x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
معاوية وزعماء الشيعة
المؤلف: الشيخ راضي آل ياسين.
المصدر: صلح الحسن
الجزء والصفحة: ص 325- 350
13-4-2021
3592
معاوية وزعماء الشيعة
وكان موقف معاوية من زعماء الشيعة بعد صلحه مع الحسن موقف المنتقم الحاقد الذي لا تأخذه بهم رأفة ولا ذمة ولا « عهد »، وكان لخوفه من الدعاوة الفعالة التي يحملها هؤلاء السادة من زعماء الشيعة أثره فيما توفر عليه من القصد الى ايذائهم واقصائهم وقتلهم والتنكيل بهم. ولسنا الآن بسبيل استقصاء ما عمله معاوية تجاه هؤلاء الشيعة، ولا استقصاء ما كان ينويه بهم من خطط بعيدة الاهداف. ولكننا - لندل على مدى وفاء هذا الاموي بشروطه وأيمانه - سنورد في هذا الفصل بعض أعماله تجاههم وبعض نواياه بهم. وفي قليل من هذه الامثلة كفاية عن الكثير آثرنا تركه أو خفي علينا علمه.
وقد خسر تاريخ هؤلاء الشيعة انصاف المؤرخين بعد ذلك، ولعب التعصب الذميم دوره المهم في طمس معالم هذا التاريخ أحفل ما يكون بالقضايا البارزة التي كان من حقها أن تأخذ مكانها من عبرة الاجيال. وكان للسلطات الحاكمة عملها في توجيه ما يكتب للتاريخ أو يملى للحديث، حتى فيما يتناول أئمة الشيعة فضلاً عن زعمائهم أو سوادهم.
« روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا قال: ان اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً اليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم!.
« وقال المدائني عن عصر معاوية: وظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان اعظم الناس في ذلك بليةً القراء المراؤون، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقرّبوا مجلسهم، ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث الى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها، وهم يظنون انها حق، ولو علموا انها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها(١) ».
وقال ابن أبي الحديد: « وذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافي أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة. ومن التابعين عروة بن الزبير(٢) ».
اقول: وشيء قليل من حيدة في النظر ودقة في الاستنتاج يكفينا للقناعة بألوان التصرفات الكيفية الواسعة النطاق التي نكب بها كل من حديث الاسلام وتاريخ أحداثه معاً. حتى لقد يعز على المتتبع في ماجريات الحوادث الاسلامية الاولى ان لا يجد قضية من مهمات القضايا الاسلامية يومئذ سلمت في تناسقها التاريخي من الاصطدام بالمفارقات البعيدة التي تغمرها بالشك، ثم لا تزال تأخذ بها بين التيارات المتعاكسة ذات اليمين وذات الشمال.
ولا حاجة بنا بعد ذلك الى جمع الشهادات والتصريحات على شيوع الوضع(٣) وكثرة الوضاعين، لان خير شهود كل شيء ما كان منه مباشرة.
هاتيك القضايا التي لعبت الاهواء في التحدث عنها وضعاً ورفعاً وجمعاً وتفريقاً، وفقدت تحت تأثير هذا التلاعب المؤسف الذي لم يكن كله مقصوداً، كما لم يكن كله غير مقصود، روعة واقعها الاول. وكان من طبيعة هذا الوضع أن تختلف عليه الافهام، ويكثر حوله النقض والابرام. وما هي الا كنموذج واحد من قضايا كثيرة في تاريخ الاسلام ظلمها التاريخ وجللها بالظلام.
وانهم ليعرفون، وهم يؤرخون الحسن، مكانة الحسن في التاريخ ويعلمون أنهم انما يكتبون عن « أحد الاحدين » في العالم الاسلامي كله.
فكيف بهم اذا جاوزوا فيما يؤرخون مثل هذه النقطة المركزة، الى نقاط لا تبلغ في موضوعها خطورة امام؟.
لذلك يجب أن لا نطمع في موضوع [ معاوية وزعماء الشيعة ] بالحصول على الحقائق الكافية التي تملأ نهم البحث، ولا بالوقوف على الاحصاءات الصحيحة التي تسدّ نطاق الموضوع، بما يتناسب وحديث المدائني، وتفاصيل سليم بن قيس.
ذلك لأن كل شيء من هذا القبيل، وكل شيء من تاريخ الشيعة الصحيح، قد طغت عليه التصرفات المعارضة، وأكلته الاكاذيب المأجورة على طول التاريخ.
وليس لنا الآن، الا أن نعود فنتسقط الاخبار من هنا ومن هنالك لنعرض شيئاً له صورته التاريخية التي نعتقد أنها - على فظاعتها - قليل من كثير، وبعض من كل.
واليك الآن القائمة المحزونة التي تحمل أسماء هؤلاء بما فيهم من صحابة وتابعين، ولندرس على ضوء هذه القائمة جواب معاوية على الشرط الخامس من شروط معاهدة الصلح. ثم لنتدرج مع فقرات هذا الشرط فيما نأتي عليه من فصول.
الشهداء المقتولون صبراً
١ - حجر بن عدي الكندي:
يعرف بحجر الخير، ويكنى بأبي عبد الرحمن بن عدي بن الحرث بن عمرو بن حجر المقلب بآكل المرار [ ملك الكنديين ]. وقيل هو ابن عدي بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الاكرمين من كندة(4) ، ومن ذؤابتها العليا.
صحابي من أعيان أصحاب علي وابنه الحسن عليهما السلام، وسيد من سادات المسلمين في الكوفة ومن أبدالها.
وفد هو وأخوه هانئ بن عدي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال في الاستيعاب: « كان حجر من فضلاء الصحابة، وصغر سنه عن كبارهم »، وذكره بمثل ذلك في أسد الغابة، ووصفه الحاكم في المستدرك بأنه: « راهب أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ».
وبلغ من عبادته أنه ما أحدث الا توضأ وما توضأ الا صلى. وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وكان ظاهر الزهد، مجاب الدعوة(5) ، ثقة من الثقات المصطفين، اختار الآخرة على الدنيا حتى سلم نفسه للقتل دون البراءة من امامه، وانه مقام تزل فيه الاقدام وتزيغ الاحلام.
كان في الجيش الذي فتح الشام، وفي الجيش الذي فتح القادسية، وشهد الجمل مع علي، وكان أمير كندة يوم صفين، وأمير الميسرة يوم النهروان، وهو الشجاع المطرق الذي قهر الضحاك بن قيس في غربي تدمر. وهو القائل: « نحن بنو الحرب وأهلها، نلقحها وننتجها، قد ضارستنا وضارسناها ».
ثم كان أول من قتل صبراً في الاسلام.
قتله وستة من أصحابه معاوية بن أبي سفيان سنة ٥١ في « مرج عذراء » بغوطة دمشق على بعد ١٢ ميلاً منها. وقبره الى اليوم ظاهر مشهور، وعليه قبة محكمة تظهر عليها آثار القدم في جانب مسجد واسع، ومعه في ضريحه أصحابه المقتولون معه وسنأتي على ذكرهم.
وهدم زياد ابن أبيه دار حجر في الكوفة.
السبب في قتله
أنه كان يرد على المغيرة وزياد حين يشتمان علياً عليه السلام ، ويقول: « أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل، ومن تزكون أولى بالذم، وكان اذا جهر بكلمته هذه، وافقه أكثر من ثلثي الناس، وقالوا: « صدق واللّه حجر وبر ».
أما المغيرة بن شعبة فقد قدر المعنويات التي تعزز حجراً كصحابي فاضل، وكرأس من رجالات علي في الكوفة، وكأمير عربي يرث تاج الكنديين من أقرباء الجدود، وسمع بأذنيه تأييد الناس دعوته غير آبهين بالقوة، ولا خائفين نقمة السلطان، فرأى أن يتمهل في أمره وأن يعتذر الى ذوي مشورته الذين كانوا يحرضونه على التنكيل به. ثم قال لهم: « اني قد قتلته ». قالوا: « وكيف ذلك؟ » قال: « انه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيهاً بما ترونه، فيأخذه عند اول وهلة فيقتله شر قتلة ». وكان المغيرة في موقفه من حجر المنافق الحكيم، وكذلك كان فيما أجاب به صعصعة بن صوحان يوم فتنة المستورد بن علفة الخارجي سنة ٤٣ قال له: « واياك أن يبلغني عنك أنك تظهر شيئاً من فضل علي علانية، فانك لست بذاكر من فضل علي شيئاً أجهله، بل أنا أعلم بذلك!!. ولكن هذا السلطان - يعني معاوية - قد ظهر، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيراً مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد من ذكره بداً، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية(6) ».
وولي ابن سمية الكوفة بعد هلاك المغيرة سنة ٥٠ أو ٥١، فرأى أن يخدم أمويته « المزعومة » بقتل حجر بن عدي ليريحها من أكبر المشاغبين عليها. ولكنه جهل أن دم حجر سيظل يشاغب على تاريخ أمية ما عرف الناس هذين الاسمين.
وأطال الوالي الجديد خطبته يوم الجمعة حتى ضاق وقت الصلاة - ولصلاة الجمعة وقتها المحدود - فقال حجر - وكان لا يفارق جمعتهم وجماعتهم -: « الصلاة! » فمضى زياد في خطبته. فقال ثانياً: « الصلاة! » فمضى في خطبته. وخشي حجر فوت الفريضة فضرب بيده الى كف من الحصا، وثار الى الصلاة وثار الناس معه.
وما كان أبو عبد الرحمن بمكانته الاجتماعية وبروحه العابدة الزاهدة بالذي يترخص في دينه أو يلجأ الى مجاملة المترخصين، وكان يظن ان في هؤلاء بقية من الحسن قد تنفعها الذكرى وقد يجدي معها الانكار، فأنكر انتصافاً للحق المهضوم، وجاهد لدينه ولامامه ولصلاته بلسانه، كما كان يجاهد بسيفه في فتوح الاسلام.
وجاءت قائمة جرائمه - في عرف بني أمية - أنه يرد السب عن علي عليه السلام ، وأنه يريد الصلاة لوقتها، ولا شيء غير ذلك!.
ودعا زياد « حواشيه الطيعة » الذين كانوا يبادلونه الذمم بالنعم أمثال عمر بن سعد [ قاتل الحسين عليه السلام ]، والمنذر بن الزبير، وشمر بن ذي الجوشن العامري، واسماعيل واسحق ابني طلحة بن عبد اللّه، وخالد بن عرفطة، وشبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، وعمرو بن الحجاج، وزجر بن قيس و « درازن » أخرى من هذه النماذج التي طلقت المروءة ثلاثاً، وكانوا سبعين رجلاً، عدهم الطبري في تاريخه واحداً واحداً [ ج ٦ ص ١٥٠ - ١٥١ ]، وماز من بينهم أبا بردة بن أبي موسى الاشعري لانه كان أضعفهم عنده او لانه كان أقواهم عند معاوية، وقال له اكتب: -
« بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى الاشعري للّه رب العالمين!!، أشهد ان حجر بن عدي خلع الطاعة، وفارق الجماعة!! ولعن الخليفة، ودعا الى الحرب، وجمع اليه الجموع يدعوهم الى نكث البيعة، وكفر باللّه عزّ وجل كفرة صلعاء!! ».
وقال للسبعين: « على مثل هذه الشهادة فاشهدوا. أما واللّه لاجهدن على قطع خيط هذا الخائن الاحمق!! ». فشهد على هذه الصحيفة الخائنة الحمقاء سبعون من اشراف الكوفة و « ابناء البيوتات »!! وكتب الى معاوية في حجر وكثر عليه فكتب اليه معاوية: « شده في الحديد واحمله اليّ ».
ولنتذكر هنا سوابق هذه الحفنة من أبناء بيوتات الكوفة في قضية الحسن بن علي عليهما السلام أيام خلافته، وهل كان الفارون من الزحف في مسكن، والمتألبون على الشر في المدائن، والمكاتبون معاوية على الغدر بالامام وتسليمه اياه الا هؤلاء؟. فمن هو اذاً الذي خلع الطاعة وفارق الجماعة ونكث البيعة أحجر بن عدي أم هم؟
ثم لنتذكر مواقف هؤلاء أنفسهم في فاجعة الحسين عليه السلام بكربلاء، وكانوا يومئذ سيوف الجبابرة الامويين الذين تحملوا مسؤوليات تلك الاحداث المؤلمة التي لا حد لفظاعتها في تاريخ العرب والاسلام.
موقف الكوفة في حادثة حجر:
وكان باستطاعة حجر ان يشعل نار الثورة التي تقض مضجع معاوية في الكوفة، لو انه شاء المقاومة بالسلاح. وفهم معاوية ذلك حين راح يقول - بعد مقتل حجر -: « لو بقي حجر لاشفقت أن يعيدها حرباً أخرى »، وفهم زياد ذلك حين اتبع حجراً بريده وقال له: « اركض الى معاوية وقل له: ان كان لك في سلطانك حاجة فاكفني حجراً ».
ولكن الزعيم الشيعي الذي كان قد درس على الامام الحسن بن علي عليهما السلام تضحياته الغالية في سبيل حقن الدماء، منع قومه من الحرب صريحاً.
ولكن جماعة من أصحابه اشتبكت بشرطة زياد و ( بخاريته ) عند أبواب كندة، وجماعة أخرى التحمت بهم عند باب داره - قرب جبانة كندة - وكان من ابطال هاتين الموقعتين عبد اللّه بن خليفة الطائي، وعمرو بن الحمق الخزاعي - وسنأتي على ذكرهما في الفصول القريبة -، وعبد الرحمن بن محرز الطمحي، وعائذ بن حملة التميمي، وقيس بن يزيد، وعبيدة بن عمرو، وقيس بن شمر، وعمير بن يزيد الكندي المعروف ( بأبي العمرّطة ). قالوا: « وكان سيف أبي العمرطة أول سيف ضرب به في الكوفة يوم حجر ». - وخرج قيس بن فهدان الكندي على حمار له، يسير في مجالس كندة يحرضهم على الحرب.
وحصب أهل الكوفة زياداً(7) - وكان ذلك هو ميراثه الشرعي من اُمه سمية.
أما حجر نفسه فأصر على قومه بأن يردوا السيوف الى أغمادها، وقال لهم: « لا تقاتلوا فاني لا أحب ان اعرضكم للهلاك وانا آخذ في بعض هذه السكك ».
وأخطأته عيون زياد التي كانت تلاحقه، لان الناس كلهم أو اكثر من ثلثي الناس كانوا يمنعون حجراً من هذه العيون.
وهكذا ضاق زياد بحجر وأصحابه، فجمع اشراف الكوفة وقال لهم: « يا أهل الكوفة: اتشجون بيد وتأسون بأخرى، أبدانكم معي، وأهواؤكم مع حجر، أنتم معي واخوانكم وابناؤكم وعشائركم مع حجر. هذا واللّه من دحسكم وغشكم. واللّه لتظهرن لي براءتكم، أو لآتينكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم » ثم قال: « فليقم كل امرئ منكم الى هذه الجماعة حول حجر. فليدع كل رجل منكم أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته، حتى تقيموا عنه كل من استطعتم أن تقيموه ».
ثم أمر زياد أمير شرطته [ شداد بن الهيثم الهلالي ] بالقبض على حجر. وعلم ان شرطته ستعجز عنه، فدعا محمد بن الاشعث الكندي، وقال له: « يا أبا ميثاء، أما واللّه لتأتينني بحجر، أو لا ادع لك نخلة الا قطعتها، ولا داراً الا هدمتها، ثم لا تسلم حتى أقطعك ارباً ارباً! » قال له: « أمهلني حتى أطلبه ». قال « امهلتك ثلاثاً، فان جئت به والا عّد نفسك في الهلكى! ».
أقول: ولِمَ كلّ هذا الحنق؟ أللدين وما كان ابن سمية بأولى به من الصحابي العابد الذي كان يصلي كل يوم وليلة الف ركعة، ثم لا ذنب له الا أن ينهى عن المنكر ويريد الفرائض لوقتها؟! - أم للدنيا، وقد خسروا في مقتل حجر صبابة معنوياتهم في التاريخ!!
وحاول زياد ان يقتل الكنديين بعضهم ببعض بما أمر به ابن الاشعث الكندي، وكان ذلك من جملة الاساليب الرثة التي يتوارثها الحاكمون بأمرهم في الشعوب المغلوبة على أمرها في القديم والحديث.
وعلم حجر ما أراده زياد في الكنديين وأصحابهم فقال: « ولكن سمع وطاعة ».
ودارت الشرطة للقبض على الاسماء البارزة من مؤازريه، فجمعوا تسعة من أهل الكوفة وأربعة من غيرها - برواية المسعودي -.
وعدهم ابن الاثير هكذا: « حجر بن عدي الكندي، والارقم بن عبد اللّه الكندي، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، وكريم بن عفيف الخثعمي، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، وكدام بن حيان، وعبد الرحمن بن حسان العنزيان، ومحرز بن شهاب التميمي، وعبد اللّه بن حوبة السعدي التميمي ». قال: « فهؤلاء اثنا عشر رجلاً. واتبعهم زياد برجلين وهما: عتبة بن الاخنس من سعد بن بكر، وسعد بن نمران الهمداني. فقوموا أربعة عشر رجلاً ».
ونشط - اذ ذاك - المشاؤون بالنميم، وما كان أكثرهم في هذا البلد المنكوب!
ومكث حجر في سجن الكوفة عشرة أيام حتى جمعوا اليه من أصحابه من ذكرنا، ثم أمر بهم فسيقوا الى الشام. وكان كل ما في الكوفة يدل على تمخض الوضع عن وثبة لا يدرى مدى بلائها على الحاكم والمحكوم.
ولكن زياداً فطن الى ذلك، فأمر باخراجهم « عشية » ليتستر بالظلام، فيخفف من عرامة هذا الظلم المفضوح.
ونظر قبيصة بن ربيعة - أحد اصحاب حجر - فاذا هو يمر على داره في جبانة « عرزم » واذا بناته مشرفات يبكينه، فكلمهن ووعظهن بما سنأتي على ذكره عند ترجمته، ثم انصرف.
وانشأت ابنة حجر في احدى لياليها السود وقد قطع الخوف على أبيها نياط قلبها وهي تخاطب القمر - وقيل بل الابيات لهند بنت زيد الانصارية ترثي حجراً:
ترفّع أيها القمر المنير *** لعلك أن ترى حجراً يسير
يسير الى معاوية بن حرب *** ليقتله كما زعم الامير
ويصلبه على بابي دمشق *** وتأكل من محاسنه النسور
تجبرت الجبابر بعد حجر *** وطاب لها الخورنق والسدير
وأصبحت البلاد له محولاً *** كأن لم يحيها مزن مطير
ألا يا حجر حجر بني عدي *** تلقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أردى علياً *** وشيخاً في دمشق له زئير
فان تهلك فكل عميد قوم *** من الدنيا الى هلك يصير
مقتله
وصاروا بهم الى عذراء، وكانت قرية على اثني عشر ميلاً من دمشق، فحبسوا هناك، ودار البريد بين معاوية وزياد، فما زادهم التأخير الا عذاباً. وجاءهم أعور معاوية في رهط من أصحابه يحملون أمره بقتلهم ومعهم اكفانهم فقال لحجر: « انَّ امير المؤمنين أمرني بقتلك يا رأس الضلال!! ومعدن الكفر والطغيان!! والمتولي لابي تراب، وقتل أصحابك الا أن ترجعوا عن كفركم، وتلعنوا صاحبكم وتتبرأوا منه » - فقال حجر وأصحابه: « ان الصبر على حد السيف لأيسر علينا مما تدعوننا اليه ثم القدوم على اللّه وعلى نبيه وعلى وصيّه أحبّ الينا من دخول النار ».
وحفرت القبور، وقام حجر وأصحابه يصلون عامة الليل، فلما كان الغد قدموهم ليقتلوهم فقال لهم حجر: « اتركوني اتوضأ وأصل فاني ما توضأت الا صليت ». فتركوه فصلى ثم انصرف، وقال: « واللّه ما صليت صلاة أخفّ منها، ولولا أن تظنوا فيّ جزعاً من الموت لاستكثرت منها ».
ثم قال: « اللهم انا نستعديك على أمتنا، فان اهل الكوفة شهدوا علينا، وان أهل الشام يقتلوننا، أما واللّه لئن قتلتموني بها، فاني لاول فارس من المسلمين هلك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها(8) ».
ثم مشى اليه هدبة بن فياض القضاعي بالسيف، فارتعد - فقالوا له: « زعمت أنك لا تجزع من الموت، فابرأ من صاحبك وندعك!! ».
فقال: « مالي لا أجزع وأرى قبراً محفوراً، وكفناً منشوراً، وسيفاً مشهوراً، واني واللّه ان جزعت من القتل، لا أقول ما يسخط الرب! ».
وشفع في سبعة من أصحاب حجر ذوو حزانتهم من المقربين لدى معاوية في الشام.
وعرض الباقون على السيف، وقال حجر في آخر ما قال: « لا تطلقوا عني حديداً، ولا تغسلوا عني دماً، فاني لاق معاوية غداً على الجادة واني مخاصم ». وذكر معاوية كلمة حجر هذه فغصّ بها ساعة هلك - معاوية - فجعل يغرغر بالصوت ويقول: « يومي منك يا حجر يوم طويل ».
فاجعته في المسلمين
حج معاوية بعد قتله حجراً وأصحابه فمر بعائشة « واستأذن عليها فأذنت له، فلما قعد قالت له: يا معاوية أأمنت ان اخبئ لك من يقتلك؟ قال: بيت الامن دخلت، قالت: يا معاوية أما خشيت اللّه في قتل حجر وأصحابه؟(9) ». وقالت: « لولا انا لم نغير شيئاً الا صارت بنا الامور الى ما هو اشد منه لغيَّرنا قتل حجر، أما واللّه ان كان ما علمتُ لمسلماً حجاجاً معتمراً(10) ».
وكتب شريح بن هاني الى معاوية يذكر حجراً ويفتيه بحرمة دمه وماله ويقول فيه: « انه ممن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويديم الحج والعمرة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حرام الدم والمال(11) ».
وكان ابن عمر - منذ أخذ حجر - يتخبر عنه فأخبر بقتله وهو بالسوق فأطلق حبوته وولى وهو يبكي(12) .
ودخل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على معاوية وقد قتل حجراً وأصحابه، فقال له: « أين غاب عنك حلم أبي سفيان!؟ » قال: « غاب عني حين غاب عني مثلك من حلماء قومي، وحملني ابن سمية فاحتملت!! » قال: « واللّه لا تعد لك العرب حلماً بعد هذا أبداً ولا رأياً، قتلت قوماً بعث بهم اليك أسارى من المسلمين ».
وقال مالك بن هبيرة السكوني حين أبى معاوية أن يهب له حجراً، وقد اجتمع اليه قومه من كندة والسكون وناس من اليمن كثير، فقال: « واللّه لنحن اغنى عن معاوية من معاوية عنا وانا لنجد في قومه(13) منه بدلاً ولا يجد منا في الناس خلفاً ».
وقيل لابي اسحق السبيعي: « متى ذل الناس؟ » فقال: « حين مات الحسن، وادُّعي زياد، وقتل حجر بن عدي(14) ».
وقال الحسن البصري: « أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن الا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها - يعني الخلافة - بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه ( وآله ) وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتله حجراً. ويل له من حجر وأصحاب حجر - مرتين -(15) ».
ومات الربيع بن زياد الحارثي غماً لمقتل حجر، وكان عاملاً لمعاوية على خراسان. قال ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٩٥ ): « وكان سبب موته أنه سخط قتل حجر بن عدي، حتى انه قال: لا تزال العرب تقتل صبراً بعده، ولو نفرت عند قتله، لم يقتل رجل منهم صبراً، ولكنها قرت فذلت، ثم مكث بعد هذا الكلام جمعة، ثم خرج يوم الجمعة فقال: أيها الناس، انى قد مللت الحياة فاني داع بدعوة فأمنوا. ثم رفع يديه بعد الصلاة فقال: اللهم ان كان لي عندك خير فاقبضني اليك عاجلاً، وأمن الناس - ثم خرج، فما توارت ثيابه حتى سقط(16) ».
وكتب الحسين عليه السلام الى معاوية في رسالة له: « ألست القاتل حجراً أخا كندة، والمصلين العابدين، الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ولا يخافون في اللّه لومة لائم؟. قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعدما كنت أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة [ يشير الى نصوص المادة الخامسة من معاهدة الصلح ] أن لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا باحنة تجدها في نفسك عليهم(17) ».
ثم جاء دور التاريخ فخصص نصر بن مزاحم المنقري كتاباً في مقتل حجر بن عدي، ولوط بن يحيى بن سعيد الازدي كتاباً(18) ، وهشام بن محمد ابن السائب كتاباً في حجر، وكتاباً آخر في مقتل رشيد وميثم وجويرية بن مشهر(19) ».
الاحاديث في حجر وأصحابه
قال ابن عساكر: « ان عائشة بعد أن انكرت على معاوية قتله حجراً وأصحابه، قالت: سمعت رسول اللّهصلىاللهعليهوآله يقول: سيقتل بعذراء - الموضع الذي قتل فيه حجر وأصحابه - أناس يغضب الله لهم وأهل السماء ».
وروى مثله بطريق آخر عنها.
وروى البيهقي في الدلائل ويعقوب بن سفيان في تاريخه: « عن عبد اللّه بن زرير الغافقي قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: يا أهل العراق، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الاخدود ».
الشهداء من أصحاب حجر
علمنا - مما سبق - أن اصحاب حجر صفوة من رجال اللّه القليلين، وأنهم « المصلون العابدون، الذين ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ولا يخافون في اللّه لومة لائم » على حد تعبير الحسين عليه السلام عنهم فيما كتبه الى معاوية.
ورأينا - الى ذلك - كيف يذكرهم كبراء المسلمين الآخرون كلما ذكروا حجراً.
واذا شاءت المقادير، أو شاءت الرقابات الاموية طمس أخبارهم وتناسي آثارهم، فانهم شهداء المبادئ، وقرابين الحق المغصوب، وكفاهم ذلك فضلاً ومجداً وظهوراً في التاريخ.
ولقي معاوية في حجته « المقبولة » بعد قتل هذه الزمرة الكريمة، الحسين بن علي عليهما السلام في مكة، فقال له - مزهواً -: « هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه شيعة أبيك؟ ». قال: « وما صنعت بهم؟ » قال: « قتلناهم وكفنّاهم وصلينا عليهم ودفناهم!! » فضحك الحسين عليه السلام ، ثم قال: « خصمك القوم يا معاوية، لكنا لو قتلنا شيعتك، ما كفنّاهم، ولا صلينا عليهم، ولا قبرناهم(20) ».
واليك الآن اسماء الشهداء الممتحنين مرتبة على الحروف وملحقة بما يتصل بكل منهم من معلومات:
أ - شريك بن شداد أو ثداد الحضرمي وسماه آخر عريك بن شداد.
ب - صيفي بن فسيل الشيباني، رأس في اصحاب حجر حديد القلب شديد العقيدة سديد القول. القي القبض عليه واحضر لزياد فقال له: « يا عدو اللّه!! ما تقول في أبي تراب؟ »، قال: « ما اعرف ابا تراب »، قال: « ما أعرفك به؟ »، قال: « ما أعرفه »، قال: « اما تعرف علي بن أبي طالب؟ »، قال: « بلى »، قال: « فذاك ابو تراب »، قال: « كلا، ذاك أبو الحسن والحسينعليهالسلام ». فقال له صاحب الشرطة: « يقول لك الامير: هو أبو تراب، وتقول انت: لا؟ »، قال: « وان كذب الامير أتريد ان أكذب انا واشهد على باطل كما شهد!؟ » [ انظر الى خلقه وصلابته ] قال له زياد: « وهذا ايضاً مع ذنبك!!، عليَّ بالعصا »، فأتي بها، فقال: « ما قولك؟ »، قال: « أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد اللّه المؤمنين »، قال: « اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالارض »، فضرب حتى لزم الارض!! ثم قال: « أقلعوا عنه - ايه ما قولك في علي؟ »،
قال: « واللّه لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت الا ما سمعت مني ». قال: « لَتَلعننَّه، أو لاضربن عنقك! » قال: « اذاً تضربها واللّه قبل ذلك، فان أبيت الا ان تضربها، رضيتُ باللّه وشقيت أنت! ».
قال: « ادفعوا في رقبته » - ثم قال -: « أوقروه حديداً، والقوه في السجن! ».
ثم كان في قافلة الموت مع حجر، ومن شهداء عذراء الميامين.
ج - عبد الرحمن بن حسان العنزي. كان من أصحاب حجر وسيق معه مكبّلاً بالحديد، ولما كانوا في مرج عذراء طلب ان يبعثوا به الى معاوية - وكأنه ظن أن معاوية خير من ابن سمية -. فلما ادخل عليه، قال له معاوية: « يا اخا ربيعة! ما تقول في علي؟ » قال: « دعني ولا تسألني، فهو خير لك! »، قال: « واللّه لا ادعك »، قال: أشهد انه كان من الذاكرين اللّه كثيراً، والآمرين بالحق، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس ». قال: « فما قولك في عثمان؟ »، قال: « هو اول من فتح باب الظلم واغلق أبواب الحق »، قال: « قتلت نفسك »، قال: « بل اياك قتلت، ولا ربيعة بالوادي » - يعني ليشفعوا فيه أو يدفعوا عنه -. فردّه معاوية الى زياد في الكوفة وأمره بقتله شرَّ قتلة!!
وكان عبد الرحمن هذا هو القائل يوم كبسهم جلادو معاوية في مرج عذراء: « اللهم اجعلني ممن تكرم بهوانهم وأنت عني راضٍ، فطالما عرضت نفسي للقتل فأبى اللّه الا ما أراد ».
وذكره حبة العرني، فيما حدث عنه في تاريخ الكوفة، ( ص ٢٧٤ ) قال: « وكان عبد الرحمن بن حسان العنزي من أصحاب علي عليه السلام ، اقام بالكوفة يحرض الناس على بني أمية، فقبض عليه زياد، وأرسله الى الشام، فدعاه معاوية الى البراءة من علي عليه السلام ، فأغلظ عبد الرحمن بالجواب، فردّه معاوية الى زياد فقتله ».
وقال ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٩٢ ) والطبري ( ج ٦ ص ١٥٥ ) أنه دفنه حياً بقس الناطف (21) .
أقول: ولو أدرك معاوية قتلات زياد لشيعة علي في الكوفة، وقطعه الايدي والارجل والالسنة، وسمله العيون، لما زاده وصاة بابن حسان العنزي حين أمره بان يقتله شر قتلة، وهل قتلة شرّ من هذه الفتلات والمثلات؟ ولكن زياداً نزل على وصية معاوية فابتدع قتلة الدفن حياً!!.(22) .
وما أدراك ما سيلقى معاوية على هذه الوصاة، وما سيجازى زياد على هذه القتلات يوم يردون جميعاً الى اللّه مولاهم الحق؟؟.
د - قبيصة بن ربيعة العبسي. وسماه بعضهم ابن ضبيعة - بدل ربيعة - وهو الشجاع المقدام الذي صمم على المقاومة بسلاحه وبقومه، لولا أن صاحب الشرطة آمنه على دمه وماله، فوضع يده في أيديهم، ايماناً ببراءة « الامان » الذي كان لا يزال متبعاً لدى العرب فضلاً عن أهل الاسلام، ولولا أن الخلائق الاسلامية والعربية معاً، كانت قد تبخرت عند القوم، أو انهم كانوا قد فهموها على أنها وسائل للغلبة والبطش فحسب!.
وأُحضر ابن ضبيعة العبسي لزياد فقال له: « اما واللّه لاجعلن لك شاغلاً عن تلقيح الفتن والتوثب على الامراء!! » [ انظر الى المنفذ الضيق الذي ينظر منه الاقوياء ]، قال: « اني لم آتك الا على الامان »، قال: « انطلقوا به الى السجن ».
ثم كان بعد ذلك في الركب المثقل بالحديد الذي يسار به الى القتل صبراً. وفي الحديث: « من آمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وان كان المقتول كافراً(23) ».
ومروا به - ولما يخرجوا بالقافلة من الكوفة - على داره فاذا بناته مشرئبات اليه يبكينه، فقال للحرسيين وائل وكثير: « ائذنا لي فاوصي الى أهلي »، فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن - ساعة -، ثم قال لهن: « اسكتن »، فسكتن، فقال: « اتقين اللّه عزّ وجل واصبرن فاني ارجو من ربي في وجهي هذا احدى الحسنيين: اما الشهادة وهي السعادة، واما الانصراف اليكن في عافية. وان الذي يرزقكن مؤونتكن هو اللّه تعالى، وهو حي لا يموت [ انظر الى النفس الملائكية في اهاب البشر الانساني ] أرجو ان لا يضيعكنَّ، وأن يحفظني فيكن ». ثم انصرف.
وباتت الاسرة اليائسة الولهى ( كما يشاء معاوية ) تخلط البكاء بالبكاء، وتصل الدعاء بالدعاء، وكم لبنات قبيصة يومئذ من أمثال.
قال الطبري: « ووقع قبيصة من ضبيعة في يدي أبي شريف البدّي فقال له قبيصة: ان الشر بين قومي وبين قومك آمن فليقتلني سواك، فقال: برّتك رحم! ثم قتله القضاعي! ».
أقول: وأيّ نفس قوية هذه التي تنتبه في مثل هذه اللحظة الى الحؤول دون الشرّ بين القومين والاحتياط على الاصلاح.
هـ - كدام بن حيان العنزي.
و - محرز بن شهاب بن بجير بن سفيان بن خالد بن منقر التميمي(24)
وكان من رؤساء الناس، ومن نقاوة الشيعة المعروفين بتشيعهم، وكان محرز هذا على ميسرة جيش معقل بن قيس في حربه للخوارج سنة ٤٣، وكان جيش معقل في هذه الحرب ثلاثة آلاف هم نقاوة الشيعة وفرسانهم على حد تعبير الطبري فيما وصفهم به ( ج ٦ ص ١٠٨ ).
٢ - عمرو بن الحمق الخزاعي:
هو ابن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن ذراح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي.
أسلم قبل الفتح، وهاجر الى المدينة، فكان الصحابيّ البر الذي حظي بدعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يمتعه اللّه بشبابه، فمرت عليه ثمانون سنة ولم ير له شعرة بيضاء على صباحة في وجهه كانت تزيده بهاء. وصحب بعده امير المؤمنين علياً عليه السلام ، فكان الحواري المخلص الذي يقول له بحق: « ليت في جندي مائة مثلك ». وشهد معه الجمل وصفين والنهروان.
ودعا له امير المؤمنين بقوله: « اللهم نور قلبه بالتقى، واهده الى صراطك المستقيم ». وقال له: « يا عمرو انك لمقتول بعدي، وان رأسك لمنقول، وهو أول رأس ينقل في الاسلام. والويل لقاتلك(25) ».
قال ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٨٣ ): « ولما قدم زياد الكوفة قال له عمارة بن عقبة بن ابي معيط: ان عمرو بن الحمق يجمع اليه شيعة أبي تراب، فأرسل اليه زياد: ما هذه الجماعات عندك؟ من أردت كلامه ففي المسجد(26) ».
« ثم لم يزل عمرو [ فيما يروي الطبري ] خائفاً مترقباً حتى كانت حادثة حجر بن عدي الكندي فأبلى فيها بلاء حسناً وضربه رجل من الحمراء - شرطة زياد - يدعى بكر بن عبيد بعمود على رأسه فوقع وحمله الشيعة فخبأوه في دار رجل من الازد، ثم خرج فاراً وصحبه الزعيم الآخر [ رفاعة بن شداد ] فيمما المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا ارض الموصل فكمنا في جبل هناك، واستنكر عامل ذلك الرستاق شأنهما فسار اليهما بالخيل، فأما عمرو فلم يصل الموصل الا مريضاً بالاستسقاء، ولم يكن عنده امتناع. واما رفاعة بن شداد - وكان شاباً قوياً - فوثب على فرس له جواد، وقال لعمرو: أقاتل عنك، قال: وما ينفعني ان تقاتل، انج بنفسك ان استطعت. فحمل عليهم فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه، وخرجت الخيل في طلبه - وكان رامياً - فأخذ لا يلحقه فارس الا رماه فجرحه او عقره فانصرفوا عنه. وسألوا عمراً: من انت؟ فقال: من ان تركتموه كان أسلم لكم، وان قتلتموه كان أضرّ لكم!. فسألوه فأبى ان يخبرهم، فبعث به ابن أبي بلتعة، عامل الرستاق، الى عامل الموصل، وهو ( عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي )، فلما رأى عمرو بن الحمق عرفه، وكتب الى معاوية بخبره، فأمره معاوية بأن يطعنه تسع طعنات كما كان فعل بعثمان فطعن ومات بالاولى منهن أو الثانية ».
وخالف ابن كثير رواية الطبري هذه، فقال: « ان اصحاب معاوية عثروا عليه في الغار ميتاً، فحزّوا رأسه، وبعثوا به الى معاوية، وهو اول رأس طيف به في الاسلام. ثم بعث معاوية برأسه الى زوجته ( آمنة بنت الشريد ) وكانت في سجن معاوية [ انظر الى أفظع الوان الارهاب ] فألقي في حجرها، فوضعت كفها على جبينه، ولثمت فمه، وقالت: غيبتموه عني طويلاً، ثم أهديتموه اليّ قتيلاً، فأهلاً به من هدية غير قالية ولا مقلية.
« ثم كان فيما كتب به الحسين عليه السلام الى معاوية: الست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم - العبد الصالح الذي أبلته العبادة - فأنحلت جسمه، وصفرت لونه، بعدما أمنته واعطيته من عهود اللّه ومواثيقه ما لو أعطيته طائراً لنزل اليك من رأس الجبل، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد ».
اقول: هو يشير بذلك « العهد » الى نصوص المادة الخامسة في معاهدة الصلح.
وقال في سفينة البحار: « وقبره بظاهر الموصل، ابتدأ بعمارته أبو عبد اللّه سعيد بن حمدان، ابن عم سيف الدولة، في شعبان من سنة ٣٣٦ ».
وجاء في أصول التاريخ والادب ( ج ٩ ص ٢ ):
« قال أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي في كتاب الزيارات: وظاهر الموصل على الشرف الاعلى مشهد عمرو بن الحمق، دفنت جثته، ورأسه حمل الى دمشق، وقيل هو أول رأس حمل في الاسلام، وفي المشهد بعض الاشراف من ولد الحسين عليه السلام ».
٣ - عبد اللّه بن يحيى الحضرمي واصحابه
عن محمد بن بحر الشيباني في كتابه « الفروق بين الاباطيل والحقوق » فيما أسنده الى القاسم بن مجيمة: « ما وفي معاوية للحسن بن علي بشيء عاهده عليه، واني قرأت كتاب الحسن الى معاوية يعدد عليه ذنوبه اليه والى شيعة علي عليه السلام فبدأ بذكر عبد اللّه بن يحيى الحضرمي ومن قتلهم معه (27) ».
أقول: ولا نعرف الآن من أحوال الحضرمي وحادثة قتله وعدة اصحابه المستشهدين شيئاً، ولكنا نعرف أن هذا الرجل كان من رجال أمير المؤمنين وأنه الذي قال له يوم الجمل: « ابشر يا ابن يحيى أنت وأبوك ».
وعلمنا فيما علل به بعضهم تقديم الحسن عليه السلام ذكر الحضرمي على غيره ممن قتلهم معاوية من الشيعة، أن الحضرمي هذا كان أبعدهم عن الدنيا وأقربهم الى حياة الرهبنة التي لا توهم أي خطر على سياسة الملك. قالوا: « وعلم معاوية ما كان عليه ابن يحيى وأصحابه من الحزن لوفاة علي أمير المؤمنين، وحبهم اياه، وافاضتهم في ذكره وفضله، فجاء بهم وضرب أعناقهم صبراً. ومن أنزل راهباً من صومعته فقتله بلا جناية منه الى قاتله أعجب ممن يخرج قساً من دير فيقتله، لأن صاحب الدير أقرب الى بسط اليد لتناول ما معه من صاحب الصومعة الذي هو بين السماء والارض، فتقديم الحسن - فيما عدده على معاوية من الذنوب - العباد على العباد، والزهاد على الزهاد، ومصابيح البلاد على مصابيح البلاد، لا يتعجب منه، بل يتعجب لو قدم في الذكر مقصراً على مخبت ومقتصداً على مجتهد(28) ».
وفاجعة ( عبد اللّه بن يحيى ) أشبه بفاجعة حجر بن عدي، وكلاهما قتلا صبراً، وكلاهما قتل معهما أصحاب، وكلاهما أخذا بغير ذنب الا الذنب الذي هو عنوان فضيلتهما.
٤ - رشيد الهجري (29)
تلميذ علي عليه السلام ، وصاحبه المنقطع اليه، والعالم المعترف له بعلم البلايا والمنايا، يروي عنه ناس كثيرون، ولكنهم جميعاً سكتوا عن اسمه خوف السلطان الاموي، فلم ترو عنه علناً الا ابنته الوحيدة التي كانت قد حضرت مقتله، وهي التي جمعت أطرافه - يديه ورجليه - وقد قطعها ابن سمية!.
قالت تسأله حين قطعت أطرافه: « يا أبت هل تجد ألماً لما أصابك؟ فقال: « لا يا بنيتي الا كالزحام بين الناس! ».
أتي به الى زياد فقال له: « ما قال لك خليلك - يعني علياً عليه السلام - انا فاعلون بك؟ »، قال: « تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني »، فقال زياد: « أما واللّه لأكذبن حديثه، خلوا سبيله ». فلما أراد أن يخرج، قال: « ردوه، لا نجد لك شيئاً أصلح مما قال صاحبك، انك لن تزال تبغي لنا سوءاً ان بقيت، اقطعوا يديه ورجليه »، فقطعوها وهو يتكلم!، فقال: « اصلبوه خنقاً في عنقه »، فقال رُشَيد: « قد بقي لي عندكم شيء ما أراكم فعلتموه »، فقال زياد: « اقطعوا لسانه »، فلما أخرجوا لسانه قال: « نفّسوا عني حتى أتكلم كلمة واحدة »، فنفسوا عنه فقال: « هذا واللّه تصديق خبر أمير المؤمنين، أخبرني بقطع لساني ».
وأخرج من القصر مقطعاً، فاجتمع الناس حوله، ومات من ليلته رضوان اللّه عليه.
قالت ابنته: « قلت لأبي: ما أشد اجتهادك! »، قال: « يا بنية يأتي قوم بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهادنا ».
وقال لها: « يا بنيتي أميتي الحديث بالكتمان، واجعلي القلب مسكن الامانة (30) ».
٥ - جويرية بن مسهر العبدي
قال ابن أبي الحديد: « ونظر اليه علي عليه السلام يوماً فناداه: يا جويرية الحق بي فاني اذا رأيتك هويتك، ثم حدثه بأمور سراً، وفي آخر ما حدثه قال: يا جويرية أَحبَّ حبيبنا ما أحبنا فاذا أبغضنا فابغضه، وابغض بغيضنا ما أبغضنا فاذا أحبنا فأحبَّه. وكان من اختصاصه بعلي عليه السلام ما روى انه دخل يوماً عليه وهو عليه السلام مضطجع، وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية: أيها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك. قال: فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم قال: وأحدثك يا جويرية بأمرك، أما والذي نفسي بيده لتعتلنَّ(31) الى العُتُلّ الزنيم، فليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر! قال: فواللّه ما مضت الايام على ذلك حتى أخذ زياد جويرية فقطع يده ورجله، وصلبه الى جانب جذع ابن معكبر، وكان جذعاً طويلاً، فصلبه على جذع قصير الى جانبه ».
أقول: وروى هذا الحديث أيضاً حبة العرني رحمه الله . وزاد قوله: « وكان زياد ابن أبيه ممن نصب العداوة لأمير المؤمنين عليه السلام وكان يتتبع أصحاب علي وهو بهم أبصر فيقتلهم تحت كل حجر ومدر ».
٦ - أوفى بن حصن:
أحد فرائس الظلم الاموي. طلبه زياد فأبى مواجهته، واستعرض زياد الناس فمر به فقال: « من هذا؟ » فقيل له: « أوفى بن حصن »، فقال زياد: « أتتك بخائن رجلاه »، وقال له: « ما رأيك في عثمان؟ » قال: « ختن رسول اللّهصلىاللهعليهوآله على ابنتيه » قال: « فما تقول في معاوية؟ » قال: « جواد حليم ».
وكان أوفى لبقاً في لغته وأسلوبه فلم يجد عليه زياد ملزماً.
وعاد عليه فقال له: « فما تقول فيّ؟ » قال: « بلغني أنك قلت بالبصرة: واللّه لآخذن البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر »، قال: « قد قلت ذاك(32) » قال: « خبطتها خبط عشواء! ».
أقول: وكان من لباقة هذا الرجل الحصيف أنه تدرج في أجوبته لزياد - كما ترى - الى طريقة حكيمة من الوعظ حاول بها تنبيهه الى أخطائه. ولا تنس أنه كان يقف من عدوه ساعتئذ بين النطع والسيف، ومن ذمته بين الحق والباطل. وهذا هو ما يزيدنا اعجاباً بهؤلاء الابطال من تلامذة عليعليهالسلام ، ولكن شيئاً من وعظه لم يجده نفعاً سوى أن يقول زياد فيه: « ليس النفاخ بشر الزمرة » ثم أمر به فقتل(33) ».
ولا ادري، ولا أظن زياداً نفسه يدري، بأي جريرة أخذ ابن حصن فأشاط بدمه و « كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله » - كما في الحديث -؟.
والرجل في أجوبته كلها كما رأيت لم يفضح سراً، ولم يهتك أمراً. ولكن الذي ناقض الكتاب صريحاً فأخذ البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر خلافاً لقوله تعالى: « ولا تزر وازرة وزر أخرى » لحري بأن لا يفهم لغة الحديث ولا لغة الكتاب.
واعتصم بغلوائه فاذا الناس من حوله في أشد محن الدنيا: جماعات تساق الى السجون، وزرافات تطارد أينما تكون، ومئات تعرض عليه كل يوم لتسمل عيونهم، أو لتقطع أطرافهم، أو ليؤمر بهم فتحطم ضلوعهم(34) . وبين الكوفة والشام فرائس أخرى ترزح بالاصفاد. وما في الكوفة الا الارهاب المميت، وما في الشام لهؤلاء الا الموت المرهوب.
وخشعت الكوفة التي كانت تفور - في أمسها القريب - بالمؤامرات والمعارضات خشوع الجناح الكسير، بما وسعها من مظالم الحكام الامويين. وكان المتآمرون بالامس هم المتآمرين بالجور اليوم، وكانوا هم الحاكمين بأمرههم فيما يسنون أو فيما ينفذون، فما بالها لا ترتجف فرقاً؟ وما بال أهلها لا يلوذون بالفرار هرباً؟ وخفي على معاوية وعلى ابن أبيه ورجال مدرسته أن الامعان بالعنف من أكبر الاسباب التي تغذي المثل الاعلى الذي يحاربه الحاكم العنيف، وان العنف لن يستطيع ان يقتل الفكرة التي كتب لها الخلود، ولكنها ستظل نواة الشجرة التي ستبسق مع التاريخ.
وهذا حييت مئات الملايين - بعد ذلك - وهي تشارك الكوفة في فكرتها، وتحمل لمعاوية ورجاله وترها الذي لا تخلقه الايام.
التعذيب بغير القتل:
وكان للغارة الاموية ألوان أخرى غير القتل والتشريد وهدم البيوت ومصادرة الاموال وكم الافواه.
فقال ابن الاثير عند ذكره لفاجعة ( أوفى بن حصن ): « وكأن أول قتيل قتله زياد، بعد حادثة الثلاثين أو الثمانين الذين قطع أيديهم!! ».
واستبطن معاوية دخائل البصرة والكوفة فلم يدع في هذين المصرين رئيس قوم، ولا صاحب سيف، ولا خطيباً مرهوباً، ولا شاعراً موهوباً من الشيعة، الا أزعجه عن مقره، فسجنه، أو غله، أو شرّده، أو أهدر دمه!.
واليك فيما يلي أمثلة قليلة من هذه النكبات التي قارفها أبو يزيد في الشخصيات البارزة من رؤساء الشيعة يومئذ.
_______________
(3) وللعلامة الاميني النجفي في « كتاب الغدير » ( ج ٥ من ص ١٨٥ الى ٣٢٩ ) بحثه القيم عن الوضاعين الكذابين جمع فيه ستمائة وعشرين كذاباً وضاعاً ممن سلكهم القوم في رواة الحديث والتاريخ. فليراجع.
(4) وكندة هي من بني كهلان، وبلادهم في اليمن، ثم كان من كبرائهم في العراق - وكهلان وحمير ابنا سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وسبأ اسم يجمع القبيلتين كلتيهما. وكان يقال: ان العرب تعد البيوتات المشهورة بالكبر والشرف بعد بيت هاشم بن عبد مناف أربعة بيوت: بيت قيس الفزاري، والدارميين، وبني شيبان، وبيت اليمن من بني الحارث بن كعب - واما كندة فلا يعدون من أهل البيوتات انما كانوا ملوكاً. ومنهم « الملك الضليل - امرؤ القيس » وكان لهم ملك باليمن وبالحجاز - وبقي لكندة مجدها في الاسلام، فمن كندة من كان له ذكر في الفتوح والثورات، ومنهم من ولي الولايات، ومنهم من تقلد القضاء كحسين بن حسن الحجري، ومنهم الشعراء كجعفر بن عفان المكفوف شاعر الشيعة، وكان هانئ بن الجعد بن عدي - ابن أخي حجر - من أشراف الكوفة، وكان جعفر بن الاشعث وابنه العباس بن جعفر من شيعة الامام ابي الحسن موسى بن جعفر وابنه الرضا عليهما السلام . اما الاشعث بن قيس الكندي فكان اكبر منافقي الكوفة. أسلم ثم ارتد بعد النبي ثم أسلم وقبل أبو بكر اسلامه، وزوجه أخته وهي أم محمد بن الاشعث، وتزوج الامام الحسن ابنته، وهي التي سقته السم باغراء معاوية اياها.
(5) قال في الاصابة ( ج ١ ص ٣٢٩ ): « أصابته جنابة - وهو أسير - فقال للموكل به أعطني شرابي أتطهر به، ولا تعطني غداً شيئاً، فقال: أخاف ان تموت عطشاً فيقتلني معاوية. قال: فدعا اللّه فانسكبت له سحابة بالماء، فأخذ منها الذي احتاج اليه فقال له أصحابه: ادع اللّه أن يخلصنا، فقال: اللهم خر لنا ».
(6) الطبري ( ج ٦ ص ١٠٨ ).
(7) قال الطبري: « ومن يومه اتخذ المقصورة » ( ج ٦ ص ١٣٢ ).
(8) ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٩٢ ) وقال ابن سعد ومصعب الزبيري فيما رواه الحاكم عنه عند ذكر حجر: « وقتل بمرج عذراء بامر معاوية وكان حجر هو الذي افتتحها فغدر بها ». أقول: وهو معنى قوله هنا: « وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها » يعني يوم فتحها.
(9) الطبري ( ج ٦ ص ١٥٦ ).
(10) ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٩٣ ).
(11) و (12) الطبري ( ج ٦ ص ١٥٣ ).
(13) يعني بني هاشم.
(14) ابن ابي الحديد ( ج ٤ ص ١٨ ).
(15) الطبري ( ج ٦ ص ١٥٧ ) وغيره.
(16) وذكر ذلك كل من الاستيعاب واسد الغابة والدرجات الرفيعة والشيخ في الامالي.
(17) البحار ( ج ١٠ ص ١٤٩ ).
(18) فهرست ابن النديم ( ص ١٣٦ ).
(19) النجاشي ( ص ٣٠٦ ).
(20) البحار وغيره، وروى مثلها الطبري عن الحسن ولا يصح لان فجائع حجر وأصحابه كانت بعد وفاة الحسن بسنتين. وروى مثلها ابن الاثير عن الحسن البصري قال: « فقال: حجوهم ورب الكعبة ».
(21) موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي ويقابله « المروحة » على شاطئها الغربي كانت فيه موقعة أبي عبيد والد المختار الثقفي.
(22) ثم كان هذا النوع من القتل السنة السيئة التي تبعه عليها الجبابرة من بعده. ولما غضب بنو أمية على عمر المقصوص وهو مؤدب معاوية بن يزيد بن معاوية، الذي استقال من خلافتهم احتجاجاً عليهم، أخذوه ودفنوه حياً!. الدميري في حياة الحيوان ( ص ٦٢ ) وروى هناك خطبة معاوية هذا التي يشرح فيها حيثيات استقالته بما يشعر بتشيعه لأهل البيت عليهم السلام .
(23) الاصابة ( ج ٤ ص ٢٩٤ ).
(24) يراجع عما كتبناه في حجر واصحابه: الدينوري وابن الاثير والطبري وابن أبي الحديد والاستيعاب والنصائح الكافية وتاريخ الكوفة.
(25) سفينة البحار ( ج ٢ ص ٣٦٠ ).
(26) وذكر الطبري وشاية عمارة بن عقبة ثم قال: « ويقال ان الذي رفع على عمرو بن الحمق وقال له: قد انغل المصرين هو يزيد بن رويم ».
(27) البحار ( ج ١٠ ص ١٠١ ).
(28) البحار ( ج ١٠ ص ١٠٢ ).
(29) رشيد [ بالتصغير ] وهجري ( بفتح اوليه ) نسبة الى بلاد الهجر - البحرين -.
(30) سفينة البحار ( ج ١ ص ٥٢٢ ).
(31) عتله: جذبه - والعتل - الجافي الغليظ - والزنيم: الدعي.
(32) روى خطبته أكثر المؤرخين، وروينا هذا الفصل منها في هوامش الفصل الحادي عشر.
(33) يراجع ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٨٣ )، والطبري ( ج ٦ ص ١٣٠ - ١٣٢ ).
(34) جيء الى زياد بعمير بن يزيد ( من أصحاب حجر بن عدي ) وقد أعطي الامان على دمه وماله، فأمر به زياد فأوقر بالحديد، ثم أخذته الرجال ترفعه حين اذا بلغ سورها - أعلى القامة - ألقوه فوقع على الارض ثم رفعوه ففعلوا به ذلك مراراً! الطبري ( ج ٦ ص ١٤٧ ).