أقرأ أيضاً
التاريخ: 10/12/2022
1573
التاريخ: 11-3-2021
2472
التاريخ: 18/11/2022
1293
التاريخ: 22-12-2021
2102
|
لو استعرضنا كتابات الفقهاء في القانون الدولي الخاص، وتحديداً في مادة تنازع القوانين، لتبين لنا ان الفقه لم يورد تسمية محددة لقواعد الإسناد، بل نجده يشير إلى هذه القواعد باصطلاحات متعددة ومختلفة. فمرةً يطلق على القواعد المذكورة اصطلاح قواعد القانون الدولي الخاص، وأخرى ينعتها بقواعد توزيع الاختصاص التشريعي، كما يسميها أحياناً قواعد تنازع القوانين(1). وهذه الاصطلاحات المتعددة لقواعد الإسناد هي اصطلاحات متباينة في مفهومها وفي دلالتها على هذا النوع من القواعد بالتحديد من بين القواعد القانونية عموماً أو من بين القواعد التي يضمها القانون الدولي الخاص على وجه الخصوص، بل ان بعضها ربما لا يتفق مع وظيفة قواعد الإسناد في هذا الفرع من فروع القانون. فاصطلاح قواعد القانون الدولي الخاص هو اصطلاح ذات مفهوم أوسع من أن يدل على قواعد الإسناد بالتحديد من بين قواعد القانون الدولي الخاص الأخرى(2). ذلك أن النطاق الموضوعي للقانون الدولي الخاص، بوصفه فرع من فروع الدراسات القانونية، وبعد أن كان يقتصر على موضوع قواعد الإسناد بما تقدمه من حلول في نطاق نظرية تنازع القوانين، وذلك منذ القرن الثالث عشر، فان هذا النطاق لم يَبْقَ على سالف عهده، بل أصبح يضم إلى جانب تنازع القوانين موضوعات أخرى هي الاختصاص القضائي الدولي والجنسية والموطن والمركز القانوني للأجانب(3)، وإنْ كان موضوع التنازع لا يزال إلى اليوم الموضوع الأساسي لهذا الفرع القانوني وان البحث في الموضوعات الأخرى يُعد بمثابة مقدمات لتنازع القوانين. وبناءً على ذلك فان إطلاق تسمية قواعد القانون الدولي الخاص على قواعد الإسناد يوحي بأن فرع القانون الدولي الخاص لا يتضمن سوى هذا النوع من القواعد القانونية، وهو ما لا يتفق مع تعدد الموضوعات وضرورة وجود قواعد قانونية تحكم كل موضوع منها ضمن الفرع المذكور من فروع القانون. أما بشأن اصطلاح قواعد توزيع الاختصاص التشريعي، فان هذا الاصطلاح لا يمكنه التعبير بشكل دقيق عن طبيعة قواعد الإسناد وما تتميز به عن باقي القواعد القانونية(4)، وذلك من جهتين، الأولى ان الاصطلاح المذكور لا يتفق مع وظيفة قواعد الإسناد في ميدان تنازع القوانين، فهو يوحي بأن هذه القواعد بتحديدها القانون الواجب التطبيق فإنها تمنح دولة ذلك القانون اختصاصاً تشريعياً بحكم النزاع، في حين ان أية دولة لا يمكنها، واقعاً، أن تشرِّع لدولة أخرى أو أنْ تَفرض قوانينها على إقليم دولة أجنبية(5)، وأن وظيفة قواعد الإسناد لا تتعدى اختيار القانون المناسب لحكم النزاع من بين القوانين المتزاحمة، وذلك وفقاً لوجهة نظر المشرع الوطني، وفي حدود الاختصاص المكاني لقانونه. ومن جهة ثانية فان عبارة توزيع الاختصاص التشريعي هي عبارة مُجانبة للدقة، وذلك لأن الاختصاص عادة ما يتعلق بالمحاكم التي تنظر في النزاع، أما القانون فلا يقال انه مختص بالنزاع، وإنما هو يُطبق عليه من قبل المحكمة المختصة(6). كما ان عبارة الاختصاص التشريعي قد تشتبه مع موضوع الاختصاص القضائي في القانون الدولي الخاص، وتؤدي بالتالي إلى الإشكال بين الموضوعين. وفيما يتعلق باصطلاح قواعد تنازع القوانين، والذي كثيراً ما يتردد على لسان فقهاء القانون الدولي الخاص(7)، فان هذا الاصطلاح كان في حدِّ ذاته دالاً بوضوح على قواعد الإسناد، وذلك حين كانت هذه القواعد هي الوسيلة الفنية المعتادة لحل مشكلة التنازع، إذ كانت مرتبطة بشكل وثيق بعلم تنازع القوانين. ففي ذلك الحين كان اصطلاح قواعد تنازع القوانين مرادفاً لاصطلاح قواعد الإسناد، وكان الفقه يَستعمل أيٍّ من هذين الاصطلاحين للإشارة إلى الاصطلاح الآخر(8). غير أن قواعد الإسناد، بعد التطور الذي حصل في ميدان القانون الدولي الخاص، لم تعد الوسيلة الوحيدة لحل التنازع، بل ظهرت إلى جانبها قواعد أخرى شاركتها ذلك الحل، ومن هذه القواعد ما تقدِّم حلولاً مباشرة لنزاعات جانب من العلاقات ذات العنصر الأجنبي، وهي تعرف بالقواعد الموضوعية للتجارة الدولية(9)، ومنها ما تَفرض تطبيقها على جميع العلاقات الداخلة في نطاق إعمالها بغض النظر عن اشتمالها على العنصر الأجنبي، وتعرف بالقواعد ذات التطبيق الضروري(10)، وإنَّ دراسة هذين النوعين من القواعد القانونية أصبحت تشكل مناهج مستقلة في نطاق موضوع تنازع القوانين إلى جانب منهج قواعد الإسناد، والذي أضحى معروفاً لدى الفقه بمنهج التنازع التقليدي. ولهذا فان اصطلاح قواعد تنازع القوانين قد أخذ مفهوماً أوسع من مفهوم قواعد الإسناد، وهو ما يجعل دلالته على هذه القواعد محل نظر(11). وزيادة على ذلك فان اصطلاح تنازع القوانين بحدٍّ ذاته كان ولا يزال عرضة للنقد من قبل فقه القانون الدولي الخاص، فهذا الاصطلاح يوحي بوجود تضارب أو صراع بين القوانين ذات الصلة بالعلاقة مثار النزاع، في حين إن الأمر لا يعدوا أن يكون عملية مفاضلة بين تلك القوانين، واختيار للقانون الأكثر ملاءمة من بينها لحكم النزاع(12).ومما تقدم يظهر ان اصطلاح قواعد الإسناد يَفضل الاصطلاحات الأخرى التي أطلقت على هذا النوع من القواعد القانونية، وذلك لكونه الأقرب إلى طبيعتها والأكثر تعبيراً عن وظيفتها في ميدان تنازع القوانين. وهذا الأمر هو الذي دفعنا إلى إطلاق هذه التسمية على القواعد محل البحث، وقد جارينا بذلك ما جرى العمل عليه لدى فقه القانون الدولي الخاص على نحوٍ متواتر.
_________________
1- د. عز الدين عبد الله. القانون الدولي الخاص. الجزء الأول (الجنسية والموطن وتمتع الأجانب بالحقوق). ط9. دار النهضة العربية. القاهرة. 1972. فقرة 1. ص6.
2- من الفقهاء الذين أشاروا إلى قواعد الإسناد باصطلاح قواعد القانون الدولي الخاص د. علي الزيني. القانون الدولي الخاص المصري والمقارن. الجزء الأول. ط1. المطبعة الرحمانية بمصر. 1930. فقرة 7. ص8.
3- وهذه الموضوعات هي ما يُدرس في مادة القانون الدولي الخاص في بلاد القانون المكتوب كالعراق ومصر وفرنسا. انظر في ذلك د. ممدوح عبد الكريم حافظ. القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن. ط2. دار الحرية. بغداد. 1977. ص8.
4- هذه التسمية لقواعد الإسناد أطلقها عليها الأستاذ الفرنسي أنطوان بيليه، إذ يرى هذا الفقيه ان تطبيق القانون الذي تعينه قاعدة الإسناد، بحسب تعبيرنا، لا يأتي عن طريق اختيار ذلك القانون، وإنما عن طريق عقد الاختصاص التشريعي للمشرع الذي سن القانون الواجب التطبيق A.Pillet, Principes de droit international prive, Grenoble, Paris, 1903, p.50.
5- انظر في ذلك د. احمد عبد الحميد عشوش و د. عمر ابو بكر باخشب. الوسيط في القانون الدولي العام، دراسة مقارنة (مع الاهتمام بموقف المملكة العربية السعودية). مؤسسة شباب الجامعة. الإسكندرية. 1990. ص14 وما بعدها.
6- د. جابر جاد عبد الرحمن. القانون الدولي الخاص. الجزء الثاني (تنازع القوانين. تنازع الهيئات. تنازع الاختصاص). ط2. مطبعة التفيض. بغداد. 1948. فقرة 284. ص427.
7- من الفقهاء الذين عَبروا عن قواعد الإسناد بهذا الاصطلاح د. حامد زكي. أصول القانون الدولي الخاص المصري. ط3. مكتبة عبد الله وهبه بمصر. من دون طبع. فقرة 67 وما بعدها. ص55 وما بعدها، وكذلك د. جابر جاد عبد الرحمن. المصدر السابق. فقرة 284 وما بعدها. ص426 وما بعدها.
8- انظر في وسائل فض تنازع القوانين د. هشام خالد. المدخل للقانون الدولي الخاص العربي (نشأته. مباحثه. مصادره. طبيعته)، دراسة مقارنة. ط1. دار الفكر الجامعي. الإسكندرية. 2003. ص180 وما بعدها.
9- بعض الفقهاء والباحثين يطلق على القواعد المذكورة تسمية القواعد المادية للقانون الدولي الخاص. انظر في ماهية هذه القواعد احمد مهدي صالح. القواعد المادية في العقود الدولية، دارسة مقارنة. رسالة ماجستير. كلية القانون. جامعة بغداد. 2004. ص1 وما بعدها.
10- راجع في هذه القواعد ما يأتي بحثه ص160 وما بعدها.
11- هناك من الفقهاء مَن يُعبر عن قواعد الإسناد بكلا الاصطلاحين، فيشير إليها مرةً بهذا الاصطلاح وينعتها أخرى باصطلاح قواعد تنازع القوانين, ومن هؤلاء د. حسن الهداوي. تنازع القوانين وأحكامه في القانون الدولي الخاص الكويتي. جامعة الكويت. 1974. ص55 وما بعدها.
12- د. فؤاد عبد المنعم رياض و د. سامية راشد. مبادئ القانون الدولي الخاص. الجزء الثاني (تنازع القوانين). دار النهضة العربية. القاهرة. 1996. فقرة 1. ص4.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|