المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



تفسير الاية (1-6) من سورة الاحقاف  
  
494   02:41 صباحاً   التاريخ: 11-5-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأحقاف /


قال تعالى : {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَو أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [الأحقاف : 1 - 5] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

{حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} مر تفسيره {ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} أي ما خلقناهما عبثا ولا باطلا وإنما خلقناهما لنتعبد سكانهما بالأمر والنهي ونعرضهم للثواب وضروب النعم فنجازيهم في الآخرة بأعمالهم {وأجل مسمى} يعني يوم القيامة فإنه أجل مسمى عنده مطوي عن العباد علمه إذا انتهى إليه تناهى وقامت القيامة وقيل هو مسمى للملائكة وفي اللوح المحفوظ {والذين كفروا عما أنذروا معرضون} أي إن الكافرين عما أنذروا من القيامة والجزاء معرضون عادلون عن التفكر فيه {قل} لهواء الذين كفروا بالله {أ رأيتم ما تدعون من دون الله} من الأصنام {أروني ما ذا خلقوا من الأرض} فاستحقوا بخلق ذلك العبادة الشكر {أم لهم شرك في السماوات} أي في خلقها وتقديره أم لهم شرك ونصيب في خلق السماوات .

 ثم قال قل لهم {ائتوني بكتاب من قبل هذا} ، القرآن أنزله الله يدل على صحة قولكم {أو أثارة من علم} أي بقية من علم يؤثر من كتب الأولين يعلمون به أنهم شركاء الله {إن كنتم صادقين} فيما تقولون عن مجاهد وقيل {أو أثارة من علم} أي خبر من الأنبياء عن عكرمة ومقاتل وقيل هو الخط أي بكتاب مكتوب عن ابن عباس وقيل خاصة من علم أوثرتم بها عن قتادة والمعنى فهاتوا إحدى هذه الحجج الثلاث أولاها دليل العقل والثانية الكتاب والثالثة الخبر المتواتر فإذا لم يمكنهم شيء من ذلك فقد وضح بطلان دعواهم {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة} أي من أضل عن طريق الصواب ممن يدعو من دون الله شيئا لودعاه إلى يوم القيامة لم يجبه ولم يغثه والمراد لا يستجيب له أبدا {وهم عن دعائهم غافلون} أي ومن يدعونهم مع ذلك لا علم لهم بدعائهم ولا يسمعون دعاءهم وإنما كنى عن الأصنام بالواو والنون لما أضاف إليها ما يكون من العقلاء كقوله رأيتهم لي ساجدين .

ثم ذكر سبحانه أنه إذا قامت القيامة صارت آلهتهم التي عبدوها أعداء لهم فقال {وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء} وكذلك قوله ويكونون عليهم ضدا {وكانوا بعبادتهم كافرين} يعني أن هذه الأوثان التي عبدوها ينطقها الله حتى يجحدوا أن يكونوا دعوا إلى عبادتها ويكفروا بعبادة الكفار ويجحدوا ذلك .

___________________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص137-138 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

{ حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } . تقدم بالحرف الواحد في أول سورة الجاثية وأول سورة الزمر {ما خَلَقْنَا السَّماواتِ والأَرْضَ وما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وأَجَلٍ مُسَمًّى} . اللَّه حكيم لا يخلق شيئا إلا بالحق ، والعبث في حقه مستحيل ، وقد خلق الكون بما فيه لحكمة وغرض صحيح ، وقدّر لفنائه وزواله أمدا معينا ، وبعده يكون الحساب والجزاء في الدار الثانية . وتقدم مثله في الآية 8 من سورة الروم ج 6 ص 132 .

{ والَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ } . خوّف سبحانه المجرمين من يوم القيامة وأهواله ، وأقام عليه الدلائل الواضحة ، فأبوا إلا العتو والعناد { قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ} ؟

المراد بالشرك هنا النصيب ، والمعنى أخبروني يا عبدة الأصنام : ما الذي دعاكم إلى تأليهها وعبادتها ؟ هل خلقت شيئا من الأرض أوفي الأرض ، أو اشتركت مع اللَّه في خلق السماوات أو بعضها أو ما ذا ؟ {ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا } القرآن كالتوراة أو الإنجيل أو غيرهما يقول : ان الأصنام شركاء للَّه في خلقه أو شفعاء لديه أو شيء يذكر { أَو أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} . وإذا لم يكن لديكم دليل من النقل فهل عندكم دليل من العقل على صدق ما تقولون وصحة ما تعبدون ؟ . وتقدم مثله في الآية 40 من سورة فاطر .

الوثنية في عصر الفضاء :

وتسأل لما ذا اهتم سبحانه هذا الاهتمام البالغ بالرد على عبدة الأوثان في هذه الآية وغيرها مع العلم بأن الأمر أهون وأيسر من ذلك ، فإن نفي الألوهية عن الأصنام بمكان من البداهة والوضوح تماما كنفي البصر عن الأعمى ، والظلمة عن النور ؟ .

الجواب : كان تقديس الأصنام وعبادتها جزءا لا يتجزأ من حياة الناس منذ عهد نوح إلى عهد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله ) ، وبينهما آلاف السنين . . وحتى في عصرنا هذا ، عصر الفضاء ، تنتشر الوثنية في شرق الأرض وغربها . . وهل هذه التماثيل القائمة الآن في المعابد وعلى مفارق الطرق ورؤوس الجبال ، وهذه الرسوم على الجدران وفي المفكرات وهنا وهناك ، والتي تحكي الآلهة بزعم الزاعمين ، هل تقديس تلك التماثيل وهذه الرسوم إلا ضرب من الوثنية وعبادة الأصنام ؟ . . وهنا يمكن السر لاهتمام الإسلام والقرآن في الرد على عبدة الأوثان ، وتتجلى عظمة محمد ( صلى الله عليه واله ) في تكريم الإنسان وتنزيهه عن عبادة ما صنعت يداه ، قال الشاعر :

بكيت على الإنسان ينحت صخرة * ويعبدها للنفع يوما أو الضرّ

وكفّاه أولى بالعبادة لو درى * هما نحتا هذه الصخور كما يدري

 

{ ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ } .

المراد بقوله : إلى يوم القيامة ان الأصنام لا تجيب أبدا ، ولا يمكن أن تجيب ، والمعنى لا أحد أكثر جهلا وضلالا من الذي يعبد ما لا يسمع مناديا ، ولا يجيب داعيا {وهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ } . ضمير {هم} وواو{غافلون} يعودان إلى الأصنام ، وضمير دعائهم يعود إلى المشركين ، والمعنى ان المشركين يعبدون الأصنام ، ولكن الأصنام في غفلة عنهم ولا يشعرون بوجودهم {وإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ } . وأيضا يوم القيامة عند ما يحشر اللَّه الناس للحساب والجزاء تتبرأ آلهة المشركين منهم ، ويكفرون بهم وبعبادتهم .

أنظر تفسير الآية 28 من سورة يونس ج 4 ص 152 .

___________________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص38-39 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

غرض السورة إنذار المشركين الرادين للدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله بالمعاد بما فيه من أليم العذاب لمنكريه المعرضين عنه ، ولذلك تفتتح الكلام بإثبات المعاد : {ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} ثم يعود إليه عودة بعد عودة كقوله : {وإذا حشر الناس} ، وقوله : {والذي قال لوالديه أف لكما أ تعدانني أن أخرج} ، وقوله : {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم} ، وقوله : {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أ ليس هذا بالحق} ، وقوله في مختتم السورة : {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ} الآية .

وفيها احتجاج على الوحدانية والنبوة ، وإشارة إلى هلاك قوم هود وهلاك القرى التي حول مكة وإنذارهم بذلك ، وإنباء عن حضور نفر من الجن عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واستماعهم القرآن وإيمانهم به ورجوعهم إلى قومهم منذرين لهم .

والسورة مكية كلها إلا آيتين اختلف فيهما سنشير إليهما في البحث الروائي الآتي إن شاء الله ، قوله تعالى : {أم يقولون افتراه} إلخ ، وقوله : {قل أ رأيتم إن كان من عند الله} الآية .

قوله تعالى : {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} تقدم تفسيره .

قوله تعالى : {ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى} إلخ ، المراد بالسماوات والأرض وما بينهما مجموع العالم المشهود علويه وسفليه ، والباء في {بالحق} للملابسة ، والمراد بالأجل المسمى ما ينتهي إليه أمد وجود الشيء ، والمراد به في الآية الأجل المسمى لوجود مجموع العالم وهو يوم القيامة الذي تطوى فيه السماء كطي السجل للكتب وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار .

والمعنى : ما خلقنا العالم المشهود بجميع أجزائه العلوية والسفلية إلا ملابسا للحق له غاية ثابتة وملابسا لأجل معين لا يتعداه وجوده وإذا كان له أجل معين يفنى عند حلوله وكانت مع ذلك له غاية ثابتة فبعد هذا العالم عالم آخر هو عالم البقاء وهو المعاد الموعود ، وقد تكرر الكلام فيما تقدم في معنى كون الخلق بالحق .

وقوله : {والذين كفروا عما أنذروا معرضون} المراد بالذين كفروا هم المشركون بدليل الآية التالية لكن ظاهر السياق أن المراد بكفرهم كفرهم بالمعاد ، و{ما} في {عما} مصدرية أو موصولة والثاني هو الأوفق للسياق والمعنى : والمشركون الذين كفروا بالمعاد عما أنذروا به – وهو يوم القيامة بما فيه من أليم العذاب لمن أشرك بالله - معرضون منصرفون .

قوله تعالى : {قل أ رأيتم ما تدعون من دون الله} إلى آخر الآية {أ رأيتم} بمعنى أخبروني والمراد بما تدعون من دون الله الأصنام التي كانوا يدعونها ويعبدونها وإرجاع ضمائر أولي العقل إليها بعد لكونهم ينسبون إليه أفعال أولي العقل وحجة الآية وما بعدها مع ذلك تجري في كل إله معبود من دون الله .

وقوله : {أروني ما ذا خلقوا من الأرض} أروني بمعنى أخبروني و{ما} اسم استفهام و{ذا} بعده زائدة والمجموع مفعول {خلقوا} ومن الأرض متعلق به .

وقوله : {أم لهم شرك في السماوات} أي شركة في خلق السماوات فإن خلق شيء من السماوات والأرض هو المسئول عنه .

توضيح ذلك أنهم وإن لم ينسبوا إليها إلا تدبير الكون وخصوا الخلق به سبحانه كما قال تعالى : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر : 38] ، وقال : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف : 87] ، لكن لما كان الخلق لا ينفك عن التدبير أوجب ذلك أن يكون لمن له سهم من التدبير سهم في الخلق ولذلك أمر تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسألهم عما لأربابهم الذين يدعون من دون الله من النصيب في خلق الأرض أوفي خلق السماوات فلا معنى للتدبير في الكون من غير خلق .

وقوله : {ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} الإشارة بهذا إلى القرآن ، والمراد بكتاب من قبل القرآن كتاب سماوي كالتوراة نازل من عند الله يذكر شركة آلهتهم في خلق السماوات أو الأرض .

والأثارة على ما ذكره الراغب مصدر بمعنى النقل والرواية قال : وأثرت العلم رويته آثره أثرا وأثارة وأثرة وأصله تتبعت أثره انتهى .

وعليه فالأثارة في الآية مصدر بمعنى المفعول أي شيء منقول من علم يثبت أن لآلهتهم شركة في شيء من السماوات والأرض ، وفسره غالب المفسرين بمعنى البقية وهو قريب مما تقدم .

والمعنى : ائتوني للدلالة على شركهم لله في خلق شيء من الأرض أوفي خلق السماوات بكتاب سماوي من قبل القرآن يذكر ذلك أو بشيء منقول من علم أو بقية من علم أورثتموها يثبت ذلك إن كنتم صادقين في دعواكم أنهم شركاء لله سبحانه .

قوله تعالى : {ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة} إلخ ، الاستفهام إنكاري ، وتحديد عدم استجابتهم الدعوة بيوم القيامة لما أن يوم القيامة أجل مسمى للدنيا والدعوة مقصورة في الدنيا ولا دنيا بعد قيام الساعة .

وقوله : {وهم عن دعائهم غافلون} صفة أخرى من صفات آلهتهم مضافة إلى صفة عدم استجابتهم وليس تعليلا لعدم الاستجابة فإن عدم استجابتهم معلول كونهم لا يملكون لعبادهم شيئا قال تعالى : {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } [المائدة : 76] .

بل هي صفة مضافة إلى صفة مذكورة لتكون توطئة وتمهيدا لما سيذكره في الآية التالية من عداوتهم لهم وكفرهم بعبادتهم يوم القيامة فهم في الدنيا غافلون عن دعائهم وسيطلعون عليه يوم القيامة فيعادونهم ويكفرون بعبادتهم .

وفي الآية دلالة على سراية الحياة والشعور في الأشياء حتى الجمادات فإن الأصنام من الجماد وقد نسب إليها الغفلة والغفلة من شئون ذوي الشعور لا تطلق إلا على ما من شأن موصوفه أن يشعر .

قوله تعالى : {وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} الحشر إخراج الشيء من مقره بإزعاج ، والمراد بعث الناس من قبورهم وسوقهم إلى المحشر يوم القيامة فيومئذ يعاديهم آلهتهم ويكفرون بشرك عبادهم بالتبري منهم كما قال تعالى : {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر : 14] ، وقال حكاية عنهم : { تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [القصص : 63] ، وقال : {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} [يونس : 29] .

وفي سياق الآيتين تلويح إلى أن هذه الجمادات التي لا تظهر لنا في هذه النشأة أن لها حياة لعدم ظهور آثارها سيظهر في النشأة الآخرة أن لها حياة وتظهر آثارها وقد تقدم بعض الكلام في هذا المعنى في ذيل قوله تعالى : {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت : 21] .

___________________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص152-155 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

خلق هذا العالم على أساس الحق :

هذه السورة هي آخر سورة تبدأ بـ (حم) وتسمى جميعاً الحواميم .

وقد كانت لنا بحوث كثيرة حول الحروف المتقطعة بعامة ، و (حم) بخاصة ، في بدايات سور البقرة وآل عمران والاعراف سور الحواميم السابقة ، فلا حاجة لتكرارها هنا .

ونكتفي هنا بالقول بأنّ هذه الآيات التي تهزّ الأعماق ، وتحرك الوجدان ، والتي تضمنها القرآن الكريم بين دفتيه تتكون من حروف الهجاء البسيطة ، من الألف والباء ، والحاء والميم وأمثالها ، وكفى بها دليلاً على عظمة الله سبحانه إذ أظهر هذا المركّب العظيم من مثل هذه المفردات البسيطة ، ولو تأملنا فيه كثيراً ، وفكرنا في أسراره حتى القيامة فسيبقى فيه من الأسرار الخافية الكثير الكثير .

وربّما كان هذا هو السبب في أن تضيف الآية مباشرة : {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} .

إنّه نفس التعبير الذي ورد في بداية ثلاث سور من الحواميم ، وهي : المؤمن ، والجاثية ، والأحقاف .

ولا شكّ في الحاجة إلى قوّة لا تقهر ، وحكمة لا حد لها ، لكي تنزل مثل هذا الكتاب .

ثمّ تحولت الآيات من كتاب التدوين إلى كتاب التكوين ، فتحدثت الآية عن عظمة السماوات والأرض وكونهما حقاً ، فقالت : {ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلاّ بالحق} فلا ترى في كتاب سمائه كلمة تخالف الحق ، ولا تجد في مجموع عالم خلقه شيئاً نشازاً لا ينسجم والحق ، فالكل منسق منتظم ، وكله مقترن بالحق .

لكن ، كما أنّ لهذا الكون بداية ، فإنّ له نهاية أيضاً ، ولذلك تضيف الآية : (وأجل مسمى) فإذا حل الأجل ستفنى الدنيا بما فيها ، ولما كان هذا العالم مقترناً بالحق ويسير ضمن منهجه ، وله هدف مرجو ، فمن الطبيعي أن يوجد عالم آخر تُبحث فيه الأعمال وتعلن فيه النتائج ، وبناءً على هذا ، فإنّ كون هذا العالم حقّاً دليل بنفسه على وجود المعاد ، وإلاّ فإنّه سيكون لغواً وعبثاً لا فائدة فيه ، وسيقترن حين ذلك بكثير من المظالم والمفاسد .

لكن مع أنّ القرآن حق ، وخلق العالم حق أيضاً : {والذين كفروا عما أنذروا معرضون} فالآيات القرآنية تهددهم وتنذرهم بصورة متلاحقة متوالية ، وتحذرهم بأن محكمة عظمى أمامهم ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ نظام الخلقة بدقته وأنظمته الخاصّة يدل بنفسه على أنّ في الأمر حساباً ونظاماً ، غير أنّ هؤلاء الغافلين لم يلتفتوا لا إلى هذا ولا إلى ذاك .

كلمة «معرضون» ـ من الإعراض ـ تشير إلى أنّ هؤلاء إذا نظروا إلى آيات التكوين والتدوين فسيدركون الحقائق ، إلاّ أنّهم أعرضوا بوجوههم عنها ، وفروا من الحق لئلا يغير من أسلوب تقاليدهم وأهوائهم وميولهم وشهواتهم وإتباعهم لها .

 

وقوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الاْرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّموَاتِ ائْتُونِي بِكِتَب مِن قَبْلِ هذَا أَو أَثَرَة مِنْ عِلْم إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ ( 4 ) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ اللهِ مَن لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ ( 5 ) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَفِرِينَ} .

 

أضل الناس :

كان الكلام في الآيات السابقة عن خلق السماوات والأرض وأنّها جميعاً من صنع الله العزيز الحكيم ، ولازم ذلك أن لا يكون في الكون إله سواه ، لأنّ من له أهلية الأُلوهية هو خالق العالم ومدبره ، وهاتان الصفتان قد جمعتا في الذات المقدسة .

ومن أجل تكملة هذا البحث ، تخاطب هذه الآيات النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول : {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات} .

إذا كنتم تقرون بأنّ الأصنام لا دخل لها في خلق الموجودات الأرضية مطلقاً ، ولا في خلق الشمسِ والقمر والنجوم وموجودات العالم العلوي ، وتقولون بصراحة بأن الله هو خالقها جميعاً (2) ، فعلام تمدون أكفكم إلى الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تعقل ، تستمدون منها العون في حلّ معضلاتكم ، ودفع البلاء عنكم ، واستجلاب البركات إليكم؟

وإذا قلتم ـ على سبيل الفرض ـ : إنّها شريكة في أمر الخلق والتكوين فـ (ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إنّ كنتم صادقين) .

وخلاصة القول ، فإنّ الدليل إمّا أن يكون نقلياً عن طريق الوحي السماوي ، أو عقلياً منطقياً ، أو بشهادة العلماء وتقريرهم ، أمّا أنتم فلستم مستندين إلى الوحي والكتاب السماوي في دعواكم حول الأصنام ، وغير قادرين من طريق العقل على إثبات اشتراكها في خلق السماوات والأرض وبالتالي إثبات كونها آلهة ، ولم يرد أثر من أقوال العلماء الماضين ما يؤيد رأيكم ويدعم اعتقادكم ، ومن هنا يتبيّن أنّ دينكم ومعتقدكم لا يعدو كونه حفنة من الخرافات المستهجنة ، والأوهام الكاذبة .

بناءً على هذا ، فإنّ جملة {أروني ماذا خلقوا من الأرض . . .} إشارة إلى دليل العقل ، وجملة {ائتوني بكتاب من قبل هذا} إشارة إلى الوحي السماوي ، والتعبير بـ (أثارة من علم) إشارة إلى سنن الأنبياء الماضين وأوصيائهم ، أو آثار العلماء السابقين (3) . وقد ذكر علماء اللغة والمفسّرون عدةّ معان لكلمة «أثارة» ـ على وزن حلاوة ـ فمنها : بقية الشيء ، الرواية ، العلامة . لكنّ الظاهر أنّها تعود إلى معنى واحد ، وهو الأثر الذي يبقى من الشيء ويدل على وجوده .

وقد وردت مثل هذه المناظرة والمحاكمة مع الوثنيين في الآية (40) من سورة فاطر ، حيث تقول : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا } [فاطر : 40] .

وممّا يلفت النظر أنّه يقول في مورد الأرض : {ماذا خلقوا من الأرض} أمّا في مورد السماء فيقول : {أم لهم شرك في السماوات} أي إنّ الكلام في الموردين عن الإشتراك ، لأنّ الشرك في العبادة يجب أن ينشأ من الشرك في الخالقية وتدبير النشأة .

وهنا يطرح سؤال ، وهو : إذا كان المشركون يعتقدون ـ عادةً ـ أنّ أمر الخلق مختص بالله سبحانه ، فلماذا يطالبون بأحد هذه الأدلة الثالثة؟

ويمكن الإجابة بأنّ هذه المطالبة موجهة إلى فئة قليلة بين عبدة الأوثان ، يحتمل أنّهم كانوا يقولون باشتراك الأصنام في الخلق ، أو أنّها طرحت على سبيل الفرض ، أي إنّكم إذا ظننتم يوماً أنّ الأصنام شريكة في خلق العالم ، فاعلموا أن لا دليل لكم على ذلك ، لا من النقل ولا من العقل .

بعد ذلك تبيّن الآية التالية عمق ضلالة هؤلاء المشركين وانحرافهم ، فتقول : {ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة} ولا يقف الأمر عند عدم إجابتهم وحسب ، بل إنّهم لا يسمعون كلامهم : {وهم عن دعائهم غافلون} .

ويرى بعض المفسّرين أنّ مرجع الضمير في هذه الآية إلى الأصنام الجامدة الميتة ، باعتبار أنّ أكثر آلهة مشركي العرب كانت الأصنام . واعتبره البعض إشارة إلى الملائكة والبشر الذين عبدوا من دون الله ، لأنّ عبدة الملائكة والجن لم يكونوا قلّة بين العرب ، والتعبيرات المختلفة لهذه الآية ، والمتناسبة مع ذوي العقول تؤيد هذا المعنى .

لكن لا مانع من أن نفسر الآية بمعناها الواسع ، فتدخل فيه كلّ هذه المعبودات ، سواء الحية والميتة ، العاقلة وغير العاقلة ، فتكون التعابير متناسبة مع ذوي العقول من باب التغليب .

وعندما تقول الآية : إنّهم لا يجيبونهم إلى يوم القيامة ، فإنّ ذلك لا يعني أنّهم سيجيبونهم يوم القيامة ـ ما ظن البعض ذلك ـ بل إنّ هذا التعبير متداول في النفي المؤيد ، كما نقول مثلاً : لو أصررت على فلان إلى يوم القيامة لما أقرضك ، أي أنّه سوف لا يقوم بها العمل أبداً ، لا أنّه سيلبي طلبك في يوم القيامة .

وسبب ذلك معلوم أيضاً ، لأنّ كلّ سعي وجهد وتلبية طلب وقضاء حاجة نافع في هذه الحياة الدنيا ، فإذا انتهت انتهى معها إمكان القيام بكلّ هذه الأعمال .

والأشد أسفاً من ذلك أنّه : {وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} .

أمّا المعبودات من العقلاء ، فإنّهم سيهبون لإظهار عدائهم لهؤلاء الضالين ، فالمسيح (عليه السلام) يظهر اشمئزازه وتنفره من عابديه ، وتتبرأ الملائكة منهم ، بل وحتى الشياطين والجن تظهر عدم رضاها . وأمّا المعبودات التي لا عقل لها ولا حياة ، فإنّ الله سبحانه سمنحها العقل والحياة لتنطق بالبراءة من هؤلاء العبدة وتبدي غضبها عليهم .

لقد ورد نظير هذا المعنى في آيات القرآن الأُخرى ، ومن جملتها الآية (14) من سورة فاطر ، حيث تقول : {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر : 14] . وكررت في الآيات مورد البحث كلّ هذه المسائل بتفاوت يسير .

لكن كيف ينكر المعبودون عبادة عابديهم ، وهي ممّا لا ينكر؟

ربّما كان ذلك إشارة إلى أنّهم كانوا يعبدون أهواءهم في الحقيقة ، ولم يكونوا يعبدون تلك الآلهة ، لأنّ أساس الوثنية عبادة الهوى .

وهنا نكتة تستحق الإنتباه ، وهي : إنّ عداء المعبودين لعبدتهم يوم القيامة لم يرد التأكيد عليه هنا فقط ، بل نقرأ ذلك أيضاً في الآية (25) من سورة العنكبوت على لسان إبراهيم (عليه السلام) بطل التوحيد ومحطم الأصنام إذ يقول : {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت : 25] .

وجاء في الآية (82) من سورة مريم : {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم : 82] .

_________________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص535-540 .

2 ـ لقد ورد هذا المعنى في أربع آيات من القرآن ، وطالعوا تفصيلاً أكثر حول هذا المطلب في ذيل الآية (25) من سورة الزخرف من التّفسير الأمثل .

3 ـ نقرأ في حديث روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في أصول الكافي في تفسير جملة (أو أثارة من علم) أنّه قال : «إنّما عنى بذلك علم أوصياء الأنبياء» . نور الثقلين ، المجلد 5 ، صفحة 9 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .