أقرأ أيضاً
التاريخ:
1983
التاريخ: 5-2-2017
3131
التاريخ: 16-2-2021
2670
التاريخ: 2023-12-23
1085
|
كانت عبادة الجن من العبادات التي عرفت في بعض نواحي بلاد العرب قبل الإسلام، فقد جاء في القران الكريم: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: 40، 41] (1). فكان بنو مليح من خزاعة من اكثر القبائل العربية اعتناقا لعبادة الجن(2).
وكان عبدة الجن يعتقدون ان المواضع التي تصيبها الكوارث تكون بعد هلاك أصحابها مواطن للجن، وان الجن تختار الأماكن الموحشة المقفرة البعيدة عن الناس(3)، وتفضل سكنى المواضع المظلمة والفجوات العميقة وباطن الأرض فضلا عن مواطن الموتى في المقابر، التي كانت مأهولة بالجن من حيث كونها ارواحا مخيفة، لذلك خشي الكثير منهم ارتيادها ليلا خوفا ورهبة من الجن.
ولما كانت الجن في اعتقادهم ارواحا خبيثة مؤذية لذلك تجنب العرب دخول المناطق التي سكنتها، فقد كانت تبعث الفزع والخوف في نفوسهم. وعلى الرغم من كون الجن ارواحا غير منظورة الا انهم اعتقدوا بإمكان رؤيتها ومخاطبتها وتتمثل عندهم في اشكال حيوانات ذات شعر كثيف، لانها تستطيع ان تتجسد وقتما تشاء فذكر الاصفهاني(4)، ان تأبط شرا رفع كبشا تحت ابطه واخذه معه الى الفلاة وهي الأرض المجدبة، فاحدث عليه في الطريق، حتى اذا قرب من مكانة ثقل عليه فرمي به فاذا هو الغول، فما زال يقاتله الى ان اصبح فتأبطها وسار بها وقد وصف الغول بقوله:
فلم انفك متكئا عليها
لأنظر مصبحا ماذا اتاني
اذا عينان في راس قبيح
كراس الهر مشقوق اللسان
وساقا مخدج وشواة كلب
وثوب من عباء او شنان(5)
وقد سمي الغول بالخيتعور، وهو كل شيء لا يدوم على حالة واحدة ويضمحل كالسراب، ويرى الجاحظ ان الغول انثى بينما ذكرها هو القطرب(6)، وكانوا يعتقدون ان الغول كانت توقد للإنسان نارا اذا ارادت الغدر به، فيقصدها، فتدنو منه، وتتمثل له في صور مختلفة، فتهلكه روعا، وتوصف بان خلقتها خلقة انسان رجلاها رجلا حمار او رجلا عنزة(7).
وقد تصور المؤمنون بعبادة الجن ان الحيات هي بنات الجن وانها احدى عشائرها الهامة، فروى الشاعر عبيد ابن الابرص، انه راى حية فسقاها، فلما ضل جمل له وتاه ارشدته الحية الى مكانه فذهب عبيد الى المكان وجاء بجمله. ولما انتقم بنو سهم من الجن بقتل كل الحيات والعقارب التي وجدوها في منطقتهم اضطرت الجن الى طلب الصلح فتوسطت قريش وانتهى النزاع وتغلبت على الجن(8). ويعتقد العربي ان الجن تقوم بأعمالها بشكل غير منظور وهي تحذر الانسان او ترشده بطريق الصوت العالي. وترجع الاساطير التي رواها الاخباريون عن الجن وافعالها وعلاقتها بالإنسان الى ما عاناه العرب في باديتهم القاسية وما تعرضوا له من امراض واوبئة وافتراس الحيوانات البرية وفتك الحشرات الصحراوية من ثعابين وحيات وعقارب وغيرها من الهوام.
وذهبت مخيلة معتنقي عبادة الجن الى ابعد من ذلك فجعلوا بينها وبين الله نسبا، لزعمهم انها أرواح غير منظورة تقدر على الاتيان باعمال خارقة وانها الهة تتصاهر فيما بينها قال تعالى: { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158] (9). فذكر ان عمر بن يربوع بن حنظلة التميمي كان متزوجا من الجن، ولكنها لم تبق معه بضفة دائمة بل كانت تختفي عند ظهور البرق(10). كذلك نسبت بعض القبائل الى الجن مثل بني مالك وبني شيصيان وبني يربوع بن حنظلة، كما ينسبون بلقيس وذا القرنين الى الجن أيضا(11).
وفضلا عن ذلك نسبوا مقتل بعض اشرافهم الى الجن فمنهم، مرداس بن ابي عامر السلمي، وهو أبو عباس بن مرداس السلمي، والغريض المغنى، بعد ان ظهر غناؤه، وقد كانت الجن نهته ان يغني بأبيات من الشعر فغناها فقتلته، ومنهم حرب بن امية، وذكروا عن الجن بيتين من الشعر قالهما حين قتلته وهما:
وقبر حرب بمكان قفر
وليس قرب قبر حرب قبر(12)
حاول العرب قبل الإسلام التخلص من الأرواح الخبيثة التي تجلب الخبائث لهم، والتغلب عليها وطردها باستعمال الأشياء التي تنفر منها الجن في اعتقادهم ومنها عظام الموتى والاحجار المقدسة، كما قاموا بتعليق قطع صغيرة من بقايا الحيوانات لتنفير الجن. وفضلا عن ذلك كانوا يسمون ابناءهم بأسماء غريبة لاتقاء شر الجن، فقال اعرابي: لما ولدت قيل لابي نفر عنه، فسماني قنفذا وكناني أبا العداء.
لم تقتصر الاستعادة بالجن على عبدتها، بل كانت شائعة بين معظم القبائل العربية، فكانوا يستعملون عظام البشر والحيوانات وبعض الأحجار والمعادن التي اتخذوها من بقايا النيازك، من اجل تنفير الجن والارواح الخبيثة واخافتها، ولحماية أبنائهم وذويهم، وذلك بتعليقها في موضع طاهر مرئي(13).
والى جانب استخدام الأشياء المنفرة للجن، كان العرب يستعيذون بعظيم الجن لاتقاد شرهم. فكانوا يذهبون الى واد ذي شجر قبل ارتحالهم وسفرهم فيعقلون راحلهم، ثم ينادون: نعوذ بعظيم هذا الوادي، فيستجيب بزعمهم صاحب الوادي لندائهم، فلا يتعرضون لاي اذى خلال رحلة سفرهم، وقد أشار القران الكريم الى ذلك في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: 194] (14)، وقال تعالى: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } [الجن: 6] (15)،. وعلى الرغم من تلك الاستعاذات الا ان ذلك لم يمنع تعرضهم للأذى، ولم يؤد الى حمايتهم من الحيوانات المفترسة والكوارث الطبيعية مما كان يخرج المستعيذ عن عقيدته، فيكفر بعظيم الوادي وقد يسبه ويرجع هذا الاعتقاد الى الأوهام الفكرية والتصورات الخيالية التي هيمنت على عقلية البدوي، فاعتبر الجن والعفاريت ارواحا ذات قوي خارقة تسير على القفار الموحشة والأماكن المهجورة فنسب اليها اهوال البادية وحيواناتها البرية المخيفة.
____________
(1) سورة سبا: الآيات (40 – 41).
(2) الكلبي: الاصنام، ص34.
(3) المسعودي: مروج الذهب، جـ1، ص402.
(4) الاصفهاني: الأغاني، جـ18، ص212.
(5) مخدج: ناقص الخلق، شواة: اطراف، شنان: جلد القربة الليالي.
(6) الجاحظ: الحيوان، جـ6، ص84.
(7) المسعودي: مروج الذهب، جـ1، ص401 – 402.
(8) الازرقي: اخبار مكة، جـ2، ص11 – 13.
(9) سورة الصافات: اية 158.
(10) الالوسي: بلوغ الارب، جـ2، ص340.
(11) الالوسي: بلوغ الارب، جـ2، ص349.
(12) المسعودي: مروج الذهب، جـ1، ص406.
(13) الالوسي: المصدر السابق، جـ2، ص325.
(14) سورة الأعراف: اية (7).
(15) سورة الجن. اية (6).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
تسليم.. مجلة أكاديمية رائدة في علوم اللغة العربية وآدابها
|
|
|