أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-11-2016
1054
التاريخ: 9-12-2018
1630
التاريخ: 31-3-2021
1759
التاريخ: 17-11-2016
1447
|
أبن الزبير والخلافة الأموية:
بعد أن رفض عبدالله بن الزبير البيعة ليزيد ، وثب مروان وقال للوليد في مجلسه أضرب عنقه أن لم يبايع فأنه صاحب فتنة وشر ، فقال لهنا لك يا ابن الزرقاء فاستبا فقال الوليد : اخرجهما عني(1) ، ثم بدأ إلحاح الوليد في طلب البيعة بإرسال الرسل إليه ، وبعد ان انصرف الرسل عنه تحمل عبدالله من ليلته وهي السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين هجرية(2) ، فلما أصبح الوليد في طلبه فلم يجده ، قال مروان : ما أخطأ مكة ، فوجه الوليد في طلبه حبيب بن كره مولى لبني أمية في ثلاثين راكباً من موالي بني أمية فلم يلحقوه (3) ، لذلك عزل يزيد والي المدينة وعين بدلاً منه عمرو بن سعيد الأشدق(4) ، وبعد أن أظهر عبدالله شتمه ليزيد وفجوره وشربه للخمر ، ومعرفة يزيد بذلك اقسم بأن لا يقبل منه بيعة حتى يؤتى به في جامعة(5) ، فقال له معاوية أبنه بأن يدفع الشر عنه ما أندفع وأن عبدالله رجل لخز* لجوج ولا يرضى بهذا أبداً(6) ، حينها أدرك يزيد أن رأي أبنه صائب لذلك أرسل وفداً** إلى أبن الزبير من الشخصيات المهمة في الشام من أبرزهم النعمان بن بشير الأنصاري لغرض إقناعه بالبيعة وأنه يريد السلامة(7) .
وبعد وصول الوفد إلى مكة تكلم النعمان بن بشير مع عبدالله بن الزبير في كيفية سبَّ يزيد ، أمام الناس وقد بايعه الناس ، فقال ابن الزبير: ان الفاسق لا غيبة له ، وما ذكرته إلا ما قد علمه الناس فيه(8) ، وعندما سمع أبن عضاة الأشعري كلام عبدالله غضب عليه وقال له : تشبه نفسك بحمام الحرم وتشتم أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وما حرمة حمام الحرم يا ابن الزبير! (9) ، ويبدو ان عبدالله بن الزبير شبه نفسه بحمام الحرم بسبب كونه يضرب به المثل في الأمانة والسلام(10) ، ولحمام الحرم قدسية خاصة عند أهل مكة(11) .
ثم أشتد الكلام ما بين أبن عضاة الأشعري وابن الزبير ، فقال ابن عضاة : " يا غلام أئتني بقوسي وسهم ! فأتاه بقوسه وسهمه، فأخذ سهماً فوضعه في كبد القوس ثم سدده نحو حمام من حمام المسجد وقال: يا حمامة أيشرب يزيد الخمر؟ ، قولي نعم ، فوالله لئن فعلت لارمينك ، يا حمامة أتخلعين يزيد وتفارقين أمة محمد ، وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك والله لئن فعلت لأرمينك فقال ابن الزبير: ويحك أو يتكلم الطائر ، قال : ولكنك يا ابن الزبير تتكلم "(12) .
وتدخل عندئذ المختار للدفاع عن أبن الزبير وقد كثر الكلام بينهما وتشاتما فيما بينهما ، ثم اسكت ابن الزبير المختار وبقى ابن عضاة الاشعري يتهدد وتوعد بأنه سوف يأخذ البيعة منه بالقوة ، فلم يجبهم أبن الزبير إلى ما يريدون(13) .
ويتبين لنا ان سبب قوة موقف ابن الزبير هو عدم وجود بيعة سابقة له مع يزيد(14) ، هذا فضلاً عن شعور ابن الأشدق بأن الناس في مكة قد بايعوا ابن الزبير(15) ، وعدم وجود حامية عسكرية أموية في مكة(16) .
لكن ما اغضب يزيد هو سماعه خبر عزل عامله الحارث بن خالد المخزومي* من عبدالله بن الزبير في مكة(17) ، لأن هذا العمل له مدلول سياسي وتشريعي بوجود شخص يقف في وجه يزيد وعدم الاعتراف الشرعي بخلافته ، لذلك كتب يزيد إلى عامله في مكة أن يبعث جيشاً لقتال ابن الزبير(18) ، وان يختار هذا الجيش من أهل العطاء والديوان(19) .
وعندما وصل الكتاب إلى الأشدق أخذ بالسؤال عن أشد الناس كرهاً وبغضاً لعبدالله بن الزبير فقيل : " أخوه لأبيه عمرو بن الزبير**" ، وكان الأمويون يكرمونه لأنه ابن أختهم(20) فعينه قائداً لشرطته(21) ، وقد رحب عمرو بهذا المنصب(22) ، وبدأ يتابع شيعة عبدالله بن الزبير بالمدينة وأخذ يضرب نفراً*** منهم ضرباً شديداً(23) ، وفر**** منه بضع من أنصاره خارج المدينة إلى مكة بسبب قساوته(24) .
وبعد خروج أغلب المواليين من آل الزبير ومواليهم إلى مكة بدأ عمرو الأشدق يعد المقاتلين للخروج بجيش كثيف نحو مكة لقتال عبدالله وخرج معه سبعمائة رجل من أهل المدينة بزعامة أنيس بن عمرو الأسلمي(25) ، وأرسل يزيد قوة من أهل الشام إلى عمرو بن الزبير يقدر بنحو ألف رجل لتعزيزه(26) ، وسبب هذا الإعداد استياء بعض صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما حدا بهم التذكير بحرمة مكة (( وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ))(27) ، لذلك جاء أبو شريح الخزاعي* الصحابي وقال لعمرو بن سعيد الأشدق : لا تغز مكة فأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنما أذن لي بالقتال فيها ساعة من نهار ثم عادت حرمتها كالأمس(28) ، فقال الأشدق : نحن اعرف بحرمتها منك يا شيخ(29) .
وقبل ان يلتقي الجيشان الأموي والزبيري ، كانت هناك مراسلات بين عبدالله بن الزبير وأخيه عمرو حول البيعة ولم يتوصلا إلى حل بسبب ان عبدالله كان مدعياً بأنه تحت انطواء وآمرة يزيد دون ان يبايع(30) ، وما صلاته خلف عمرو إلا انه سامع مطيع للخليفة ، باعتبار ان أخاه عمرو هو أحد أركان وأعوان الخليفة ، ولا يوجد خلاف على ذلك(31) .
وبعد ان فشلت كل الحلول بينهما التقى الجيشان وتحاربا ، فهزم جيش عمرو بن الزبير الذي كان اكثره بُدلاء من العطاء وجّلهم يهوون عبدالله بن الزبير(32) ، وهذا قد يفسر لنا ان موقف أهل المدينة كان موالياً لعبدالله بن الزبير، وبانتهاء الحرب استطاع عبدالله من أسر أخيه عمرو(33) ، وأحضر كل من لديه طلب منه لأخذ منه ما يطلبه وأودعه السجن وقيل مات بالسياط(34) ، ولكن انتصار ابن الزبير على أخيه لم يكن ليغفل حقيقة مهمة هي وجود منافس له هو الإمام (عليه السلام) الذي يزيد عنه في الاستحواذ على قلوب الناس ، فقد ذكر أبن كثير الدمشقي(35) ، انتصر ابن الزبير على من أراد هلاكه من الزبيريين ، ومع هذا كله ليس هو معظّم عند الناس مثل الحسين(عليه السلام) ، وما خرج به عبدالله من هذا الانتصار ان شوكته قد قويت(36) .
___________
(1) المالكي ، العواصم من القواصم ، ص235 .
(2) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5ص340.
(3) البلاذري ، انساب الاشراف ، ج4ق2ص13 .
(4) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5ص343 - ابن الأثير، الكامل، ج4ص18.
(5) الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، ج5ص475 – الاصفهاني ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج1ص331، القضاعي، محمد بن عبدالله بن أبي بكر ( ت658هـ ) ، الحلة السيراء، تح د. حسين مونس ، ط2، دار المعارف للنشر ، ( القاهرة / 1985 ) ، ج1ص25 .
* لخز : الضيق الشحيح النفس الذي لا يكاد يعطي شيئاً فأن اعطى فقليل . ينظر : أبن منظور ، لسان العرب ، ج8ص46 .
(6) ابن عساكر ، تاريخ دمشق ، ج30ص157 .
** الوفد : عبدالله بن عضاة الاشعري ، روح بن زنباخ الجذامي ، سعيد بن حمزة الهمداني ، مالك بن هبيرة السكوني ، أبو كبشة السكسكي ، زمل بن عمرو العذري ، عبدالرحمن بن مسعود ، شريك بن عبدالله الكناني ، عامر بن عبدالله الهمداني ثم يضيف إليهم البلاذري الحصين بن نمير السكوني ، مسلم بن عقبة المري، زخر بن الحارث الكلابي ، الضحاك بن قيس ، نائل بن قيس الجذامي . ينظر: البلاذري ، انساب الاشراف ، ج4ق2ص20 – الاصفهاني ، الاغاني ، ج1ص27 .
(7) الدنيوري ، الاخبار الطوال ، ص263 .
(8) ابن اعثم الكوفي ، الفتوح ، مج3ج5ص151 .
(9) ابن اعثم الكوفي ، الفتوح ، مج3ج5ص150 .
(10) الثعالبي ، عبدالملك بن محمد بن اسماعيل ( ت429هـ ) ، ثمار القلوب في المضاف والمنصوب ، تح محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط1 ، دار المعارف ، ( القاهرة / 1965م ) ، ج1ص465 .
(11) الثعالبي ، ثمار القلوب في المضاف والمنصوب ، ج1ص465 .
(12) الاصفهاني ، الاغاني ، ج1ص27 .
(13) ابن اعثم الكوفي ، الفتوح ، مج3ج5ص150-151 .
(14) ابن قتيبة ، عيون الاخبار ، ج1ص239 – الاصفهاني ، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ، ج1ص93 .
(15) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5ص477.
(16) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5ص478.
* الحارث بن خالد : الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي ، أمه فاطمة بنت أسد بنت أبي سعيد بن الحارث بن هشام ، شاعر غزل من أهل مكة . ينظر : الزبيري ، نسب قريش ، ج9ص313 – الرازي ، الجرح والتعديل ، ج3ص73 – الزركلي ، الاعلام ، ج2ص154 .
(17) الزبيري ، نسب قريش ، ج11ص390 - الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، ج5ص344 – ابن كثير ، البداية والنهاية ، مج4ج8ص522 .
(18) ابن سعد، الطبقات الكبير، ج7ص184.
(19) البلاذري ، انساب الاشراف ، ج4ق2ص23 .
** عمرو بن الزبير : عمرو بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي ، أمه أم خالد وهي أمة بنت خالد ن سعيد بن العاص ، وكان من أعدى الناس لعبدالله بن الزبير . ينظر : أبن سعد ، الطبقات الكبير ، ج7ص184 .
(20) ابن سعد ، الطبقات الكبير، ج7ص184 – ابن اعثم الكوفي ، الفتوح، مج3ج5ص153 .
(21) ابن سعد، الطبقات الكبير، ج7ص184 – ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج49ص8.
(22) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5ص344.
*** النفر : المنذر بن الزبير ، محمد بن المنذر ، عبدالرحمن بن الأسود بن عبد ، عثمان بن عبدالله ، خبيب بن عبدالله، محمد بن عمار بن ياسر . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5ص344.
(23) ابن سعد، الطبقات الكبير، ج7ص184 – ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج49ص8 – ابن كثير ، البداية والنهاية ، مج4ج8ص522 – ابن حجر ، فتح الباري ، ج4ص36 .
**** عبدالرحمن بن عثمان: عبدالرحمن بن عثمان بن عبدالرحمن بن عمرو بن سهيل. ينظر : الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، ج5ص344 .
(24) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5ص344.
(25) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5 ص344– ابن كثير، البداية والنهاية، مج 4ج8 ص522.
(26) ابن عساكر ، تاريخ دمشق ، ج49ص8 .
(27) سورة آل عمران ، آية 97 .
* أبو شريح الخزاعي : خويلد بن عمرو بن صخر بن عبدالعزي بن معاوية بن الخترشي الخزاعي الكعبي . ينظر : الطوسي ، محمد بن الحسن ( ت460هـ ) ، الخلاف ، تح سيد علي الخراساني وآخرون ، ط1 ، مؤسسة النشر الإسلامي ، ( 1417هـ ) ، ج5ص157 - الزبيدي ، تاج العروس ، ج4ص305 .
(28) الواقدي ، محمد بن عمر ( ت207هـ ) ، السيرة النبوية ، تح أحمد جاد ، ط1 ، دار الغدير ، ( 2003م ) ، ج4ص52 – البخاري ، صحيح البخاري ، ج1ص436 – الكليني ، الكافي ، ج4ص225 – النيسابوري ، روضة الواعظين ، ج2ص405 – العاملي ، وسائل الشيعة ، ج12ص402 .
(29) أبن هشام الحميري ، سيرة النبي (صلى اله عليه وآله) ، ج4ص873 - الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، ج5ص346 - ابن الأثير ، الكامل ، ج4ص18 – ابن كثير ، إسماعيل ( ت774هـ ) ، السيرة النبوية ، تح مصطفى عبدالواحد ، ط1، دار المعرفة ، ( بيروت / 1396هـ ) ، ج3ص579 .
(30) الدنيوري ، الاخبار الطوال ، ص263 .
(31) ابن عساكر ، تاريخ دمشق ، ج49ص8 .
(32) البلاذري ، انساب الاشراف ، ج4ق2ص54 .
(33) الفاسي ، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ، ج2ص168 .
(34) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، ج5ص347 – ابن كثير ، البداية والنهاية ، مج4ج8ص522- ابن حجر ، مقدمة فتح الباري ، ج4ص36 .
(35) البداية والنهاية ، مج4ج8ص524 .
(36) القاضي ، نعمان ، الفرق الإسلامية في الشعر الأموي ، دار المعارف ، ( مصر / بلات ) ، ص237 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|