطق الشام «أي مدن سدوم» فحلّ في قوم مجرمين ملوّثين بالشرك والمعاصي الكثيرة، وكان أقبحها تورّطهم في الإنحراف الجنسي واللواط، وأخيراً فقد أمر رهط من الملائكة بعذابهم وهلاكهم إلاّ أنّهم مرّوا بإبراهيم قبل إهلاكهم.
وقد عرف إبراهيم من حال الضيف (الملائكة) أنّهم ماضون لأمر مهمّ، ولم يكن هدفهم الوحيد البشرى بتولّد إسحاق، لأنّ واحداً منهم كان كافياً لمهمّة «البشارة». أو لأنّهم كانوا عَجِلين فأحسّ بأنّ لديهم «مأمورية» مهمّة.
لذلك فإنّ أوّل آية من الآيات محلّ البحث تحكي بداية المحاورة فتقول: {قال فما خطبكم أيّها المرسلون}(2).
فأماط الملائكة اللثام عن «وجه الحقيقة» ومأموريتهم فـ {قالوا إنّا اُرسلنا إلى قوم مجرمين}.
إنّهم قوم متلوّثين ـ إضافةً إلى عقيدتهم الفاسدة ـ بأنواع الآثام والذنوب المختلفة المخزية القبيحة(3).
ثمّ أضافوا قائلين: {لنرسل عليهم حجارة من طين} والتعبير بـ «حجارة من طين» هوما أشارت إليه الآية 82 من سورة هود بالقول من «سجّيل» وسجّيل كلمة فارسية الأصل مأخوذك من (سنگ + گل) ثمّ صارت في العرب سجّيل، فهي ليست صلبة كالحجر ولا رخواً كالورد، ولعلّها في المجموع إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّ هلاك قوم لوط المجرمين لم يكن يستلزم إنزال أحجار عظيمة وصخور وجلاميد من السماء، بل كان يكفي أن يمطروا بأحجار صغيرة ليست صلبة جدّاً كأنّها حبّات «المطر».
ثمّ أضاف الملائكة قائلين: {مسوّمة عند ربّك للمسرفين} كلمة مسوّمة تطلق على ما فيه علامة ووسم، وهناك أقوال بين المفسّرين في كيفية أنّها «مسوّمة»؟!
قال بعضهم إنّها كانت في شكل خاصّ يدلّ على أنّها ليست أحجاراً كسائر الأحجار الطبيعية، بل كانت وسيلة للعذاب.
وقال جماعة كان لكلّ واحدة منها علامة وكانت لشخص معيّن وعلامتها في نقطة خاصّة ليعلم الناس أنّ عقاب الله في منتهى الدقّة بحيث يُعلم من هذه الأحجار المسوّمة أنّ أيّ مجرم ينال واحدةً منها فيهلك بها.
كلمة «المسرفين» إشارة إلى كثرة ذنوبهم بحيث تجاوزت الحدّ وخرقوا ستار الحياء والخجل، ولو قدّر لبعض الدارسين أن يتفحّص حالات قوم لوط وأنواع ذنوبهم للاحظ أنّ هذا التعبير في حقّهم ذو مغزى كبير(4).
وكلّ إنسان من الممكن أن يقع في الذنب أحياناً، فلو تيقّظ بسرعة وأصلح نفسه يرتفع الخطر، وإنّما يكون خطيراً حين يبلغ حدّ الإسراف!.
ويكشف هذا التعبير عن مطلب مهمّ آخر، وهو أنّ هذه الحجارة السماوية التي اُعدت لتنزل على قوم لوط لا تختّص بهؤلاء القوم، بل معدّة لجميع المسرفين والعصاة المجرمين.
والقرآن هنا يكشف عمّا جرى لرسل الله إلى نبيّه لوط على أنّهم حلّوا ضيفاً عنده، وقد تبعهم قوم لوط بلا حياء ولا خجل ظنّاً منهم أنّهم غلمان نضِرون ليقضوا منهم وطرهم!! إلاّ أنّهم سرعان ما أحسّوا بخطئهم فإذا هم عُمي العيون، فيذكر قول الله فيهم(5) {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين}.
أجل فنحن لا نحرق الأخضر واليابس معاً، وعدالتنا لا تسمح أن يبتلى المؤمن بعاقبة الكافر حتّى ولوكان بين آلاف الآلاف من الكافرين رجل مؤمن طاهر لأنجيناه!
وهذا هوما أشارت إليه الآيتان 59 و60 من سورة الحجر بالقول: {إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ } [الحجر: 59، 60].
ونقرأ في سورة هود الآية 81 مثله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود: 81].
أمّا في سورة العنكبوت فقد وردت الإشارة في الآية (32) كما يلي: { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: 32].
كما أنّ هذا الموضوع ذاته مشار إليه في الآية (83) من سورة الأعراف: { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ } [الأعراف: 83].
وكما تلاحظون، أنّ هذا القسم من قصّة قوم لوط ورد في هذه السور الخمس في عبارات مختلفة وجميعها يتحدّث عن حقيقة واحدة .. إلاّ أنّه حيث يمكن أن ينظر إلى حادثة ما من زوايا متعدّدة وكلّ زاوية لها بعدها الخاصّ .. فإنّ القرآن ينقل الحوادث التاريخية ـ على هذه الشاكلة ـ غالباً، والتعابير المختلفة في الآيات المتقدّمة شاهدة على هذا المعنى.
أضف إلى ذلك أنّ القرآن كتاب تربوي وإنساني ـ وفي مقام التربية يلزم أحياناً أن يعول على مسألة مهمّة مراراً لتترك أثرها العميق في ذهن القارىء .. غاية ما في الأمر ينبغي أن يكون هذا التكرار بتعابير طريفة ومثيرة ومختلفة لئلاّ يقع السأم ويملّ الإنسان، وأن يكون الاُسلوب فصيحاً بليغاً!.
«ولمزيد التوضيح في شأن ضيف إبراهيم وما دار بينهم وبينه ثمّ عاقبة قوم لوط المرّة يراجع ذيل الآيات 83 من سورة الأعراف و81 من سورة هود و59 و60 من سورة الحجر و32 من سورة العنكبوت».
وعلى كلّ حال فإنّ الله سبحانه زلزل مدن قوم لوط وقلب عاليها سافلها ثمّ أمطرها بحجارة من سجّيل منضود ولم يبق منها أثراً .. حتّى أنّ أجسادهم دفنت تحت الأنقاض والحجارة! لتكون عبرةً لمن يأتي بعدهم من المجرمين والظالمين غير المؤمنين.
ولذلك فإنّ القرآن يضيف قائلا في آخر آية من الآيات محلّ البحث: {وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.
وهذا التعبير يدلّ بوضوح أنّ من يعتبر ويتّعظ بهذه الآيات هم الذين لديهم إستعداد للقبول في داخل كيانهم ويحسّون بالمسؤولية.
وقوله تعالى : {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَو مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُو مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} دروس العبرة من الأقوام السالفة:
يتحدّث القرآن في هذه الآيات محلّ البحث ـ تعقيباً على قصّة قوم لوط وعاقبتهم الوخيمة ـ عن قصص أقوام آخرين ممّن مضوا في العصور السابقة.
فيقول أوّلا: {وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين}.
«السلطان» ما يكون به التسلّط، والمراد به هنا المعجزة أو الدليل والمنطق العقلي القويّ أوكلاهما، وقد واجه موسى فرعون بهما.
والتعبير بـ (سلطان مبين) جاء في آيات القرآن المتعدّدة والمختلفة كثيراً .. وغالباً ما يراد منه الدليل المنطقي البيّن والواضح إلاّ أنّ فرعون لم يسلّم لمعجزات موسى الكبرى التي كانت شاهداً على إرتباطه بالله ولم يطأطىء رأسه للدلائل المنطقية .. بل بقي مصرّاً لما كان فيه من غرور وتكبّر {فتولّى بركنه وقال ساحر أو مجنون}.
«الركن» في الأصل القاعدة الأساسية أو الاُسطوانة(6) والقسم المهمّ من كلّ شيء، وهو هنا لعلّه إشارة إلى أركان البدن، أي أنّ فرعون أدار ظهره لموسى تماماً!
وقال بعضهم المراد بالركن هنا جيشه، أي أنّه اعتمد على أركان جيشه وتولّى عن رسالة الحقّ. أو أنّه صرف نفسه عن أمر الله وصرف أركان حكومته ـ وجيشه جميعاً عن ذلك أيضاً(7).
والطريف أنّ الجبابرة المتكبّرين حين كانوا يتّهمون الأنبياء بالكذب والإفتراء كانوا يتناقضون تناقضاً عجيباً. فتارةً يتّهمونهم بأنّهم سحرة، واُخرى بأنّهم مجانين، مع أنّ الساحر ينبغي أن يكون ذكيّاً وأن يعوّل على مسائل دقيقة ويعرف نفوس الناس حتّى يسحرهم ويخدعهم بها .. والمجنون بخلافه تماماً.
إلاّ إنّ القرآن يخبر عن فرعون الجبّار وأعوانه بقوله: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليمّ وهو مليم}.
«اليمّ»: كما هو مذكور في كتب اللغة وكتب الأحاديث يطلق على البحر، كما يطلق على الأنهار العظيمة كالنيل مثلا(8).
جملة «فنبذناهم» إشارة إلى أنّ فرعون وجنوده كانوا في درجة من الضعف أمام قدرة الله بحيث ألقاهم في اليمّ كأنّهم موجود لا قيمة ولا مقدار له.
والتعبير بـ (وهو مليم) إشارة إلى أنّ العقاب الإلهي لم يَمحُهُ فحسب بل التاريخ من بعده يلومه على أعماله المخزية ويذكرها بكلّ ما يشينه ويلعنه .. ويفضح غروره وتكبّره بإماطة النقاب عنهما.
ثمّ يتناول القرآن عاقبة قوم آخرين بالذكر وهم «قوم عاد» فيقول: {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم}.
وكون الريح عقيماً هو عندما تأتي الريح غير حاملة معها السحب الممطرة، ولا تلقح النباتات ولا تكون فيها أيّة فائدة ولا بركة وليس معها إلاّ الدمار والهلاك!.
ثمّ يذكر القرآن سرعة الريح المسلّطة على عاد فيقول: (ما تذر من شيء أتت عليه إلاّ جعلته كالرميم).
«الرميم» مأخوذ من الرمّة على زنة (المنّة) ـ وهي العظام النخرة البالية. والرُمَّة ـ على وزن القُبّة ـ هي الحبل المتآكل أو الخيط البالي والرِّم(9) على وزن الجنّ ـ ما يسقط من الخشب أو التبن على الأرض و«الترميم» معناه إصلاح الأشياء المتآكلة(10)!
وهذا التعبير يدلّ على أنّ سرعة الريح المسلّطة على قوم عاد لم تكن سرعة طبيعيّة، بل إضافةً إلى تخريبها البيوت وهدمها المنازل، فهي محرقة وذات سموم ممّا جعلت كلّ شيء رميماً.
أجل، هذه قدرة الله التي تدمّر القوم الجبّارين بسرعة الريح المذهلة فلا تبقي منهم ومن ضجيجهم وصخبهم وغرورهم إلاّ أجساداً تحوّلت رميماً.
وهكذا أشارت الآية آنفة الذكر إشارة عابرة عن عاقبة قوم «عاد» الأثرياء الأقوياء الذين كانوا يقطنون الأحقاف وهي منطقة «ما بين عمان وحضرموت».
ثمّ تصل النوبة إلى ثمود قوم صالح إذ أمهلهم الله قليلا ليتلقوا العذاب بعد ذلك .. فيقول الله فيهم: (وفي ثمود إذ قيل لهم تمتّعوا حتّى حين).
والمراد بـ (حتّى حين) هو الأيّام الثلاثة المشار إليها في الآية (65) من سورة هود إمهالا لهم: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] .
ومع أنّ الله قد أنذرهم بواسطة نبيّهم «صالح» (عليه السلام) مراراً .. إلاّ أنّه إتماماً للحجّة أمهلهم ثلاثة أيّام فلعلّهم يتداركون ما فرطوا في ماضيهم الأسود ويغسلوا صدأ الذنوب ـ بماء التوبة ـ عن قلوبهم وأرواحهم.
بل كما يقول بعض المفسّرين: ظهرت خلال الأيّام الثلاثة بعض التغيّرات في أبدانهم إذ صارت صفراً ثمّ حمراً ثمّ تحوّلت سوداً .. لتكون نذيراً لهؤلاء القوم المعاندين، إلاّ أنّهم وللأسف لم يؤثّر فيهم أي شيء من هذه الاُمور ولم ينزلوا عن مركب غرورهم.
أجل: {فعتوا عن أمر ربّهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون}.
كلمة «عتوا» مشتقّة من العتوـ على وزن غلوـ ومعناه الإعراض «بالوجه»، والإنصراف عن طاعة الله، والظاهر أنّ هذه الجملة إشارة إلى ما كان منهم من إعراض طوال الفترة التي دعاهم فيها نبيّهم صالح كالشرك وعبادة الأوثان والظلم وعقرهم الناقة التي كانت معجزة نبيّهم، لا الإعراض الذي كان منهم خلال الأيّام الثلاثة فحسب، وبدلا من أن يتوبوا وينيبوا غرقوا في غرورهم وغفلتهم.
والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 77].
والصاعقة والصاقعة كلاّ اللفظين بمعنى واحد تقريباً، وأصلهما الهوّي المقرون بالصوت الشديد، مع تفاوت بينهما، وهو أنّ الصاعقة تطلق على ما يقع في الأشياء السماوية والصاقعة في الأشياء فوق الأرض.
وكما يقول بعض أهل اللغة فإنّ «الصاعقة» تعني الموت حيناً أو العذاب أو النار حيناً آخر، وهذه الكلمة تطلق غالباً على الصوت الشديد الذي يسمع في السماء مقروناً بالنار المهلكة.
وقد أشرنا من قبل أنّ السحب ذات الشحنات الموجبة إذا إقتربت من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة، يحدث وميض كهربائي شديد من هذين مقروناً بصوت مرعب ونار محرقة يهتزلها مكان الحادث.
وفي القرآن الكريم إستعملت هذه الكلمة في الآية (19) من سورة البقرة بهذا المعنى بجلاء، لأنّه بعد أن يتحدّث القرآن عن الصيّب والبرق والرعد يضيف قائلا: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ } [البقرة: 19].
وأخيراً فإنّ آخر جملة تتحدّث عن شأن هؤلاء القوم المعاندين تقول: (فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين).
أجل: هكذا تدمّر الصاعقة حين تقع على الأرض بصورة مفاجئة، فلا يستطيع الإنسان أن ينهض من الأرض، ولا يقدر على الصريخ والإستنصار، وعلى هذه الحال هلك قوم صالح وكانوا عبرةً للآخرين.
أجل: إنّ قوم صالح (ثمود) الذين كانوا من القبائل العربية وكانوا يقطنون «الحجر» وهي منطقة تقع شمال الحجاز مع إمكانات مادية هائلة وثروات طائلة وعمّروا طويلا في قصور مشيّدة .. اُهلكوا بسبب إعراضهم عن أمر الله وطغيانهم وعنادهم والشرك والظلم، وبقيت آثارهم درساً بليغاً من العبر للآخرين.
وفي آخر آية من الآيات محلّ البحث إشارة قصيرة إلى عاقبة خامس اُمّة من الاُمم، وهي قوم نوح فتقول: {وقوم نوح من قبل إنّهم كانوا قوماً فاسقين}(11).
و«الفاسق» يُطلق على من يخرج على حدود الله وأمره، ويكون ملوّثاً بالكفر أوالظلم أوسائر الذنوب.
والتعبير بـ «من قبل» لعلّه إشارة إلى أنّ قوم فرعون وقوم لوط وعاداً وثمود كان قد بلغهم ما انتهى إليه قوم نوح من عاقبة وخيمة، إلاّ أنّهم لم يتنبهوا، فابتلوا بما ابتلي به من كان قبلهم من قوم نوح!
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13 ، ص224-233.
2 ـ ينبغي الإلتفات إلى أنّ «خطب» لا يطلق على كلّ عمل، بل هو خاصّ في الاُمور والأعمال المهمّة في حين أنّ كلمات مثل عمل، شغل، أمر، فعل، لها معان عامّة.
3 ـ ينبغي الإلتفات إلى أنّه في سورة هود جاء التعبير هكذا: إنّا اُرسلنا إلى قوم لوط، وهذا التفاوت في التعابير بين الآيات محلّ البحث وآيات سورة هود هو لأنّ كلا من الآيات يذكر قسماً ممّا جرى وبتعبير آخر هذه المسائل كلّها واقعة، غاية ما في الأمر أنّ بعضها مذكور في الآيات محلّ البحث وبعضها في الآيات الآنفة من سورة هود ..
4 ـ يراجع ذيل الآية (81) من سورة هود.
5 ـ الجدير بالنظر أنّ في سورة هود بياناً لهذه القصّة لكنّ التعابير فيها تدلّ بوضوح أنّ لقاء الملائكة لإبراهيم كان قبل معاقبة قوم لوط وهلاكهم مع أنّ الآيات محلّ البحث فيها تعابير تشير إلى أنّ اللقاء تمّ بعد المعاقبة والجزاء، وطريق الحلّ هو أن نقول أنّ الآيات الوارد ذكرها آنفاً إلى قوله: «مسوّمة عند ربّك للمسرفين» هي كلام الملائكة، وأمّا الآيات الثلاث بعدها فقول الله يخاطب نبيّه والمسلمين يتحدّث عنها على أنّها قصّة وقعت فيما مضى «فلاحظوا بدقّة»!
6 ـ الاُسطوانة معربة عن كلمة ستون الفارسية.
7 ـ فتكون الباء في بركنه حسب التّفسير الأوّل للمصاحبة، وحسب التّفسير الثاني للسببية، وحسب التّفسير الثالث للتعدية ..
8 ـ المراد بالمليم ذو الملامة ـ فهو اسم فاعل من اللوم وبابه الأفعال
[الام يُليم] أي هو الشخص الذي يرتكب عملا يكون بنفسه ملامة مثل المُغرب الذي يأتي بالعجيب الغريب .. ولمزيد التوضيح في قصّة موسى وفرعون يراجع ذيل الآية 136 من سورة الأعراف.
9 ـ راجع: المفردات للراغب مادّة رمّ.
10 ـ راجع: لسان العرب والمفردات مادّة رمّ.
11 ـ هناك حذف في الجملة المتقدّمة وتقديره كما يقول «الزمخشري» في «الكشّاف» وأهلكنا قوم نوح من قبل، بالرغم من أنّ أهلكنا لم تكن في الآيات المتقدّمة إلاّ أنّ هذه الكلمة تستفاد منها بصورة جيّدة ..
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|