أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-28
206
التاريخ: 26-8-2020
2665
التاريخ: 26-4-2019
1629
التاريخ: 17-4-2019
1664
|
التورخة!
كثيراً ما صيغ التاريخ، وقيل: إن ذلك من أجل العبرة والعبر، وكذلك من أجل حفظ وعي الأمة وذكراها حتى لا تنسى ماضيها وتبقى مرتبطة به.
لكن إلى أي حد عبّر هذا التاريخ عن وعي الأمة الحقيقي؟ لأن كتابة التاريخ تتداخل فيها الآنات ذات الاتجاهات المتعددة، والمرتبطة باللحظة التي وافق فيها المؤرخ نفسه على صياغة مشروعه التاريخي.
فتبقى هذه المادة التاريخية معبرة بطبيعتها عن وجهة نظر المؤرخ، وذلك على حد قول ابن خلدون: إن التاريخ نظر لا مجرد رواية (1)، ومنه يصبح نظر المؤرخ هو المحدد لنوعية المادة التاريخية.
إذن، فهناك علاقة وطيدة بين المؤرخ كفاعل والمادة التاريخية كأرضية لهذا الفعل، أي أن التاريخ هو التفاعل الناتج عن التقاء المؤرخ والمعلومات المرتبطة بالماضي والتي نسميها تاريخية.
وبتعبير آخر هي مجموع المعلومات المرتبطة بالزمن الغابر الماضي ومعرفة الشخص المؤرخ بها، ومن ثم يكون إدراكه لها ليس كلياً، ودليلا على أن في التاريخ أحداث مجهولة بفعل جهل المؤرخ لها وعدم اطلاعه عليها، أو بفعل تجاهلها لظروف خاصة ولم تؤرخ.
وبعدها فإننا نستنتج أن التاريخ حتماً لا ينفصل عن الإنسان وبخاصة الإنسان المختص والذي اصطُلح عليه بالمؤرخ، فتقودنا النتيجة بطبيعة الحال إلى القول بأن التاريخ هو تاريخ البشر وللبشر. وكما يقال: أن التاريخ بشري بالتعريف أي أنه استحضار يقوم به المؤرخ في لحظة تصوير حركة التاريخ وكتابته (الاسطوغرافيا) ; وعلى حد تعبير «مارك بلوك»: أن الأحداث التاريخية هي في جوهرها وقائع نفسية بمعنى حضور مؤثرات أثناء ممارسة التدوين والتأريخ، والتي تعطي للمادة التاريخية صورة تعكس طبيعة الشخص المشتغل بها.
ويمكن قراءة هذه المسألة من وجهة نظر علم التطور (L¨EVOLOTION) وبالضبط مع النظرية فيما يخص التطور الطبيعي والتي تعتمد في مقولاتها على تأثير الظواهر الطبيعية على ظاهر النوع المدروس ; أي مثلا أن التغيير الفينوتيبي (Phenotype) لنبتة ما في وسط ما مثلا في أعلى قمة جبل حيث قوة الرياح قوية تجعلها قصيرة الشكل، لكن وجودها في منطقة منخفضة حيث تزول هذه العوامل يجعلها طويلة القامة.
فكذلك حال المؤرخ والمادة التاريخية فهو يهادن الأجواء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة به ولا يجد مفراً من الخضوع لها من أجل الحفاظ على مكانته ومنزلته داخل الوسط فيصبح بذلك كلّ ما دُوِّن هو ما أراده المؤرخ لهذا الإنسان، وليس ما يريده
الإنسان أي أن موضوع التاريخ ليس ما يريد الانسان بل هو تصورنا لما يريد (2).
ونصل إلى نتيجة حتمية وهي أن التاريخ ليس ثابتاً ككتابة، بل هو متغير على حسب طبيعة المؤرخ. فتاريخ اليعقوبي (3) مثلا ليس فيه من الشبه ما يجعله مثيل الطبري نظراً لتدخل الشخصية في المعطيات المتواجدة ; ومنه يجب أن نعلم أن التاريخ لا يكتب مرة واحدة بل تعاد كتاباته باستمرار تحت إيحاء وضغط اسئلة يلقيها الحاضر على الماضي، وتتجاوب فيها النزاعات الفردانية لكل شخص، وبكل تلاوينها، ويكون الخاسر فيها هو الإنسان الذي من أجله صيغ هذا التاريخ.
والملاحظة التي يجب أن لا نغفل عنها وعلينا أن نأخذها بعين الإعتبار والجدية هي أن كبار المؤرخين كانوا رجال تاريخ بمعنى مزدوج ; رجال سياسة، ورجال دراسة، ذاكرين التاريخ ومؤثرين فيه، بل لا يوجد مؤرخ محترم لم يحاول أن يلعب دوراً سياسياً. ومن ثم تغيب المصداقية للمادة التاريخية بحيث تصبح في غالبها تمثيلا ورؤية للقوة المسيطرة، يغيب فيها تاريخ المعارضة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يصبح تصوير المعارضة بالشكل الذي تريده السلطة أو المؤسسة الفاعلة، وهذا ما يصادف قول «تولستوي».
وأثناء فعل الكتابة التاريخية (الاسطوغرافيا) والتي تعتمد في أساسها على المرويات يدخل الراوي كفاعل أساسي فيه، حيث يستحضر في مروياته لفظ الراوي أي بالنمط التقليدي على نمط قال فلان، حدثنا فلان، أو سمعت فلان.
وهنا تحضر شخصية المؤرخ بقوة إذ أنه لا يروي الخبر بقدر ما يستحضر الغائب (4) وهذا الغائب محل استفهام، أي كيف يمكن قبول قول هذا ورفض قول ذاك؟ وماهي المعايير المعتمدة في تحديد أهلية الراوي للرواية؟
وهنا تتداخل الأنات وتدخل السياسة من بابها الواسع وتتبعها النعرات الايديلوجية فلهذا أصبح علم الرجال ضرورة حتمية.
والأمر هنا ليس مرفوضاً لذاته، بل لطريقة تعاطي المؤرخين والعلماء المختصين به. فيصير بذلك الطعن في الشخص لمجرد ولائه الايديولوجي والذي بالطبع يخالف النمط السياسي المسيطر.
ويقال مثلا عنه مردود الرواية لأنه رافضي خبيث والتاريخ الإسلامي مليء بهذه النماذج.
فمثلا إذا اخذنا السدي وهو أحد الثقات الشيعة، يقول عنه الجوزجاني: حدثت عن معمر عن ليث: كان بالكوفة كذابان فمات احدهما السدي والكلبي (5) ورغم توثيق بعض كبار علماء السنة له كابن حنبل يذكر الجوزجاني في شأن سعيد بن كثير: «سعيد بن كثير فيه غير لون من البدع وكان مخلطاً غير ثقة» (6).
ويأتي ابن حجر ليبرر المسألة في قوله «سعيد بن كثير بن عفر رمي بالتشيع» (7) وكتب التاريخ حبلى بهذه النماذج.
وكمثال آخر للرواة، وهم الرواة الذين تقبل رواياتهم رغم تجريح العموم لهم، لأن مروياتهم تخدم الوضع القائم والذي يراد صياغته للناس. كمثال على ذلك مرويات سيف بن عمر التميمي والتي لم يتخلص منها التاريخ لحد الآن.
إذن يظهر لنا جليا بأننا نقف فوق تاريخ مأزوم بتداخل العناصر الفاعلة فيه والتي اعتقد أن الفاعل فيها هو المؤرخ والذي لم يصل إلى حد الاحترافية وتعري النزاهة بحيث أن المؤرخ المحترف في الأصل والعمق دائماً حافظ، محافظ، ومتحفظ (8).
إذن كسؤال جوهري إلى أي حد كانت هذه الشروط متوفرة في المؤرخ الإسلامي؟ ما هي المحددات الرئيسية لشخصية المؤرخ الإسلامي؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة، لابد من الإشارة إلى التوجهات الحداثية في قراءة التاريخ الإسلامي، هل استطاعت أن تخرج من بوتقة التقليد والعماء الايديلوجي لصياغة نزيهة وفق ما يريده البشر لا وفق ما يُراد للبشر؟
____________
(1) نقلا عن عبد الله العروي، مفهوم التاريخ: 1 / 36، الطبعة 3، 1997، المركز الثقافي العربي
(2) تولستوي نقلا عن عبد الله العروي مفهوم التاريخ ط3 سنة 1997 المركز الثقافي العربي.
(3) اليعقوبي الذي كان له الدور البارز في إحداث تجديد في صميم الكتابة التاريخية (نقلا عن محنة التراث الآخر ص25 ط1 سنة 1998 دار الغدير) ورغم ذلك همش ولم يعتد به.
(4) كلود برود «التاريخ في ممالك أغنى من ساحل العاج أنال» عدد 4، 1979 ص1124 بواسطة عبد الله العروي.
(5) أسد حيدر الامام الصادق والمذاهب الأربعة: 3 / 510، الطبعة 3، 1411هـ. الناشر مكتبة الصدر بطهران.
(6) الجوزجاني: تذكرة الخواص 2: 14 نقلاً عن الامام الصادق والمذاهب الأربعة.
(7) المصدر السابق وذكر ابن حجر الهيتمي في صواعقه المحرقة حديثاً مرفوعاً يقول: «يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الإسلام فاقتلوهم فإنهم مشركون» ص5 نقلا عن محنة التراث الآخر.
(8) عبد الله العروي ص43 المصدر السابق.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثاني والعشرين من سلسلة كتاب العميد
|
|
|