أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-1-2017
7394
التاريخ: 16-11-2016
1375
التاريخ: 8-4-2021
3774
التاريخ: 11-12-2018
1274
|
إن من الغرابة أن يتنكر بعض المؤلفين القدامى لكتاب المعتضد، مع أن المحدثين والحفاظ قد أخرجوا الكثير من تلك الأحاديث التي تنكر لها هؤلاء المؤلفون، وكثير منها طرقه لا مغمز فيها، فقصة مناصبة الاُمويّين ورأسهم أبو سفيان العداوة للنبي (صلى الله عليه وآله) هي من الاُمور التي لا يختلف فيها اثنان.
وأبو سفيان معروف منذ الجاهلية بأنه "كان من زنادقة قريش الثمانية" (1). وطائفة ترى أنه كان كهفاً للمنافقين منذ أسلم، وكان في الجاهلية ينسب الى الزندقة.
وفي خبر ابن الزبير أنه رآه يوم اليرموك، قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال أبو سفيان: إيه بني الأصفر! فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان:
الروم لم يبق منهم مذكور ... وبنو الاصفر الملوك ملوك
فحدّث به ابن الزبير أباه لما فتح الله على المسلمين، فقال الزبير: قاتله الله، يأبى إلاّ نفاقاً! أو لسنا خيراً له من بني الاصفر"؟ (2).
ومن الجدير بالذكر هاهنا، أن الطبري قد روى عن سيف بن عمر في خبر معركة اليرموك، قال: "وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس فيقول: الله الله، إنكم ذادة العرب، وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك، اللهم إن هذا يوم من أيامك، اللهم انزل نصرك على عبادك"! (3).
ولا عجب أن يتصدى زنديق الكوفة للمنافحة عن زنديق قريش.
وأورد ابن هشام شماتة أبي سفيان بالمسلمين في وقعة حنين. فقال نقلا عن ابن إسحاق:
فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال بما في أنفسهم من الضّغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر! وإن الأزلام لمعه في كنانته! (4).
وعندما بويع لأبي بكر، دخل أبو سفيان بن حرب على علي والعباس فقال: يا علي، وأنت يا عباس، ما بال هذا الأمر في أذل قبيلة من قريش، في تيم! أما والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا! فقال علي: يا أبا سفيان طالما غششت الإسلام!(5).
وعندما بويع لعثمان، دخل أبو سفيان عليه وقد عمي، فقال: ها هنا أحد؟ قالوا: لا، قال: اللهم اجعل الأمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني اُمية! (6).
وفي رواية أنه قال: قد صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني اُمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار!
ومع ذلك، فقد أخرج الإمام مسلم في فضائل أبي سفيان، عن ابن عباس، قال: كان المسلمون لا ينظرون الى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي (صلى الله عليه وآله): يا نبي الله، ثلاث أعطنيهن، قال: "نعم". قال: عندي أحسن العرب وأجمله: اُم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجك بها! قال: "نعم". قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك. قال: "نعم". قال: وتؤمرني حتى اُقاتل الكفار كما كنت اُقاتل المسلمين! قال: "نعم".
قال النووي في شرحه للحديث: واعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال! ووجه الإشكال أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وهذا مشهور لا خلاف فيه، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد تزوج اُم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل! قال أبو عبيدة وخليفة بن خياط وابن البرقي، والجمهور: تزوجها سنة ست، وقيل سنة سبع...
قال القاضي (عياض): والذي في مسلم هنا أنه زوجها أبو سفيان، غريب جداً! وخبرها مع أبي سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهور، ولم يزد القاضي على هذا.
وقال ابن حزم: هذا الحديث وهم من بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي (صلى الله عليه وآله) تزوج اُم حبيبة قبل الفتح بدهر وهي بأرض الحبشة، وأبوها كافر، وفي رواية عن ابن حزم أيضاً أنه قال: موضوع!! قال: والآفة فيه من عكرمة بن عمار الراوي، عن أبي زميل...(7).
أما القول بأن الحديث وهم من الرواة، فالأصح القول أنه من كذب الرواة الذين أرادوا أن يختلقوا هذه الفضائل لأبي سفيان تقرباً لمعاوية ورغبة فيما عنده من الدنيا وقد فطن ابن حزم لذلك، فالحقيقة أن الحديث لا يزيد عن قول ابن عباس بأن المسلمين كانوا لا ينظرون الى أبي سفيان ولا يقاعدونه، وهذا مطعن عليه وعلى بني اُمية، فزاد الرواة باقي الكلام ظناً منهم أنهم بذلك يتقربون لمعاوية وبني اُمية الذين كانوا يجزلون العطاء للكذابين من مختلقي الفضائل، وليس أدل على ذلك من الادعاء بأن أبا سفيان قد طلب من النبي (صلى الله عليه وآله) تأميره لقتال المشركين، وموافقة النبي على ذلك! فالنبي (صلى الله عليه وآله) لم يؤمر أبا سفيان على أي جيش، وموقفه في اليرموك وحنين يكفي للدلالة على نواياه تجاه الإسلام.
فكل ما في الأمر أن ابن عباس أراد أن يكشف عن موقف المسلمين من أبي سفيان الذي كان متهماً في دينه عندهم، وليس أدل على ذلك من الحديث الآخر الذي أخرجه مسلم في فضائل سلمان وصهيب وبلال، عن عائد بن عمرو، أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها! قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها! فأتى النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبره، فقال: "يا أبا بكر لعلك أغضبتهم! لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك!" فأتاهم ابو بكر فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟
قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي (8).
فالنبي (صلى الله عليه وآله) لم يعاتب الصحابة الذين عرّضوا بأبي سفيان، بل عاتب أبا بكر على أن يكون قد أغضبهم، ولو كانت لأبي سفيان كرامة عند النبي (صلى الله عليه وآله)، لظهر في موقفه من اُولئك الصحابة، ولكن موقف النبي قد كشف عن دناءة قدر أبي سفيان عنده!
هند بنت عتبة
أما زوج أبي سفيان: هند بنت عتبة، اُم معاوية، "فأخبارها مشهورة حتى قبل الإسلام، وشهدت اُحداً، وهي التي مثلت بجسد حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله)، حيث شقّت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها -ولذا لقبت بآكلة الاكباد- فلم تطق إساغتها، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: "لو أساغتها لم تمسها النار" (9).
وقول النبي (صلى الله عليه وآله) يدل على أن هنداً هي من أهل النار، وهي من دلائل نبوته، رغم أنها أسلمت بعد الفتح، ولكنها وزوجها وأبناءها ظلوا يسرّون أحقادهم على النبي وبني هاشم خاصة وعلى المسلمين عامة، ولا أدل على ذلك من جرأتها على النبي (صلى الله عليه وآله) حين أخذ البيعة منها واشترط فيما اشترط أن "لا يسرقن ولا يزنين" قالت له هند بنت عتبة: وهل تزني الحرة وتسرق يا رسول الله؟ فلما قال "ولا يقتلن أولادهن". قالت: قد ربّيناهم صغاراً وقتلتهم أنت ببدر كباراً! (10).
فجوابها هذا يدل على مدى ما كانت تحمله من حقد وضغن على النبي (صلى الله عليه وآله)، لأنها لم تنس أن دعوته كانت هي السبب في مقتل أبيها وأخيها وعمها في بدر!
مناقب معاوية ومثالبه:
في الواقع أن كلمة مناقب لا تبدو متناسبة مع سيرة معاوية إطلاقاً، وليس هذا من تقوّلنا عليه، بل هو مما اتفق عليه كبار الأئمة والعلماء، ولكن البعض يأبى إلاّ أن يختلق لمعاوية بعض الفضائل بوضع الأحاديث المناسبة للمقام، إلاّ أن الأعجب أن ينبري بعض الأئمة الحفّاظ - ممن شق عليه ألاّ يجد لمعاوية فضيلة صحيحة- لتحويل مثالب معاوية الى مناقب وفضائل! كما يفعل ابن كثير والذهبي وابن حجر الهيثمي وغيرهم، وقد تشبث البعض بالرواية التي جاءت في البخاري عن أبي مليكة، قال: أوتر معاوية بعد العشاء بركعة، وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس فقال: دعه فانه صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وفي رواية قال: إنه فقيه! (11).
قال ابن حجر العسقلاني في شرحه للحديث:
عبّر البخاري في هذه الترجمة بقوله ذكر، ولم يقل فضيلة ولا منقبة، لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب، لأن ظاهر شهادة ابن عباس بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير، وقد صنّف ابن أبي عاصم جزءاً في مناقبه، وكذلك أبو عمر غلام ثعلب، وأبو بكر النقّاش، وأورد ابن الجوزي في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها، ثم ساق عن اسحاق بن راهويه أنه قال: لم يصح في فضائل معاوية شيء فهذه النكتة في عدول البخاري عن التصريح بلفظ منقبة اعتماداً على قول شيخه، لكن بدقيق نظره استنبط ما يدفع به رؤوس الروافض. وقصة النسائي في ذلك مشهورة، وكأنه اعتمد أيضاً على قول شيخه إسحاق. وكذلك في قصة الحاكم.
وأخرج ابن الجوزي أيضاً عن طريق عبدالله بن أحمد بن حنبل، سألت أبي: ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: إعلم أن علياً كان كثير الأعداء، ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه، فأطروه كيداً منهم لعلي. فأشار بهذا الى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له.
وقد ورد في فضل معاوية أحاديث كثيرة، لكن ليس فيها ما يصح عن طريق الإسناد، وبذلك جزم اسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما (12).
أما الرواية الآنفة الذكر، والتي يتشبث بها أنصار معاوية ويعدونها منقبة لمعاوية، فهي في الحقيقة ليست منقبة ولا فضلا كما صرح به ابن حجر العسقلاني، إذ أن الصحبة وحدها لا تكفي فضلا، لأن العبرة بحسن العاقبة، وكم من الصحابة ارتدوا وماتوا مرتدين، وكما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) عن مآل الكثير من الصحابة في أحاديث الحوض التي أوردناها فيما سبق.
أما وصف ابن عباس لمعاوية بأنه فقيه، فلا شك أنه من باب التهكم عليه، لأن ابن عباس يعلم جيداً قصر باع معاوية في الفقه، لقلة فترة صحبته، وقد مرّ بنا فيما سبق كيف أن معاوية كان يعترض على بعض الصحابة بأنهم يروون أحاديث تتضمن أحكاماً فقهية خطيرة لم يسمع هو بها، كما أن ابن عباس كان يعرف جيداً ما أحدث معاوية من بدع يخالف بها شريعة الله وسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله)، ولقد ذمّ ابن عباس معاوية ولعنه في أكثر من موضع لهذا السبب، كما مر بنا فيما سبق، ولكن البعض يحاولون اقناع أنفسهم بأن قول ابن عباس هو تزكية لمعاوية، ولكن الأمر ليس كذلك قطعاً بعدما تعرفنا على رأي ابن عباس في معاوية. أما النسائي، فقد دفع حياته ثمناً للحقيقة، حينما أعلن في بلاد الشام أنه ليس لمعاوية فضيلة ولا منقبة.
روى الحافظ المزّي، عن أبي بكر محمد بن موسى بن يعقوب الهاشمي قوله: قيل له: ألا تُخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شيء اُخرج، "اللهم لا تشبع بطنه"!!
كما واُخرج عن الحاكم أبي عبدالله الحافظ: سمعت علي بن عمر يقول: كان أبو عبدالرحمان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار وأعلمهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج الى الرملة، فسئل عن فضائل معاوية، فأمسك عنه، فضربوه في الجامع فقال: أخرجوني الى مكة، فأخرجوه الى مكة وهو عليل، وتوفي بها مقتولا شهيداً (13).
وقد ادعى الحافظ المزي أن الإمام النسائي استشهد بدمشق من جهة الخوارج! (14).
وأخرج الذهبي عن ابن منده عن حمزة العقبي المصري وغيره، أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره الى دمشق، فسئل بها عن معاوية وما جاء من فضائله، فقال: ألا يرضى رأساً برأس حتى يفضل!
قال: فما زالوا يدفعون في خصييه حتى اُخرج من المسجد، ثم حُمل الى مكة فتوفي بها.
إن هذا يعطينا فكرة واضحة عن مدى تأثير الإعلام الاُموي في كثير من الناس، وبخاصة أهل الشام الذين اعتقدوا بصحة المناقب المفتعلة التي وضعها الكذابون من أكلة السحت لمعاوية، إلاّ أن الغريب أن تجد بعض المحدّثين يخرجون الكثير من هذه الفضائل ويروجونها في كتبهم رغم معرفتهم بأن أئمة الحديث -وعلى رأسهم إبن راهويه- قد حكموا بالإعدام على كل فضائل معاوية! والأعجب من ذلك أن يحاول بعض اُولئك الحفاظ أن يحولوا مثالب معاوية الى مناقب له.
______________
(1) المحبّر: 161.
(2) الاستيعاب 4: 240، الكامل في التاريخ 2: 414، الاصابة 2: 172، تهذيب تاريخ ابن عساكر 5: 536، 6: 406.
(3) تاريخ الطبري 3: 397.
(4) سيرة ابن هشام 4: 86.
(5) مختصر تاريخ دمشق 11: 65.
(6) الاستيعاب 4: 240، النزاع والتخاصم للمقريزي: 20، تهذيب تاريخ ابن عساكر 6: 409، الأغاني 6: 355.
(7) شرح صحيح مسلم للنووي 16: 279.
(8) صحيح مسلم 4: 1947.
(9) اُسد الغابة 7: 281.
(10) ترجمة هند من الاستيعاب: 4. 474 ـ الإصابة: 8 ـ 155، اُسد الغابة: 7 ـ 281.
(11) صحيح البخاري 5: 35، باب ذكر معاوية.
(12) فتح الباري: 7 ـ 104.
(13) تهذيب الكمال 1: 157 ترجمة النسائي.
(14) المصدر السابق 1: 154.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|