أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-12-2016
2105
التاريخ: 3-1-2021
15934
التاريخ: 21-9-2016
2230
التاريخ: 13-2-2019
2210
|
لم تشهد بلاد (بابل) خلال تاريخها الطويل وتطور حضارتها العريقة حقبة وصلت أوضاعها الداخلية خلالها الى المستوى المنهار ، الذي عرفته ابّان الحكم الكاشي . ودفع هذا الوضع الشعب البابلي الى القوقعة والانغلاق على نفسه بعد أن كان منفتحا على الشعوب الاخرى يعمل بجد في بناء صرح الحضارة الانسانية , ولذلك يعتبر العهد الكاشي في اواسط وجنوب بلاد ما بين النهرين بحق عصر الظلام والاضطهاد في تاريخ هذه المنطقة .
وكان الاحتلال الكاشي لا واسط بلاد ما بين النهرين وجنوبها نوعا من الاستعمار الاستيطاني ، الذي سبب في انهيار اقتصاد الانسان البابلي وفي تقييد حريته السياسية . وحاول الانسان البابلي يائسا ان يجد تعليلا منطقيا يقبله عقله لأسباب هذه الكارثة . وأخيراً اعتقد انه اكتشف سر هذه المأساة وذلك في تقصيره تجاه آلهته، لأنه لم يقدّم لها العبادة النقية الطاهرة التي تستحقها. ولذلك ابتعدت الآلهة عن الشعب ، بعد ان حمته على مّر قرون عديدة من شر الكوارث ، عندما كان في خدمتها ممتثلا أوامرها ومنفذا رغباتها . لقد وجد الانسان البابلي انه اقترف المعاصي بحقها ، لذلك تخلت عنه . ولكن هذا الانسان استخدم أسلوبا جديدا حتى اكتشف هذا السر ، هو أسلوب السحر والشعوذة ، أسلوب العرّافين ، الذي كان قانون حموّرابي قد حدد عقوبة الاعدام على من يمارسه . وقد ادى ذلك الى إيمان الشعب بقوى جديدة لم تكن واسعة الانتشار خلال العصور السابقة ، وهي قوى الجن الخفية ، التي رأى انها جلبت له المحن والكوارث . ولم يشمل ذلك الظالم الطاغي فحسب ، بل أيضا اولئك الصالحين الاتقياء ، الذين لم يهملوا واجباتهم الدينية وأداء الصلوات الطاهرة تقربا من الآلهة . ولذلك فقد آمنوا بهذه القوى ، علّها تنقذهم من هذه المحنة والمأساة ، التي مزقت نفسية الانسان البابلي وحولته الى مركب من عقد النقص ، دفعت به الى اليأس الذي لا حد له . وبالرغم من خيبة الأمل هذه بقي الشعب مؤمنا ، ان مردوك هو الاله الوحيد المنقذ والغفور الرحيم ، الذي بيديه وحده أسباب انقاذ الشعوب من محنها . وقد ورد هذا صراحة في الابتهال التالي ، وهو واحد من اناشيد تظلم كثيرة شرح فيها الانسان البابلي وضعه الآلهة راجيا اياها العفو والغفران (1) :
أريد تقديس سيد الحكمة
..........................
نظرت خلفي فاذا بالصعاب تطاردني
وكأن ما من قربان قدم لإلهي مني
اولم ينطق باسم الهتي عند الطعام
وكأني لم أخر على وجهي راكعاً،
وكأن سجودي لم يكن للعيان واضحاً،
او كامرئ خرس لسانه وسد فوه ، عن الترجي والصلاة ،
وابطل الأعياد وأهمل التضحيات ،
.....................
ذلك الذي لم يناح ربه
ملتهما حتى طعامه ،
تاركا ربته دون ان يقدم رقيما طينيا لها ،
مقسما بالهه المقدس استخفاف وبساطة
هكذا ظهرت انا
ولكني لم افكر الا بالتوسل والصلاة .
كانت الصلاة احساسي
والقربان واجبي (الأول) في الحياة
كان يوم تقديس الاله
رغبتي القلبية
وعرس الربة لي
ربح وغنى (وحمية)
كانت الصلاة من اجل الملك
لي فرحة
والعزف على الأوتار
لي رغبة
...........................
الا ان ما يبدو للإنسان خيرا
فعند الله محتقر
وما يهمل في قلبه
فعند الله خير
من يعلم ارادة الآلهة في السماء
ويحيط بخططهم الحكيمة ؟
كيف يستطيع الناس البلهاء
الاحاطة بتغيير (ارادة) الآلهة ؟
فالذي يعيش ليلا
قد يصبح في النهار ميتا صريعا
لقد اظلم فجأة
فيسحق سريعا
في لحظة ما (تراه)
يغني ويلعب
لتجده بعدها في الـ (نو)
يولول (كالأم) الثكلى
وكما تتبدل الضياء والظلمة
تتغير الارادة
ومن خلال هذه المأساة التي عاشها الشعب البابلي ، نشأ نوع من أدب الحكمة ساد اوساط عامة الشعب وتناول بموضوعاته جميع المفاهيم الخلقية والدينية اليومية ، بعيدا عن مواقف الكهنة وفلسفتهم المعقدة في فهم الحياة . وهنا كان لابد لهم ان يسايروا مواقف الشعب وان ينسجموا مع سلوكه الجديد ، حتى لا تنشأ هوة سحيقة تفصلهم عنه . حيث ان احوج ما يحتاجه الشعب البسيط هو نقطة انطلاق واضحة مفهومة لطريق حياته ، لا ان يبقى محتارا في اختيار الطريق الذي عليه ان يسلكه . وهنا تتجسم العلة بالذات ، كيف قدر للشعوذة في بلاد بابل ان تتوسع في
مضمونها ومداها خلال القرون اللاحقة ، بشكل لم يعرف مثيله في اية حقبة من عصور التاريخ (2) .
_____________________
1) Moortgat , A ., Geschichte Vorderasiens bis zum Hellenismus.
تعريب د. توفيق سليمان ود. علي أبو عساف ، بعنوان (تاريخ الشرق الأدنى القديم) ص : 198-199 .
2) Moortgat, op. cit.,
النسخة المعربة، ص: 201.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|