المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



الآمدي الناقد الأدبي  
  
15644   11:30 صباحاً   التاريخ: 26-7-2017
المؤلف : علي علي مصطفى صبح
الكتاب أو المصدر : في النقد الأدبي
الجزء والصفحة : ص :8-12
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

 

إن نقد الآمدي لشعر الطائيين ليس نقدًا للروح الشعرية، بما فيها من جوانب شتَّى، ومن مظاهر متنوعة، وآراء ذهب إليها الشاعر وشخصية فرضت نفسها على نتاجه، وحياة تلون هذا الإنتاج بلونها. وعقلية نبع ذلك الشعر من ينابيعها، واتجاهات جديدة اتجه إليها فنه، ونغمات جديدة أضافها إلى التراث الشعري، وإنما هو نقد للفكرة المجردة ولأسلوبها الشعري الذي ظهرت فيه. إذا كانت الفكرة والأسلوب بعيدين عن النهج العربي. فهو تحكيم للنهج العربي في أسلوب الشاعرين وألفاظهما ومعانيهما، فيردُّ منهما ما يردُّه الطبع العربي، ويقبل ما يقبله، من عناية باستقصاء سرقاتهما الشعرية الكثيرة. فهو نقد عقلي ولغوي أكثر منه نقدًا أدبيًّا شعريًّا، على أن الآمدي لا يكتفي في النقد بالناحية السلبية فقط، بل كثيرًا ما يتَّجه اتجاهًا ايجابيًّا جميلًا، فيأتي بالأبيات التي وقع فيها الخطأ مصحِّحَة أبدع تصحيح، ويلاحظ أن الآمدي حكم في الموازنة "عمود الشعر العربي تحكيمًا شديدًا".
وعمود الشعر هو كل التقاليد الفنية التي كان يتبعها الشاعر الجاهلي في ألفاظ القصيدة ومعانيها وأخيلتها وموسيقاها.
إن ثقافة الآمدي الأدبية العربية كانت تجعله يكثر في الموازنة من الاحتكام إلى التقاليد الأدبية للشاعر الجاهلي، وقد رأى الآمدي احتكام قدامة إلى عقله وإلى موازين أخرى، وثورة النقاد عليه فيما اصطنع من موازين، لذلك رأى أنه من الأسلم الاحتكام إلى الذوق العربي الشعري القديم وحده.
فإذا رأى قدامة مثلًا خطأ في الاستعارة عند أبي تمام بأن يأتي بها أبو تمام استعارة بعيدة، أو استعارة نابية عن ذوق العربي في الاستعمال كماء الملام، فإن الآمدي لا ينقد الشاعر في ذلك على أساس خارج عن الثقافة العربية الأدبية، ولكن يعود إلى طريق الشاعر الجاهلي القديم، فيجعلها الحكم في هذه المسألة.
على ذلك نلاحظ أن الموازنة ألفت في فترات منقطعة، يدلنا على ذلك عدم تساوق كل جزء من أجزائها في التأليف مع الذي يليه، وأن روح الآمدي مختلفة في ثناياه، فهو يذكر في آخر كل فصل من كتابه أنه سيضيف إلى البحث ما سيعثر عليه من أخطاء أو سرقات، وسيلحقه بما كتب وهو حين يقرّر في كتابه الموازنة أنه سيوازن بين شعر الشاعرين فيما يتفقان فيه من الموضوع، والوزن، والقافية، وإعرابها، ويعود فيجعل الموضوع فقط هو أساس الموازنة، وهو يكرر كثيرًا من آرائه ونقده.
على أن كتاب الموازنة للآمدي من أجل الكتب التي ظهرت في النقد والموازنة. ولقد وقع هذا الكتاب أساس نقد الشعر والموازنة بين الشعراء. وهو بحق من أمهات الكتب التي ظهرت في النقد الأدبي وأصوله، وهو أيضا مصدر من مصادر البيان العربي، ومرجع من مراجعه، وقد اعتمد عليه البيان، مع أن الموازنة ليس كتاب بيان وبلاغة، وإنما هو نقد أدبي، وموازنة بين شاعرين، وليس بحثًا في البيان العربي وبلاغته.
والكتاب مقسم إلى خمسة أقسام وكل قسم يسمِّيه المؤلف جزء: فالجزء الأول يورد فيه الآمدي آراء النقاد في شعر "أبي تمام والبحتري" ويستقصي رأي المتعصبين لهذا أو ذاك، ويطلق لهذا الفريق الحرية في مجادلة ذلك الفريق، والجزء الثاني، ذكر فيه أخطاء أبي تمام من المعاني والألفاظ ... والجزء الثالث: يذكر فيه قبح استعارته ومستهجن جناسه ومستكره طباقه، وما ورد من شعره في سوء النظم وتعقيد التركيب، ووحشي الألفاظ مما خلا من بهاء الرونق وعذوبة السمع. ومما جعل التعسف على ديباجته. وظهرت مجاجة التصنيع في أعطاله. ويذكر ما وقع فيه من كثرة الزحافات، التي ضيعت موسيقى أوزانه الشعرية، حتى قال فيه دعبل: إن كلامه بالخطب والكلام المنثور أشبه منه بالشعر الموزون، ونلاحظ أن الجزء الرابع من الكتاب يحلل فيه الآمدي بإيجاز عيوب شعر البحتري مكتفيًا من ذلك ببيان بعض سرقاته، مع نفي الكثير منها عنه، بدعوى أن الاحتذاء كان في معانٍ لا خاصية، حتى ينسب إليه السرقة فيها.
أما الجزء الخامس فيوازن فيه بين الشاعرين في المعاني. التي اتفق موضوعها في شعرهما، ويبدأ تلك الموازنة بكلمة فيها صعوبة نقد الشعر، وأن لهذا الميدان أبطاله ممن عنوا بكثرة النظر في الشعر والارتياض فيه. وطول الملامسة له. ثم تلاحظ أن الآمدي يبين اتجاهه الأدبي. ... الذي تأثر به في الموازنة. وهو الاتجاه الذي جعله لا يرى بلاغة الشعر إلا في نظمه وأسلوبه وصحة طبعه، ذاكرًا أن الذين قدموا البحتري. إنما قدموه لأن له من ذلك ما ليس لسواه، وإن كانوا لا ينكرون على أبي تمام اجادته في المعاني، وكثرة استنباطه لها، وإغرابه فيها، هذا والآمدي في معظم ما كتب كان ناقدًا، ومحيطًا بكل أسرار اللغة ودقائق البيان، فهو يقف في نقده عند البيت في دقة ملاحظة، وسعة اطلاع. إذا وجد به خطأ في لفظ أو فسادٍ في تركيب، أو إحالة في معنًى. أو بعدًا عن النهج المألوف.
ونلاحظ أن لياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء رأيًا في الموازنة ونصّه: "كتاب الموازنة بين الطائيين في عشرة أجزاء، هو كتاب حسن وإن كان قد عيب عليه في مواضع منه، ونسب إلى الميل مع البحتري فيما أورده، والتعصُّب على أبي تمام فيما ذكره، والناس بعدُ فيه على فريقين:
فرقة قالت برأيه حسب رأيهم في البحتري وغلبة حبهم لشعره. وطائفة أسرفت في التقبيح للغضّ به، وأنه جدَّ واجتهد في طمس محاسن أبي تمام، وتزيين مرذول البحتري، ولعمري أن الأمر كذلك، وحسبك أنه بلغ في كتابه إلى قول أبي تمام: أصمَّ بك الناعي وإن كان أسمعا. تشرع في إقامة البراهين على تزييف هذا الجوهر الثمين، ولو أنصف كل واحد يقدر فضائله لكان من محاسن البحتري، كناية عن التعصب بالوضع من أبي تمام.
ولا شكَّ في تأثر الآمدي بآراء النقاد قبله، فهو يعتمد على آرائهم، ويستدلُّ بحكمتهم في النقد، وهو يروي الكثير عنهم في كل صفحة من صفحات الكتاب، وكل موضوع من موضوعاته، ونقل عن الأصمعي، وعن ابن الأعرابي وأستاذهما أبي عمرو بن العلاء، ونقل عن ابن سلام وابن قتيبة وسواهما من أئمة الأدب وعلماء الشعر، وهل هذه الانتقادات الكثيرة التي شحن بها الكتاب إلا صورة لآراء كثيرين من النقاد، التي جمعها الآمدي في موازنته؟ فأصول كتاب الموازنة ترجع إلى نقاد القرن الثالث. ومؤلفيه.

وقد صحَّ الآمدي بما يدلُّ على ذلك على أكثر من موضع من كتابه، وفضل الآمدي إنما هو في تدوينها وتنسيقها وإضافة آراء معاصريه إليها وتدبيجها بكثير من آرائه هو، وتعليل ما لم يعلِّل، فقد هضمت عقلية الرجل كل ذلك، فرتبته وأحسنت جمعه والاستدلال به، والزيادة عليه في التحليل والتعليل.
وذلك قيمة كبيرة لا سيما أن كتب النقد في القرن الثالث قد فقد أكثرها، ولا شكَّ أيضًا في أن الآمدي فيما سار عليه من مناهج في النقد والموازنة قد تأثر باتجاهات النقاد قبله ومناهجهم فيما ينقدون، وهل كان النقد قبل الآمدي إلا تحكيمًا للمنهج العربي في نثر الأديب ونظم الشاعر؟ وهل كان ابن العلاء وخلف وحماد والأصمعي وابن الأعرابي وسواهم من الأدباء والنقاد يميِّزون جيد الشعر من رديئه إلا بعرضه على ميزان الطبع العربي، وتحكيم الأسلوب العربي فيما ينقدون؟ وكذلك فعل الآمدي فقد أرجع إلى اللغة العربية بأصالة كل شيء في النقد، فهو ينقد شعر أبي تمام، وينقد البحتري، بتحكيم النهج العربي في شعر الشاعرين، وتحكيم الذوق العربي في كليهما، والأسلوب العربي في أساليبهما الشعرية فيردّ ما تردّه. ويقبل ما تقبَّله. فللعرب طريق خاصّ فيما ينطقون به من أساليب وتركيب ونظم، وفيما يتكلَّمون به من أفكار ومعانٍ وخيالات، وفيما ينظمون فيه شعرهم من أوزان، ولهم نهج خاص في مجازاتهم وتشبيهاتهم واستعاراتهم وتمثيلاتهم، وفيما يتفننون فيه من مقابلة أو طباق أو جناس أو سجع إلى غير ذلك، وذلك النهج العربي الخاص هو ما يجب على الشاعر أن يلتفت إليه، ويسترشد به، ويحتذى حذوه، وينظم شعره على مثاله، ثم هو ميزان النقد وأساسه، والناقد يحكم ذلك النهج الخاص فيما ينقد من شعر، فيقطن لها فيه من جمال وما فيه من قبح، ثم هو يدرك ذلك بطبعه وذوقه، وقد لا يجد إلى تصوير ما في نفسه من شعور بالقبح أو الجمال سبيلًا.
كذلك كان رأي الآمدي في النقد، وعلى هذا الضوء سار في نقد الطائيين، فقد عرض شعرهما هذا العرض، وفلَّاه هذه التفلية، وأخذ يظهر ما فيه من عيوب وأخطاء، ثم وازن بينهما. فيما لهما من روائع وحسنات حريصًا على وحدة الموضوع، إذا تعسَّر عليه مع ذلك مراعاة وحدة الوزن والقافية وإعرابها. وقد سار نقاد الشعر العربي بعد عهد الآمدي في النقد على هذه الطريقة وذلك المذهب، وصار ذلك الاتجاه خطة علمية مقررة، وأصبح هو النهج الفني لنقاد العرب جميعًا، ومن الواضح، أن هذا النهج بعيد الصلة عن منهج قدامة بن جعفر الذي فصله في كتابه "نقد الشعر"، والذي بناه على أساس عقلي مع عناية بجميع أصول قدامة من قواعد العقل والمنطق فصدر عن حكمها في النقد، أما الآمدي فقد حكم الذوق الأدبي وحده والروح العربية والاتجاهات الخاصة بالعرب وبلغتهم العربية".
أما تأثر الآمدي بقدامة في بحوث البيان ونظرياته فقليل؛ لاختلاف ثقافة الرجلين واتجاههما. فالآمدي أديب لغوي وقدامة أديب فيلسوف. والآمدي غلطه في كتابه "نقد الشعر وهو ينقد رأي قدامه في الطباق وحقيقته ونقده نقدًا لاذعًا تبعه فيه ابن الأثير.
ونلاحظ أن الآمدي يذهب إلى أن البلاغة للفظ، وقدامة يجعلها للفظ والمعنى. ويجعل الآمدي مادة الشعر هي الألفاظ ويجعلها قدامة هي المعنى. ولكن الآمدي على كل حال أفاد من نقد الشعر لقدامة واقتبس منه.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.