أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-3-2016
2320
التاريخ: 14-3-2016
2383
التاريخ: 25-09-2014
2370
التاريخ: 24-11-2014
2092
|
هذه الزمرة من السلفية وإن كانت بريئة ممّا ذهبت إليه المجسّمة فهم لا يقتفون أثر الظواهر ، بل يصرفونها عمّا يتبادر منها في بادئ النظر ، إلاّ أنّهم لا يخوضون في المراد منها حذراً ممّا يسمى ب « وصمة التأويل ».
فعقيدة هؤلاء في الصفات الخبرية أنّ لله سبحانه يداً وعيناً واستواءً على العرش ، لكن لا نعلم كنهها ، وفي مقدم هؤلاء مالك بن أنس ، وقد سئل عن معنى قوله سبحانه : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5] أنّه كيف استوى ؟ فقال في جواب السائل : ما أظنّك إلاّ صاحب بدعة ، فالاستواء مذكور ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب. وفي رواية : والكيف غير معقول.
فلو صحت نسبة هذا الكلام إلى إمام المالكية ، فهو بلا شك من المعطّلة ، خصوصاً إذا كانت الرواية على قوله : « الكيف مجهول » ، فهو يعتقد أنّ لله سبحانه جلوساً على العرش ، لكن مجهولاً كنهه أو محالاً دركه ، فيجب الإيمان به لا السؤال عن حقيقته ، فيتوجه السؤال إلى إمام المذهب المالكي أنّه لماذا هجم على السائل بقوله ما أظنّك إلاّ صاحب بدعة ؟! مع أنّ وظيفة العالم إرشاد الجاهل لا الهجوم عليه بكلمة لاذعة ، كما أنّه يتوجه إليه أنّ الآية ونظائرها تصبح عند ذاك من الألغاز الّتي لا يفهم معناها ، بل يجب الإيمان بها ، ومع ذلك كلّه فقد راج هذا المذهب بعد ما رجع الإمام الأشعري من مذهب الاعتزال إلى مذهب المحدّثين ، وفي مقدمهم أحمد بن حنبل ، يقول ابن خلكان : كان أبو الحسن الأشعري أوّلاً معتزلياً ، ثم تاب من القول بالعدل ، وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة ورقى كرسياً ونادى بأعلى صوته : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أُعرفه بنفسي ، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن ، وإنّ الله لا تراه الأبصار ، وإنَّ أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع ، معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم (1).
فغاية ما عند الإمام الأشعري وأتباعه أنَّ لله سبحانه صفات خبرية مثل اليدين ، والوجه ، ولكن لا نعرف كنه اللفظ الوارد فيه ، ولسنا مكلّفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها ، بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنّه لا شريك له وليس كمثله شيء ، وذلك قد أثبتناه يقيناً (2).
وهذه الطائفة قد خرجت من مغبة التشبيه والتجسيم ، غير أنّهم تورّطوا في أشراك التعطيل وحبائله ، فعطّلوا العقول عن التفكّر في المعارف والأُصول كما عطّلوها عن التدبّر في الآيات والأحاديث ، فكأنّ القرآن ألغاز نزلت إلى البشر ، وليس كتاباً للتعليم والإرشاد ، قال تعالى : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] ، فإذا كان القرآن مبيّناً لكل شيء فكيف لا يكون مبيّناً لنفسه ؟! وكيف يكون المطلوب منه نفس الاعتقاد من دون فهم معناه ؟ وفي الختام نشير إلى عدّة أُمور :
1. انّ القوم يطلقون عنوان « المعطّلة » على القائلين بوحدة الذات والصفات بمعنى أنّ صفاته سبحانه عين ذاته لا شيء زائد عليه ، وأنّ الذات كلّها علم وكلّها قدرة ، وكلّها حياة ، وليست هذه الصفات أُموراً زائدة على نفس الذات.
والقوم لما لم يصلوا إلى مغزى تلك العقيدة رموا القائلين بها بالتعطيل ، أي تعطيل الذات عن الاتصاف بالصفات ، وهم برآء عن هذه التهمة ، إذ لم يعطّلوها عن الاتصاف بها ، بل نزّهوا الذات عن الاتصاف بالصفات الزائدة ، فكم فرق بين تعطيل الذات عن الصفات ، وبين تنزيهه عن الصفات الزائدة ؟ فتوصيفهم بالتعطيل ظلم واضح ، بل المعطّلة حقيقة هم الذين عطّلوا العقول عن البحث حول المعارف واكتفوا بالإيمان المجرّد الخالي عن التعمّق والتفهم.
2. انّ معطّلة السلف كانوا يحرمون النظر في المعارف بحجة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : عليكم بدين العجائز ، فإنّه الفائز. غير أنّ هذا النص لم يوجد في صحاح القوم ، ولا في مسانيدهم ، بل الصحيح ما روي أنّ « عمرو بن عبيد » لمّا أثبت منزلة بين الكفر والإيمان ، فقالت عجوزة : قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ) فلم يجعل الله من عباده إلاّ الكافر والمؤمن. فقال سفيان : عليكم بدين العجائز.
وأقصى ما يمكن أن يقال : إنَّ الرواية صدرت من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما استدلت العجوز على وجود الصانع بحركة دولابها ، وكف اليد عن تحريكها ، على ما هو معروف ، فاستدلت بحركة الأجرام السماوية على أنّ لها محركاً كما أنّ لحركة دولابها محركاً ، وأين هذا من تعطيل العقول عن المعارف ؟!
3. ثم إنّ تعطيل العقول عن البحث والمعرفة أخذ في هذه الأعصار صبغة علمية مادية بحتة بحجة أنّ مبادئها ومقدماتها ليست في متناول الباحثين ، لأنّها موضوعات وراء الحس والطبيعة ولا تعمل فيها حواس الإنسان ، فهذا هو السيد الندوي يتمسّك بهذا الوجه ويعدّ ترك البحث فضيلة ، والبحث عن المعارف القرآنية كفراناً للنعمة.
يقول : وقد كان الأنبياء (عليهم السلام) أخبروا الناس عن ذات الله وصفاته وأفعاله ، وعن بداية هذا العالم ومصيره ، وما يهجم عليه الإنسان بعد موته ، وآتاهم علم ذلك كلّه بواسطتهم عفواً بدون تعب ، وكفوهم مؤونة البحث والفحص في علوم ليس عندهم مبادئها ولا مقدماتها الّتي يبنون عليها بحثهم ليتوصلوا إلى مجهول ، لأنّ هذه العلوم وراء الحس والطبيعة ، لا تعمل فيهما حواسّهم ، ولا يؤدي إليها نظرهم ، وليست عندهم معلوماتها الأوّلية.
لكن الناس لم يشكروا هذه النعمة وأعادوا الأمر جذعاً ، وأبدوا البحث أنفاً ، وبدأوا رحلتهم في مناطق مجهولة لا يجدون فيها مرشداً ولا خرّيتاً (3).
إنّ الكاتب حسب ما توحي عبارته متأثر بالفلسفة المادية الّتي تحصر أدوات المعرفة بالحس ، ولا يقيم وزناً للعقل الّذي هو إحدى أدواتها ، وهذا من الكاتب أمر عجيب جداً ، فإنّ الله سبحانه كما دعا إلى الانتفاع بالحس ومطالعة الطبيعة وكشف قوانينها وأنظمتها دعا إلى التعقّل والتفكّر في كل ما ورد في القرآن الكريم حيث قال : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
وليست الآية ناظرة إلى التدبّر في خصوص الأنظمة السائدة على النبات والحيوان والإنسان ، بل التدبّر في مجموع ما جاء في القرآن ، فقد جاء في القرآن الكريم معارف دعي إلى التدبّر فيها ، نظير : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]. {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60]. {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8]. {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ } [الحشر: 23].
{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115].
{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الحديد: 3].
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21].
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4].
{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39].
إلى غير ذلك من المعارف العليا الواردة في القرآن الكريم ، ولا يحصل عليها الإنسان إلاّ بالتدبّر والتعقّل ، ولا تكفي في التعرّف عليها العلوم الحسّية وإن بلغت القمة.
ثم إنّ لصدر المتألّهين كلاماً حول هذه الطائفة طوينا الحديث عن ذكره ، كما أنّ للسيد العلاّمة الطباطبائي كلاماً قيماً آخر تركنا ذكره روماً للاختصار (4).
4. انّ العقيدة الأشعرية هي عقيدة حنبلية معدّلة ، وقد تصرّفت في جميع ما كان غير معقول في العقيدة الأُولى ، فلأجل ذلك حلّت محل ذلك المذهب بعد اضطرابات واشتباكات بين معدّل المذهب وأتباع العقائد الحنبلية.
وقد توفق الرجل في تعديل المذهب ، وأوّلَ منه ما يناقض العقول ، ومع ذلك كلّه أبقى من المذهب الحنبلي أُموراً على وجهها ولم يقدر على تأويلها ، وهي عبارة عن : مسألة قدم القرآن أوّلاً ، ورؤية الله سبحانه ثانياً ، والقول بالقضاء والقدر على وجه يجعل الإنسان مكتوف الأيدي ، فلو أغمضنا النظر عن هذه المسائل الثلاث ، فقد توفّق الإمام الأشعري في إصلاح العقائد الحنبلية بعد ثبوتها في نفوس الناس وانتشارها في العالم.
_______________________
(1) وفيات الأعيان : 3 / 285.
(2) الملل والنحل للشهرستاني : 1 / 92.
(3) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين : 97.
(4) لاحظ الأسفار الأربعة : 1 / 5 ; الميزان : 8 / 158.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|