أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-7-2017
833
التاريخ: 5-7-2017
1464
التاريخ: 4-7-2017
2611
التاريخ: 4-7-2017
3761
|
ذكر موت المنصور ووصيته:
وفي هذه السنة توفي المنصور لست خلون من ذي الحجة ببئر ميمون وكان على قيل قد هتف به هاتفا من قصره بالمدينة فسمعه يقول:
أمـــا ورب السكـون والحـــرك *** أن المنـــــايا كثيــــــرة الشـرك
عليـك يا نفس أن أســـأت وإن *** أحسنـــت بالقصــــد كل ذاك لكي
مـــا أختلف الليــــل والنهــــار *** ولا دارت نجوم السماء في الفلك
الا بنقـــر السلطـــان عـن ملك *** إذا انتهـــــى ملكــــه إلـــــى ملك
حتـــى يصيـــرانـــــه إلا مــلك *** مـــا عــــز سلطـــــــانه بمشترك
ذاك بديع السماء والأرض وال *** مرســــي الجبــــال المسخر الفلك
فقال المنصور هذا أوان أجلي قال الطبري وقد حكى عبد العزيز بن مسلم أنه قال دخلت على المنصور يوما أسلم عليه فإذا هو باهت لا يحير جوابا فوثبت لما أرى منه لأنصرف فقال لي بعد ساعة إني رأيت في المنام كأن رجلا ينشدني هذه الأبيات:
أخـي خفضا من مناك *** فكأن يــومك قد أتاك
ولقد أراك الــدهر من *** تصــريفه ما قد أراك
فإذا أردت الناقص ال *** العبد الذليل فأنت ذاك
ملكـــت مـــــا ملكتـه *** والأمر فيه إلى سواك
هذه الذي ترى من قلقي وغمي لما سمعت ورأيت فقلت خيرا رأيت يا أمير المؤمنين فلم يلبث أن خرج إلى مكة فلما سار من بغداد ليحج نزل قصر عبدويه فانقض في مقامه هناك كوكب لثالث بقين من شوال بعد إضاءة الفجر فبقي أثره بنا إلى طلوع الشمس فأحضر المهيد وكان قد صحبه ليودعه فوصاه بالمال والسلطان يفعل ذلك كل يوم من أيام مقامه بكره وعشية فلما كان اليوم الذي ارتحل فيه قال له إني لم أده شيئا إلى قد تقدمت إليك فيه وسأوصيك بخصال والله ما أظنك تفعل واحدة منها وكان له سفط فيه دفاتر علمه وعليه قفل لا يفتتح غيره فقال للمهدي انظر إلى هذا السفط فاحتفظ به فإن فيه علم أبائك ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فإن أحزنك فانظر في الدفتر الكبير فإن أصبت فيه ما تريد والا ففي الثاني والثالث حتى بلغ سبعة فإن ثقل عليك فالكراسة الصغيرة فإنك واجد فيها ما تريد وما أظنك تفعل وانظر هذه المدينة وإياك أن تستبدل بها غيرها وقد جمعت لك فيها الأموال ما أن كسر عليك الخراج عشر سنين كفاك لأرزاق الجندي والنفقات والذرية ومصلحة البعوث فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزا ما دام بيت مالك عأمرا وما أظنك تفعل وأوصيك بأهل بيتك أن تظهر كرامتهم وتحسن إليهم وتقدمهم وتوطئ الناس أعقابهم وتوليهم المنابر فإن عزك عزوهم وذكرهم لك وما أظنك تفعل وانظر مواليك وأحسن إليهم وقربهم واستكثر منهم فإنهم مادتك لشدتك أن نزلت بهم وما أظنك تفعل وأوصيك بخراسان خيرا فانهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم ودمائهم في دولتك ومن لا تخرج محبتك من قلوبهم فالتحسن إليهم وتتجاوز عن مسيئهم وتكافئهم عما كان منهم وتأوى وتخلف من مات منهم في أهله وولده وما أظنك تفعل وإياك أن تبني مدينة الشرقية فانك لا تتم بنائها وأظنك ستفعل وإياك أن تستعين برجل من بني سليم وأظن ستفعل وإياك أن تدخل النساء في أمرك وأظنك تفعل.
وقيل قال له:
ولدت في ذي الحجة ووليت في ذي الحجة وقد هجس في نفسي أني أموت في ذي الحجة في هذه السنة وإنما حداني على تلاحق ذلك فاتقي الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي يجعل الله لك فيما كربك وحزنك فرجا ومخرجا ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب، يا بني احفظ محمدا في أمته يحفظك الله ويحفظ عليك أمورك وإياك والدم الحرام فانه حوب عند الله عظيم وعار في الدنيا لازم مقيم والزم الحدود فان فيها خلاصك في الأجل وصلاحك في العاجل ولا تعتد فيها فتبور فان الله تعالى لو علم شيئا اصلح منها دينه وازجر عن معاصيه لأمر به في كتابه، واعلم أن من شدة غضب الله لسلطانه انه أمر في كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على من سعى في الأرض فسادا مع ما ذخر عنده من العذاب العظيم فقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] ، فالسلطان يا بني حبل الله المتين وعروته الوثقى ودينه القيم فاحفظه وحصنه وذب عنه وأوقع بالملحدين فيه واقمع الماردين منه واقتل الخالدين عن بالعقاب ولا تجاوز ما أمر الله به في محكم القرآن واحكم بالعدل ولا تشطط فان ذلك اقطع للشغب واحسم للعدو وانجع في الدواء وعف عن الفيء فليس بك إليه حاجة ما مع خله الله لك وافتتح عملك بصلة الرحم وبر القرابة وإياك والأثر والتبذير في أموال الرعية واشحن الثغور واضبط الأطراف وأمن السبل وسكن العامة وادخل المرافق عليهم وادفع المكارة عنهم واعد الأموال واخزنها وإياك والتبذير فان النوائب غير مأمونة وهي من شيم الزمان واعد الكراع والرجال والجند ما استطعت وإياك وتأخير عمل اليوم إلى الغد فتتدارك عليك الأمور فتضيع جد في أحكام الأمور النازلات في أوقاتها أولا بأول واجتهد وشمر فيها واعد رجالا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار ورجلا بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل وباشر الأمور بنفسك ولا تضجر ولا تكسل واستعمل حسن الظن بربك واسئ الظن بعمالك وكتابك وخذ نفسك بالتيقظ وتفقد من تثبت على بابك وسهل اذنك للناس وانظر في أمر النزاع إليك ووكل بهم عينا غير نائمة ونفسا غير لاهية ولا تنم وإياك فان أباك لم ينم منذ ولي الخلافة ولا دخل عينه الغمض إلا وقلبه مستيقظ هذه وصيتي والله خليفتي عليك.
ثم ودعه وبكى كل واحد منهما إلى صاحبه، ثم سار إلى الكوفة وجمع بين الحج والعمرة وساق الهدي واشعره وقلده لأيام خلت من ذي القعدة فلما سار منازل من الكوفة عرض له وجعه الذي مات به وهو القيام فلما اشتد وجعه جعل يقول للربيع بادرني حرم ربي هاربا من ذنوبي وكان الربيع عديله ووصاه بما أراد فلما وصل إلى بئر ميمون مات بها مع السحر لست خلون من ذي الحجة ولم يحضره عند وفاته إلا خدمه والربيع مولاه فكتم الربيع موته ومنع من البكاء عليه ثم اصبح فاحضر أهل بيته كما كانوا يحضرون وكان أول من دعا عمه عيسى بن علي فمكث ساعة ثم اذن لابن أخيه عيسى بن موسى وكان فيما خلا يقدم على عيسى بن علي ثم اذن للأكابر وذوي الأسنان منهم ثم لعامتهم فبايعهم الربيع للمهدي ولعيسى بن موسى بعده على يد موسى الهادي بن المهدي فلما فرغ من بيعة بني هاشم بايع القواد وبايع عامة الناس، وسار العباس بن محمد ومحمد بن سليمان إلى مكة ليبايع الناس فبايعوا بين الركن والمقام واشتغلوا بتجهيز المنصور ففرغوا منه العصر وكفن وغطي وجهه وبدنه وجعل رأسه مكشوفا لأجل إحرامه وصلى عليه عيسى بن موسى وقيل إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ودفن في مقبرة المعلاة وحفروا له مئة قبر ليغموا على الناس ودفن في غيرها ونزل في قبره عيسى بن علي وعيسى بن محمد والعباس بن محمد والربيع والريان مولياه ويقطين وكان عمره ثلاثا وستين سنة وقيل أربع وستين وقيل ثمانيا وستين سنة، فكانت مدته خلافته اثنتين وعشرين سنة إلا أربعة وعشرين يوما وقيل إلا ثلاثة أيام وقيل إلا ستة وقيل إلا يومين وقيل في موته انه لما نزل آخر منزل بطريق مكة نظر في صدر البيت الذي نزل فيه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن
أبا جعفر حـانت وفاتك وانقضت *** سنـوك وأمـر الله لا بـد واقع
أبــا جعفــر هل كــاهن أم منجم *** لك اليوم من حر المنية مانع
واحضر متولي المنازل وقال له ألم أمرك أن لا يدخل المنازل أحد من الناس قال والله ما دخله أحد منذ فرغ فقال اقرا ما في صدر البيت فقال ما أرى شيئا فاحضر غيره فلم ير فأملا البيتين ثم قال لحاجبه اقرا لي آية من كتاب الله فقرا: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] فأمر به فضرب ورحل من المنزل تطيرا فسقط عن دابته فاندق ظهره ومات ودفن ببئر ميمون والصحيح ما تقدم.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|