أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2019
2346
التاريخ: 18-4-2016
2325
التاريخ: 29-6-2016
2895
التاريخ: 19-4-2016
2565
|
...الدواء وحده لا يكفي لعلاج الاكتئاب، وان كان هو مفتاح العلاج الاول والضروري ولا شك، ولكن الاكتئاب يحتاج الى امور اخرى منها العلاج الروحاني ومكافحة الضغوط ، وتعلم الاسترخاء، وتغيير العادات، وتعلم الامل، ومكافحة اليأس، والصبر حين تأتي النُّوَب والتعامل معها بروح رياضية عالية.
والعلاج الروحاني يهمله الكثير من الاطباء المعالجين رغم ضرورته الفائقة، فالمريض الذي دخل في نفق الاكتئاب تزعزعت ثقته بكل شيء، واحتار في امره، بل وتبرم واشتكى، ويتساءل: لِمَ خلقني الله؟.. لماذا هذه الحياة... لماذا أستمر بها؟... وفي نوبة من اليأس القاتل والقلق العميق وانعدام الامل بالمستقبل قد ينتحر، لذلك بعد اخذ العلاج وتحسن اوضاع المريض يجب ان يُركّز على اعادة ثقة المريض بالله اولا وبنفسه ثانيا.. ويجب ان يعلم بأن الله لم يخلقه عبثاً، ولا يريد بالمرض ان يدمره ويجتاحه، انما يريد ان يبلوه ويختبره ويرفع درجته عنده.. والدرجة التي ينالها مرضى الاكتئاب عند ربهم (إن صبروا) لا تُقدَّر بثمن، وجزاؤها عظيم تظهرها الآية القرآنية التالية :
{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر:10].
وكما انهم ذاقوا عذابا نفسيا وألما وجدانياً لا تطيقه الجبال، فكذلك أجرهم عند الله بلا حدود وبلا حساب نعيم مقيم دائم، فعلى الذي ابتلاه الله بالاكتئاب ان يكثر من ذكر الله تعالى والتفكير في السماوات والارض والخلق والتكوين، وان يرى نفسه جزءا من هذا العالم الممتد وان له مهمة في الحياة خلقه الله من اجلها، وعليه ان يعمل على اكمال ارادة الله في خلقه، وعليه ان يسبح مع تيار نهر العبودية لله والإرادة ولا يسبح بعكس التيار فيشقى!!..
فالله قد خلق كل شيء على الارض وسخَّره لهذا الانسان (الطعام، الشراب، الامطار، الغابات، الانهار، الاشجار، السيارات، الطائرات، الزوجة، الاولاد، المال، وسائل التدفئة، المساكن.. نعم كل شيء يغفل عنه ابداً .. ابدا فلو أسدى احدهم لنا معروفا بسيطا كهدية او مساعدة او قرض مالي فاننا نشكره ونذكره ولا ننساه ابدا، فكيف بالإنسان يغفل عن الله الذي اسبغ عليه كل هذه النِّعَم..
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34].
فكما ان غذاء الجسد الطعام والشراب ، وغذاء العقل التفكير والمطالعة، فان للروح وهي الجانب الفاعل الخفي والمحرك غير المنظور في هذا الانسان لها غذاؤها، ولا ينفعها غذاء الجسد بشيء، بل هي بحاجة لغذاء من نوع مختلف لا تنتعش الا به، وهو غذاء وحيد لا غنى عنه أبداً، بل العكس ان الافراط في اشباع شهوات الجسد يعتم عليها، ويزيد اضطراب الروح والشعور بالفراغ، هذا الغذاء هو ذكر الله، وتوحيده وتمجيده وهو من قول الله تعالى :
{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
نعم فبالذكر تهدأ ثائرة النفوس وغطرستها، وتشعر بضعفها امام عظمة الله، وتشعر بالأمان ورعاية الله لها، وبالعناية بها في كل طرفة عين، وهو دواء نافع لمرضى الاكتئاب والناس العاديين، وهو يشتمل على الذكر باللسان في الصلاة والقيام والقعود والحركة في اثناء العمل.
كذلك في قراءة القرآن الكريم او الاستماع اليه، فان لها مفعول السحر في اشراق الروح، وزوال الغم، وتفريج الكروب، والشعور بالسرور والقرب من الله..
فكما خلق الله عز وجل لنا كل شيء وسخر لنا كل شيء، فانه خلقنا لذكره وحبه، وان يكون احب الينا
مما سواه لقوله تعالى :
{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41].
أي خلقنا له ولذكره ولخدمته والتفكير في بديع صُنعه.
ورد في انجيل لوقا / الاصحاح العاشر قول السيد المسيح عندما سأله احد الحواريين قائلا له : كيف ارث الحياة الأبدية؟.. فأجابه السيد المسيح :
(ان تحب الرَّب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك، وقريبك مثل نفسك).
ما أروعه من كلام، فالحصول على الحياة الابدية في الاخرة في جوار الله عز وجل ثمنها ان يُحب العبد ربه من كل قلبه وفكره ونفسه وبكل قدرته ويُحب الناس ايضاً.
وفي الاصحاح السادس من الانجيل نفسه ورد :
(طوباكم ايها المساكين لأن لكم ملكوت الله، طوباكم ايها الجياع لأنكم تشبعون، طوباكم ايها الباكون لأنكم ستضحكون).
ومن أكثر بكاءً من اهل الاكتئاب ...
وفي مكان اخر من الانجيل يقول : (طوبى للحزانى لانهم يتعزّون).
فكأنه يخاطب أهل الاكتئاب خاصة بانهم سيضحكون بعد البكاء ويتعزون بعد الحزن ويرثون الحياة الابدية يوم تكون النار مقر اهل الضلال والنكرات.
إذن على المكتئب (بعد العلاج الدوائي) أن يتأمل ويتوصل الى هذه المعاني السامية، ويعلم ان الدنيا ماضية ذاهبة لا بقاء لها، وانها دار بلاء ولا شك، وانها مكارة لا يؤتمن جانبها، ولا يطمئن صاحبها، وان الدار الاخرة هي الحياة فما على الانسان الا ان يصبر قليلا ثم يفرح كثيرا ويسعد طويلاً.
ولعل في حديث رسول الله (صلى الله عليه واله) الكثير من العزاء لأهل الحزن والاكتئاب حيث يقول :
(يودّ ناسٌ يوم القيامة اجسادهم تُقرض بالمقاريض أو تنشر بالمناشير في الدنيا لما يرونه من عظَمِ ثواب أهل البلاء عند الله)..
وعلى المريض الاكتئاب وكافة الامراض الاخرى الا يشعر بان الله ينتقم منه (حاشا لله) فمريض الاكتئاب في اثناء المعاناة كثيرا ما يشعر بانه ضحية الانتقام والتعذيب من الله، وبانه ولا ريب يستحق هذا الانتقام، وهو تفكير خاطئ تماما سببه الاضطراب النفسي العميق المصاحب للاكتئاب، والدليل على ذلك انه يزول كليا، وينقلب ثقة وقربا من الله بعد زوال الاعراض وتحسن الحالة بالعلاج.. ولقد توعد الله عز وجل الغافلين عنه الذين أعطاهم كل النعم وكل سبل الحياة والرفاهية بقوله تعالى :
{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } [لقمان: 20].
توعدهم بالشقاء والعيش النكد والجحيم بالآخرة بقوله : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124].
ولعل ما يعانيه من شرور ومصائب وحروب وازدياد في حالات الانتحار يعود الى هذا الإعراض عن الله، وكيف ينتحر من يخشى الله ويعلم بانه سيرث الشقاء الأبدي اذا أهلك نفسه.
ولعل الاسراف في تعاطي المخدرات والكحول والمهدئات واعتياد التدخين يكون بهدف ايجاد حالة روحية ترتقي بالانسان الى النشوة ونسيان الحياة واعبائها، وكذلك الارق وكثرة تعاطي المنومات وضيق الصدر والقلق الاجتماعي والصحي، ومحاولة ازاحة كابوسها بالطرق السابقة (مخدرات، مهدئات..) هي محاولة لا شك قاصرة فاشلة، فالبهجة والمتعة التي تعطيها تلك المواد قصيرة عابرة، ثم لا يلبث ان يقع بعدها ضحية الفتور والتعب والوهن ان لم يقم خلالها بارتكاب الفواحش والآثام والجرائم
(ما هكذا تورد الابل..).
فالله الله في ابدانكم، واعطوا الروح حقها بالتفكير بالله وخلقه، وذكر الله وتناول الطيبات والشراب الطهور..
فان وراء قضبان الجسد تتلظى روحٌ خفاقة ترفرف للخروج الى العالم العلوي الاسمى منطلقها الاول ومستقرها الاخير، وان اسكات صراخها لا يتم بتعاطي الكحول والمخدرات والمهدئات، انما عن طريق توجيه ابرتها الى ذلك العالم العلوي وتبشيرها بانها واردة اليه يوما لتعيش بقرب بارئها وفق قول الله تعالى :
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23].
ـ التكيُّف مع الضغوط والعلاج بالاسترخاء :
إن الاكتئاب مرض مركب، ... فانه كثيرا ما تكون ضغوط الحياة المختلفة من ضغوط بسيطة كالعمل الروتيني او الضغوط الشديدة كالانفصال والطلاق وفقد الاهل هي وراء الاعراض الجسدية التي تحدثنا عنها، وأخيراً وراء أعراض الاكتئاب الواضح.
والضغوط سواء الداخلية (الامراض، عادات التدخين، شرب الكحول، المهدئات..) وخارجية كالخسائر المادية الفادحة، الانتقال والسفر للعمل خارج القطر من دون اصطحاب الزوجة والاولاد،... تبين انها ذات صلة واضحة ووثيقة بالأمراض الجسدية، واصبح من السهولة التنبؤ بما سيحدث لفرد ما من المرض سواء البسيط او الشديد حسب شدة الضغوط.
فقد بينت الدراسات ان 10-15% من النساء يضطرب لديهن الجهاز المناعي ويصبن بسرطان الثدي او الدماغ بعد فقد احد ابنائها سواء بالموت الطبيعي او الحرب، وان مرض ارتفاع التوتر الشرياني مرتبط بالضغوط ، وخصوصا ضغوط العمل والرتابة والخلافة مع رؤساء العمل والخلافات الاسرية وانتقال الاولاد لمدرسة خارج المحافظة او خارج القطر.
وعليه فقد تبين ان امراض القلب التي يسببها التوتر الشرياني تزداد بدرجة كبيرة في ظروف العمل التي يتعرض خلالها للضجيج او نتيجة السكن في المدن المزدوجة، او زحمة السير الخانقة، كما تبين ان الضغوط الناجمة عن الاثارة الشديدة والفزع والخوف وخصوصاً ظروف الحرب والحرب الاهلية، هي احد اكبر اسباب الاكتئاب واضطراب جهاز المناعة، والربو المزمن والحساسية، كما تبين ان ضغوط الحياة سبب غير مباشر، وهي تنكس باستمرار ما لم تزل ظروف الضغط العام التي يتعرض لها المريض، والضغوط هي سبب الارق ، والنزق وسرعة الغضب والشقيقة، والصداع المزمن وتكرار التهاب الجيوب والقصبات، كلها امراض لها علاقة مباشرة بالضغوط ...
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|