البناء القبور ممنوع وزيارتها والتبرك بها شرك وعبادة لغير الله تعالى |
508
09:03 صباحاً
التاريخ: 12-1-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-11-2016
372
التاريخ: 20-11-2016
393
التاريخ: 20-11-2016
421
التاريخ: 20-11-2016
333
|
[جواب الشبهة] :
مضت قرون عديدة على قيام المسلمين ببناء أبنية تاريخية وعادية كثيرة على قبور عظماء الإسلام، وكانوا يأتون لزيارة القبور ويتبركون بها، ولم يعترض عليهم أي شخص، وفي الواقع كان هناك إجماع وسيرة عملية على هذا العمل، ولم تشاهد مخالفة.
ذكر المؤرخون كالمسعودي في «مروج الذهب» الذي عاش في القرن الرابع الهجري، والرحالة مثل: ابن جبير وابن بطوطة اللذين عاشا في القرن السابع والثامن ذكروا مشاهداتهم لتلك الأبنية المميزة والعظيمة.
حتى ظهر ابن تيمية في القرن السابع وتلميذه محمّد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر، فزعما أنّ بناء القبور بدعة وحرام وشرك.
والوهابيون مبتلون بوسواس عجيب، خصوصاً في مسألة التوحيد والشرك; وذلك بسبب ضحالة مستواهم العلمي في تحليل المسائل. ويلجأون للمخالفة عند اضطرابهم أمام أي موضوع، من قبيل موضوع الزيارة والشفاعة وبناء القبور وغيرها، فكل هذه المسائل مخالفة للشرع في نظرهم، ويلحقونها بمسألة «الشرك» و«البدعة» ويخالفونها. وأهم هذه المسائل، البناء على قبور زعماء الدين، وفي الوقت الراهن نرى أبنية عظيمة على قبور الأنبياء السابقين وزعماء الإسلام في مختلف دول العالم الإسلامي باستثناء السعودية، حيث نجد احترام تلك الشعوب من مصر إلى الهند ومن الجزائر إلى أندونيسيا للآثار الإسلاميّة المتبقية في دولهم، ويولون قبور زعماء الدين أهميّة خاصّة.
ولكن لا نجد في السعودية أي اهتمام لهذه الآثار، والدليل على ذلك هو عدم وجود التحليل السليم للمفاهيم الإسلاميّة.
[و] وقع في القرن الماضي حدث مؤلم في بلاد الوحي، أدى إلى حرمان المسلمين من الآثار التاريخية للإسلام بشكل دائم، وحصول هذه الحادثة بسبب سيطرة الوهابية على تلك البلاد.
فقبل ثمانين سنة في عام (1344) عندما سيطرت الوهابية على الحجاز، قامت بحركة منسقة وغير واعية لتدمير جميع الآثار التاريخية للإسلام تحت ذريعة الشرك والبدعة، وتسويتها بالأرض.
ولكن لم تكن لديهم الجرأة الكافية للاعتداء على القبر الطاهر للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) تفادياً من قيام عامّة المسلمين ضدهم، وبحسب الاصطلاح استفاد «مخالفو التقية» من التقية في مقابل المسلمين.
وقد طرحتُ سؤالاً على أحد كبارهم في إحدى سنوات الحج لبيت الله الحرام أثناء حديث ودّي، عن السبب في الإبقاء على القبر الطاهر لنبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) بعد أن دمرت جميع القبور هناك; فلم يملك أي جواب على ذلك.
وعلى كل حال فحياة الأمم ترتبط بأمور عديدة، ومن هذه الأمور حفظ الآثار الثقافية والتراث العلمي والديني، ولكن وللأسف الشديد وقعت أرض الوحي وبالخصوص مكة والمدينة ـ بسبب سوء تدبير المسلمين ـ في أيدي مجموعة متخلفة وشاذة ومتعصبة فقامت بمحو جميع الآثار القيمة للثقافة الإسلاميّة بذرائع خاوية وواهية، تلك الآثار التي يحكي كل واحد منها موقفاً من المواقف التاريخية والمهمّة والمشرفة للإسلام.
ومن القبور التي دمرت قبور أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في البقيع، والظاهر أنّ هؤلاء القوم يقومون بإزالة كل أثر قيم في التاريخ الإسلامي، وبواسطة هذا الطريق يوقعون خسائر غير قابلة للتعويض بالمسلمين.
هذه الآثار تأخذ الإنسان إلى أعماق التاريخ بسبب جاذبيتها وتأثيرها العجيب عليه. فمقبرة البقيع التي كانت مشهداً رائعاً، تحكي كل زاوية منها حدثاً تاريخياً مهمّاً، تحولت اليوم إلى صحراء قاحلة وموحشة المنظر، وسط الفنادق الجميلة والبنايات الفخمة، حيث تفتح أبوابها الحديدية غير المنظمة ـ بدون أقفال ـ أمام الزوار الرجال فقط لمدّة ساعة أو ساعتين في اليوم.
الذرائع التي يقدمها الوهابيون :
الذريعة الأولى: يجب ألاّ تتخذ القبور مساجد:
تارة يقولون: إنّ البناء على القبور يؤدّي بالنتيجة إلى عبادتها والحديث النبوي شاهد على عدم جواز ذلك: «لَعنَ اللهُ اليَهودَ اتّخَذُوا قُبورَ أنْبِيَائِهِمْ مَساجِدِ» (1)، ولكن هذا الأمر واضح لجميع المسلمين، فلا يوجد أحد يقوم بعبادة قبور أولياء الله. وهناك فرق بيِّن وواضح بين «الزيارة» و«العبادة»، فكما نذهب لزيارة الأحياء ونقدم الاحترام للكبار ونطلب منهم الدعاء، نذهب لزيارة الأموات احتراماً لزعماء الدين وشهداء الإسلام، ونطلب منهم الدعاء.
فهل هناك عاقل يقول: إنّ زيارة العظماء في حياتهم بالصورة التي ذكرت تكون عبادة، وشركاً وكفراً؟ وزيارتهم بعد وفاتهم كذلك أيضاً؟
فنبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) كان يذهب لزيارة قبور البقيع، وهناك روايات كثيرة موجودة في مصادر أهل السنّة تشير إلى ذلك.
لعن الله اليهود بسبب اتخاذهم قبور الأنبياء مساجد، لكن لا يوجد أي مسلم قد اتخذ أي قبر مسجداً.
والملفت للنظر أنّ قبة مرقد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) تشق عنان السماء بجانب المسجد النبوي، وجميع الشعوب المسلمة وحتى الوهابيون يصلّون الفرائض الواجبة في خمسة أوقات في الروضة المقدّسة التي تقع بجوار المسجد النبوي والمتصلة به، ويصلُّون الصلوات المستحبة في أوقات أخرى.
فهل يعد هذا عبادة للقبور وحراماً؟ أو أنّ القبر الطاهر للنبي (صلى الله عليه وآله)مستثنى من ذلك، فهل أدلة الشرك وحرمة عبادة غير الله قابلة للاستثناء؟!
فزيارة القبور لا علاقة لها بالعبادة يقيناً، ولا يوجد أي إشكال في الصلاة بجوار قبر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقبور سائر الأولياء، والحديث المذكور ناظر إلى هؤلاء الذين يعبدون القبور واقعاً.
فالذين يعرفون زيارة الشيعة في العالم لقبور أئمتهم (عليهم السلام) يعلمون أنّهم يتوجهون للقبلة عندما يرتفع صوت المؤذن لإقامة الصلوات الواجبة جماعة، ويبدأون بالتكبير عندما يريدون الزيارة وبعد الانتهاء يصلّون ركعتين استحباباً باتجاه القبلة، حتى يتضح أن العبادة هي لله خاصة ابتداءً وانتهاءً.
ولكن للأسف ولأجل دوافع خاصة أصبح باب التهمة والكذب والافتراء مفتوحاً، حيث قامت الأقلية الوهابية باتهام جميع مخالفيها بأنواع التهم المختلفة.
وأفضل محمل على الصحة هو أن نقول: إنّهم غير قادرين على تحليل المسائل بشكل صحيح; بسبب ضحالة مستواهم العلمي، ولم يتمكنوا من إدراك حقيقة الشرك والتوحيد، ولا يعرفون الفرق بين الزيارة والعبادة بشكل دقيق.
الذريعة الثانية:
نقلوا حديثاً عن صحيح مسلم: أنّ أبا الهيّاج روى عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)هذه الرواية: «قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله، ألاّ تدع تمثالاً إلاّ طمسْته ولا قبراً مشرفاً إلاّ سوّيته»(2).
وبسبب الفهم الخاطئ لبعضهم للحديث رفعوا معاولهم ودمّروا جميع قبور عظماء الإسلام باستثناء القبر الطاهر للنبي (صلى الله عليه وآله) وقبر الخليفة الأول والثاني الموجودين بجوار قبر النبي (صلى الله عليه وآله) حيث تركوها على حالها، ولا يوجد أي دليل على هذا الاستثناء.
ولكن يرد على هذا الحديث أمور: أولاً: إنّ في سند هذا الحديث أشخاصاً غير موثقين من قبل رجال أهل السنّة، وبعضهم كان من أهل التدليس وبالخصوص «سفيان الثوري» و«ابن أبي ثابت».
ثانياً: وعلى فرض كون الحديث صحيحاً، فإنّ معناه أن يكون القبر مسطحاً (على شكل ظهر السمكة كما كان الكفّار يعملون ذلك)، وهناك الكثير من فقهاء أهل السنّة أفتوا بوجوب كون القبر مسطحاً، ولا علاقة لهذا الأمر بما نحن فيه.
ثالثاً: على فرض كون معنى الحديث أنّه يجب أن يكون القبر على مستوى سطح الأرض لا بروز فيه. وهذا الموضوع لا علاقة له بالبناء على القبور، لنفرض أنّ هناك حجراً على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) يوازي سطح الأرض، وفي الوقت نفسه توجد قبة فوق ضريحه ـ كما نراها اليوم ـ فلا منافاة مع الحكم المذكور.
كما أننا نقرأ في القرآن المجيد أيضاً عندما انكشف سر الكهف، فقال الناس لنبني على قبورهم، وبعدها قالوا: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا)( الكهف، الآية 21).
فالقرآن المجيد ذكر القصّة ولم يعترض عليهم، وهذا يعني أنّه لا مانع من بناء المسجد بجوار قبور العظماء.
[و] إذا استطعنا أن نرشد الناس بشكل مناسب ليتجنبوا أي إفراط أو تفريط، وأن يذكروا الله سبحانه وتعالى بجوار هذه القبور الطاهرة، ويتوبوا إلى الله، وأن يستلهموا الدروس والأفكار من أولياء الله، فيقيناً ستكون هذه المراقد المطهرة الموجودة مركزاً للتربية والتعليم والتوبة والإنابة إلى الله وتهذيب النفوس.
ولقد علمتنا التجارب أنّ الملايين من الأشخاص الذين يأتون لزيارة القبور الطاهرة لأئمّة الدين أو لقبور شهداء طريق الحق يرجعون إلى ديارهم بروحية عالية، وبنفوس أكثر صفاءً ونورانيةً، وبقلوب أكثر طهارةً، وهذه الآثار تبقى فيهم لمدّة طويلة.
وفي الوقت الذي يطلب فيه هؤلاء الشفاعة منهم عند الحضرة الإلهيّة لغفران الذنوب وحلّ مشاكلهم الدينية والدنيوية، لابدّ أن يقيموا علاقة معنوية مع أولياء الله، حتى يبتعدوا عن المعاصي قدر الإمكان، والتوجه لفعل الخير.
إضافة إلى أنّ توجههم لأولياء الله والتوسل بهم وطلب الشفاعة منهم عند الله يرفع من معنوياتهم وقدرتهم على مواجهة المشاكل التي يتعرضون لها، ويمنع حصول حالات اليأس والقنوط، ويقلل من آلامهم الروحية والجسدية، وهناك آثار وبركات أخرى كثيرة.
فلماذا نحرم هؤلاء الناس من كل هذه البركات المعنوية والروحية والجسدية بسبب الفهم الخاطئ لمسألة الزيارة والشفاعة والتوسل؟
أي عقل يجيز هذا الأمر؟
إنّ التصدي لهذه المائدة المعنوية يؤدّي إلى خسارة عظيمة، إضافة إلى أنّ الوسواس غير الطبيعي في مسألة التوحيد والشرك يؤدّي إلى حرمان مجموعة كبيرة من هذه البركات.
الذريعة الثالثة: التبرك:
الذريعة الأخرى هي أنّ الذين يذهبون لزيارة قبور العظماء يذهبون طلباً للتبرك وتقبيل الأضرحة، وهذا العمل فيه شائبة الشرك، ولهذا يرى زوار بيت الله الحرام جنوداً غلاظاً وأشداء يقفون حول القبر الطاهر للنبي (صلى الله عليه وآله) يمنعون الناس من الاقتراب منه، والبعض ينسب هذا الأمر إلى «ابن تيمية» و «محمّد بن عبد الوهاب».
ويقيناً إنّ هذين الشخصين المؤسسين للمذهب الوهابي لو كانا في عصر نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) ورأيا بعيونهما حوادث صلح الحديبية أو فتح مكة عندما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يتوضأ فينطلق أصحابه وأتباعه يتسابقون للفوز بقطرات من ماء وضوئه حتى لا تسقط أي قطرة على الأرض (3)، لقالا في سرهما إنّ هذا لا يتناسب مع شأن النبي (صلى الله عليه وآله) وإن فيه شائبة الشرك، إن لم يتمكنا من التصريح بذلك.
وكذلك لو كانا في المدينة بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) ورأيا بعيونهما كيف وضع أبو أيوب الأنصاري المضيّف الأول لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وجهه على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) طلباً للتبرك (4).
أو ما فعله بلال مؤذّن رسول الله(صلى الله عليه وآله) حيث جلس بجوار قبره (صلى الله عليه وآله) يرفع صوته بالبكاء ويعفر وجهه بترابه (5)، لقاما بأخذ بلال وأبي أيوب من تلابيبهما وقذفاً بهما جانباً; لأنّ هذا العمل شرك عندهما، كما يفعل أتباع هذا المذهب اليوم مع زوّار قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
في الوقت الذي لا يوجد أقل علاقة بين طلب التبرك والعبادة، بل التبرك هو نوع من الاحترام مع أدب، على أمل أن ينزل الله سبحانه وتعالى على زوّار رسوله (صلى الله عليه وآله) بركاته لأجل هذا الاحترام.
[و] يجب على جميع العلماء الأعلام ومفكري الإسلام التصدي للأعمال التي تصدر من بعض العوام غير المناسبة بجوار قبر النبي (صلى الله عليه وآله) أو أئمّة البقيع وسائر الأئمّة المعصومين وقبور الشهداء وعظماء الإسلام، وتعليمهم المفهوم الواقعي للزيارة والتوسل والتبرك وطلب الشفاعة، حتى لا يتخذها المخالفون ذريعة.
قولوا للناس: إنّ كل الأمور هي بيد الله سبحانه، وهو مسبب الأسباب وقاضي الحاجات وكاشف الكربات وكافي المهمات، وإذا توسلتم بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) فيستجيب الله تعالى بهم ويشفعون عنده; لأجل مكانتهم المقدّسة وذواتهم الطاهرة وتُقضى حاجاتكم لكرامتهم عنده تعالى.
إنّ سجود بعض العوام أمام القبور المقدسة، وإطلاق بعض العبارات التي بها شائبة التأليه لهم، وربط العقد على أضرحتهم وأمثالها أعمال غير صحيحة، وتخلق المشاكل، وتشوه تلك الصورة الجميلة والبنّاءة للزيارة، لتصبح ذريعة لهذا وذاك لحرمان النّاس من بركات الزيارة.
_________________
1. صحيح البخاري، ج 1، ص 110. وجاء في صحيح مسلم، ج2، ص 67. أيضاً بإضافة «النصارى».
2. صحيح مسلم، ج 3، ص 61. ونقل في مصادر أخرى لأهل السنّة. منها: مسند أبي يعلى، ج 1، ص 455، دار المأمون للتراث.
3. وهذا الأمر وقع وتكرر عدّة مرات طوال حياة النبي(صلى الله عليه وآله)، راجع صحيح مسلم، ج 4، ح1943; وكنز العمال، ج 16، ص 249 .
4. مستدرك الصحيحين، ج 4، ص 560 .
5. تاريخ ابن عساكر، ج 7، ص 137 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|