أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-23
885
التاريخ: 2024-09-29
197
التاريخ: 2024-05-22
674
التاريخ: 2024-07-21
483
|
كان الملك وأعيان الأقاليم يستعينون بالكتبة للمحافظة على نظام وسلطان القانون في الدولة. وتصور بعض الألواح القديمة الكتبة يقومون بعملية الإحصاء، ويحسبون ما دخل الخزانة من ضريبة الدخل. ويستعينون بالمقاييس النيلية التي تسجل ارتفاع ماء النهر على معرفة ما سيكون عليه موسم الحصاد، فيقدرون منه إيراد الحكومة في العام المقبل، ويخصصون لكل مصلحة من المصالح ما سيكون لها من نصيب في هذا الإيراد؛ وكان عليهم فوق ذلك أن يشرفوا على شئون الصناعة والتجارة. ولقد أفلحوا من بداية التاريخ تقريباً في وضع نظام اقتصادي تشرف الدولة عليه.
وكانت القوانين المدنية والجنائية غاية في الرقي، كما كانت القوانين الملكية والميراث من أيام الأسرة الخامسة قوانين مفصلة دقيقة. وكان الناس جميعاً متساوين مساواة تامة أمام القانون كما هم متساوون أمامه في هذه الأيام- أي متى كان الطرفان المتنازعان متساوين في الموارد وفي النقود. وأقدم وثيقة قانونية في العالم كله عريضة دعوى محفوظة الآن في المتحف البريطاني تعرض على المحكمة قضية من قضايا الميراث المعقدة. وكان القضاة يطلبون أن يُترافع في القضايا، وأن يرد على حجج المترافعين، وأن يناقش أصحابها ويحاجون، على ألا يكون ذلك كله خطبا تلقى بل مذكرات مكتوبة تقدم للقضاة- وهو نظام لا يقل في شأنه عن نظام التقاضي المعقد في هذه الأيام. وكان الحانث في يمينه يعاقب بالإعدام. وكان للمصريين محاكم منظمة مختلفة الدرجات تبدأ من مجالس الحكم المحلية في المقاطعات وتنتهي بالمحاكم العليا في منف أو طيبة أو عين شمس. وكانوا يلجئون إلى التعذيب في بعض الأحيان لحمل المجرم على الاعتراف بالحق. وكان الضرب بالعصا من أنواع العقاب الشائعة، وكانوا يلجئون في بعض الأحيان إلى عقاب المذنب بجدع أنفه أو قطع يده أو لسانه، أو نفيه إلى أقاليم المناجم، أو إعدامه بالشنق أو بالمخزق، أو بقطع رأسه أو بإحراقه مصلوباً. وكان أشد ضروب العقاب هو تحنيط المعاقب حياً، أو إحاطته بطبقة من النطرون القارض تأكل جسمه أكلاً بطيئاً. وكان المجرمون من علية القوم يجنبون عار الإعدام علنا بأن يسمح لهم بقتل أنفسهم بأيديهم كما تفعل طبقة الساموراي في اليابان. ولم يُعثر على شواهد يستدل منها على وجود نظام للشرطة، وحتى الجيش العامل- وقد كان على الدوام صغير الحجم لأن في عزلة مصر وموقعها بين الصحراء والبحر ما يرد عنها المغيرين- قلما كان يستخدم لحفظ النظام في داخل البلاد.
ذلك أن الحياة والملكية، والاطمئنان إلى سلطان القانون والحكومة تكاد تعتمد كل الاعتماد على هيبة الملك، وكانت المدارس والهياكل دعامة هذه الهيبة وليس في العالم كله أمة غير مصر- إذا استثنينا الأمة الصينية- جرؤت على أن تعتمد كل هذا الاعتماد على العوامل النفسية لحفظ الأمن في البلاد.
لقد كانت الحكومة المصرية من أحسن الحكومات نظاماً، وكانت أطول حياة من أية حكومة أخرى في التاريخ. وكان الوزير على رأس الإدارة كلها، يشغل منصب رئيس الوزراء، وقاضي القضاة، ورئيس بيت المال، وكان الملجأ الأخير للمتقاضين لا يعلو عليه في هذا إلا الملك نفسه. وترى الوزير في نقش على أحد القبور يخرج من بيته في الصباح الباكر "ليستمع إلى مظالم الفقراء ويصغي " كما هو وارد في النقش " إلى ما يقول الناس في مطالبهم، لا يميز فيها بين الحقير والعظيم". وقد وصلت إلينا بردية مدهشة من عهد الإمبراطورية تحتوى كما تقول هي نفسها على صورة الخطاب الذي كان يلقيه الملك حين يعين الوزير في منصبه (ولربما كان هذا الخطاب قطعة أدبية من وضع كاتبها نفسه):
"اجعل عينك على مكتب الوزير؛ وراقب كل ما يحدث فيه. واعلم أنه هو الدعامة التي تستند إليها جميع البلاد... ليست الوزارة حلوة، بل هي مرة. واعلم أنها ليست إظهار الاحترام الشخصي للأمراء والمستشارين؛ وليست وسيلة لاتخاذ الناس أيا كانوا عبيدا. انظر، إذا جاءك مستنصف من مصر العليا أو السفلى، فاحرص على أن يجري القانون مجراه في كل شيء، وأن يتبع في كل شيء العرف السائد في بلده، وأن (يعطي كل إنسان) حقه... واعلم أن المحاباة بغيضة إلى الإله... فانظر إلى من تعرفه نظرتك إلى من لا تعرفه، وإلى المقربين إلى الملك نظرتك إلى البعيدين عن (بيته). انظر، إن الأمير الذي يفعل هذا سيبقى هنا في هذا المكان. وليكن ما يخافه الناس من الأمير أنه يعدل في حكمه. ارع القواعد المفروضة عليك".
وكان الملك نفسه هو المحكمة العليا، يستطاع رفع كل قضية إليه في أحوال معينة، إذا لم يعبأ المدعى بما يطلبه رفعها إليه من النفقات. وتمثل بعض النقوش القديمة " البيت الأعظم " الذي يجلس فيه للحكم والذي تتجمع فيه دواوين الحكومة. وقد اشتقت من اسم هذا البيت الأعظم الذي كان المصريون يطلقون عليه لفظ "بيرو" والذي ترجمه اليهود إلى فرعوه، اشتق من اسمه هذا لقب الملك نفسه. وفي هذا البيت كان الملك يضطلع بواجبة الشاق الرتيب من الأعمال التنفيذية، التي كانت في بعض الأحيان لا تقل في كثرتها وفيما تتطلبه من جهود عن أعمال شندرا جويتا{تعليق}رأس أسرة الموريا التي حكمت الهند والأفغان بعد الإسكندرية. وسيرد تاريخه مفصلاً عند الكلام على الهند. (المترجم){انتهى} أو لويس الرابع عشر أو نابليون. وكان الملك إذا سافر قابله أمراء الإقطاع عند حدود إقطاعاتهم، وساورا في ركابه، وأولموا له الولائم، وقدموا له من الهدايا ما يتناسب مع ما ينتظرونه منه. وقد جاء في أحد النقوش أن نبيلا من النبلاء أهدى أمنحوتب الثاني " عربات من الفضة والذهب وتماثيل من العاج والأبنوس، وجواهر، وأسلحة وتحفا فنية " و 680 درعاً، و 140 خنجراً من البرنز ومزهريات كثيرة من المعادن الثمينة. وجازاه الملك على هذا بأن أخذ ابنه معه ليعيش في قصره- وهي طريقة ماكرة لاتخاذه رهينة يضمن بها ولاء هذا الشريف. وكان يتألف من أكبر رجال البلاط سناً مجلس شيوخ يسمى سارو أي مجلس العظماء مهمته أن يكون مجلساً استشارياً للملك. على أن هذه الاستشارة لم تكن في الواقع ضرورية لأن الملك ومن ورائه الكهنة كان يدعى أنه من سلالة الآلهة وأن الآلهة نفسها قد وهبته السلطة والحكمة. وكان اتصاله بالآلهة على هذا النحو مصدر نفوذه وهيبته. ومن أجل هذا كانت تخلع عليه إذا خوطب صفات من الإجلال يدهش لها الإنسان أحيانا. من ذلك ما جاء في قصة سنوحى إذ يحييه مواطن صالح بقوله : "أيها الملك الطويل العمر أرجو أن تهب الواحدة الذهبية (أي الإلهة حتحور) الحياة لأنفك".
وكان يقف على خدمة الملك- كما يليق بشخص هذه عظمته- عدد كبير من مختلف الأعوان منهم القوّاد، وغاسِلو الملابس، وقُصّارها، وحراس خزائنها، وغيرهم من ذوي المراتب الرفيعة. وكان عشرون من الموظفين يشتركون في تزيينه، منهم حلّاقون لا يسمح لهم إلا بقص شعره وحلْق لحيته، وآخرون لإلباسه قلنسوته وتاج رأسه، ومدرمون يقصون أظافره ويدرمونها، ومعطرون يعطرون جسمه ويكحلون جفون عينيه، ويحمرون خديه وشفتيه بالصبغة الحمراء. وجاء في نقش على أحد القبور أن صاحب القبر كان "المشرف على صندوق دهان الشعر والوجه، المسيطر على الدهان، حامل خفي الملك، والذي يعني بخفيه العناية التي يرضاها القانون". وكان الانحلال والضعف عاقبة هذا التنعم المفرط، وكان الملك يلجأ في بعض الأحيان إلى الترويح عن نفسه وإزالة ما يعتريه من ملل وسآمة بحشد طائفة من الفتيات في قاربه الملكي وليس عليهن من الثياب إلا نوع من الشباك ذات الثقوب الواسعة. وكان الترف الذي انغمس فيه أمنحوتب الثالث هو الذي مهد السبيل لثورة إخناتون.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|