التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
معاوية وبيعة يزيد
المؤلف: باقر شريف القرشي
المصدر: حياة الامام الحسين ببن على (ع)
الجزء والصفحة: ج2، ص 197- 236
30-9-2018
3040
الوسائل الدبلوماسية في أخذ البيعة :
أما الوسائل الدبلوماسية التي اعتمد عليها معاوية في فرض خليعه على المسلمين فهي :
1 - استخدام الشعراء أما الشعراء فكانوا في ذلك العصر - من أقوى أجهزة الاعلام وقد أجزل لهم معاوية العطاء، وأغدق عليهم الاموال فانطلقت ألسنتهم بالمديح والثناء على يزيد فأضافوا إليه الصفات الرفيعة، وخلعوا عليه النعوت الحسنة، وفيما يلي بعضهم :
العجاج :
ومدحه العجاج مدحا عاطرا فقال فيه :
اذا زلزل الاقوام لم تزلزل * عن دين موسى والرسول المرسل
وكنت سيف الله لم يفلل * يفرع (1) أحيانا وحينا يختلي (2)
ومعنى هذا الشعر أن يزيد يقتفي أثر الرسول موسى والنبي محمد (صلى الله عليه وآله) وانه سيف الله البتار الا انه كان مشهورا على أولياء الله وأحبائه .
الاحوس :
ومدحه الشاعر الاحوس بقصيدة جاء فيها :
ملك تدين له الملوك مبارك *** كـــادت لهيبته الجبــــال تزول
يجبى لـــه بلخ ودجلة كلها *** وله الفرات ومــا سفى والنيل
لقد جاءته تلك الهيبة التي تخضع لها الجباه، وتزول منها الجبال من ادمانه على الخمر ومزاملته للقرود، ولعبه بالكلاب واقترافه للجرائم والموبقات .
مسكين الدارمي:
ومن الشعراء المرتزقة مسكين الدارمي، وقد أوعز إليه معاوية أن يحثه على بيعة يزيد أمام من كان عنده من بني أمية وأشراف أهل الشام، فدخل مسكين على معاوية فلما راى مجلسه حاشدا بالناس رفع عقيرته:
ان ادع مسكينــا فــاني ابن معشر *** من الناس أحمي عنهم وأذود
الا ليت شعري ما يقول ابن عامر *** ومروان ام مـــاذا يقول سعيد
بنـــي خلفــــاء الله مهـــلا فأنمــــا *** يبـوئها الرحمـــــن حيث يريد
اذا المنبـــــر الغربي خلــاه ربــــه *** فان أمــــير المؤمنــــــين يزيد
على الطائر الميمون والجد ساعد *** لكل أنـــــاس طــــــــائر وجدود
فــــلا زلت اعلـــــى النـــاس كعبا *** ولم تزل وفود تساميها اليك وفود
ولا زال بيت الملك فـــــوقك عاليا *** تشــيد أطنــــــاب لــــــــه وعمود (3)
هؤلاء بعض الشعراء الذين مدحوا يزيد، وافتعلوا له المأثر لتغطية ما ذاع عنه من الدعارة والمجون .
بذل الاموال للوجوه :
وأنفق معاوية الاموال الطائلة بسخاء للوجوه والاشراف ليقروه على فرض ولده السكير خليفة على المسلمين، ويقول المؤرخون :
إنه أعطى عبد الله بن عمر مائة الف درهم فقبلها منه (4) وكان ابن عمر من أصلب المدافعين عن بيعة يزيد وقد نقم على الامام الحسين (عليه السلام) خروجه عليه.
مراسلة الولاة :
وراسل معاوية جميع عماله وولاته في الاقاليم الاسلامية بعزمه على عقد البيعة ليزيد، وأمرهم بتنفيذ ما يلي :
1 - اذاعة ذلك بين الجماهير الشعبية، واعلامها بما صممت عليه حكومة دمشق من عقد الخلافة ليزيد .
2 - الايعاز للخطباء وسائر أجهزة الاعلام بالثناء على يزيد، وافتعال الماثر له :
3 - ارسال الوفود إليه من الشخصيات الاسلامية حتى يتعرف على رايها في البيعة ليزيد (5) وقام الولاة بتنفيذ ما عهد إليهم، فاذاعوا ما صمم عليه معاوية من عقد البيعة ليزيد، كما أو عزوا للخطباء وغيرهم بالثناء على يزيد .
وفود الاقطار الاسلامية :
واتصلت الحكومات المحلية في الاقطار الاسلامية بقادة الفكر فعرضت عليهم ما عزم عليه معاوية من تولية ولده للخلافة، وطلبوا منهم السفر فورا إلى دمشق لعرض آرائهم على معاوية، وسافرت الوفود إلى دمشق وكان في طليعتهم .
1 - الوفد العراقي بقيادة زعيم العراق الاحنف بن قيس .
2 - الوفد المدني بقيادة محمد بن عمرو بن حزم (6) وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام، وقد قام معاوية بضيافتهم والاحسان إليهم .
مؤتمر الوفود الاسلامية :
وعقدت وفود الاقطار الاسلامية مؤتمرا في البلاط الاموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الاسلام، ولزوم طاعة ولاة الامور، ثم ذكر يزيد وفضله، وعمله بالسياسة ودعاهم لبيعة .
المؤيدون للبيعة :
وانبرت كوكبة من أقطاب الحزب الاموي فأيدوا معاوية وحثوه على الاسراع للبيعة وهم :
1 - الضحاك بن قيس 2 - عبد الرحمن بن عثمان 3 - ثور بن معن السلمي 4 - عبد الله بن عصام 5 - عبد الله بن مسعدة وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده، والرد على المعارضين له.
خطاب الاحنف بن قيس :
وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيد تميم الاحنف بن قيس الذي تقول فيه ميسون أم يزيد :
" لو لم يكن في العراق إلا هذا لكفاهم " (7) وتقدم فحمد الله وأثنى عليه ثم التفت إلى معاوية قائلا :
" أصلح الله أمير المؤمنين " ان الناس في منكر زمان قد سلف، ومعروف زمان مؤتنف، ويزيد بن أمير المؤمنين نعم الخلف، وقد حلبت الدهر أشطره .
يا أمير المؤمنين فاعرف من تسند إليه الامر من بعدك، ثم اعصي أمر من يأمرك، ولا يغررك من يشير عليك، ولا ينظر لك، وأنت أنظر للجماعة، واعلم باستقامة الطاعة مع ان أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا..." .
وأثار خطاب الاحنف موجة من الغضب والاستياء عند الحزب الاموي فاندفع الضحاك بن قيس منددا به، وشتم أهل العراق، وقدح بالامام الحسن، ودعا الوفد العراقي الى الاخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه، ولم يعن به الاحنف فقام ثانيا فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه من تسليم الامر إلى الحسن (عليه السلام) من بعده حسب اتفاقية الصلح التي كان من ابرز بنودها ارجاع الخلافة من بعده الى الامام الحسن كما انه هدد معاوية بإعلان الحرب اذا لم يف بذلك .
فشل المؤتمر :
وفشل المؤتمر فشلا ذريعا بعد خطاب الزعيم الكبير الاحنف بن قيس، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاموي، وانبرى يزيد بن المقفع فهدد المعارضين باستعمال القوة قائلا :
" أمير المؤمنين هذا - وأشار الى معاوية - فان هلك فهذا - وأشار الى يزيد - ومن أبي فهذا - وأشار الى السيف - " .
فاستحسن معاوية قوله وراح يقول له :
" أجلس فانت سيد الخطباء واكرمهم " .
ولم يعن به الاحنف بن قيس فانبرى الى معاوية فدعاه إلى الامساك عن بيعة يزيد، وان لا يقدم أحدا على الحسن والحسين، واعرض عنه معاوية، وبقي مصرا على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الاسلام .
وعلى أي حال فان المؤتمر لم يصل الى النتيجة التي أرادها معاوية فقد استبان له أن بعض الوفود الاسلامية لا تقره على هذه البيعة ولا ترضى بها .
سفر معاوية ليثرب :
وقرر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محط أنظار المسلمين، وفيها أبناء الصحابة الذين يمثلون الجبهة المعارضة للبيعة، فقد كانوا لا يرون يزيدا ندا لهم، وان أخذ البيعة له خروج على ارادة الامة، وانحراف عن الشريعة الاسلامية التي لا تبيح ليزيد أن يتولى شؤون المسلمين لما عرف به من الاستهتار وتفسخ الاخلاق .
وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية، وتحمل أعباء السفر لتحويل الخلافة الاسلامية إلى ملك عضوض لا ظل فيه للحق والعدل .
اجتماع مغلق :
وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعقد معهم اجتماعا مغلقا، ولم يحضر معهم الحسن والحسين لانه قد عاهد الحسن أن تكون الخلافة له من بعده فكيف يجتمع به، وماذا يقول له ؟
وقد أمر حاجبه أن لا يسمح لاي أحد بالدخول عليه حتى ينتهي حديثه معهم .
كلمة معاوية :
وابتدا معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه، وصلى على نبيه ثم قال :
" أما بعد :
فقد كبر سني، ووهن عظمي، وقرب أجلي، وأوشكت أن ادعى فاجيب ؟
وقد رايت أن استخلف بعدي يزيد، ورايته لكم رضا وأنتم عبادلة قريش، وخيارهم، وابناء خيارهم، ولم يمنعني أن أحضر حسنا وحسينا الا انهما أولاد أبيهما علي، على حسن راي فيهما وشدة محبتي لهما فردوا على أمير المؤمنين خيرا رحمكم الله.." .
ولم يستعمل معهم الشدة والارهاب استجلابا لعواطفهم ولم يخف عليهم ذلك، فانبروا جميعا الى الانكار عليه.
كلمة عبد الله بن عباس :
وأول من كلمه عبد الله بن عباس فقال بعد حمد الله والثناء عليه :
" أما بعد :
فانك قد تكلمت فانصتنا وقلت :
فسمعنا، وان الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه اختار محمدا (صلى الله عليه وآله) لرسالته، واختاره لوحيه وشرفه على خلقه فاشرف الناس من تشرف به، واولاهم بالامر أخصهم به، وانما على الامة التسليم لنبيها اذا اختاره الله لها، فانه انما اختار محمدا بعلمه، وهو العليم الخبير، واستغفر الله لي ولكم..
" وكانت دعوة ابن عباس صريحة في ارجاع الخلافة لأهل البيت (عليهم السلام) الدين هم الصق الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمسهم به رحما، فان الخلافة انما هي امتداد لمركز رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأهل بيته أحق بمقامه وأولى بمكانته .
كلمة عبد الله بن جعفر :
وانبرى عبد الله بن جعفر فقال بعد حمد الله والثناء عليه :
" أما بعد :
فان هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقران فأولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، وإن أخذ فيها بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأولو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن أخذ فيها بسنة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل واحق بهذا الامر من آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟
وأيم الله لو ولوه بعد نبيهم لوضعوا الامر موضعه لحقه وصدقه، ولأطيع الرحمن، وعصي الشيطان، وما اختلف في الامة سيفان، فائق الله يا معاوية فانك قد صرت راعيا ونحن رعية فانظر لرعيتك فانك مسؤول عنها غدا، وأما ما ذكرت من ابني عمي، وتركك أن تحضرهما، فوالله ما أصبت الحق، ولا يجوز ذلك الا بهما، وانك لتعلم انهما معدن العلم والكرم فقل أودع، واستغفر الله لى ولكم.." .
وحفل هذا الخطاب بالدعوة الى الحق والاخلاص للامة فقد رشح أهل البيت (عليهم السلام) للخلافة وقيادة الامة، وحذره من صرفها عنهم كما فعل غيره من الخلفاء فكان من جراء ذلك ان منيت الامة بالازمات والنكسات وعانت أعنف المشاكل واقسى الحوادث :
كلمة عبد الله بن الزبير :
وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة فحمد الله وأثنى عليه وقال :
" أما بعد :
فان هذه الخلافة لقريش خاصة نتناولها بماثرها السنية وافعالها المرضية، مع شرف الاباء وكرم الابناء، فاتق الله يا معاوية وانصف نفسك فان هذا عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا عبد الله ابن جعفر ذي الجناحين ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي خلف حسنا وحسينا وأنت تعلم من هما وما هما ؟
فاتق الله يا معاوية، وانت الحاكم بيننا وبين نفسك..." .
وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة، وقد حفزهم بذلك لمعارضة معاوية وافساد مهمته :
كلمة عبد الله بن عمر :
واندفع عبد الله بن عمر فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه :
" أما بعد :
فان هذه الخلافة ليست بهرقلية، ولا قيصرية، ولا كسروية يتوارثها الابناء عن الاباء، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي فو الله ما ادخلني مع الستة من أصحاب الشورى، الا على أن الخلافة ليست شرطا مشروطا وانما هي في قريش خاصة لمن كان لها أهلا ممن ارتضاه المسلمون لانفسهم ممن كان اتقى وارضى، فان كنت تريد الفتيان من قريش فلعمري أن يزيد من فتيانها، واعلم انه لا يغني عنك من الله شيئا.." .
ولم تعبر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي، وانما عبرت تعبيرا صادقا عن راي الاغلبية الساحقة من المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد، ولم يرضوا بها .
كلمة معاوية :
وثقل على معاوية كلامهم، ولم يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم، فراح يشيد بابنه فقال :
" قد قلت :
وقلتم :
وانه قد ذهبت الاباء، وبقيت الابناء فابني أحب إلي من ابنائهم، مع ان ابني إن قاولتموه وجد مقالا.
وانما كان هذا الامر لبني عبد مناف لانهم اهل رسول الله فلما مضى رسول الله ولى الناس أبا بكر وعمر من غير معدن الملك والخلافة غير أنهما سارا بسيرة جميلة ثم رجع الملك إلى بني عبد مناف فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة، وقد اخرجك الله يابن الزبير، وانت يابن عمر منها، فاما ابنا عمي هذا فليسا بخارجين من الراي ان شاء الله.."( 8) .
وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة، وقد اخفق فيه اخفاقا ذريعا، فقد استبان له ان القوم مصممون على رفض بيعة يزيد...
وعلى اثر ذلك غادر يثرب، ولم تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد اهملت ذلك واكبر الظن انه لم يجتمع بهما .
فزع المسلمين :
وذعر المسلمون حينما وافتهم الانباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم، وكان من اشد المسلمين خوفا المدنيون والكوفيون، فقد عرفوا واقع يزيد، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للاسلام، يقول توماس آرنولد :
" كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألفوا البيعة والشورى، والنظم الاولى في الاسلام وهم بعد قريبون منها ولهذا احسوا - وخاصة في مكة والمدينة حيث كانوا يتمسكون بالاحاديث والسنن النبوية الاولى - ان الامويين نقلوا الخلافة الى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية مطبوع بالعظمة وحب الذات بدلا من أن يحتفظوا بتقوى النبي وبساطته " (9).
لقد كان اقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكما على المسلمين تحولا خطيرا في حياة المسلمين الذين لم يالفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فرض عليهم بقوة السلاح .
الجبهة المعارضة :
واعلن الاحرار والمصلحون في العالم الاسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد، ولم يرضوا به حاكما على المسلمين، وفيما يلي بعضهم .
1 - الامام الحسين وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الامام الحسين فقد كان يحتقر يزيد، ويكره طباعه الذميمة، ووصفه بانه صاحب شراب وقنص، وانه قد لزم طاعة الشيطان، وترك طاعة الرحمن، واظهر الفساد وعطل الحدود واستأثر بالفيء، وأحل حرام الله وحرم حلاله (10) واذا كان بهذا الضعة فكيف يبايعه ويقره حاكما على المسلمين، ولما دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الامام :
" أيها الامير إنا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة بنا فتح الله، وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله " .
ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الاسرة النبوية تبعا لزعيمهم العظيم، ولم يشذوا عنه .
الحرمان الاقتصادي :
وقابل معاوية الاسرة النبوية بحرمان اقتصادي عقوبة لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد، فقد حبس عنهم العطاء سنة كاملة (11) ولكن ذلك لم يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها .
2 - عبد الرحمن بن أبي بكر ومن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر، فقد وسمها بانها هرقلية كلما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر (12) وأرسل إليه معاوية مائة الف درهم ليشتري بها ضميره فابى وقال :
لا أبيع ديني (13) .
3 - عبد الله بن الزبير ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد، ووصفه بقوله :
" يزيد الفجور، ويزيد القرود، ويزيد الكلاب، ويزيد النشوات، ويزيد الفلوات " (14) ولما أجبرته السلطة المحلية في يثرب على البيعة فر منها، إلى مكة .
4 - المنذر بن الزبير وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد، وشجبها، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد امام أهل المدينة فقال :
" انه قد أجازني بمائة الف، ولا يمنعنى ما صنع بي أن أخبركم خبره والله إنه ليشرب الخمر، والله إنه ليسكر حتى يدع الصلاة " (15) .
5 - عبد الرحمن بن سعيد وامتنع عبد الرحمن بن سعيد من البيعة ليزيد، وقال في هجائه :
لست منا وليس خالك منا * يا مضيع الصلاة للشهوات (16)
6 - عابس بن سعيد ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد، حينما دعاه إليه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال له :
" أنا أعرف به منك، وقد بعث دينك بدنياك " (17) .
7 - عبد الله بن حنظلة وكان عبد الله بن حنظلة من أشد الناقمين على البيعة ليزيد، وكان من الخارجين عليه في وقعة الحرة، وقد خاطب أهل المدينة فقال لهم :
" فو الله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء..
إن رجلا ينكح الامهات والبنات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة والله لو لم يكن معي أحد من الناس لابليت لله فيه بلاءا حسنا.." (18) وكان يرتجز في تلك الواقعة :
بعدا لمن رام الفساد وطغى * وجانب الحق وآيات الهدى
لا يبعد الرحمن الا من عصى (19)
موقف الاسرة الاموية :
ونقمت الاسرة الاموية على معاوية في عقدة البيعة ليزيد، ولكن لم تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي، وانما كانت من أجل مصالحهم الشخصية الخاصة لان معاوية قلد ابنه الخلافة وحرمهم منها، وفيما يلي بعض الناقمين :
1 - سعيد بن عثمان وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية وقد رفع عقيرته قائلا :
" علام جعلت ولدك يزيد ولي عهدك فو الله لابي خير من أبيه، وأمي خير من أمه، وأنا خير منه، وقد وليناك فما عزلناك، وبنا نلت ما نلت.." .
فراوغ معاوية :
قال له :
" أما قولك :
إن أياك خير من أبيه فقد صدقت، لعمر الله إن عثمان لخير مني، وأما قولك :
ان أمك خير من أمه فحسب المراة أن تكون في بيت قومها وان يرضاها بعلها، وينجب ولدها، وأما قولك :
انك خير من يزيد، فو الله ما يسرني أن لي بيزيد ملء الغوطة ذهبا مثلك وأما قولك :
انكم وليتمونى فما عزلتموني فما وليتموني انما ولاني من هو خير منكم عمر بن الخطاب فاقررتموني، وما كنت بئس الوالي لكم، لقد قمت بثاركم، وقتلت قتلة أبيكم، وجعلت الامر فيكم وأغنيت فقيركم، ورفعت الوضيع منكم..." .
وكلمة يزيد فارضاه، وجعله واليا على خراسان (20) .
2 - مروان بن الحكم وشحب مروان بن الحكم البيعة ليزيد، وتقديمه عليه فقد كان شيخ الامويين وزعيمهم، فقال له :
" اقم يا ابن أبي سفيان، واهدا من تاميرك الصبيان، واعلم ان لك في قومك نظراء وان لهم على مناوئتك وزرا " .
فخادعه معاوية وقال له :
" أنت نظير امير المؤمنين بعده، وفي كل شدة عضده، فقد وليتك قومك، وأعظمنا في الخراج سهمك، وإنا مجيرو وفدك ومحسنو وفدك " (21) .
وقال مروان :
لمعاوية " جئتم بها هرقلية تبايعون لابناؤكم (22) .
3 - زياد بن أبيه وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده، وذلك لما عرف به من الاستهتار والخلاعة والمجون ويقول المؤرخون :
ان معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد، وانه ليس أولى من المغيرة بن شعبة، فلما قرا كتابه دعا برجل من أصحابه كان ياتمنه حيث لا ياتمن أحدا غيره فقال له :
اني أريد أن ائتمنك على ما لم أئتمن على بطون الصحائف إئت معاوية وقل له :
يا إمير المؤمنين ان كتابك ورد علي بكذا، فماذا يقول الناس انا دعوناهم إلى بيعة يزيد، وهو يلعب بالكلاب والقرود، ويلبس المصبغ، ويدمن الشراب، ويمسي على الدفوف، ويحضرهم - أي الناس - الحسين بن علي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله ابن عمر، ولكن تامره أن يتخلق باخلاق هؤلاء حولا أو حولين، فعسانا أن نموه على الناس، وسار الرسول الى معاوية فادى اليه رسالة زياد فاستشاط غضبا، وراح يتهدده ويقول :
" ويلي على ابن عبيد لقد بلغني أن الحادي حدا له أن الامير بعدي زياد، والله لاردنه الى أمه سمية والى أبيه عبيد.." (23) .
هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية من الاسرة الاموية وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين .
ايقاع الخلاف بين الامويين :
واتبع معاوية سياسة التقريق بين الامويين حتى يصفو الامر لولده يزيد، فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص، واستعمل مكانه مروان بن الحكم، ثم عزل مروان واستعمل سعيدا مكانه، وأمره بهدم داره، ومصادرة أمواله، فابى سعيد من تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله، وولى مكانه مروان، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره فلما هم مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شانه فامتنع مروان من القيام بما أمره معاوية، وكتب سعيد الى معاوية رسالة يندد فيها بعمله وقد جاء فيها :
" العجب مما صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له أن يضغن بعضنا على بعض..
فأمير المؤمنين في حمله وصبره على ما يكره من الاخبثين، وعفوه وادخاله القطيعة بنا، والشحناء وتوارث الاولاد ذلك " (24) .
وعلق عمر ابو النصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع اسرته بقوله :
" إن سبب هذه السياسة هو رغبة معاوية في ايقاع الخلاف بين اقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد من بعده فكان يضرب بعضهم ببعض حتى يظلوا بحاجة إلى عطفه وعنايته.." (25).
تجميد البيعة :
وجمد معاوية رسميا البيعة ليزيد الى اجل آخر حتى يتم له ازالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه، ويقول المؤرخون :
انه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب واطلع على آرائهم المعادية لما ذهب اليه اوقف كل نشاط سياسي في ذلك وارجئ العمل الى وقت آخر (26).
اغتيال الشخصيات الاسلامية :
وراى معاوية انه لا يمكن باي حال تحقيق ما يصبوا اليه من تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتع باحترام بالغ في نفوس المسلمين فعزم على القيام باغتيالهم ليصفو له الجو فلا يبقى أمامه أي مزاحم وقد قام باغتيال الذوات التالية :
1 - سعد بن أبي وقاص ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين من المسلمين فهو أحد اعضاء الشورى وفاتح العراق، وقد ثقل مركزه على معاوية فدس إليه سما فمات منه (27).
2 - عبد الرحمن بن خالد واخلص اهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وأحبوه كثيرا وقد شاورهم معاوية فيمن يعقد له البيعة بعد وفاته، فقالوا له
رضينا بعبد الرحمن بن خالد، فشق ذلك عليه وأسرها في نفسه، ومرض عبد الرحمن، فامر معاوية طبيبا يهوديا كان مكينا عنده ان ياتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله، فسقاه الطبيب فمات على اثر ذلك (188).
3 - عبد الرحمن بن ابي بكر وكان عبد الرحمن بن أبي بكر من اقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده، وقد انكر عليه ذلك، وبعث إليه معاوية بمائة الف درهم فردها عليه، وقال :
لا ابيع ديني بدنياي ولم يلبث أن مات فجأة بمكة (29) وتعزو المصادر سبب وفاته الى أن معاوية دس اليه سما فقتله .
4 - الامام الحسن وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة واثم في الاسلام، فقد عمد إلى اغتيال سبط النبي (صلى الله عليه وآله) وريحانته الامام الحسن (عليه السلام) الذي عاهده بان يكون الخليفة من بعده...
ولم يتحرج الطاغية من هذه الجريمة في سبيل انشاء دولة أموية تنتقل بالوارثة إلى أبنائه واعقابه، وقد وصفه " الميجر اوزبورن " بانه مخادع وذا قلب خال من كل شفقة، وانه كان لا يتهبب من الاقدام على أية جريمة من أجل أن يضمن مركزه فالقتل احدى وسائله لإزالة خصومه وهو الذي دبر تسميم حفيد الرسول (صلى الله عليه وآله) كما تخلص من مالك الاشتر قائد علي بنفس الطريقة (30) .
وقد استعرض الطاغية السفاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله) فلم ير أحدا خليقا بارتكاب الجريمة سوى جعيدة بنت الاشعث فانها من بيت قد جبل على المكر وطبع على الغدر والخيانة، فارسل الى مروان بن الحكم سما فاتكا كان قد جلبه من ملك الروم، وأمره بان يغري جعيدة بالاموال، وزواج ولده يزيد اذا استجابت له، وفاوضها مروان سرا، ففرحت، فاخذت منه السم، ودسته للامام وكان صائما في وقت ملتهب من شدة الحر، ولما وصل إلى جوفه تقطعت أمعاؤه، والتفت الى الخبيثة فقال لها :
" قتلتيني قتلك الله، والله لا تصيبن مني خلفا، لقد غرك - يعني معاوية - وسخر منك يخزيك الله، ويخزيه." .
وأخذ حفيد الرسول (صلى الله عليه وآله) يعاني الالام الموجعة من شدة السم، وقد ذيلت نضارته واصفر لونه، حتى وافاه الاجل المحتوم، وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها من الاحداث في كتابنا (حياة الامام الحسن).
اعلان البيعة رسميا :
وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (صلى الله عليه وآله) وريحانته، فقد قضى على من كان يحذر منه، وقد استبت له الامور، وخلت الساحة من أقوى المعارضين له، وكتب الى جميع عماله أن يبادروا دونما أي تاخير الى اخذ البيعة ليزيد، ويرغموا المسلمين على قبولها، واسرع الولاة في اخذ البيعة من الناس، ومن نحلف عنها نال اقصى العقوبات الصارمة .
مع المعارضين في يثرب :
وامتنعت يثرب من البيعة ليزيد، واعلن زعماؤهم وعلى راسهم الامام الحسين (عليه السلام) رفضهم القاطع للبيعة، ورفعت السلطة المحلية ذلك الى معاوية فرأى أن يسافر الى يثرب ليتولى بنفسه اقناع المعارضين، فان أبوا اجبرهم على ذلك، واتجه معاوية الى يثرب في موكب رسمي تحوطه قوة هائلة من الجيش، ولما انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهددهم وفي اليوم الثاني ارسل الى الامام الحسين والى عبد الله بن عباس، فلما مثلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة، وأخذ يسال الحسين (عليه السلام) عن ابناء اخيه والامام يجيبه ثم خطب معاوية فأشاد بالنبي (صلى الله عليه وآله) واثنى عليه، وعرض الى بيعة يزيد ومنح ابنه الالقاب الفخمة والنعوت الكريمة ودعاهما الى بيعته .
خطاب الامام الحسين :
وانبرى أبى الضيم فحمد الله واثنى عليه ثم قال :
" أما بعد :
يا معاوية فلن يؤدي المادح وان اطنب في صفة الرسول (صلى الله عليه وآله) من جميع جزءا، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ايجاز الصفة، والتنكب عن استبلاغ النعت، وهيهات هيهات يا معاوية ! ! فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج ولقد فضلت حتى افرطت، واستأثرت حتى اجحفت، ومنعت حتى بخلت، وجرت حتى جاوزت، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب، حتى اخذ الشيطان حظه الاوفر، ونصيبه الاكمل .
وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لامة محمد (صلى الله عليه وآله) تريد أن توهم الناس في يزيد كانك تصف محجوبا أو تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رايه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش والحمام السبق لاترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضروب الملاهي تجده ناصرا.
ودع عنك ما تحاول :
فما اغناك ان تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما انت لا قيه، فو الله ما برحت تقدح باطلا في جور، وحنقا في ظلم، حتى ملات الاسقية، وما بينك وبين الموت الا غمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورايتك عرضت بنا بعد هذا الامر، ومتعتنا عن آبائنا تراثا، ولعمر الله اورثنا الرسول (صلى الله عليه وآله) ولادة، وجئت لنا بها ما حججتم به القائم عند موت الرسول فاذعن للحجة بذلك ورده الايمان الى النصف فركبتم الاعاليل، وفعلتم الافاعيل وقلتم :
كان ويكون حتى اتاك الامر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك فهناك فاعتبروا يا أولي الابصار.
وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتأميره له، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له، وما صار لعمر الله يومئذ مبعثهم حتى انف القوم امرته، وكرهوا تقديمه وعدوا عليه افعاله، فقال (صلى الله عليه وآله) :
لا جرم يا معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري، فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في اوكد الاحكام، وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب ؟
أم كيف صاحبت بصاحب تابعا، وحولك من لا يؤمن في صحبته، ولا يعتمد في دينه وقرايته، وتتخطاهم الى مسرف مفتون، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بهذا الباقي في دنياه وتشقي بها في آخرتك، ان هذا لهو الخسران المبين، واستغفر الله لي ولكم.." .
وفند الامام في خطابه جميع شبهات معاوية وسد عليه جميع الطرق والنوافذ، وحمله المسؤولية الكبرى فيما اقدم عليه من ارغام المسلمين على البيعة لولده، كما عرض للخلافة وما منيت به من الانحراف عما أرادها الله من أن تكون في العترة الطاهرة الا ان القوم زوروها عنهم، وحرفوها عن معدنها الاصيل .
وذهل معاوية من خطاب الامام، وضاقت عليه جميع السبل فقال لابن عباس :
" ما هذا يابن عباس ؟" .
" لعمر الله إنها لذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) وأحد اصحاب الكساء، ومن البيت المطهر قاله :
عما تريد، فان لك في الناس مقنعا حتى يحكم الله بامره وهو خير الحاكمين..." (31) .
ونهض ابي الضيم وترك معاوية يتميز من الغيظ، وقد استبان له أنه لا يتمكن أن يخدع الامام الحسين وياخذ البيعة منه .
ارغام المعارضين :
وغادر معاوية يثرب متجها الى مكة وهو يطيل التفكير في أمر المعارضين فراى أن يعتمد على وسائل العنف والارهاب، وحينما وصل الى مكة احضر الامام الحسين، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر وعرض عليهم مرة أخرى البيعة إلى يزيد فاعلنوا رفضهم لها، فانبرى إليهم مغضبا وقال :
" اني أتقدم إليكم انه قد اعذر من انذر كنت أخطب فيكم فيقوم إلي القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس فاحمل ذلك واصفح، واني قائم بمقالة فاقسم بالله لئن رد علي أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى راسه، فلا يسبقني رجل الا على نفسه.." .
ودعا صاحب حرسه بحضرتهم فقال له :
أقم على راس كل رجل من هؤلاء، رجلين ومع كل واحد سيف فان ذهب رجل منهم يرد علي كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما، ثم خرج وخرجوا معه فرقى المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال :
" ان هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لا يبتز أمر دونهم، ولا يقضى الا عن مشورتهم، وانهم رضوا وبايعوا ليزيد، فبايعوا على اسم الله.." .
فبايعه الناس، ثم ركب رواحله، وغادر مكة (32) وقد حسب معاوية ان الامر قد تم لولده، واستقر الملك في بيته، ولم يعلم أنه قد جر الدمار على دولته، واعد المجتمع للثورة على حكومة ولده .
موقف الامام الحسين :
كان موقف الامام الحسين مع معاوية يتسم بالشدة والصرامة، فقد أخذ يدعو المسلمين بشكل سافر الى مقاومة معاوية، ويحذرهم من سياسته الهدامة الحاملة لشارات الدمار الى الاسلام .
وفود الاقطار الاسلامية :
واخذت الوفود تترى على الامام من جميع الاقطار الاسلامية وهي تعج بالشكوى إليه وتستغيث به مما ألم بها من الظلم والجور، وتطلب منه القيام بانقاذها من الاضطهاد، ونقلت الاستخبارات في ييثر الى السلطة المحلية تجمع الناس واختلافهم على الامام الحسين، وكان الوالي مروان ففزع من ذلك وخاف إلى حد بعيد .
مذكرة مروان لمعاوية :
ورفع مروان مذكرة لمعاوية سجل فيها تخوفه من تحرك الامام، واختلاف الناس عليه، وهذا نصها:
" أما بعد فقد كثر اختلاف الناس الى حسين، والله اني لارى لكم منه يوما عصبيا " (33) .
جواب معاوية :
وأمره معاوية بعدم القيام باي حركة مضادة للامام فقد كتب إليه :
" اترك حسينا ما تركك، ولم يظهر لك عداوته، وبيد صفحته، واكمن عنه كمون الثرى ان شاء الله والسلام.." (34) .
لقد خاف معاوية من تطور الاحدث، فعهد الى مروان بعدم التعرض له باي أذى أو مكروه .
راى مروان في ابعاد الامام :
واقترح مروان على معاوية ابعاد الامام عن يثرب وفرض الاقامة الجبرية عليه في الشام، ليقطعه عن الاتصال باهل العراق، ولم يرتض معاوية ذلك فرد عليه " اردت والله أن تستريح منه وتبتليني به، فان صبرت عليه صبرت على ما أكره وان أسأت الله قطعت رحمه.."(195).
رسالة معاوية للحسين :
واضطرب معاوية من تحرك الامام واختلاف الناس عليه فكتب إليه رسالة، وقد رويت بصورتين .
1 - رواها البلاذري وهذا نصها :
" أما بعد : فقد انهيت إلي عنك امور إن كانت حقا فاني لم اظنها بك رغبة عنها، وان كانت باطلة فانت اسعد الناس بمجانبتها، وبحظ نفسك تبدا، وبعهد الله توفي فلا تحملني على قطعيتك والاسائة إليك، فانك متى تنكرني انكرك، ومتى تكدني اكدك فاتق الله يا حسين في شق عصا الامة، وان تردهم في فتنة.." (36) .
2 - رواها ابن كثير وهذا نصها :
" ان من اعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد انبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك الى الشقاق، وأهل العراق من قد جربت، قد افسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله، واذكر الميثاق فانك متى تكدني اكدك " (37) .
واحتوت هذه الرسالة حسب النص الاخير على ما يلي :
1 - ان معاوية قد طالب الامام بتنفيذ ما شرطه عليه في بنود الصلح أن لا يخرج عليه، وقد وفى له الامام بذلك الا ان معاوية لم يف بشئ مما أبرمه على نفسه من شروط الصلح .
2 - ان معاوية كان على علم بوفود أهل الكوفة التي دعت الامام للخروج عليه وقد وسمهم بانهم أهل الشقاق وانهم قد غدروا بعلي والحسن من قبل .
3 - التهديد السافر للامام بانه متى كاد معاوية فانه يكيده .
جواب الامام :
ورفع الامام إلى معاوية مذكرة خطيرة كانت جوبا لرسالته حمله مسؤوليات جميع ما وقع في البلاد من سفك الدماء، وفقدان الامن، وتعريض الامة للازمات، وهي من أروع الوثائق الرسمية التي حفلت بذكر الاحداث التي صدرت من معاوية وهذا نصها :
" أما بعد :
فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير، وان الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى .
أما ما ذكرت أنه رقي إليك عني، فانه انما رقاه إليك الملاقون المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الجمع، وكذب الغاوون.
ما أردت لك حربا، ولا عليك خلافا، واني لاخشى الله في ترك ذلك منك، ومن الاعذار فيه إليك وإلى اوليائك القاسطين حزب الظلمة .
ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة واصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ويامرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا، من بعد ما أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة، جراءة على الله واستخفافا بعهده .
أو لست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) العبد الصالح الذى ابلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه، فقتلته بعد ما أمنته واعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال .
أولست بمدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف، فزعمت أن ابن أبيك، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
الولد للفراش وللعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعمدا وتبعت بغير هدى من الله ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل، كانك لست من هذه الامة وليسوا منك .
أولست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه إليك زياد أنه على دين علي كرم الله وجهه فكتب إليه أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم، ومثل بهم بأمرك، ودين علي هو دين ابن عمه (صلى الله عليه وآله) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رجلة الشتاء والصيف .
وقلت :
فيما قلت :
انظر لنفسك ودينك ولامة محمد (صلى الله عليه وآله) واتق شق عصا هذه الامة، وان تردهم الى فتنة، واني لا اعلم فتنة أعظم على هذه الامة من ولايتك عليها، ولا اعظم لنفسي ولديني ولامة محمد (صلى الله عليه وآله) أفضل من ان أجاهرك، فان فعلت فانه قربة إلى الله، وان تركته فاني استغفر الله لديني، واساله توفيقه لإرشاد أمري .
وقلت :
فيما قلت :
إنني إن انكرتك تنكرني، وإن اكدك تكدني فكدني ما بدا لك وفاني أرجو أن لا يضرني كيدك، وان لا يكون على أحد أضر منه على نفسك، لانك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك.
ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا، ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا، مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا .
فابشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أن الله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها.
وليس الله بناس لاخذك بالظنة وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك اياهم من دورهم الى دار الغربة واخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب ما أراك الا قد خسرت نفسك، وتبرت دينك (38) وغششت رعيتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل واخفت الورع التقي والسلام " (39) .
لا اكاد أعرف وثيقة سياسة في ذلك العهد عرضت لعبث السلطة وسجلت الجرائم التي ارتكبها معاوية، والدماء التي سفكها، والنفوس التي أرعبها غير هذه الوثيقة، وهي صرخة في وجه الظلم والاستبداد " والله كم هي هذه الكلمة رقيقة شاعرة (كأنك لست من هذه الامة وليسوا منك) هذه الكلمة المشبعة بالشعور القومي الشريف وقديما قال الصابي، " إن الرجل من قوم ليست له أعصاب تقسو عليهم " وهو اتهام من الحسين لمعاوية في وطنيته وقوميته، واتخذ من الدماء الغزيرة المسفوكة عنوانا على ذلك " (40) .
لقد حفلت هذه المذكرة بالاحداث الخطيرة التي اقترفها معاوية وعماله خصوصا زياد بن سمية الذي نشر الارهاب والظلم بين الناس فقتل على الظنة والتهمة، واعدم كل من كان على دين الامام امير المؤمنين الذى هو دين ابن عمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد اسرف هذا الطاغية في سفك الدماء بغير حق، ومن الطبيعي انه لم يقترف ذلك الا بايعاز من معاوية فهو الذي عهد إليه بذلك :
صدى الرسالة :
ولما انتهت رسالة الامام الى معاوية ضاق بها ذرعا، وراح يراوغ على عادته ويقول :
" ان أثرنا بابى عبد الله الا أسدا " (41) .
المؤتمر السياسى العام :
وعقد الامام في مكة مؤتمرا سياسيا عاما دعافيه جمهورا غفيرا ممن شهد موسم الحج من المهاجرين والانصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين فانبرى (عليه السلام) خطيبا فيهم، وتحدث ببليغ بيانه بما ألم بعترة النبي (صلى الله عليه وآله) وشيعتهم من المحن والخطوب التي صبها عليهم معاوية وما اتخذه من الاجراءات المشددة من أخفاء فضائلهم، وستر ما أثر عن الرسول الاعظم في حقهم والزم حضار مؤتمره باذاعة ذلك بين المسلمين، وفيما يلي نص حديثه فيما رواه سليم بن قيس قال :
" ولما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي، وعبد الله ابن عباس، وعبد الله بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم، ومن حج من الانصار ممن يعرفهم الحسين وأهل بيته، ثم أرسل رسلا، وقال لهم :
لا تدعوا أحدا حج العام من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعروفين بالصلاح والنسك الا اجمعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى اكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادق، عامتهم من التابعين، ونحو من ماتئي رجل من اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فقام فيهم خطيبا " فحمد الله واثنى عليه، ثم قال :
أما بعد :
فان هذا الطاغية - يعني معاوية - قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رايتم، وعلمتم وشهدتم، واني أريد أن أسالكم عن شئ فان صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى امصاركم وقبائلكم، فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم الى ما تعلمون من حقنا، فاني أتخوف أن يدرس هذا الامر ويغلب، والله متم نوره ولو كره الكافرون " .
وما ترك شيئا مما أنزله الله فيهم من القران الا تلاه وفسره ولا شيئا مما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أبيه وأخيه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه .
وكل ذلك يقول أصحابه :
اللهم نعم.
قد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي :
اللهم قد حدثني به من أصدقه وأئتمنه من الصحابة فقال (عليه السلام) .
أنشدكم الله الا حدثتم به من تثقون به وبدينه.." (42) .
وكان هذا المؤتمر أول مؤتمر اسلامي عرفه المسلمون في ذلك الوقت وقد شجب فيه الامام سياسة معاوية ودعا المسلمين لاشاعة فضائل أهل البيت (عليه السلام)، واذاعة مأثرهم التي حاولت السلطة حجبها عن المسلمين .
رسالة جعدة للامام :
وكان جعدة بن هبيرة بن أبي وهب من اخلص الناس للامام الحسين عليه السلام، واكثرهم مودة له وقد اجتمعت عنده الشيعة، وأخذوا يلحون عليه في مراسلة الامام للقدوم الى مصرهم ليعلن الثورة على حكومة معاوية، ورفع جعدة رسالة للامام وهذا نصها :
" أما بعد :
فان من قبلنا من شيعتك متطلعة انفسهم اليك، لا يعدلون بك أحد، وقد كانوا عرفوا راي الحسن اخيك في الحرب.
وعرفوك باللين لاوليائك والغلظة على أعدائك، والشدة في أمر الله، فان كنت تحب أن تطلب هذا الامر فاقدم علينا فقد وطنا أنفسنا على الموت معك.." .
جواب الامام :
ولم يكن من راي الامام الحسين الخروج على معاوية، وذلك لعلمه بفشل الثورة وعدم نجاحها، فان معاوية بما يملك من وسائل دبلوماسية وعسكرية لابد أن يقضي عليها، ويخرجها من اطارها الاسلامي الى حركة غير شرعية ويوسم القائمين بها بالتمرد والخروج على النظام، وقد اجابهم عليه السلام بعد البسملة والثناء على الله بما يلي :
" أما اخي فاني ارجو أن يكون الله قد وفقه وسدده، وأما أنا فليس رايي اليوم ذلك، فالصقوا رحمكم الله بالارض، واكمنوا في البيوت واحترسوا من الظنة ما دام معاوية حيا، فان يحدث الله به حدثا وأنا حي كتبت إليكم برايي والسلام..." (43) .
لقد أمر (عليه السلام) شيعته بالخلود إلى الصبر والامساك عن المعارضة، وأن يلزموا بيوتهم خوفا عليهم من سلطان معاوية الذي كان يأخذ البرئ بالسقيم والمقبل بالمدبر ويقتل على الظنة والتهمة، واكبر الظن ان هذه الرسالة كانت في عهد زيادة الذي سمل عيون الشيعة، وصلبهم على جذرع النخل ودمرهم تدميرا ساحقا .
نصيحة الخدري للامام :
وشاعت في الاوساط الاجتماعية أنباء وفود أهل الكوفة على الامام الحسين (عليه السلام) واستنجادهم به لانقاذهم من ظلم معاوية وجوره، وهذا نص حديثه :
" يا أبا عبد الله اني انا ناصح، واني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة، يدعونكم الى الخروج إليهم، فلا تخرج إليهم، فاني سمعت أباك يقول بالكوفة، والله لقد مللتهم، وابغضتهم وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، ومن فاز به فاز بالسهم الاخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف " (44) وليس من شك في أن أبا سعيد الخدري كان من ألمع أصحاب الامام امير المؤمنين واكثرهم اخلاصا وولاء لاهل البيت، وقد دفعه حرصه على الامام الحسين، وخوفه عليه من معاوية أن يقوم بالنصيحة له في عدم خروجه على معاوية، ولم تذكر المصادر التي بايدينا جواب الامام الحسين له .
استيلاء الحسين على اموال للدولة :
وكان معاوية ينفق اكثر أموال الدولة على تدعيم ملكه، كما كان يهب الاموال الطائلة لبني أمية لتقوية مركزهم السياسي والاجتماعي، وكان الامام الحسين يشجب هذه السياسة، ويروي ضرورة انفاذ الاموال من من معاوية وانفاقها على المحتاجين، وقد اجتازت على يثرب أموال من اليمن الى خزينة دمشق، فعمد الامام الى الاستيلاء عليها، ووزعها على المحتاجين من بني هاشم وغيرهم وكتب الى معاوية :
" من الحسين بن علي الى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد :
فان عيرا مرت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إليك، لتودعها خزائن دمشق، وتعل بها بعد النهل بني أبيك، واني احتجت إليها فاخذتها والسلام.." .
وأجابه معاوية :
" من عبد الله معاوية الى الحسين بن علي، أما بعد :
فان كتابك ورد علي تذكر ان عيرا مرت بك من اليمن تحمل مالا، وحللا وعنبرا وطيبا إلي لاودعها خزائن دمشق، واعل بها بعد النهل بني أبي، وانك احتجت إليها فاخذتها، ولم تكن جديرا باخذها اذ نسبتها إلي لان الوالي أحق بالمال، ثم عليه المخرج منه، وايم الله لو تركت ذلك حتى صار إلي لم ابخسك حظلك منه ولكنني قد ظننت يا بن أخي ان في راسك نزوة، وبودي أن يكون ذلك في زماني فاعرف لك قدرك، واتجاوز عن ذلك ولكنني والله اتخوف أن تبلى بمن لا ينظرك فواق ناقة " .
وكتب في اسفل كتابه هذه الابيات :
يا حسين بن علي ليس ما *** جئت بالسائغ يوما والعلل
أخذك المال ولم تؤمر به *** ان هذا من حسين لعجل
قد اجزناها ولم نغضب لها *** واحتملنا من حسين ما فعل
يا حسين بن علي ذا الامل *** لك بعدي وثبة لا تحتمل
وبودي انني شاهدها *** فاليها منك بالخلق الاجل
انني أرهب ان تصل بمن *** عنده قد سبق السيف العذل (45)
وفي هذا الكتاب تهديد للامام بمن يخلف معاوية وهو ابنه يزيد الذي لا يؤمن بمقام الحسين ومكانته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
وعلى أي حال فقد قام الامام بانقاذ هذه الاموال من معاوية وانفقها على الفقراء في حين أنه لم يكن ياخذ لنفسه أي صلة من معاوية، وقد قدم له مالا كثيرا وثيابا وافرة وكسوة فاخرة فرد الجميع عليه (46)، وقد روى الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ان الحسن والحسين كانا لا يقبلان جوائز معاوية (47) .
حديث موضوع :
من الاخبار الموضوعة ما روي ان الامام الحسين وقد مع أخيه الحسن على معاوية فامر لهما بمائة ألف درهم وقال لهما :
" خذاها وأنا ابن هند، ما اعطاها أحد قبلي، ولا يعطيها أحد بعدي.." .
فانبرى إليه الامام الحسين قائلا :
" والله ما أعطى احد قبلك ولا بعدك لرجلين اشرف منا.." .
ولا مجال للقول بصحة هذه الرواية فان الامام الحسين (عليه السلام) لم يفد على معاوية بالشام، وانما وفد عليه الامام الحسن (عليه السلام) لا لاجل الصلة والعطاء كما يذهب لذلك بعض السذج من المؤرخين، وانما كان الغرض ابراز الواقع الاموي، والتدليل على مساوئ معاوية، كما اثبتت ذلك مناظراته مع معاوية وبطانته، والتي لم يقصد فيها الا تلك الغاية، وقد أوضحنا ذلك بصورة مفصلة في كتابنا (حياة الامام الحسن) .
الحسين مع بني أمية :
كانت العداوة بين الحسين وبين بني أمية ذاتية فهي عداوة الضد للضد، وقد سال سعيد الهمداني الامام الحسين عن بني أمية فقال (عليه السلام) " إنا وهم الخصمان اللذان اختصما في ربهم.." (48) .
أجل انهما خصمان في أهدافهما، وخصمان في اتجاههما، فالحسين (عليه السلام) كان يمثل جوهر الايمان بالله، وبمثل القيم الكريمة التي يشرف بها الانسان وبنو أمية كانوا يمثلون مساوئ الجاهلية التي تهبط بالإنسان الى مستوى سحيق وكان الامويين بحسب طباعهم الشريرة، يحقدون على الامام الحسين ويبالغون في توهينه، وقد جرت منازعة بين الحسين وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في مال كان بينهما فتحامل الوليد على الحسين في حقه، فثار الامام في وجهه وقال :
" احلف بالله لتنصفي من حقي أو لاخذن سيفي، ثم لاقومن في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وادعون بحلف الفضول.." .
لقد أراد أن يحيى حلف الفضلول الذي أسسه الهاشميون والذي كان شعاره انصاف المظلومين والاخذ بحقوقهم، وقد حاربه الامويون في جاهليتهم لانه يتنافي مع طباعهم ومصالحهم .
وانبرى عبد الله بن الزبير فانضم للحسين وانتصر له وقال :
" وأنا احلف بالله لئن دعا به لاخذن سيفي ثم لاقومن معه حتى ينتصف من حقه أو تموت جميعا.." .
وبلغ المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري الحديث فانضم للحسين، وقال بمثل مقالته وشعر الوليد بالوهن والضعف، فتراجع عن غيه، وانصف الحسين (عليه السلام) من حقه (49) .
ومن الوان الحقد الاموي على الحسين أنه كان جالسا في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فسمع رجلا يحدث اصحابه، ويرفع صوته ليسمع الحسين وهو يقول :
" انا شاركنا آل أبي طالب في النبوة حتى نلنا منها مثل ما نالوا منها من السبب والنسب، ونلنا من الخلافة ما لم ينالوا فبم يفخرون علينا ؟" .
وكرر هذا القول ثلاثا، فاقبل عليه الحسين فقال له :
اني كففت عن جوابك في قولك الاول حلما، وفي الثاني عفوا، وأما في الثالث فاني مجيبك اني سمعت أبي يقول :
ان في الوحي الذي أنزله الله على محمد (صلى الله عليه وآله) اذا قامت القيامة الكبرى حشر الله بني أمية في صور الذر يظاهم الناس حتى يفرغ من الحساب ثم يؤتى بهم فيحاسبوا، ويصار بهم الى النار (50) ولم يطق الاموي جوابا وانصرف وهو يتميز من الغيظ..
مرض معاوية :
ومرض معاوية وتدهورت صحته، ولم تجد معه الوصفات الطيبة، فقد تناهب جسمه الامراض، وفد شعر بدنو اجله، وكان في حزن على ما اقترفه في قتله لحجز بن عدى فكان ينظر إليه شبحا مخفيا، وكان يقول :
ويلي منك يا حجر ! إن لي مع ابن عدي ليوما طويلا (51) وتحدث الناس عن مرضه، فقالوا إنه الموت، فامر أهله أن يحشوا عينيه اثمدا، ويسبغوا على راسه الطيب، ويجلسوه ثم أذن للناس فدخلوا وسلموا عليه قياما فلما خرجوا من عنده أنشد قائلا :
وتجلدي للشامتين أريهم *** أنى لريب الدهر لا اتضعضع
فسمعه رجل من العلويين فاجابه .
واذا المنية أنشبت أظفارها *** الفيت كل تميمة لا تنفع (52)
وصاياه :
ولما ثقل حال معاوية عهد بوصيته إلى يزيد، وقد جاء فيها " يا بني اني قد كفيتك الشر والترحال، ووطات لك الامور، وذلك لك الاعداء واخضعت لك رقاب العرب وجمعت لك ما لم يجمعه أحد فانظر أهل الحجاز فانهم أصلك، واكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق فان سالوك أن تعزل كل يوم عاملا فافعل فان عزل عامل أيسر من أن يشهر عليك مائة الف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فان رابك من عدوك شئ فانتصر بهم فاذا أصبتهم فاردد أهل الشام الى بلادهم فان أقاموا بغير بلادهم تغيرت اخلاقهم..
وانى لست اخاف عليك أن ينازعك في هذا الامر الا أربعة نفر من قريش الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن ابن أبي بكر، فاما ابن عمر فانه رجل قد وقذته العبادة، فاذا لم يبق احد غيره بايعك واما الحسين بن علي فهو رجل خفيف، ولن يترك أهل العراق حتى يخرجوه، فان خرج وظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من محمد، وأما ابن ابي بكر فان راى اصحابه صنعوا شيئا صنع مثله ليس له همة الا في النساء واللهو، واما الذي بجثم لك جثوم الاسد، ويراوغك مراوغة الثعلب فان أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فان هو فعلها بك فظفرت به فقطعه اربا اربا واحقن دماء قومك ما استطعت..." (53) .
واكبر الظن ان هذه الوصية من الموضوعات فقد افتعلت لاثبات حلم معاوية وانه عهد الى ولده بالاحسان الشامل الى المسلمين وهو غير مسؤول عن تصرفاته...
ومما يؤيد وضعها ما يلي :
1 - ان المؤرخين رووا أن معاوية أوصى يزيد بغير ذلك فقال له:
ان لك من أهل المدينة يوما فان فعلوها فارمهم بمسلم بن عقبة فانه رجل قد عرفنا نصيحته (5 4) وكان مسلم بن عقبة جزارا جلادا لا يعرف الرحمة والرأفة، وقد استعمله يزيد بعهد من أبيه في واقعة الحرة فاقترف كل موبقة واثم، فكيف تلتقي هذه الوصية بتلك الوصية التي عهد فيها بالاحسان الى أهل الحجاز .
2 - انه اوصاه برعاية عواطف العراقيين، والاستجابة لهم اذا سألوه في كل يوم عزل من ولاه عليهم، وهذا يتنافى مع ما ذكره المؤرخون انه عهد بولاية العراق الى عبيد الله بن زياد، وهو يعلم شدته وصرامته وغدره، فهو ابن زياد الذي أغرق العراق بدماء الابرياء فهل العهد إليه بولايته العراق من الاحسان الى العراقيين والبر بهم ؟!!
3 - انه جاء في هذه الوصية انه يتخوف عليه من عبد الله بن عمر وقد وصفه بانه قد وقذته العبادة، واذا كان كذلك فهو بطبيعة الحال منصرف عن السلطة والمنازعات السياسية فما معنى التخوف منه ؟! !
4 - انه جاء في هذه الوصية انه يتخوف عليه من عبد الرحمن بن أبي بكر، وقد نص المؤرخون انه توفي في حياة معاوية، فما معنى التخوف عليه من انسان ميت ؟
5 - انه أوصاه برعاية الحسين (عليه السلام) وان له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن المؤكد ان معاوية بالذات لم يرع أي جانب من جوانب القرابة من رسول الله، فقد قطع جميع أواصرها فقد فرض سبها على رؤوس الاشهاد، وعهد إلى لجان التربية والتعليم بتربية النشئ ببغض أهل البيت، ولم يتردد في ارتكاب أي وسيلة للحط من شانهم، وقد علق الاستاذ عبد الهادي المختار على هذه الفقرات من الوصية بقوله:
" وتقول بعض المصادر ان معاوية أوصى ولده يزيد برعاية الحسين والذي نعتقده أنه لا أثر لها من الصحة، فان معاوية لم يتردد في اغتيال الامام الحسن حتى بعد ما بايعه، فكيف يوصي ولده بالعفو عن الحسين ان ظفر به .
لم يكن معاوية بالذي يرعي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة أو قرابة حتى يوصي ابنه برعاية آل محمد، كلا ابدا فقد حارب الرسول في الجاهلية حتى أسلم كرها يوم فتح مكة، ثم حارب صهر الرسول وخليفته وابن عمه عليا، ونزا على خلافة المسلمين، وانتزعها قهرا، وسم ابن بنت الرسول الحسن، فهل يصدق بعد هذا كله أن يوصي بمثل ما أوصى به .
قد يكون أوصاه أن يغتاله سرا ويدس له السم، أو يبعث له من يطعنه بليل - ربما كان هذا الفرض اقرب الى الصحة من تلك الوصية - ولكن المؤرخون سامحهم الله أرادوا أن يبرؤا ساحة الاب، ويلقوا جميع التبعات على الابن وهما في الحقيقة غرس اثم واحد وثمرة جريمة واحدة وأضاف يقول:
ولو ان الوصية المزعومة كانت صحيحة لما كان يزيد لاهم له بعد موت أبيه الا تحصيل البيعة من الحسين وتشديده على عامله بالمدينة بلزوم اجبار الحسين على البيعة.." (55) .
_____________
(1) يفرغ : يعلو رؤوس الناس .
(2) شعراء النصرانية بعد الاسلام (ص 234).
(3) الاعاني 8 / 71 .
(4) تاريخ ابن الاثير 3 / 250.
(5) تاريخ ابن الاثير 3 / 250 .
(6) نفس المصدر.
(7) تذكرة ابن حمدون (ص 81).
(8) الامامة والسياسة 1 / 180 - 183، جمهرة الخطب 2 / 233 - 236 .
(9) الخلافة (ص 10) لتوماس
(10) تاريخ ابن الاثير .
(11) تاريخ ابن الاثير 3 / 252، الامامة والسياسة 1 / 200.
(12) الاستيعاب .
(13) الاستيعاب البداية والنهاية 8 / 89 .
(14) انساب الاشراف 4 / 30 .
(15) الطبري 4 / 368.
(16) الحسين بن علي 2 / 6 .
(17) القضاة الكندي (ص 310) .
(18) طبقات ابن سعد .
(19) تاريخ الطبري 7 / 12.
(20) وفيات الاعيان 5 / 389 - 390 .
(21) الامامة والسياسة 1 / 128 .
(22) الاسلام والحضارة العربية 2 / 395.
(23) تاريخ اليعقوبي 2 / 196.
(24) الطبري 4 / 18 .
(25) السياسة عند العرب (ص 98) لعمر ابو النصر .
(26) الامامة والسياسة 1 / 182.
(27) مقاتل الطالبيين (ص 29) .
(28) الاستيعاب .
(29) المصدر نفسه.
(30) روح الاسلام (ص 295).
(31) الامامة والسياسة 1 / 195 - 196.
(32) الكامل 3 / 252، الامالي 2 / 73، ذيل الامالي (ص 177) عيون الاخبار 2 / 210 البيان والتبيين 1 / 300.
(33) و (34) أنساب الاشراف ق 1 ج 1 .
(35) العقد الفريد 2 / 116.
(36) انساب الاشراف ق 1 ج 1 .
(37) تاريخ ابن كثير 8 / 162.
(38) تبرت : اهلكت دينك .
(39) الامامة والسياسة 1 / 284، رجال الكشي (ص 32) الدرجات الرفيعة (ص 334).
(40) الامام الحسين (ص 338).
(41) سير الاعلام النبلاء 3 / 198.
(42) حياة الامام الحسن 2 / 216 - 217.
(43) الاخبار الطوال (ص 203) انساب الاشراف ج 1 ق 1.
(44) البداية والنهاية 8 / 161، تاريخ ابن عساكر 13 / 67.
(45) شرح نهج البلاغة 4 / 327 الطبعة الاولى.
(46) الحسين 1 / 117 لعلي جلال .
(47) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 332.
(48) الكنى والاسماء 1 / 77 لابي بشر الدولابي.
(49) سيرة ابن هشام 1 / 142 .
(50) المناقب والمثالب للقاضي نعمان المصري (ص 61).
(51) الفتنة الكبرى 2 / 245 .
(52) حياة الحيوان للدميري 1 / 59.
(53) تاريخ ابن الاثير 3 / 259 .
(54) تاريخ خليفة خياط 1 / 229.
(55) مجلة الغري السنة الثامنة العدد 9 و 10.