أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-11
726
التاريخ: 2024-10-14
292
التاريخ: 2023-06-27
1276
التاريخ: 2023-07-05
1164
|
1- التسمية :
أطلق على مصر في العصور القديمة عدة تسميات ، منها مـا حمل السمه الأقتصادية كلفظه (كمي) التي شاع استعمالها في اللغة المصرية القديمة في أواخر عهد الدولة المصرية القديمة (2280 – 2052 ق.م) ،وتعني الأرض المثمرة أو السوداء لتمييزها عن الأراضي الصحراوية المجدبة ( دشرت ) ، أو ما يعرف بالأرض الحمراء التي كانت تحيط بهـــا من الشرق والغرب، وكذلك لفظه ( تامرا ) ومعناها أرض الفأس أو الفلاحة(1) .
ومن التسميات ما يدل على السمه الطبوغرافية كلفظه (خنو) أي الأرض الداخلة أو الوجه القبلي، ومنها ما حمل سمة دينيه كلفظة (حور أديو) و(سبات حور) وتعني الأولى شواطئ الإله حور، أما الثانية فيقصد بها مقاطعات الإله حور ، ثم شاعت لفظه (أخت) أي الأرض الطيبة التي تنقسم إلى أرض الشمال ( تامحيت ) وأرض الجنوب ( تاشمع )(2) .
وفي العصر الهلنيستي ، عرفت مصر باسم (ايجيبتوس) نسبة إلى بلدة Coptos (قفط في الوقت الحاضر) الواقعة في جنوب مصر ، أو نسبة إلى كلمه ( حاكابتاح ) ،وهي أسم بلدة منف القديمه (ميت رهينه والبدرشين حالياً) الواقعة في شمال مصر(3).
كما ذكرت مصر في الكتب المقدسة، فقد أسمتها التوراة (مصرايم)(4)، في حين ذكرت في القرآن الكريم بلفظة مصـر(5)، والأخيرة ليسـت بلفظه مصريه بل هـي آشورية الأصل(6)، وتعني فـي اللغة العربية الصقع أو القطر أو المدينة(7).
2- حدود مصر القديمة وتقسيماتها الطبيعية:
وتشمل حدود مصر القديمه المنطقه الممتدة من الدلتا إلى الشلال الأول عند الألفنتين (أسوان حالياً) ، أي أنها تقتصر على منطقة وادي النيل الأدنى(8)، وهي ذلك الشريط الضيق من الأراضي الزراعية التي كونها نهر النيل ورواها بمائه ، أما خارج وادي النيل فلم يكن لمصر حدود ثابتة خلال تأريخها الطويل(9)، ففي عهد الدولة المصرية الحديثة (1570- 1080 ق.م) امتدت حدودها لتبلغ الشلال الرابع(10) .
ولكن المصريون القدماء لم ينظروا إلى الأراضي التي تقع خارج وادي النيل كجزء من بلادهم ، حيث اعتبروا أن الأراضي التي تقع جنوب الشلال الأول أراضي أجنبية ،لاعتقادهم أن النيل ـ منبع الحياة عندهم ـ كان يستمد ماءه من صخور الشلال الأول عند ألفنتين(11) .
قسمت الطبيعة بلاد النيل إلى وادي ودلتا ،أو ما يعرف بمصر العليا ومصر السفلى ، وهـذا مالم يغب عـن أذهان المصريون القدمـاء الذين أطلقوا على بلادهم أسم (تاوي) أي الأرضين ، ولكنهم أدركوا في الوقت ذاته استحالة انفصالها ، فالوادي يرتبط بالدلتا بواسطه نهر النيل ، ولذلك تشابهت الحياة البشرية والاقتصادية في كل من الأرضيين منذ أقدم العصور(12)، كما أن ملوك مصر القدماء لقبوا أنفسهم بلقب (ملك مصر العليا والسفلى) طوال العصور الفرعونية(13) .
ضم شقا مصر الكثير من الأقاليم أو المقاطعات (سبات في المصرية القديمة) قدرت عشيه توحيد البلاد سنه (3200 ق.م) باثنين وأربعين مقاطعه ، منها اثنان وعشرون في مصر العليا، وعشرون في مصر السفلى(14)، وكان لكل مقاطعة من هذه المقاطعات حاكم يدير شؤونها ويتبع مركزياً للفرعون مباشرة، كما كان لها شارتها التي تميزها عن غيرها من المقاطعات(15)، وأعتبر المصريون القدماء الفنتين التي تقع جنوب البلاد أولى المقاطعات المصرية ، ربما لأنهم كانوا يولون وجوههم صوب الجنوب إذا أرادوا التعرف على الجهات الأصلية ، أو لأن نهر النيل كان ينبع من الجنوب(16) .
وتحيط الصحاري الجافه بالوادي والدلتا من الشرق (الصحراء الشرقية) والغرب (الصحراء الغربية) والشمال (شبه جزيره سيناء) ،وهي القسم الثالث المكون لمعالم مصر الجغرافية ، وسنحاول في الصفحات القادمة التركيز على الجوانب البارزة في جغرافية هذه الأقسام الثلاثة ، ثم نتطرق للحديث عن أهمية موقع مصر والطرق التي ربطته‘ بالعالم الخارجي ، لا سيما مع بلاد الشام ، وكالآتي :-
أ – وادي النيل ( مصر العليا ) :
ويدعى حاليا الصعيد أو الوجه القبلي ،وهو عبارة عن شريط ضيق من الأراضي الزراعية المنتشرة على جانبي النهر ، يبلغ طوله حوالي (900 كم) ، بينما يتراوح عرضه من (10 –30 ميلا) ، ويمتد من الشلال الأول عند الفنتين في الجنوب إلى رأس الدلتا بالقرب من منف في الشمال(17)، وتحيط به الصحاري المرتفعة من الشرق والغرب(18) .
وعلى الرغم من أن تلك الهضاب تمثل جداراً طبيعياً عازلاً ، ألا أنه كان ينحدر منها العديد من الممرات الطبيعية التي كانت تغذي نهر النيل بمجاري السيول والأنهار في العصور الجليدية الممطرة ، ثم استخدمت هذه الممرات في عهد الفراعنة طرقاً للتجارة ربطت مصر بعالم البحر الأحمر من جهة ، وبليبيا من جهة أخرى(19) .
وقد كان الوادي ودلتاه عبارة عن خلجان بحرية كبيرة في العصور القديمة غير صالحة للسكن ، ولكن الرواسب الخشنة التي كانت تحملها الأمطار آنذاك من الصحاري المحيطة بها بالإضافة إلى الرواسب التي جلبها نهر النيل من منابعه في البحيرات الاستوائية وروافده الحبشية وخاصة من عطبرة ، أدت إلى تحويل هذه الخلجان البحرية بمرور الوقت إلى مناطق يابسة وخصبه تساعد على السكن والاستقرار(20) .
ولذلك فقد أخذ السكان يهجرون الصحاري ليستقروا في الوادي وتربته الفيضية بالقرب من موارد المياه منذ الألف الخامس قبل الميلاد تقريباً ، ولاسيما بعد أن أخذت فرص العيش تقل تدريجياً في الصـحراء عقب انتهاء العصـور المطيرة في حدود سنة (5500 ق.م) ، ورافق ذلك انصراف المصريين القدماء إلى استنبات النبات في تربة الوادي بدلا من جمعه وإلى تدجين الحيوان عوضا عن صيده ، فنشأت القرى الزراعية على ضفاف النيل ، ثم تحولت بمرور الوقت إلى وحدات كبيرة بفعل المشاكل الجادة التي واجهت الساكنين فيها وأبرزها خطر الفيضان السنوي(21) الذي كان يتطلب تظافر جهود الجميع لدرئه والحد من آثاره ، وذلك ببناء القرى على المناطق المرتفعة عن مياه الفيضان وتقوية السدود وغيرها من الإجراءات اللازمة الأخرى ، أضف لـذلك أن الزراعة فـي مصر كانت تعتمد على الري الحوضي، مما يتطلب تظافر جهود الجميع لمعالجة هذه المسألة أيضاً ، وهكذا أخذت القرى الصغيرة في الاتحاد حتى تكونت الولايات الكبيرة التي أصبح لها كيانها المستقل، ثم اندمجت الأخيرة في مملكتين إحداهما في مصر العليا والأخرى في مصر السفلى ، تلا ذلك توحيد البلاد في ظل دولة القطر الواحد سنة (3200 ق.م)(22) .
ولم تقتصر أهمية نهر النيل على تكوين تربة الوادي الخصبة واجتذاب الناس للسكن حوله، وما ترتب على ذلك من قيام المجتمعات المتحضرة في البلاد ،بل لولاه لأصبحت مصر كلها صحراء وما أمكن العيش فيها إطلاقاً ، لأنه بعد حلول الجفاف وانعدام الأمطار في مطلع العصر الحجري الحديث أصبح النيل مصدر المياه الرئيسي في مصر عليه أعتمد سكانها القدماء في مأكلهم ومشربهم وسقي أراضيهم الزراعية وكل ما له علاقة بحياتهم اليومية(23) .
كما ساعد النيل على ربط شطري البلاد ببعضها البعض وسهولة الاتصال بينهما ،وذلك بواسـطة السـفن والقوارب النهرية التي كانت تجوب مياهه حاملة علـى متنها المسافرين الذين كانوا لا يجدون صعوبة في التنقل بين شطري البلاد، لأن المسافر حينما يبحر نحو الشمال يساعده تيار النهر في رحلته وتبقى السفن أشرعتها مخفوضة ، أما إذا كان السفر إلـى الجنوب فأن السفن الملاحية كانت ترفع أشرعتها عاليا لتساعدها الرياح الشمالية السائدة في القطر معظم العام أثناء رحلتها(24).
كذلك كان لمجرى النيل وفيضانه السنوي ابلغ الأثر في عقائد المصريين القدماء وفي عاداتهم وتقاليدهم(25)، فقد جعلوا منه ألهاً وعبدوه بهيئة إنسان وأطلقوا عليه اسم (حابي) كما أسموه (أترعا) أي المجرى العظيم(26).
ونظرا لما تقدم فلا غرابة أن نجد المؤرخ (هيرودوت) عندما يتحدث عن مصر يقول إنها هبة النيل(27).
هذا وأشتهر من مدن الوادي القديمة ، مدينة طيبة الواقعة على الضفة الشرقية للنيل بالقرب من الأقصر ، وكانت عاصمة للدولتين المصريتين الوسطى (2052-1778 ق.م) والحديثة ، وقد عثر فيها على الكثير من الآثار أهمها معبدا الأقصر والكرنك ، ووادي الملوك ووادي الملكات وتمثالان لأشهر الهة مصر القديمة (أمون) ، وهناك أيضا مدينة أخيتاتون (تل العمارنة حالياً) الواقعة شرق النيل بأسيوط ، وقد بناها الفرعون أخناتون (1367-1350 ق.م) ونقل إليها العاصمة من طيبة في أوائل حكمة (28) .
ب – الدلتا ( مصر السفلى ):
تمتد الدلتا من مدينة منف حتى سواحل البحر المتوسط ، وأثناء امتدادها نحو البحر تنحدر انحداراً تدريجياً حتى إذا لاقته أصبحت في مستواه تقريبا ، أو أقل منه كما هو الحال في بعض الأراضي الشمالية(29)، وقد أسماها المصريون القدماء مصر السفلى ( تامحيت ) في حين أسماها اليونان (الدلتا) لمشابهتها أحد أحرف هجائهم المثلث الشكل ( دلتا)(30).
ومع إن الدلتا تعد مكملة لمصر العليا ، إلا أن معالمها الطبيعية مختلفة عنها تماما ، مما يوحي للناظر بأن هناك منطقة جغرافية أخرى قد بدأت حدودها بالقرب من منف ، فأراضي الدلتا تمتاز مقارنة بالوادي باتساعها وشدة استوائها ،لأن النيل يبدأ بالانفراج بالقرب من منف، ثم يتفرع في الصحراء الشرقية على شكل مثلث قاعدته في الشمال(31)، ويبلغ عرض الدلتا حوالي مائتي ميل ، بينما يصل طولها إلى المئة ميل(32) ، كما إنها تمتاز بخلوها من التلال من على جانبيها(33)، ويتأثر مناخها بالبحر المتوسط ، مما يجعلها ألطف مناخاً من مصر العليا وتسقط فيها الأمطار شتاءً(34) . كانت الدلتا فـي الماضي السحيق عبارة عـن خليج من خلجان البحر المتوسط ولا تصلح للسكن إطلاقاً ، ولكن بمرور الوقت أخذت تمتلئ تدريجياً بأرسابات نهر النيل حتى تحولت في أواخر العصر الحجري الحديث إلى أرض خصبة تصلح للزراعة والسكن ، لا بل أنها أصبحت من أخصب بقاع العالم آنذاك واحتوت مستنقعاتها وبحارها المائية الكثير من الأسماك والطيور المائية ، لذا بدأ السكان آنذاك يتدفقون بأعداد كبيرة على أراضيها الخصبة يساعدهم في ذلك استواء هذه الأراضي وانبساطها ، وقد شكل هذا العامل مصدر قلق كبيرا للفراعنة إزاء الغزاة والوافدين الأجانب الذين كانوا يتدفقون على الدلتا عبر البحر الأحمر ، أو براً من جهة بلاد الشام لاسيما في فترات الضعف السياسي(35).
الجدير بالذكر أن الدلتا كانت تروى في العصور القديمة من فروع النيل السبعة التي تصب في البحر المتوسط ،غير أنه لم يبق منها الآن إلا فرعا دمياط (تانتي) في الشرق ، ورشيد (طانوبي) في الغرب(36).
واشتهر من مدن الدلتا القديمة مدينة منف التي أنشأها الفرعون (مينا) جاعلاً منها قاعدة عسكرية مهمة يعتمد عليها في فرض سيطرته على مدن الدلتا الأخرى ، وقد نقلت إليها العاصمة في عهد الأسرة المصرية الثالثة (2780-2680ق.م) ، وكذلك مدينة هليوبوليس (عين شمس حالياً) التي تبوأت المكانة العظمى في عهد الدولة المصرية الوسطى ، بالإضافة إلى مدينة أفاريس (صان الحجر حالياً) التي اتخذها الهكسوس(37) عاصمة لهم بعد احتلالهم لمصر أواخر القرن الثامن عشر قبل الميلاد ، ثم أهملت فترة طويلة من الزمن بعد خروج الهكسوس من مصر في مطلع القرن السادس عشر قبل الميلاد ، حتى أعيد تجديدها وبناؤها في عهد الفرعون رعمسيس الثاني (1290 – 1223 ق.م) الذي اتخذها حاضرة لبلاده واسماها (بررعمسيس )(38).
وتجدر الأشاره أنه في عهد الدولة المصرية الحديثة أخذت مصر العليا تعرف بـ(أرض الجنوب) في حين أطلق على مصر السفلى (أرض الشمال) ، وقد ضم الجنوب المناطق الواقعة بين الألفنتين وأسيوط في الشمال ، أما المناطق الواقعة شمال أسيوط فقد دخلت تحت الحدود الإدارية لأرض الشمال(39).
ج ـ الصحاري :
قبل أن يتحول الأنسان المصري القديم إلى السكن في وادي النيل والدلتا مطلع العصر الحجري الحديث ، كان يعيش في الصحاري المحيطة بهما (الصحراء الشرقية ، الصحراء الغربية ، شبه جزيرة سيناء) طوال العصر الحجري القديم ـ الذي يقدره العلماء بنصف مليون سنه ـ حيث كان الوادي والدلتا أنذك مغمورين بالمياه ، بينما كانت هذه الصحاري ملائمه للسكن بسبب كثرة تساقط الأمطار(40) .
وحتى عندما هجرها المصريون القدماء للعيش في الوادي والدلتا ، فأنها لم تفقد أهميتها بالنسبة لهم(41)، أذ أنها كانت أيضاً غنيه بثرواتها الطبيعية ، كالمعادن من الذهب والفضة والنحاس، بالأضافة إلى الأحجار، لذا فقد شرع الفراعنة باستقلالها منذ بدايات عصر الأسرات ، مما أسهم إسهاما فاعلاً في أزدهار المجتمع المصري وبناء حضارته الإنسانية(42) .
تحد الصحراء الشرقية الوادي والدلتا من جهة الشرق ، وهي عبارة عن هضبة مرتفعة تمتد بين النيل غربا والبحر الأحمر شرقا وأراضي شرق السودان جنوبا والدلتا شمالاً(43)، وتطل بسلسلة من الجبال العالية على البحر الأحمر، التي تنحدر انحدارا تدريجيا نحو وادي النيل غربا ، وقد كان لهذه الظاهرة من ظاهرات السطح أثرها في الناحية المناخية ، فمن المعروف أن مصدر الرطوبة في شمال أفريقيا هو المحيط الأطلسي والرياح الغربية القادمة منه ، وهذا يعني أن هذه الرياح تجتاز الصحراء الشرقية بدون عقبات تذكر حتى تصطدم بجال البحر الأحمر ، مما كان يتسبب في سقوط أمطار غزيرة في هذه الجهات إبان العصور المطيرة ، أدى آنذاك إلى جريان الوديان الكثيرة نحو وادي النيل ، وقد كانت هذه الوديان من الكثرة بحيث يمكن القول أن الحياة في العصور الممطرة كانت منتشرة في الصحراء الشرقية(44) .
ولكن لما انتهت هذه العصور وابتدأ عصر الجفاف ، جفت الوديان في الهضبة الشرقية ، فلم تعد الأخيرة ملائمة للسكن اطلاقا وغاية ما مارس الإنسان من نشاط فيها منذ ذلك الوقت اقتصر على أعمال التنقيب عن ثروتها المعدنية(45) .
أما الصحراء الغربية فتعد جزء من الصحراء الأفريقية الكبرى، وتقع غرب وادي النيل لا يفصلها عنه سوى تلال جرداء، كان المصريون القدماء ينحتون في صخورها قبور موتاهم(46)، وهي تمتد من وادي النيل في الشرق حتى الحدود المصريه ـ الليبيه في الغرب ومن البحر المتوسط شمالاً حتى حدود مصر الجنوبية(47) .
ومثل سابقتها الصحراء الشرقية، فأن هذه الصحراء هضبه أيضاً ولكنها أقل ارتفاعا من سابقتها ، وتمتاز عنها باحتوائها على عدد كبير من المنخفضات والكثبان الرملية مما ساعد على بقاء السكان فيها بشكل جزئي حتى بعد انتهاء العصور المطرية ، ذلك أن الكثبان تعد بمثابة خزانات لمياه الأمطار التي تتسرب منها إلى المنخفضات المنتشرة في الصحراء الغربية، والتي تقع تحت مستوى وادي النيل وفي منطقه أحجار رمليه مساميه ، مما يساعد أيضاً على تسرب مياه النيل أنسياباً باطنياً إلى هذه المنخفضات ومعنى هذا أن وجود المنخفضات في الصحراء الغربية جعل هناك مصدر مائي دائم ومضمون يساعد الأنسان على الحياة فيها(48)، على عكس الصحراء الشرقية التي لم تعد ملائمه للسكن بعد انتهاء هذه العصور كما رأينا .
ولا يعلم على وجه التحديد الطريقة التي تتكون بها هذه المنخفضات، هل كان بفعل عامل التعرية الهوائية ، أم بسبب التعرية المائية(49) ، وأعظمها منخفض الفيوم الذي يعد أجمل واحه في الصحراء الغربية وذو قيمه أقتصادية مميزه ، وقبل عصر الأسرات الحاكمة في مصر كان أقليم الفيوم أشبه ببحيره عظيمه جراء فيضان النيل الذي يغمره ، وقد عمل فراعنة الأسرة الثامنة عشره على تجفيف المستنقعات واستصلاح الأراضي في الفيوم وأنشأوا لذلك سدوداً لتخزين مياه الفيضان ، لذلك أصبح أقليم الفيوم أعظم الأقاليم عمرانياً وسياسياً(50) .
وتقع شبه جزيرة سيناء شمال شرقي مصر ، وهي هضبه مثلثة الشكل قاعدتها في الشمال تطل على البحر المتوسط ورأسها في الجنوب ، ويحيط بها من الشرق والغرب خليجا العقبة والسويس(51).
وتتكون من ثلاثة أقسام ، أولها الجنوبي وهي منطقه وعره شديدة الصلابة وتكثر فيها الأودية ، والأخر أوسط ويقع شمالي المنطقه الجنوبية ويعرف بهضبة التيه، التي تحتل ثلثي مساحه سيناء وتنحدر تدريجياً نحو البحر المتوسط ، والقسم الثالث شمالي وينحصر بين هضبة التيه جنوباً والبحر المتوسط شمالاً، وهو عباره عن سهل ساحلي رملي يمتد بموازاة ساحل البحر المتوسط وتتخلله الكثبان الرملية المبعثرة التي يتراوح ارتفاعها بين (80-100م) وتحجز في باطنها بعض مياه الامطار التي تسقط شتاءً بفعل الأعاصير ، ولذا تكثر في هذه المنطقه الأبار ، مما ساعد في تكوين مورد هام للحياة فيها(52) .
3 – موقع مصر وارتباطه بالعالم الخارجي:
تتمتع مصر بموقع استراتيجي حقق لها الكثير من المزايا والفوائد ، فموقعها جعلها أقليما شبه مقفول يصعب اجتياحه بالقوة ، فمن جهتي الشرق والغرب تحيطها الصحاري المرتفعة التي تشكل موانع حاجزة تقيها وطأة الأخطار الخارجية ، ويحدها من الشمال البحر المتوسط الذي يصعب عبوره ألا بواسطة السفن الكبيرة ، كما توجد إلـى جهة الشمال أيضاً صحراء سيناء التي كانت تحجز مصر نوعا ما عن الاتصال ببلاد الشام ، ومن الجنوب تحدها الشلالات النوبية التي يتعذر الملاحة فيها لضيقها جنوبي الشلال الأول بحيث تستطيع أية حكومة مصرية حتى إن كانت ضعيفة أن تصد أي خطر تتعرض له البلاد من هذا الجانب(53) .
كما كان لهذه الظروف الطبيعية ، بالأضافة إلى خيرات مصر وخصب أراضيها ، تأثيراتها الفعلية على عقائد المصريين القدماء ونظرتهم المترفعة تجاه الأخرين ، ذلك أن العيش في الوادي الخصب الذي تحيط به الصحاري القاحلة ، التي عزلت مصر إلى حد ما عن الاتصال بالعالم الخارجي، ولدت لدى المصري القديم شعوراً بالسمو عن باقي البشر فكلمه (رمثو) الفرعونية وتعني (الناس) كان يقصد بها المصريون دون سواهم من البشر ، أما من كان يعيش خارج مصر فلا يكتسب هذه الصفة ألا إذا أنتقل إلى العيش فيها ، لأنهم اعتبروا مصر هي الأصل ومركز العالم وأن الأرض كنايه عن أرض مصر ( تا ) ، أما الأراضي خارج الحدود المصرية (خاست) فهي أما جبال أو صحاري أو أراضي أجنبية ، وعدوا الأخيرة أماكن رديئة لا تصلح للعيش ، فساكنها شخص بائس وقليل الشأن (( أن بلاد الأسيوي التي يعيش فيها رديئة تعوقها المياه والأشجار والجبال … فلا تعبأ له … أنه أسيوي بائس ))(54) .
فضلاً عن هذا اعتبر المصريون القدماء كل ما هـو مألوف فـي مصر فهو المألوف وكل مـا هـو غير مألوف فهو الشـاذ، وهكذا عندما رأى الفرعون تحتمس الأول (1525-1500 ق.م) عقب اجتياحه لبلاد الشام أن نهر الفرات يجري من الشمال إلى الجنوب على عكس تيار النيل ، أعتبره أمراً غريباً وشاذاً فأسماه بالنهر المقلوب ((ذي المياه المعكوسة))(55).
ذلك لا يعني أن مصر كانت معزولة عن العالم الخارجي تماماً، أو أنها لم تتلق أية مؤثرات خارجية طوال العصور الفرعونية، بل أتصلت بالعالم المجاور والبعيد بواسطة مداخل وثغور تقع على طول حدودها من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال ، فعبر وديان الصحراء الشرقية ولا سيما وادي الحمامات أتصلت مصر بالبحر الأحمر الذي أستخدمه الفراعنة للاتصال ببلاد بونت(56)، وأمم الشرق الأقصى ، حيث أقاموا معها علاقات تجاريه متميزة منذ عصور مبكرة ، كذلك ارتبطت مصر بالبحر الأحمر بواسطة القناة القديمه التي ربطت الأخير بنهر النيل عبر وادي طميلات وبحيرات التمساح والمره التي كانت متصلة بخليج السويس خلال فتره طويله من التاريخ، وقد حفرت هذه القناة في عهد الفرعون سنوسرت الثاني سنه(1900 ق.م)، ثم جدد حفرها مراراً غير أنها كانت تترك بين المرة والأخرى لتردمها الرمال ويملأها طمى النيل ، لذا فأن أهمية منافستها للطرق التي كانت تعبر الصحراء الشرقية إلى ثنية قنا لم تكن ألا لمدة محدودة(57).
وعبر الصحراء الشرقية أيضاً اتصلت مصر مع بلاد الشام(58)، كما أنها أتصلت بشبه الجزيرة العربية عبر الطريق التجاري الذي يبدأ من الدلتا ويمر بالسويس وينتهي بشمال الحجاز(59).
ويشكل شمال سيناء المدخل الشمالي الشرقي لمصر ، وهو عباره عن سهل ساحلي يمتاز بوفرة مياهه الباطنية وكثرة أباره، لذا فقد سلكه التجار والمهاجرون والغزاة على حد سواء، حيث خرجت عبره الغزوات والمؤثرات الحضارية المصريه إلى بلاد الشام ، ومنها إلى بقيه أنحاء الشرق الأدنى القديم ولا سيما في عهد الإمبراطورية المصريه ، كما خرج بنو أسرائيل من الطريق ذاته ، فيما دخل إلى مصر من بلاد الشام عبر هذا الممر الصحراوي الكثير من المهاجرين منذ الألف الرابع قبل الميلاد تقريباً تجذبهم جنان الوادي وخصب أرضه ، وقد نجح جزء كبير منهم فـي أحداث تغيرات جذريه على الساحة السياسية المصرية كما فعل الهكسوس على سبيل المثال في أواسط القرن الثامن عشر قبل الميلاد(60).
ومن أهم الطرق التي ربطت مصر مع بلاد الشام عبر سيناء ما يعرف بالطريق الدولي العظيم الذي تقدم وصفه(61)، كما أتصلت مصر مع بلاد الشام وجزيرة كريت بواسطة الطريق البحري الذي يعد أكثر أماناً وأقل كلفه من الطرق البريه ، حيث أن معظم التبادل التجاري بين هذه البلدان قد تم عبر البحـر المتوسـط ، وذلك منذ منتصف الألف الرابـع قبل الميلاد على أقل تقدير(62) .
ومن الغرب يخترق الصحراء الغربية مسلكان طبيعيان يربطان مصر بالأراضي الليبية ، يمتد الأول منهما خلف الساحل المنخفض ويعرف بالطريق الساحلي ، أما الأخر فهو داخلي ويعرف بطريق الواحات(63)، وقد شكل الطريق الثاني المنفذ الحقيقي لتدفق القبائل الليبية الرعوية سلماً أو حرباً إلى مصر عبر الواحات الغربية منذ عهد الفرعون مينا(64) .
أما في الجنوب فقد أتصلت مصر مع بلاد النوبة عبر ثلاثة طرق، أثنين منهما بواسطة الصحراء، أما الثالث فيمر عن طريق نهر النيل على الرغم من صعوبة الملاحة فيه جنوبي الفنتين، وقد ساعدت هذه الطرق على قيام النشاط التجاري بين البلدين وانتقال المؤثرات الحضارية المصرية إلى النوبة، كما أدت إلى تغلغل النفوذ السياسي المصري لأرض النوبة بواسطة القوه العسكرية أبتداءً من عهد الدوله المصريه الحديثة(65) .
وعبر النيل أيضاً أتصلت مصر بأرض الحبشة وهاجر الكثير من الأحباش إلى مصر وأستقروا فيها ، ولا سيما أن أهم روافد النيل كانت تأتي من الحبشة(66).
____________
(1) Hallo , W.W, and Simpson , W. K , The Ancient Near East A History , New York , 1971 , P.188 .
(2) حسن، سليم ، أقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني ، القاهرة ، 1944 ، صص6-7 .
(3) وهيبه ، عبد الفتاح محمد ، دراسات في جغرافية مصر التأريخية ، بيروت ، ب . ت ، ص15 .
(4) الكتاب المقدس، سفر التكوين، 10: 7.
(5) ورد ذكر مصر في القرآن الكريم خمس مرات ، ينظر :- سورة البقرة ، آية (61) ، سورة الزخرف ، آية (51) ، سورة يوسف ، آية (21،99) ، سورة يونس ، آية (87) .
(6) حسن، سليم، أقسام مصر الجغرافية، ص6.
(7) وهيبه ، عبدالفتاح محمد ، دراسات ، ص16 .
(8) لانجر، وليام ، موسوعة تاريخ العالم ، ترجمه محمد مصطفى زياده ، القاهرة ، ب. ت، ص45.
(9) وهيبه ، عبدالفتاح محمد ، دراسات ، ص16 .
(10) عصفور، محمد أبو المحاسن، علاقات مصر مع بلدان الشرق الأدنى القديم منذ أقدم العصور إلى الفتح اليوناني، القاهرة، 1962، ص75؛ Nelson, H.H., The Anctent History of the Near East, Beirut, 1971, P.22
(11) حسن، سليم، مصر، جـ1، ص141.
(12) رزقانه ، إبراهيم أحمد ، الجغرافية التاريخية ، القاهرة ، 1966 ، صص516–517 .
(13) Robinson , C.A., Ancient History from Prehistoric Times to the Death of Justinian, New York, 1958, P. 59.
(14) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ2 ، صص36 –37 ؛ Robinson , C.A., OP.Cit, P. 59
(15) مجموعة من الباحثين، الموسوعة المصرية، تاريخ مصر القديمة وآثارها، مج1، مصر، 1960، ص180.
(16) وهيبه ، عبدالفتاح محمد ، الجغرافية التاريخية ، ص345 .
(17) دلو، برهان الدين، حضارة مصر والعراق، ط1، بيروت، 1989، ص38.
(18) رزقانه ، إبراهيم أحمد ، المصدر السابق ، ص516 .
(19) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ2 ، صص18 – 19 .
(20) زايد ، عبد الحميد ، مصر ، صص 5-6 .
(21) يبدأ فيضان النيل السنوي في أوائل شهر أغسطس ويستمر حتى أواخر شهر أكتوبر ويعود إلى مجراه الطبيعي في أواخر نوفمبر ، ينظر :- رزقانه ، إبراهيم أحمد ، المصدر السابق ، صص518 – 519 .
(22) الشامي ، صلاح الدين علي ، الصقار ، فؤاد محمد ، جغرافية الوطن العربي الكبير ، ط4 ، بيروت ، 1985، صص 256 – 257 .
(23) كمال الدين ، محمد علي ، الشرق الأوسط في موكب الحضارة ، جـ1 ، القاهرة ، 1959 ، ص10 .
(24) رزقانه ، إبراهيم أحمد ، المصدر السابق ، ص519 .
(25) كمال الدين، محمد علي، المصدر السابق، جـ1، ص11.
(26) رزقانه ، إبراهيم أحمد ، المصدر السابق ، ص517 .
(27) هيرودوت يتحدث عن مصر ، ترجمة ، محمد صقر خفاجة ، تقديم ، أحمد بدوي ، القاهرة ، 1966 ، صص44-46 .
(28) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص 44 – 46 .
(29) دلو ، برهان الدين ، المصدر السابق ، ص38 .
(30) عمون ، هند أسكندر ، تاريخ مصر ، مصر ، 1913 ، ص10 .
(31) رزقانه ، إبراهيم أحمد ، المصدر السابق ، ص516 .
(32) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ2 ، ص18 .
(33) رزقانه ، إبراهيم أحمد ، المصدر السابق ، ص516 .
(34) أرمان ، أدوف ، رانكه ، هرمان ، المصدر السابق ، ص9 .
(35) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، صص41 – 42 .
(36) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر منذ أقدم العصور حتى الفتح الفارسي ، ترجمة حسن كمال ، ط1 ، القاهرة ، 1929، ص2، الجوهري ، يسري ، المصدر السابق ، ص311 .
(37) حول الهكسوس ، ينظر:- صص52-55 من الاطروحة .
(38) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص44 .
(39) سليمان، عامر، الفتيان، أحمد مالك، محاضرات في التاريخ القديم، الموصل، 1979، ص304.
(40) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص39 .
(41) رزقانه ، أبراهيم أحمد ، وأخرون ، حضارة مصر والشرق الأدنى القديم ، القاهرة ، ص35 .
(42) علي ، فاضل عبدالواحد ، سليمان ، عامر ، عادات وتقاليد الشعوب القديمة ، بغداد ، 1979 ، ص189 .
(43) الجوهري، يسري، المصدر السابق، ص313.
(44) رزقانه ، أبراهيم أحمد ، وأخرون ، المصدر السابق ، صص35-36 .
(45) رزقانه ، أبراهيم أحمد ، وأخرون ، المصدر السابق ، ص36 ؛ عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ،جـ1، ص39.
(46) زايد ، عبدالحميد ، مصر ، ص14 .
(47) رفله ، فيليب ، مصطفى ، أحمد سامي ، المصدر السابق ، ص172 .
(48) رزقانه ، أبراهيم أحمد ، وأخرون ، المصدر السابق ، ص36 ؛ عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1، ص40 .
(49) الجوهري، يسري، المصدر السابق، ص319.
(50) دلو ، برهان الدين ، المصدر السابق ، صص39-40 .
(51) زايد ، عبدالحميد ، مصر ، ص15 ؛ دلو ، برهان الدين ، المصدر السابق ، ص40 .
(52) رفله ، فيليب ، مصطفى ، أحمد سامي ، المصدر السابق ، صص174-176 ؛ الجوهري ، يسري ، المصدر السابق ، صص316-318 .
(53) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ2 ، صص 8-9 .
(54) كمال الدين ، محمد علي ، المصدر السابق ، ج1 ، صص 12-13 .
(55) المصدر نفسه، ج1، ص 13.
(56) وهي ، أما أن تكون بلاد الصومال الحاليه ، أو بلاد العرب السعيدة ( اليمن ) ، ينظر:- وهيبه، عبدالفتاح محمد ، دراسات ، ص85.
(57) وهيبه ، عبدالفتاح محمد ، الجغرافية التاريخية ، صص227 – 230 .
(58) أيست ، جوردن ، الجغرافيا توجه التاريخ ، ترجمة جمال الدين الناضوري ،مصر ، بلا . ت ، ص147 .
(59) رزقانه ، إبراهيم أحمد ، المصدر السابق ، ص535 .
(60) وهيبه ، عبدالفتاح محمد ، دراسات ، ص22 .
(61) ينظر:- صص 20-21 من الأطروحة .
(62) الدباغ ، مراد ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص475 ؛ أيست ، جوردن ، المصدر السابق ، ص147 .
(63) أيست ، جوردن ، المصدر السابق ، ص147 .
(64) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص164 .
(65) وهيبه ، عبدالفتاح محمد ، الجغرافية التاريخية ، صص332 – 333 .
(66) الشامي ، صلاح الدين ، الصقار ، فؤاد محمد ، المصدر السابق ، ص258 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|