أقرأ أيضاً
التاريخ: 10/12/2022
1220
التاريخ: 2024-08-28
229
التاريخ: 24-11-2016
2702
التاريخ: 5-1-2022
1701
|
المعتقدات – القواعد التي تقرر مشاعر الألم والسعادة
انظر وانا اكتب هذه الكلمات من نافذة غرفتي في منتجع حياة ريجنسي في وايكواوا. اكبر جزر الهاواي. فأرى المحيط الهادئ بزرقته العميقة لقد رأيت للتو شيئا لا يمكن لنا ان نشهده في امريكا الشمالية ثانية حتى عام 2017. ألا وهو الكسوف الكلي للشمس ومنذ الساعة الخامسة والنصف من صباح هذا اليوم استيقظت وزوجتي لنرى مع الالوف من الزوار هذه الظاهرة الفلكية الفريدة حين احتشدت جموع الناس عند موقع مراقبة الكسوف اخذت امتع ناظري مراقبة هذا التنوع من البشر الذين اتوا للمشاركة في ذلك الحدث : الجميع، من كبار رجال الاعمال الى السواح.
من العلماء الذين يجرجرون عشرات المناظير الكبيرة، الى مستلقى الجبال الذين نصبوا خيامهم اثناء الليل في التجاويف التي تركتها الحمم البركانية، الى الاطفال الصغار الذين لم يكونوا يعلمون ان هذا الحدث هو حدث مثير الا لان ذويهم اخبروهم بذلك تجمعت هنا حشود من البشر قدمت من جميع انحاء العالم، وانفقت في سبيل ذلك الاف الدولارات لتتاح لها فرصة مشاهدة منظر لا يتجاوز في وقته اربع دقائق لا غير.
ماذا كنا نفعل هنا؟ كنا نريد ان نقف في الظل! اننا مخلوقات مضحكة، أليس كذلك؟! ما ان حلت الساعة السادسة وثماني وعشرين دقيقة حتى بدأت الدراما تأخذ مجراها. واخذ القلق يعم المكان ليس بسبب ترقب رؤية الكسوف فحسب، بل خوفا من خيبة الأمل ايضا، اذ ان الغيوم اخذت تتجمع في هذا الصباح الفريد بحيث حجبت السماء، وكان من الطريف ان تراقب الناس وهم يخشون الا تتحقق توقعاتهم فهم لم يأتوا ليروا القمر وهو يحجب الشمس لفترة وجيزة فقط، بل اتوا ليروا كسوفا كليا للشمس يستمر لمدة اربع دقائق حين يحجب ظل القمر اشعة الشمس بصورة كلية لكي يلفنا الظلام بل انهم اطلقوا على ذلك اسما خاصا هو الكلي!
بحلول الساعة السابعة وعشر دقائق كانت السحب قد تكاثفت واخذت تزداد حجما شيئا فشيئا وفجأة ظهرت الشمس من خلال فتحة بين السحب وللحظة استطعنا ان نرى كسوفا جزئيا، حيته الجموع بالهتاف والتصفيق!! ولكن السحب ما لبثت ان عادت لتتجمع من جديد لتحجب عنا الرؤية بشكل كامل وباقتراب اللحظة التي سيحل فيها الكسوف الكامل – أي الظلام الدامس – ادركنا اننا لن نتمكن من رؤية القمر وهو يغطي الشمس بكاملها، فجأة اندفع الالاف من الناس ليشاهدوا احدى شاشات التلفاز الكبيرة التي نصبها طاقم التلفزيون.
جلسنا هناك لنشاهد الكسوف عبر التلفزيون المحلي شان جميع الناس في انحاء العالم كله! وتسنى لي في تلك اللحظات ان ارى قدرا لا تحده حدود من العواطف البشرية، حيث كان كل شخص يتجاوب مع الموقف طبقا لقواعده الخاصة، أي طبقا لقناعاته المحددة حول ما يجب ان يحدث لكي يتمتع بشعور حسن ازاء هذه التجربة، اخذ رجل خلفي يشتم قائلا : لقد انفقت اربعة الاف دولار، وتحملت مشقات السفر، لا لشيء الا لكي اشاهد هذه الدقائق الاربع على شاشة التلفزيون؟ وصاحت امرأة على بعد امتار مني : لست اصدق ان شيئا مثل هذا قد فاتنا! غير ان ابنتها الصغيرة الفطنة قالت لها في نفس اللحظة : ولكن الكسوف يحدث الان يا اماه بينما هتفت
امرأة تجلس الى اليمنى (أليس هذا امرا لا يصدق؟ انني محظوظة لان اكون هنا!
وما لبثت ان اكتنفنا حدث درامي ففي نفس اللحظة التي كنا نراقب فيها على شاشة التلفاز آخر ضوء فضي لاشعة الشمس يغيب خلف القمر غمرنا ظلام دامس. كان الامر مختلفا تماما عن هبوط الليل حين تظلم السماء تدريجيا كان هذا الظلام آنيا وشاملا عم في البداية صخب بين الجموع، ثم ما لبث ان تحول الى سكون. وطارت العصافير الى الاشجار ولاذت بالصمت التام كانت لحظة مدهشة حقا وما لبث ان حدث امر هستيري.
فبينما جلس الناس في الظلام يراقبون الكسوف على شاشة التلفزيون، بدا لأولئك الذين اتوا بكاميراتهم والذين كانوا مصممين على الحصول على النتائج التي يتوخونها، بدأوا يلتقطون صورا لشاشة التلفزيون وفي لحظة واحدة غمرنا النور من جديد – ليس بسبب عودة الشمس للظهور – بل بفعل وميض الات التصوير وكما بدا الكسوف الكلي اختفى بنفس السرعة كانت اكثر اللحظات دراماتيكية بالنسبة هي تلك التي برز فيها احد الخيوط الفضية للشمس من وراء القمر، جالبا معه ضوء النهار بكامله على الفور. وخطر لي عندئذ ان القليل من الضوء يكفي لينقشع الظلام.
وفي غضون دقائق قليلة من عودة النهار بدأت اعداد كبيرة من البشر تنهض وتغادر المكان وقد حيرني ذلك فالكسوف مازال مستمراً وكان معظم الناس يدمدمون متذمرين بانهم (قطعوا كل تلك المسافات ومع ذلك فاتتهم في النهاية فرصة تجربة قد لا تتكرر الا مرة واحدة في حياتهم غير ان القليل تريثوا حرصا على الا تفوتهم أي لحظة من هذا الحدث، وقد تملكهم شعور بالسعادة والاثارة. اما المفارقة الاساسية فقد جاءت حين فرقت الرياح الاستوائية السحب من السماء وخلال خمسة عشر الى عشرين دقيقة اصبحت السماء زرقاء صافية واصبح الكسوف واضحا للعيان ولكن الناس الذين ظلوا كانوا قليلين، بينما عاد الغالبية الى غرفهم وهم مستاؤون يتملكهم شعور بالألم لان توقعاتهم لم تتحقق.
وكعادتي بدأت اجري مقابلات مع الناس اردت ان اعرف تجربتهم مع الكسوف وقد تحدث الكثيرون عنها كاهم تجربة روحية لا تصدق تمر بهم. حدثتني امرأة حامل وهي تربت على بطنها قائلة ان الكسوف اشعرها بطريقة ما بعلاقة اوثق مع طفلها الذي لم يولد بعد، وان ذلك كان المكان المناسب لها لتتواجد فيه وهكذا فقد شهد هذا اليوم تباينا هائلا بين ما يحمله الناس من قناعات وما يتبنونه من قواعد في الحياة.
ولكن الامر الطريف الذي اثار دهشتي واستوقفني هو مدى التأثير العاطفي الذي احدثه امر هكذا لا يعدو ان يكون ظلا استمر لمدة اربع دقائق وحسب. ان فكرت في هذا الامر مليا فانه لا يعدو في اهميته معجزة شروق الشمس كل صباح. هل تتخيل ان يستيقظ الناس كل صباح في جميع انحاء العالم ليشاهدوا الشمس وهي تشرق؟ وماذا ان عمدت نشرت الاخبار المحلية والعالمية لتغطية هذا الحدث بحماسة. واصفة بتقارير عميقة صعود الشمس الى السماء وماذا لو قضى جميع الناس صباح ذلك اليوم وهم يتحدثون عن تلك المعجزة الهائلة؟ هل يمكنك ان تتخيل نمط مثل هذه الأيام؟ ماذا لو بدأت محطة الـ (سي ان ان) مثلا برامجها في صباح كل يوم بالقول : (صباح الخير، لقد حدثت المعجزة مرة اخرى، اذ اشرقت الشمس؟ لماذا لا نفعل ذلك؟ لا شك بامكاننا ان نفعل، ولكن المشكلة اننا اصبحنا معتادين على هذه الظاهرة لقد اعتدنا على حدوث المعجزات حولنا في كل يوم بحيث اننا لم نعد نرى فيها معجزة بعد.
الحقيقة الكامنة خلف ذلك هي ان القواعد التي يتبناها معظمنا بالنسبة لما هو ذو قيمة تفرض
علينا ان نتحرق لما هو نادر بينما نتغافل عن المعجزات ان كانت وفيرة حولنا ولا نقدرها حق قدرها. ولكن ما الذي قرر ذلك الاختلاف في استجابة هؤلاء الناس للحدث؟ ما الذي يجعل رجلا يبلغ به الاستياء حدا يجعله يحطم الة تصويره في الحال، مقابل اناس لم يشعروا بالحبور في هذا اليوم فحسب، بل انهم سيحسون بالشعور ذاته كلما حدثوا الاخرين عن ذلك الكسوف في الاسابيع والاشهر والسنوات القادمة؟
ان تجربتنا للواقع ليست لها علاقة في الحقيقة بهذا الواقع في حد ذاته، بل اننا نفسرها ونفهمها طبقا للقناعات التي تتحكم فينا، وخاصة القواعد التي نتبناها حول ما يجب ان يحدث لكي يغمرنا شعور حسن. انني اسمي هذه القناعات المحددة التي تقرر متى نشعر بالألم ومتى نشعر بالغبطة، اسميها القواعد وفشلك في ادراك مدى قوة هذه القواعد من شانه ان يدمر امكانية شعورك بالسعادة طيلة حياتك، في حين ان فهمك الكامل لهذه القواعد واستخدامك لها يمكن لهما ان يحولا حياتك.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|