المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



سفرة إلى الطائف  
  
3138   12:22 مساءً   التاريخ: 4-5-2017
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : سيد المرسلين
الجزء والصفحة : ج‏1،ص556-560.
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-3-2022 1715
التاريخ: 15-6-2017 2889
التاريخ: 11-5-2017 3450
التاريخ: 12-5-2016 9394

انقضت السنة العاشرة بكل حوادثها الحلوة والمرة فان رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) فقد في هذا العام حامييه الكبيرين المتفانيين في سبيله ففي البداية فقد كبير بني عبد المطلب وسيدهم والمدافع الوحيد عن حوزة الرسالة الإسلامية والذابّ بالاخلاص عن حياض الشريعة المحمّدية والشخصية الاولى في قريش اعني أبا طالب (عليه‌ السلام).

ولم تنمح آثار هذه المصيبة المرّة عن خاطر النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) بعد إلاّ وفاجأته مصيبة وفاة زوجته الوفية العزيزة السيدة خديجة الكبرى الّتي جددت برحيلها عنه أحزان النبيّ وآلامه الروحية .

لقد حامى أبو طالب ودافع عن النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) وحافظ على حياته وسلامته ومكانته وبينما ساعدت خديجة بثروتها الطائلة في نشر الإسلام وقدمت في هذا السبيل خدمات عظيمة لا تنسى.

من هنا سمى رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) تلك السنة بعام الحداد أو الحزن .

ومنذ أن توفّى اللّه الحاميين العظيمين والمدافعين القويين عن النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) واجه رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ظروفاً صعبة جداً قلما واجهها من قبل.

فقد واجه رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) منذ حلول السنة الحادية عشر جوّاً مفعماً بالعداء له والحقد عليه وصارت الاخطار تهدد حياته الشريفة في كل لحظة وقد فقد كل الفرص لتبليغ الرسالة وكل امكانات الدعوة إلى دينه.

يقول ابن هشام في هذا الصدد : ان خديجة بنت خويلد و أبا طالب هلكا ( اي توفيا ) في عام واحد فتتابعت على رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) المصائب بهلك خديجة وكانت له وزيرة صدق على الإسلام ... وبهُلك عمّه أبي طالب وكان له عضداً وحرزاً في أمره ومنعةً وناصراً على قومه وذلك قبل هجرته الى المدينة بثلاث سنين فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتّى اعترضه سفيهٌ من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً.

ولما نثر ذلك السفيه على رأس رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ذلك التراب دخل رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) يقول لها : لا تبكي يا بُنيَّة فإنَّ اللّهَ مانع أباك .

ويقول بين ذلك : ما نالت مني قريشٌ شيئاً أكرَهُهُ حتّى مات أبو طالب .

ولأجل تزايد الضغط والكبت هذا قرر النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) أن ينتقل من المحيط المكي إلى محيط آخر يتسنى له تبليغ رسالته.

وحيث انَّ الطائف كانت تعتبر آنذاك مركزاً هامّاً لذلك رأى رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ان يسافر لوحده إلى الطائف ويجري بعض الاتصالات مع زعماء قبيلة ثقيف وساداتها ويعرض دينه عليهم علّه يحرز نجاحاً ويكسب انصاراً جدداً لرسالته من هذا الطريق.

ولما انتهى (صـلى الله علـيه وآله) إلى الطائف عمد إلى نَفَر من قبيلة ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف واشرافهم وجلس (صـلى الله علـيه وآله) إليهم ودعاهم إلى اللّه فلم يؤثر فيهم كلام رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) وقالوا له : لئن كنتَ رسولا من اللّه كما تقول لأنتَ أعظمُ خطراً من أردَّ عليك الكلام ولئِن كنت تكذب على اللّهِ ما ينبغي لي ان اكلمك!!

فعرف رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) من رَدّهم الصبياني أنهم يحاولون التملُّص من قبول الدعوة واعتناقِ الإسلام فقام (صـلى الله علـيه وآله) من عندِهِم بعد ان طلب منهم أن يكتموا ما جرى في هذا اللقاء خشية أن يعرف سفهاءُ ثقيف فيتجرأوا عليه ويتخذوا ذلك ذريعة لاستغلال غربته ووحدته ومن ثم إيذائه فوعدوه بالكتمان ولكنهم ـ وللاسف ـ لم يحترموا وعدهم هذا الّذي أعطوه لرسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم وفجأة وجد رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) نفسه محاطاً بجمع كبير من اولئك السفهاء يسبّونه ويصيحون به حتّى اجتمع الناس وألجأوه إلى بستان لعتبة وشيبة إبني ربيعة وهما فيه في تلك الساعة ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه فعمد إلى ظل فجلس فيه وهو يتصبب عرقاً وقد الحقوا الاذى بمواضع عديدة من بدنه الشريف ورجلاه تسيلان من الدماء وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان مالقي من سفهاء أهل الطائف وقد كانا من اثرياء قريش يومئذ.

فلما اطمأن رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) توجه إلى ربه وناجاه قائلا : أللّهُمَّ إلَيكَ أشكُو ضَعفَ قُوَّتي وَقِلَّةَ حِيلَتي وَهَواني عَلى النّاسِ يا أرحَمَ الرّاحِمين أنتَ رَبُّ المُستَضعَفِين وَأنتَ رَبّي إلى مَن تكِلُني إلى بعيِد يَتَجَهَّمُنِي؟ أم إلى عَدُوّ ملكتَهُ اَمري؟

إن لَم يَكُن بِكَ عَليَّ غَضَبُ فَلا اُبالِي وَلكِ عافِيتَكَ هِيَ أوسَعُ لِي.

أعُوذُ بِنُورِ وَجهك الّذي اشرقت لَهُ الظُّلماتُ وَصَلُحَ عَليهِ أمرُ الدُّنيا وَالآخِرَة مِن أن يَنزِلَ بِي غَضَبُكَ أو يَحِلَّ عليَّ سَخطُك.

لَكَ العُتبى حتّى تَرضى وَلا حولَ وَلا قُوّةَ إلاّ بِكَ .

هذه الكلمات وهذا الدعاء هي استغاثة شخصية عاش خمسين سنة عزيزاً مكرماً في ظلّ حماية من دافعوا عنه بصدق واخلاص ودفعوا عنه كل اذى ولكنه الآن يضيق عليه رحب الحياة حتّى يلجأ إلى حائط عدوٍّ من اعدائه ويجلس في ظل شجرة مكروباً موجَعاً ينتظر مصيره.

فلما رآه إبنا ربيعة عتبة وشيبة وكانا من الوثنيين ومن أعداء الإسلام وشاهدوا مالقي من الأذى والعذاب رَقّا لَهُ فدعوا غلاماً لهما نصرانياً من أهل نينوى يقال له عداس فقالا له : خذ قطفاً من العنب فضَعهُ في هذا الطبق ثم اذهب به إلى هذا الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل بالعنب حتّى وضعه بين يدي رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ثم قال له : كل فلما وضع رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) فيه يده قال : بسم اللّه الرحمن الرحيم .

فتعجب عداس من ذلك بشدة وقال : واللّه إنَّ هذا الكلام ما يقوله أهلُ هذه البلاد.

فقال له رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ومِن أهل أي البلاد أنتَ وما دينك؟

قال : أنا نصراني من أهل نينوى.

قال (صـلى الله علـيه وآله) : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى.

فقال له عداس : وما يدريك ما ( من ) يونس بن متى؟

فقال (صـلى الله علـيه وآله) : ذاك أخي كان نبياً وأنا نبيّ أنا رسول اللّه واللّه تعالى أخبرني خبر يونس بن متى.

فأكبَّ عداس على رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) وقد رأى في كلماته علائم الصدق وآيات الحق وجعل يقبّل رأسَه ويديه وقدميه وهما تسيلان من الدماء وآمن به ثم عاد بعد الاستئذان منه (صـلى الله علـيه وآله) إلى صاحبيه في البستان.

فتعجب ابنا ربيعة لِما رأياه في غلامهما عداس من الانقلاب الروحي العجيب وسألاه قائلين : ويلك يا عداس ما لك قبَّلت رأس هذا الرجل ويديه وقديمه وماذا قال لك؟!

فأجابهما الغلام قائلا : يا سيدَيَّ ما في الارض شيء خيرٌ من هذا هذا رجلٌ صالح لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلاّ نبيُّ.

فشقَّ كلامُ عداس على إبني ربيعة وقالا له بنبرة الناصحّ له : ويحك يا عداس لا يصرفنّك هذا الرجلُ عن دينك فان دينَك خير من دينه!!




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.