أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
2258
التاريخ: 29-09-2015
1724
التاريخ: 12-10-2014
1651
التاريخ: 30-01-2015
1374
|
الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق عليه السلام من أبرز أئمّة المسلمين ، ولد في حجر الرسالة ، ونشأ في بيت النبوّة ، وترعرع في ربوع الوحي ، وتربّى بين جدّه زين العابدين ، وأبيه الإمام الباقر عليه السلام ولد عام ( 83 ه ) ، واستشهد في خلافة المنصور عام (148). نشأ في عصر تنازعت فيه الأهواء ، واضطربت فيه الأفكار ، وتلاطمت أمواج الظلم والإرهاب. فبينما كان القوم يتنازعون في الرئاسة ، والتسنّم على عرش الخلافة ، واشتعلت نيران الحرب بين الأمويّين والعباسيّين ، اغتنم عليه السلام الفرصة وأعطى للأُمّة دروساً خالدة ، وغذّى تلاميذه بروح العلم والتفكير ، وغرس في قلوبهم بذور المعارف الإلهية ، وشحذ أذهانهم ، وأرهف طباعهم ، فتخرّج من مدرسته أعلام يستضاء بأنوارهم.
وقد نقل المؤرّخون أنّه « نقل الناس عن الصادق عليه السلام من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم) العلماء ما نقل عنه ، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ، ولا نقلوا عنهم مثلما نقلوا عن أبي عبد الله ، فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات ، على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة آلاف رجل » (1) وهم بين فقيه بارع ، يفتي الناس في مسجد المدينة ، كأبان بن تغلب (2) ومفسّر متضلّع ، ومحدّث واعٍ ، إلى غير ذلك ، حفظ التاريخ والرجال أسماءهم وللإمام خطوات واسعة في التفسير ، وآثار خالدة جمعها بعده تلامذته ، وسنشير إليها عند البحث عن مفسري الشيعة في القرون الإسلامية. وإليك نزراً يسيراً من تفسيره ، حتى يكون نموذجاً من الينبوع المتفجّر ، ونمير علمه الصافي :
1. لقد كانت الزنادقة في عصر الصادق عليه السلام بصدد التشكيك في العقائد ، وبذر الشُّبه في الأوساط. وممّا كان تلوكه أشداقهم هو ما سأله ابن أبي العوجاء ، هشام بن الحكم فقال له : فأخبرني عن قول الله عزّوجلّ : {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] أليس هذا فرض ؟ قال هشام : بلى. وقال : فأخبرني عن قوله عزّ وجلّ : {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] فقال ابن أبي العوجاء أيّ حكيم يتكلّم بهذا ؟ فرحل هشام إلى المدينة ، وقصد دار الإمام الصادق عليه السلام ، فقال : « يا هشام في غير وقت حجّ ولا عمرة ؟ » قال : نعم ـ جعلت فداك ـ لأمر أهمّني. إنّ ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة ، لم يكن عندي فيها شيء قال : وما هي ؟ قال : فأخبره بالقصّة ، فقال الإمام : « فأمّا الآية الأُولى فهي في النفقة ، وأمّا الآية الثانية فإنّما عنت المودّة ، فإنّه لا يقدر واحد أن يعدل بين امرأتين في المودّة ». فقدم هشام بالجواب وأخبره. قال ابن أبي العوجاء : والله ما هذا من عندك. وفي حديث آخر قال : هذا حملته من الحجاز. (3)
وبذلك أعرب الإمام عن مفاد الآية ، وبيّن أنّ الآيتين تهدفان إلى معنى واحد ، وهو أنّ كلّ إنسان في بدء تكوّنه وظهوره ، ينطوي فطريّاً تكوينيّاً على السرّ الإلهي ، أعني : التوحيد ، منذ أن كان موجوداً ذرّياً صغيراً في رحم أُمّه ، وكأنّ أوّل خلية إنسانيّة تستقرّ في رحم الأُمّ تنطوي على هذه الوديعة الإلهيّة ، وهي الشعور الطبيعيّ بالله ، والانجذاب إليه ، وكأنّ جينات الخليّة لدى كلّ إنسان تحمل بين جوانحها هذه الخاصيّة الروحيّة ، وأنّ هذه الخاصيّة تنمو وتتكامل مع تكامل الخليّة ونموّها.
وبهذا البيان أغنى الإمام الأُمّة عن كثير من الوجوه المذكورة في الآية التي لا تنطبق على ظاهرها ، وأوضح أنّ المفاد هو كون الإنسان مفطوراً على التوحيد.
3. كانت المرجئة من أخطر الطوائف الإسلاميّة على شباب المسلمين ، حيث ذهبوا إلى أنّ الإيمان قول بلا عمل ، ونيّة بلا فصل ، وأنّه لا يزيد ولا ينقص ، وبذلك أعطوا للعصاة الضوء الأخضر حتى يقترفوا المعاصي الكبيرة ، والآثام الموبقة ، من دون أن يكون لذاك تأثير على إيمانهم. وقد حذّر الإمام في خطبه وكلمه الشيعة من هذه الطائفة ، وقال : « بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة ».
4. روى مسعدة بن صدقة ، قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ الناس يروون أنّ عليّاً عليه السلام قال على منبر الكوفة : أيّها الناس ؛ إنّكم ستُدعَون إلى سبّي ، ثمّ تُدعون إلى البراءة منّي ، فلا تبرّأوا منّي ، فقال الإمام الصادق عليه السلام : « ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ عليه السلام ، ثمّ قال : إنّما قال : إنّكم ستدعون إلى سبّي ، فسبّوني ثمّ تدعون إلى البراءة منّي ، وإنّي لعلى دين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يقل : ولا تبرّأوا منّي » فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟ قال : « والله ما ذلك عليه ، وما له إلاّ ما مضى عمار بن ياسر ، حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئن بالإيمان ، فأنزل الله عزّ وجلّ : {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] ، فقال له النبيّ عندها : يا عمّار إن عادوا فعد ، فقد أنزل الله عزّوجلّ عذرك { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } وآمرك أن تعود إن عادوا ». (6)
ترى أنّ الإمام يرجع الحديث إلى الآية ، ويقضي بها في حقّه ، وأنّه كيف لا يجوز البراءة مع أنّ عماراً ، حسب الرواية ، وظهور الآية ، تبرّأ من النبيّ ، ولم يكن عليه شيء قال سبحانه : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } ، وأئمّة الشيعة ـ مع شدّة تركيزهم على هذا الموقف ، من إرجاع الأحاديث المشكوكة إلى القرآن ، فما خالف منها القرآن ، يضرب عرض الجدار ـ قاموا بتطبيق هذا المبدأ عمليّاً في غير واحد من الأحاديث التي لا يسع المقام ذكرها.
5. وقد ورد « الفقراء والمساكين » في آية الصدقات ، وجعلا من الأصناف الثمانية الذين تقسّم الزكاة بينهم. وأمّا الفرق بين الصنفين ، فقد كثر البحث فيها بين الفقهاء تبعاً للمفسّرين ، ولكنّ الإمام الصادق عليه السلام يفسّر الفقراء في ضوء ما يمليه الذكر الحكيم ، ويقول في تفسير قوله سبحانه : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 60] .
« أخرج الله من الصدقات جميع الناس ، إلاّ هذه الثمانية الأصناف الذي سمّاهم ، والفقراء هم الذين لا يسألون الناس ، وعليهم مؤونات من عيالهم ، والدليل على أنّهم لا يسألون قول الله : {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ...} [البقرة: 273] ، والمساكين هم أهل الزمانة من العميان والعرجان والمجذومين ، وجميع أصناف الزمنى من الرجال والنساء والصبيان ... ». (7)
والإمام ـ كما ترى ـ يفسّر الآية بالآية ، والقرآن بالقرآن ، وكم له من نظير في أحاديثهم عليهم السلام ؟ وهذا من أحسن الطرق ، وأتقنها للتفسير ، ولو قام باحث بجمع ما أُثر عنهم في ذاك المجال لجاء بكتاب.
6. قال الصادق عليه السلام : « ما من شيء إلاّ وله حدّ ينتهي إليه ، إلاّ الذكر فليس له منتهى إليه. فرض الله عزّوجلّ الفرائض ، فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ ، وشهر رمضان ، فمن صامه فهو حدّه ، والحجّ فمن حجّ فهو حدّه ، إلاّ الذكر فإنّ الله عزّوجلّ لم يرضَ منه بالقليل ، ولم يجعل له حدّاً ينتهي إليه. قال الله : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] لم يجعل له حدّاً ينتهي إليه. (8)
والروايات المأثورة عن الإمام الصادق عليه السلام في مجال التفسير كثيرة ، لا يحيط بها إلاّ من صرف شطراً كبيراً من عمره في علم المأثور عنهم.
ثمّ إنّ هناك جماعة من غير الشيعة رموا الروايات المرويّة عن الباقر والصادق عليهما السلام في مجال التفسير بالطائفية ، وأنّها تخرج الكتاب العزيز عن كونه كتاباً عالمياً ، إلى كتاب طائفيّ ، لا يهمّه إلاّ أهل البيت ، وفي مقدّمتهم الإمام عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ، وسيوافيك الجواب عن هذا الاعتراض ، وسنثبت هناك أنّ هؤلاء الناقدين لم يفرقوا بين « التفسير » و « التطبيق » وبين « التنزيل » و « التأويل » ، وأنّ لأئمّة أهل البيت عليهم السلام موقفين متغايرين في تبيين الذكر الحكيم.
__________________
1. إرشاد المفيد : 289 ، طبع إيران.
2. لاحظ الفهرست لابن النديم : 322 ، ط مصر مطبعة الاستقامة ؛ رجال النجاشي : 1 / 73 برقم 6 ، ط بيروت ، وكلّما ننقله فهو من هذه الطبعة.
3. تفسير البرهان : 1 / 420.
4. تفسير البرهان : 2 / 47.
5. تفسير البرهان : 2 / 173 ـ 175 ، وقد أخذنا موضع الحاجة من الحديث.
6. تفسير البرهان : 2 / 385.
7. تفسير البرهان : 2 / 134 ، الحديث 4.
8. تفسير نور الثقلين : 4 / 285 ، الحديث 147.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|