أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-1-2016
2212
التاريخ: 11-1-2021
2475
التاريخ: 16-5-2017
4377
التاريخ: 15-5-2017
8009
|
من أول الشروط الواجب توافرها لتطبيق مبدأ التقيد بنطاق الدعوى الجزائية في مرحلة المحاكمة هي إحالة الدعوى إلى المحكمة الجزائية المختصة وهذا لا يتم دون وجود وعاء يفرغ فيه هذا المحتوى أي قرار الإحالة .
ومن هنا تظهر أهمية دراسة قرار الإحالة أو وثيقة الاتهام لاحتوائه على مضامين دراستنا كلها دون الابتعاد في الخوض في سلطاتها او الجهات القائمة بها. عليه سوف يتم بحث هذا الموضوع بتقسيمه على ثلاثة فروع وفق الآتي :-
الفرع الأول
مدلول وثيقة الاتهام
تعد وثيقة الاتهام أساس مبدأ التقيد لاحتوائها على مضمون هذا التقيد من النطاقين الشخصي والعيني، فهي ذلك العمل المادي او القانوني الذي يحدد به التهمة، إذ يتضمن ما هو منسوب إلى المتهم، وهو ما يلتزم به القاضي ويفرض عليه عدم الخروج عن نطاق(1). ولا يقصد بوثيقة الاتهام كل ورقة او عمل يحتوي اتهاماً او عناصر اتهامية. فهذا المعنى من الاتساع بحيث يهدد احترام قاعدة التقيد بالاتهام وإنما هي الوثيقة التي تؤدي بذاتها إلى إدخال الدعوى حوزة القاضي الجنائي فتنعقد ولايته في نظرها(2).
الفرع الثاني
الصور التي تكون عليها وثيقة الاتهام
تختلف الصور التي تكون عليها وثيقة الاتهام وبالتالي تختلف الطرق التي تدخل من خلالها الدعوى إلى حوزة قضاء الحكم باختلاف تلك الصور والصور التي تتمثل بها وثيقة الاتهام هي:-
هي ورقة من أوراق المحضرين يوجهها قاضي التحقيق أو المحقق أو المسؤول في مركز الشرطة او النيابة العامة في بعض النظم القانونية إلى المتهم أو شاهد أو أي ذي علاقة بالدعوى على يد احد المحضرين طالباً منه الحضور امام المحكمة المختصة لنظر الادعاء المقام في مواجهته.
غالباً ما يحدث في الجنح والمخالفات أن يوجه الادعاء سواء كان فرداً أم نيابة عامة أمر التكليف بالحضور دون أن يسبق ذلك إجراء تحقيق بواسطة سلطة التحقيق المختصة وهذا المسلك قد دأب عليه المشرع الفرنسي حيث يسمح بإصدار أمر التكليف بالحضور في محاكم الجنح والمخالفات ويعد هذا الأمر وثيقة اتهام بما يحتوي من عناصر موضوعية تمثل شخصية المتهم وما منسوب إليه. وقد ساير المشرع المصري هذا الاتجاه لدى المشرع الفرنسي(3).
إذ كان حال القضاء الفرنسي والمصري الاعتراف أن أمر التكليف بالحضور يمثل وثيقة اتهام وطريقة لعقد ولاية القاضي المباشر. فأن الحال لدى المشرع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 لم يكن على ذلك المنوال فلا يوجد ما يعرف بحق الفرد في عقد ولاية القاضي المباشرة كما في القانون الفرنسي والمصري. كما لا يعد أمر التكليف بالحضور وثيقة اتهام في القانون العراقي إنما هو إخطار يوجه من المحكمة أو قاضي التحقيق أو المحقق إلى الخصوم في الدعوى الجزائية يحدد لهم موعد الحضور ويبلغهم بالاتهام وبالجريمة التي يجري التحقيق فيها ومادتها القانونية(4) .
وحتى يعد امر التكليف بالحضور وثيقة اتهام فإنه يفترض فيه توافر جميع البيانات التي ترتقي به إلى مصاف وثيقة الاتهام من توافر بيانات التي تبين اسم المتهم والتهم المنسوبة أليه بارتكاب الأفعال التي يوجب عليه ذكرها في أمر التكليف بالحضور واسم المحكمة الواجب تواجده فيها. وليس هنا ما يستوجب ذكر نص القانون لدى القوانين التي أخذت على اعتبار أمر التكليف بالحضور وثيقة اتهام او حتى ذكر تفاصيل غير جوهرية مثلاً تاريخ او وقت الفعل المنسوب إلى المتهم. ... أن المشرع المصري قد اقتبس أحكام أمر التكليف بالحضور من المشرع الفرنسي ولم يخرج عنها(5).
ومن قبيل طرق الإحالة في جرائم المخالفات والجنح هي توجيه الاتهام مباشرة إلى المتهم إذ ما حضر بشكل اختياري للجلسة وقبل بمحاكمته حتى وان لم يعلم بالتهمة بشكل مسبق ومنها فأن شروط هذه الصورة هي(6).
1 . الحضور الاختياري للمتهم للجلسة وقبوله الاتهام ومحاكمته عنها بشكل إرادي بعد تنبيه.
2 . ان يتم توجيه الاتهام من قبل النيابة العامة حصراً.
3 . ان تكون الجريمة هي جنحة او مخالفة وليست جناية تستوجب التحقيق.
وبهذا يتضح لنا ان حضور المتهم بشكل اختياري بعد إعلامه بالتهمة المنسوبة إليه وقبول المحاكمة عنها وتوجيه النيابة العامة لتلك المحكمة التي هي جنحة او مخالفة ان يكون وثيقة اتهام في القوانين التي تأخذ بها .
ولم يرد في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي أي نص يشير إلى الأخذ بهذا الأسلوب في إدخال الدعاوي إلى حيازة المحكمة المختصة. وفق الإجراءات الأصولية العراقية التي تجعل من قاضي التحقيق المسؤول لتوجيه الدعوى الجنائية في أي اتجاه وليس النيابة العامة ( الإدعاء العام) .إما المشرع المصري فقد خطى على نهج المشرع الفرنسي في هذه الصورة أيضاً حيث نص عليها في المادة (132) من قانون الإجراءات الجنائية الحالي على أنه ( يجوز الاستغناء عن تكليف المتهم بالحضور إذا حضر بالجلسة ووجهة اليه التهمة من النيابة العامة وقبل ذلك).كما أشار إلى هذه الحالة القضاء الليبي بانعقاد ولاية المحكمة الجنائية في مواد الجنح والمخالفات دون تكليف بالحضور إذا قبل المتهم ذلك متى ما وجهت إليه النيابة العامة النسخة في الجلسة(7).
ثالثاً: المحاضر والتحقيقات كوثيقة اتهام لإدخال الدعوى في حوزة القضاء:-
الصورة الثالثة لوثيقة الاتهام كوسيلة لإدخال الدعوى حيازة قضاء الحكم هي حالة استعانة المحكمة بمحاضر التحقيق بوصفها وثيقة الاتهام وهذه الحالة وأن كانت نادرة الوقوع إلا أنها تنحصر في صورتين :
1 . حالة التلبس بجنحة والإحالة المباشرة لمتهم بعد القبض عليه والتحقيق الفوري من قبل النيابة العامة. وهذه الحالة منحصرة فقط في الجنح(8).
2 . حالة إذا ما مثلت تلك المحاضر والتحقيقات تكملة لأمر التكليف بالحضور سابق عليها بمعنى ان المحكمة عندما تنظر جنحة او مخالفة واكتشفت ان التهمة الموجهه بواسطة المحاضر او امر التكليف بالحضور السابقة ليست هي الوحيدة بل هناك تهم اخر تحتويها تلك المحاضر(9)، تنظرها على اعتبار أنها داخلة في محاضر التحقيق .
رابعاً : الأوامر والقرارات القضائية كوثيقة اتهام:-
أخذ المشرع الفرنسي بنظام قاضي التحقيق الذي انتشر في النظام الانكلوسكسوني وعن طريق ما يصدره ذلك القاضي المختص بالتحقيق سواء كان على شكل قاضي منفرد أم غرفة اتهام مشكلة في محكمة الجنح وما يصدره من قرارات واوامر تأخذ الصيغة القضائية. تعد فيما بعد وثيقة اتهام خاصة بالمحكمة تقيدها بما تتضمنه من شخوص ووقائع. تعد هذه الصورة الأخيرة من اهم الصور التي تعالج موضوع إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة كونها هي التي تبلور فيها مفهوم التقيد بشكل واضح لكثرة تطبيقها وخاصة في العراق(10) .
أن النظم الإجرائية قد اختلفت في طريقة تعاملها مع مرحلة الإحالة . فمنها ما جعل من السلطات التي تحقق في الدعوى هي المختصة بإحالتها سواء كانت النيابة العامة كما في مصر او قاضي التحقيق كما في فرنسا والعراق وبصرف النظر عن مبدأ الجمع او الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق وسوف تناول كلاً الحالتين تباعاً.
1 . إحالة الدعوى في ظل نظام الجمع بين سلطتي التحقيق والإحالة:
تتوزع نظم الإحالة في إعطاء هذه السلطة بين ثلاث هيئات هي:
أ . النيابة العامة: التي تقوم بالتحقيق مع المتهم ومن ثم إحالة جميع الأوراق إذ ما رأت ذلك إلى محكمة الجنايات حيث نصت المادة (157) من قانون إجراءات الجنائية المصري ( على النيابة العامة عند صدور القرار بإحالة الدعوى الى المحكمة الجزائية أن تقوم بإرسال جميع الأوراق الى قلم كتاب المحكمة في ظرف يومين لإعلان الخصوم بالحضور أمام المحكمة في أقرب جلسة وفي الموعد المقرر ) .
وتجدر الإشارة الى أن النيابة العام تتسلم أوراق التحقيق من قاضي التحقيق ثم تقوم هي بإحالتها الى المحكمة المختصة .
ب . غرفة المشورة في محكمة الجنح المستأنفة أو لدى محكمة الجنايات:
وهي حالة استثنائية إذ ما قُدم طعن بقرارات النيابة العامة أو قاضي التحقيق في جرائم الجنح والمخالفات حيث يقدم إلى غرفة المشورة في محكمة الجنح المستأنفة أو لدى غرفة المشورة في محكمة الجنايات في جرائم الجنايات… وهنا إما ان يصدر قرار من هذه الغرفة بتأييد القرار المطعون فيه او قرار بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة(11) .
لذلك فان قرار الاتهام الذي تصدره غرفة المشورة او قرار الإحالة كما يسمى أيضاً. يقوم مقام وثيقة الاتهام بما يحتوي من عناصر مكونة للجريمة، واحتوائه أيضاً على الظروف المشددة مكرساً بذلك تقيد المحكمة بتلك التفاصيل المحتوية ضمن هذا القرار معلقاً عليه إحكامه الخاصة بالبطلان إذ ما تختلف جزء من تفاصيل القرار الجوهرية(12).
ج . قاضي التحقيق:
هو ثالث السلطات المختصة بإحالة الدعوى في النظم التي دمجت بين السلطات التحقيقية والسلطات المختصة بالإحالة. يحتل هذا الجزء من المطلب أهمية كبيرة كون قاضي التحقيق هو المختص بالإحالة في العراق عن طريق قرار الإحالة الذي يصدره. مكوناً من هذا القرار وثيقة اتهام.
والدور الذي يضطلع به قاضي التحقيق كبير منذ مباشرة إجراءات التحقيق الابتدائي والأشراف على رجال الضبط القضائي والمحققين العدليين وصولاً بالدعوى الجزائية إلى مرحلة الإحالة(13)، والتي هي بدورها نقطة تنقل فيها الدعوى من حوزة قضاة التحقيق إلى حيازة قضاة الحكم مع ترجيح إدانة المتهم بالشكل الذي لا يتعارض مع قرينة البراءة(14). وقاضي التحقيق في العراق خصوصاً يواجه عبء الدعوى الجزائية منذ لحظة تقديم الشكوى حيث يلزمه القانون ببعض الالتزامات ومقيداً بشق مبدأ التقيد العيني دون الشخصي مع الاحتفاظ له ببعض السلطات. ويصدر قاضي التحقيق قراره بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة بها جاعلاً من هذا القرار وثيقة تقيد قاضي الموضوع كونها الأكثر استعمالاً في نطاق القانون الجنائي العراقي الذي يعد من النظم التي تأخذ بدمج سلطات التحقيق مع سلطات الإحالة.
أن القرار الصادر من القاضي لابد من أن يتوافر فيه جميع الشروط التي تجعل منه وثيقة اتهام صحيحة تصلح لتقييد المحكمة بها. من حيث الأشخاص الموصوفين كمشتكين او متهمين ومن حيث وقائع الاتهام التي نسبت إلى المتهمين وتفاصيل الاتهام الأخرى من تاريخ الحدث وسير إجراءات التحقيق وأي تفاصيل أخرى يرتئي القاضي أضافتها.
وعلى العكس من سير إجراءات قاضي التحقيق الذي يكون في نظام لا يعتمد أساساً على مثل هكذا قضاء كالمصري الذي يستعين بقاضي التحقيق على وجه الانتداب وليس بصفة قاضي أصيل في قانون الإجراءات الجنائية المصرية . حيث تتميز بعض قرارات الإحالة ذات قيمة عن دوره لو كان عضو رئيس في سلطات التحقيق فالقاضي في مصر يسمح له بالإحالة المباشرة إلى محاكم الجنح والمخالفات إما الإحالة إلى الجنايات فلا تتم إلا بعد إحالة جميع مستندات التحقيق إلى غرفة الاتهام والتي تقوم بدورها بإحالة الموضوع إلى المحكمة المختصة. وقد سلكت تشريعات كل من تونس (م107) من مجلة الإجراءات والمغربي الفصل (200) من قانون المسطرة. والجزائر (م 107) إجراءات ولبنان (م 136) أصول المحاكم(15) المسلك هذا نفسه . ولكن المسلك مختلف لدى المشرع العراقي الذي يعطي قاضي التحقيق سلطة الإحالة المباشرة إلى جميع أنواع المحاكم وحتى محاكم الأحداث. او عدم الإحالة في حالة عدم كفاية الأدلة او عدم وجود ما يعاقب عليه وغيرها من الأسباب(16).
وفي ختام استعراض السلطات المختصة بالأدلة نرى أفضلية نظام قاضي التحقيق كون مهمة التحقيق تعد الخطوة المهمة والأولى للوصول إلى الحقيقة ويتوجب ان تكون السلطة القائمة بها قضائية تتصف بالحياد التام ، وبما يتفق مع مقتضيات الشرعية الإجرائية التي هي إحدى حلقات الشرعية الجنائية(17).
2 . إحالة الدعوى في ظل نظام الفصل بين سلطتي التحقيق والإحالة:
تقوم بعض النظم الإجرائية الجنائية على فصل سلطات التحقيق بعملها الوظيفي وهيكلها الإداري عن السلطة المختصة بإحالة الدعوى الجزائية إلى المحكمة المختصة .
وتكرس صورة هذا النظام بنظام مستشار الإحالة الذي كان يطبق في مصر قبل صدور قانون 170 لسنة 1981 الذي أوقف العمل بمنصب مستشار الإحالة كجهة مستقلة لإحالة الدعاوي إلى المحكمة المختصة بعد استلامها من قبل سلطات التحقيق. وقد وجهت إلى تخصيص جهة مستقلة لإحالة الدعوى انتقادات كثيرة كانت مثاراً للجدل بين مؤيدي ومنتقدي هذا النظام. وأهمها كونه يمثل تعطيلاً لسير الدعوى الجزائية. كون ان الاعتبارات العملية والواقعية كثيراً ما كانت تدل عن تأييد مستشار الإحالة إلى ما انتهت إليه سلطات التحقيق من نتائج وقرارات(18) .
وتختلف التسميات التي ينطوي تحتها مفهوم استقلالية القضاء المختص بإحالة الدعوى فهو قد يسمى قضاء الإحالة ، او غرفة الاتهام ، او مستشار الإحالة(19).
ويكاد يجمع الفقه على انتقاد نظام مستشار الإحالة إلا أنه يفضل معالجة أخطائه أو إلغاؤها خاصة في تلك الدول التي لا تعطي سلطة الإحالة إلى جهة قضائية بحيث تصبح الحاجة ماسة إلى مثل هذا النظام فيها(20).ومع قلة العمل بهذا النظام كان من الضروري الإشارة إليه كونه إحدى طرق العمل لإحالة الدعوى إلى القضاء المختص بالحكم فيها(21).
الفرع الثالث
أهمية وجود وثيقة الاتهام
في أي صورة كانت وثيقة الاتهام فهي تمثل أهمية كبيرة في سير الدعوى الجزائية سواء للمتهم أم للقاضي الجنائي. فهي ابتداء حلقة إجرائية تربط عمليات التحقيق بتفاصيل المحاكمة فهي تحيل ما توصل إليه قاضي التحقيق الى قاضي الموضوع المختص .
فهي في المقام الأول الصيغة التي تخرج بها الدعوى من حيز التحقيق إلى حيز قضاء الحكم وبالتالي فهي ناقلة للدعوى من حالة إلى حالة أخرى. كما أنها تمثل القيد بذاته المفروض على القاضي الجنائي في محتويات الاتهام الشخصية والعينية كما أن إحالة الدعوى بصيغة معينة وبمضمون معين يتصل اتصال وثيق بمدى نطاق الدعوى إمام السلطة المستقبلة للإحالة.
لكن الأهم في هذا الموضوع أن الإحالة بحد ذاتها تمثل فكرة ومرحلة إجرائية فارقة ومؤثرة في الدعوى. فهي فكرة كونها تجسد معنى الاتهام للفرد والمحال بارتكابه جريمة معينة ترمز الإحالة إلى انتهاء أعمال التحقيق فيها، نتج بعد التقييم الواقعي والقانوني لمجموع الأدلة وترجيح الإدانة للمتهم. بمعنى أن الإحالة تعكس مفهوماً أن الشخص المتهم يرجح ارتكابه للفعل المنسوب إليه وعليه فهي تحتوي معنى الاتهام بحد ذاتها . وهي مرحلة إجرائية كونها تنقل سير إجراءات الدعوى من نطاق الاستدلالات وجمع الأدلة إلى مرحلة المحاكمة أي ناقلة للدعوى فيها من طور إلى طور. وهي مؤثرة لكونها تتصل بشكل من الأشكال بحق المتهم للدفاع والمساس بشكل من الأشكال جزئية(22).
وتظل الإحالة أداة تنهي مرحلة التحقيق وتعقد ولاية المحكمة المختصة بنظر تلك الدعوى إلا أن أهمية الإحالة عندنا تبرز من خلال تحديد نطاق الدعوى الجزائية أمام المحكمة بما ورد في قرار الإحالة ، بمعنى ان غالبية الدعاوي القضائية يتحدد نطاق الدعوى على ما ورد في قرار الإحالة كما هو الحال في العراق(23).
وتظهر أهمية الإحالة في نطاق الدعوى بجسامة الأثر المترتب على الخروج عن الإحالة من وقائع واشخاص، إذ تبطل إجراءات المحاكمة والحكم الصادر في أعقابها متى ثبت تجاوز المحكمة للوقائع الواردة بأمر الإحالة بالإضافة إليها او بمحاكمة شخص غير الذي أحيل لتعلق فكرة الإحالة ... بفكرة حقوق الدفاع . ومن هذه الفكرة خرج المشرع بمجموعة من الأحكام الموضوعة والشكلية التي تكفل أداء واحترام هذه الفكرة مثل تحديد بيانات أمر الإحالة أو أوراق التكليف بالحضور لكونها ترتبط بحق الشخص في ان يعلم سلفاً بأوجه اتهامه(24).
وأخيراً فأن حقيقة مبدأ التقيد تسند أساساً وكما سوف نرى إلى دعامة مهمة وهي انفصال سلطات الاتهام عن الحكم . والانفصال بحد ذاته يجعل من الاحالة الحلقة الرابطة والمقيدة والمحيلة للإجراءات التالية عليها، ولذلك فأنها تحتل وبلا شك مركز وثيقة الاتهام في الكثير من الحالات. بمعنى ان نقطة الانطلاق في بحث المبدأ الخاص بتقييد المحكمة الجزائية بالاتهام من حيث أشخاصه ووقائعه يستوجب حتماً العناية والاهتمام بالوعاء الذي يحتوي تلك الشخوص والوقائع وهو بالتأكيد قرار الإحالة او أوامر التكليف بالحضور وهذا ما دعا إلى التركيز عليها كوثيقة للاتهام .
________________
1- ينظر : عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، قاعدة تقييد المحكمة الجنائية بالاتهام ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1973 ، ص107.
2- ينظر : عبد المنعم عبد الرحيم العوضي، المرجع السابق، ص108.
3- ينظر : د. رؤوف عبيد ، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري ، ط8 ، مطبعة النهضة العربية ، القاهرة ، 1970 ، ص104و110.
4- تنص المادة (87) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على أن : ( للمحكمة أو لقاضي التحقيق أو المحقق أو المسؤول في مركز الشرطة أن يصدر ورقة تكليف بالحضور للمتهم أو الشاهد أو أي ذي علاقة بالدعوى على أن تحرر الورقة بنسختين يبين فيهما الجهة التي أصدرتها وأسم المكلف بالحضور وشهرته ومحل إقامته والمكان والزمان المطلوب حضوره فيهما ونوع الجريمة التي يجري التحقيق فيها ومادتها القانونية ) .
5- الأصل العام عدم اشتراط المشرع ذكر التفاصيل الدقيقة للتهمة إلا في الجرائم المهمة مثل مواد جرائم الغابات ومواد الصيد النهري ومواد النشر حيث يستوجب وصف الفعل وبيان النص القانوني. ينظر : عبد المنعم عبد الرحيم العوضي، المرجع السابق، ص118. وتنص المادة (127) من قانون إجراءات الجنائية المصري على أن : ( يجب أن يشتمل كل أمر عن أسم المتهم ولقبه وصناعته ومحل إقامته والتهمة المنسوبة إليه وتاريخ الأمر وإمضاء القاضي والختم الرسمي ... )
6- هذه الشروط أشار إليها : د. محمود أحمد طه ، مبدأ تقيد الدعوى الجنائية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2003 ، ص58-59.
7- ينظر : د. مأمون سلامة ، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري ، ج2 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1972 ، ص557.
8- ينظر نص المادة (33) من قانون الإجراءات الجنائية المصري التي تنص على ( إذا خالف أحد الحاضرين أمر مأمور الضبط القضائي وفقاً للمادة السابقة أو امتنع أحد ممن دعاهم عن الحضور يذكر ذلك في المحضر ويحكم على المخالف بالحبس مدة لا تزيد على أسبوع وبغرامة لا تتجاوز مائة قرش أو بإحدى هاتين العقوبتين . ويكون الحكم بذلك من المحكمة الجزائية بناء على المحضر الذي يحرره مأمور الضبط القضائي) .
9- د. عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، المرجع السابق، ص141.
10- المشرع العراقي جعل من قاضي التحقيق المسؤول المباشر عن جميع إجراءات التحقيق وإعطاه سلطة إحالة الدعوى ، أي انه اخذ بإعطاء سلطة الإحالة إلى جهة قضائية تصدر قرارها بإحالة الدعوى. تنص الفقرة ( أ ) من المادة (51) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقــي على أن : ( يتولى التحقيق الابتدائي قاضي التحقيق ... ) . تنص الفقرة ( أ ) من المادة (52) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على أن ( يقوم قاضي التحقيق بالتحقيق في جميع الجرائم بنفسه أو بواسطة المحققين وله أن ينيب أحد أعضاء الضبط القضائي الاتخاذ إجراء معين ) . تنص الفقرة ( أ ) من المادة (59) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقــي على أن : ( يدعى الشهود من قبل قاضي التحقيق...). تنص الفقرة ( أ ) من المادة (130) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقــي على أن : ( إذا وجد قاضي التحقيق أن الفعل لا يعاقب عليه أو أن المشتكي تنازل عن شكواه فيصدر القاضي قراراً برفض الشكوى وغلق الدعوى نهائياً ) . تنص الفقرة (ب) من المادة (130) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقــي على أن ( إذا كان الفعل معاقباً عليه ووجد القاضي أن الأدلة تكفي لمحاكمة المتهم فيصدر قراراً بإحالته على المحكمة المختصة أما إذا كانت الأدلة لا تكفي للإحالة فيصدر قراراً بالإفراج عنه وغلق الدعوى مؤقتاً مع بيان أسباب ذلك ) .
11- تنص المادة (161) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن : ( للنيابة العامة أن تستأنف ولو لمصلحة المتهم جميع الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم ) . وتنص المادة (167) من ذات القانون على أن : ( يرفع الاستئناف الى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة إلا إذا كان الأمر المستأنف صادراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى في جناية فيرفع الاستئناف الى مستشار الإحالة ، ويفصل في الاستئناف على وجه الاستعجال ) .
12- ينظر : د. عبد المنعم عبد الرحيم ألعوضي ، المرجع السابق، ص154.
13- ينظر المواد (51) ، (52) ، (129) ، (130) ، من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي السابق الإشارة إليها .
14- ينظر : سليمان عبد المنعم ، أصول الإجراءات الجنائية في التشريع والقضاء والفقه ، دار المعارف ، القاهرة ، 2000 ، ص66.
15- ينظر : د. اشرف رمضان عبد الحميد ، قاضي التحقيق في القانون الجنائي المقارن ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 2004 ، ص257. وتنص المادة (64) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن : ( إذا رأت النيابة العامة في مواد الجنايات أو الجنح أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاضي التحقيق أكثر ملائمة بالنظر الى ظروفها الخاصة جاز لها في أي حالة كانت عليها الدعوى ، أن تطلب الى رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاة المحكمة المباشرة هذا التحقيق ) . وتنص المادة (67) من ذات القانون على أنه : ( لا يجوز لقاضي التحقيق مباشرة التحقيق في جريمة معينة إلا بناءً على طلب من النيابة العامة أو بناء على إحالتها إليه من جهات الأخرى المنصوص عليها في القانون ) .
16- تنص المادة (134) الفقرة ( أ ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقــي على أن : ( يحال المتهم في جناية على محكمة الجنايات بدعوى غير موجزة ويحال المتهم في جنحة على محكمة الجنح بدعوى غير موجزة ...) . ونصت الفقرة (ب) منها على أن : ( يحال المتهم في مخالفة على محكمة الجنح ... ) وتنص الفقرة ( أ ) من المادة (234) من ذات القانون على أن : ( يتولى قاضي التحقيق أو المحقق التحقيق وجمع الأدلة في كل جريمة تسند الى حدث ) .
17- يراجع في تفصيل نظام قاضي التحقيق : د. أشرف رمضان عبد الحميد ، قاضي التحقيق في القانون الجنائي المقارن، دار النهضة العربية ، بيروت، 2004 ، ص169 وما بعدها.
18- تنص المادة (170) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن : ( يتولى قضاء الإحالة في دائرة كل محكمة ابتدائية مستشار أو أكثر ... ) . وتنص المادة (171) منه على أن : ( على مستشار الإحالة عند وصول ملف القضية إليه أن يحدد الدور الذي ستنظره ... ) .
19- بنظر : د. سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق، ص139.
20- في مصر تقوم النيابة العامة بإحالة التحقيق في أغلب الأحوال وهي جهة غير قضائية في حين ينص الدستور المصري المادة (70) على أن ( لا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية في ما عدا الأحوال التي يحددها القانون) ، وبالتالي تظهر ضرورة العمل بمثل هكذا قضاء مستقل للإحالة. أما في العراق فليس هناك ما يستوجب ذلك لوجود قاضٍ متخصص هو قاضي التحقيق .
21- من النظم القضائية التي أخذت بمثل هكذا قضاء متخصص للإحالة قضاء التحقيق في تونس وسوريا حيث هناك قاضي تحقيق وآخر للإحالة. للتفصيل ينظر : أشرف رمضان عبد الحميد ، المرجع السابق، ص243 هامش رقم (2) .
22- ينظر : د. سليمان عبد المنعم ، المرجع السابق، ص8.
23- تنص المادة (155) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقــي على أن : ( لا تجوز محاكمة غير المتهم الذي أحيل على المحكمة ) .
24- ينظر : د. سليمان عبد المنعم ، المرجع السابق، ص10-11.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|