أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-01
1073
التاريخ: 13-11-2016
971
التاريخ: 13-11-2016
1959
التاريخ: 13-11-2016
738
|
يعتبر "الحارث الأول" "169-146ق. م" على رأس هؤلاء الملوك(1)، وكان يدعى عند اليهود "أريتاس Aretas" ملك العرب(2)، وقد تسمى باسم "الحارث" كثير من ملوك الأنباط، ومن ثم فقد ذهبت بعض الآراء إلى أن هذا الاسم إنما كان لقبًا لملوك الأنباط، مثله في ذلك مثل فرعون عند المصريين، وقيصر عند الروم، وكسرى عند الفرس، والنجاشي عن الحبشة، وتبع عند اليمنيين(3).
وكان الحارث معاصرًا لمؤسس الأسرة المكابية(4)، وأن الأسرتين قد بدأتا عهدهما كحليفين طبيعيين ضد ملوك سورية السلوقيين(5)، ومن ثم فإننا نقرأ في سفر المكابيين الثاني(7) أن "أريتاس" "الحارث" قد طرد "جاسون" -الحاخام اليهودي في بيت المقدس- من بلاده، وأن الأخير قد اضطر إلى الفرار إلى مصر، كما وقف "أريتاس" كذلك إلى جانب المكابيين قد ثورتهم ضد السلوقيين(8).
وجاء "زيدإيل" "146-110ق. م" بعد الحارث الأول، ثم خلفه "الحارث الثاني" في الفترة "110-96ق. م"، على رأي(8)، وفي الفترة "139-97ق. م" على رأي آخر، وربما في الفترة "120-96ق. م" على رأي ثالث(9)، وعلى أي حال، فهو المعروف باسم "إيروتيموس Erotimus"، وربما كان هو الذي عناه "يوسف اليهودي" في أحداث عام 97ق. م، فيما يرى بعض الباحثين(10)، وذلك حين لجأ إليه أهالي غزة يطلبون معونته في أثناء حصار "إسكندر جنايوس" "103-76ق. م" لمدينتهم، إلا أنه لم يكن عند حسن الظن به على رأي(11)، وأنه قدم إليهم ما يطلبون على رأي آخر(12)، ومن ثم فقد بدأت العلاقات بين الطرفين تأخذ اتجاها آخر، حين رأي الأنباط أن المكابيين إنما يسعون إلى الاستيلاء على الأردن، ثم التوغل في أرض النبط نفسها، مما كان سببًا في أن يقف الأنباط في وجه السياسة المكابية(13).
وفي عهد الملك "عبادة الأول" نجح الأنباط في إلحاق الهزيمة بإسكندر جنايوس في موقعة دارت رحاها على الشاطئ الشرقي لبحر الجليل، ومهدت الطريق لاحتلال الجنوب الشرقي من سورية "منطقة حوران وجبل الدروز اليوم" أما إسكندر المكابي فقد فر إلى القدس، حيث قوبل هناك بمعارضة شديدة، سرعان ما تحولت إلى عداء صريح، يتمثل في استدعاء أحد الحكام السلوقيين وتنصيبه ملكًا، وهكذا وضعت الظروف، "إسكندر" بين خصمين قويين "ديمتريوس الحاكم السلوقي وعبادة الملك النبطي"، ومن ثم فقد رأى "إسكندر" أن من الخير له أن يكسب ود الأنباط، حتى يستطيع الحفاظ على عرشه، فتنازل لهم عن مؤاب وجلعاد، وأماكن أخرى كان يخشى من انضمامها إلى أعدائه(14).
ويعد "الحارث الثالث"- الذي جاء بعد "رب إيل الأول"(15)- من أشهر ملوك الأنباط، وإن اختلف المؤرخون في فترة حكمه، فهي في الفترة "87-62ق. م" على رأي، وفي الفترة "85-60ق. م" على رأي آخر(16)، إلا أنه مما لا شك فيه أن عهده قد اقترن بفتوحات واسعة، بدأت باستيلائه على دمشق، وعلى سهل البقاع في حوالي 85ق. م، وذلك بناء على دعوة تلقاها من سكان المدينة العريقة -وكانت عاصمة السلوقيين وقت ذاك- لإنقاذهم من هجو "الأيتوريين"(17) الذين كانوا يطمعون في الاستيلاء عليها، ومن ثم فقد أطلق عليه القوم، "محب اليونانيين وحاميهم"(18).
وكان الحارث قد بدأ يستغل ضعف السلوقيين في مصلحته، ومن ثم فقد اهتبل فرصة هجوم "أنطيوخس الثاني عشر" "88-84ق. م" على بلاده، ولقنه درسا قاسيا عند "Kana" عند ساحل "يافا" في عام 85/ 86ق. م "أو في عام 84/ 83ق. م" قضى فيها على معظم جيشه(19).
وهكذا استطاع الحارث الثالث أن يوطد حكمه في الداخل، وأن يفرض نفوذه في الخارج، وقد واتته فرصة نادرة بعد استيلائه على دمشق، وذلك حين انضم إلى جيشه فريق من رجال الحرب اليونان، وقد عمل الحارث على الإفادة منهم في تنظيم جيشه وتدريبه، بل وتحويله من جيش يعتمد على رجال من الأعراب، يخوضون المعارك بروح من البداوة التي لا تقبل الخضوع للأوامر والنظم العسكرية، وتهتم أول ما تهتم بالغنائم والأسلاب، إلى جيش نظامي مدرب، كان الدعامة الأساسية في فرض نفوذه في الخارج، فضلا عن أن الرجل قد نجح بقوة هذا الجيش في أن يصبح أقوى حاكم عرفته بلاد الأنباط حتى يومه، ومن ثم فقد بدأ الحارث يتدخل في شئون مملكة يهوذا المتداعية، في أول الأمر، ثم يقدم على مواجهة جيوش الرومان بعد ذلك، وإن كانت النتيجة في كلتا الحالتين مختلفة(20).
كانت الأمور في دولة يهوذا قلقة، ومن ثم فقد كان على الحارث أن يضع حدا لهذا القلق، فإن لم يفعل، فإن الأحزاب اليهودية ما كانت بقادرة على أن تتركه على الحياد، وهكذا ما أن يمضي حين من الدهر، حتى يبدأ الجيش النبطي يهاجم يهوذا، ويشتبك معها في معركة ضارية عند "Addida" "الحديثة على مقربة من اللد"، ينهزم فيها جيش اليهود شر هزيمة، ويطلب "إسكندر" الصلح على شروط الأنباط، التي تجاهلها المؤرخ اليهودي "يوسفيوس" ولم يقل لنا عنها شيئًا(21).
ويبدو أن الظروف السياسية دعت الحارث مرة أخرى للتدخل في شئون يهوذا، إبان الخلاف الذي دب بين ولدي "إسكندر جنايوس" "أرسطو بولس وهركانوس"، وانقسام اليهود إلى فريقين، الصدقيون ويؤيدون "أرسطوبولس"، والفريسيون ويؤيدون "هركانوس"، الذي فر إلى البتراء، لعله يجد الحمى عند الحارث، فضلا عن إعادة التاجر إليه وتثبيت ملكه، على أن يعيد للحارث في مقابل ذلك، المدن الاثني عشر التي كان قد أخذها أبوه من العرب، ويقبل الحارث العرض أملا في أن يوسع أملاكه على حساب يهوذا، إن لم يقدر له أن يوجه إليها الضربة القاضية، وهكذا يوجه الحارث جيشا قوامه خمسون ألف رجل لمهاجمة "أرسطو بولس" الذي سرعان ما يفر إلى القدس بعد هزيمة منكرة، فيتابعه الحارث إلى المدينة المقدسة، ويكاد يستولي عليها، لولا قيام الرومان بالهجوم على دمشق، ثم إرسال حملة عسكرية إلى القدس نفسها للتدخل في النزاع القائم وقت ذاك، ولمنع الأنباط من الاستيلاء عليها(22).
وهكذا يضطر الحارث إلى فك الحصار عن القدس، إلا أن "أرسطو بولس" -الذي نجح في أن يضم إليه قائد الحملة الرومانية- سرعان ما يتعقب الأنباط، وهم في الطريق إلى "ربة عمون"(23)، وهناك عند "بابيرون Ppayron" دارت معركة بين الجانبين، انتصر فيها "أرسطوبولس"، وقتل ستة آلاف من أتباع الحارث(24).
وفي عام 62ق. م، بدأ الرومان يتحرشون بالحارث النبطي، ورغم أنه قد صمم -بادئ ذي بدء- على أن يعلنها حربا شعواء على الرومان واليهود سواء بسواء، إلا أنه سرعان ما أدرك الحقيقة المرة، وهي أن جيشه ما كان في استطاعته أن يقف أمام جيوش الرومان الكثيرة العدد والعدة، والمدربة تدريبا يفوق تدريب جيوشه إلى حد كبير، ومن ثم فقد لجأ إلى مهادنة هذا العدو القوي الشرس، وتم الصلح بينهما على أن يدفع الحارث جعالة للرومان، واعتبر "بومبي" أن ذلك إنما هو خضوع من الأنباط للرومان، ومن ثم فقد وضع صورة الحارث في موكب نصره، كما أمر القائد الروماني "سكورس" أن تضرب النقود وعليها صورة الحارث، وهو منكس الرأس، وحاملا سعفه، تعبيرا عن استسلامه(25).
وهكذا انتهت آمال الحارث في أن يرث مملكة السلوقيين في الشام، بخاصة وأن "بومبي" كان قد استولى على دمشق منذ عام 64ق. م، بعد أن كان الحارث قد أخلاها منذ عام 70ق. م، وإن رأى البعض أن الحارث قد احتفظ بدمشق في مقابل مبلغ ضخم من المال، وعلى أي حال، فإن "بومبي" قد ضم سورية الجغرافية والتقليدية في ولاية واحدة وجعل من "أنطاكية" عاصمة لها(26).
وهناك في البتراء كتابة عليها اسم الحارث، دونها أحد قواده في "المدارس" -وهو معبد ذي الشرى إله الأنباط الكبير- هذا وقد كان الحارث مغرما بالحضارة الهلينيستية، ومن ثم فقد ترك الباب مفتوحا على مصراعيه للتأثيرات اليونانية، فهو أول من سك نقودا نبطية، اقتبس لها النموذج المعروف عند البطالمة، كما أتى بالصناع السوريين الذي أدخلوا النماذج الهلينستية إلى عاصمته، وربما كانوا هم الذين نحتوا الواجهة الجميلة المعروفة اليوم "بالخزانة"، كما يرجع أن المسرح- وهو بناء على الطراز اليوناني- قد بنى زمن الرومان، وهكذا بدأت البتراء تتخذ مظاهر مدينة هلينستية نموذجية، فكان فيها شارع رئيسي جميل، وعدة أبنية وعامة(27).
وجاء بعد الحارث ولده "عبادة الثاني" الذي حكم في الفترة "62-60ق. م" على رأي، وفي الفترة "62-47ق. م" على رأي آخر، ولدينا من عهده نقد من الفضة من فئة "الدراخما"، يرجع إلى العام الثاني أو الثالث من حكمه، وقد صور الملك عليه بوجه حليق ورأس ذات شعر قصير، ويبدو أن سياسة الأنباط منذ أيام هذا الرجل كانت مقصورة على المحافظة على استقلالهم، والارتباط بالرومان بروابط الحلف والولاء، ومن ثم فقد شاركوا على أيام مالك الأول في حملة "يوليوس قيصر" على الإسكندرية في عام 47ق. م، بفرقة من الفرسان، ساعدته على القيض على ناصية الأمور هناك، والخروج من المأزق الذي كان فيه(28).
وجاء "مالك الأول"، وقد حكم في الفترة "47-30ق. م" على رأي، وفي الفترة "50 أو 47-30ق. م" على رأي ثان، أو "50-28ق. م" على رأي ثالث، بل إن هناك من يذهب إلى أنه قد حكم بعد "الحارث الثالث" مباشرة وأن ذلك إنما كان في الفترة "62ق. م"(29).
وأيًّا ما الأمر، فإن التاريخ يحدثنا أن الأنواء قد عصفت بسفينة الأنباط على أيامه، ولم يكن ذلك بسبب يتصل بالرجل، بقدر ما كان يتصل بالتغييرات التي حدثت في "يهوذا"، ذلك أن الرومان كانوا قد عهدوا بأمور الشرق إلى "مارك أنطونيو" "4-36ق. م" الذي عمل على القضاء على سلطة المكابيين، وإقامة سلطة أخرى من الأدوميين على رأسها "هيركانوس" إلا أن زمام الأمور إنما كان بيد "انتيباتر"، وما جاء عام 37ق. م، حتى أصبح "هيرودوتس" بن "انتيباتر" ملكًا على أورشليم، واستمر كذلك حتى عام 4ق. م، وبعد نحو عامين من مولد السيد المسيح عليه السلام، الذي رأى العلماء أنه كان حوالي 6-2ق. م" إلا أن "هيرودوتس" كان طوال تلك الفترة أداة طيعة في أيدي الرومان الذين نصبوه ملكًا على اليهودية(30).
وفي تلك الأثناء كانت العلاقات بين الروم والنبط قد تدهورت إلى حد كبير، ربما بسبب امتناع الأنباط عن دفع الجزية للرومان، وربما لأن النبط قد وقفوا إلى جانب الفرس عندما أرادوا الاستيلاء على فلسطين، وأيًّا ما كان السبب، فإن الروم، -وقد انتصروا على الفرس- بدؤوا يتجهون نحو النبط، ومن ثم فقد أجبروهم حوالي عام 40ق. م، على دفع جزية كبيرة، ثم زاد الموقف تعقيد عندما منح "مارك أنطونيو" جزءًا كبيرًا من فينيقيا وسورية، فضلا عن بلاد الأنباط، إلى "كيلوبترا" ملكة مصر، جزءًا كبيرًا من فينيقيا وسورية، فضلا عن بلاد الأنباط، إلى "كيلوبترا" ملكة مصر، كما بايع ولده منها -ويدعى بطليموس- ملكًا على سورية، وهكذا أصبحت "كليوبترا" صاحبة الحق في جزية الرومان من الأنباط، غير أن النبط قد امتنعوا عن دفع الجزية لملكة مصر، ومن ثم فقد طلبت كليوبترا من مارك أنطونيو الإسراع في تأديب الأنباط.
وكانت سياسة "كيلوبترا" تهدف إلى السيطرة على بلاد العرب الشمالية، فضلا عما منحه إياها "أنطونيو" من أجزاء في فينيقيا وسورية، ومن ثم فقد أرادت التخلص من ملكي العرب واليهود على السواء، وهكذا شجعت "هيرودوتس" ملك اليهودية على محاربة الأنباط، ويبدو أن "هيرودوتس" كان ينتظر هذه الفرصة، ومن ثم فقد أسرع بشن هجوم على الأنباط عند "اللد" وما أن يتم له النصر هنا، حتى يسرع بالهجوم عليهم مرة أخرى عند "قنا" في البقاع، ويكاد ينتصر عليهم، إلا أن موازين النصر سرعان ما تغيرت إلى جانب النبط، فقتلوا عددًا كبيرًا من جيشه، وأسروا آخرين، وفر "هيرودوتس" إلى القدس(31).
وهنا بدأ "هيردوتس" يعد العدة لجولة أخرى، بخاصة وأن النبط بدؤوا يهاجمون مدنه، مما أدى إلى قيام سلسلة من المعارك تبادل فيها الجانبان النصر والهزيمة، فضلا عن الخسائر في الرجال والمعدات، ويزعم المؤرخ اليهودي يوسفيوس أن النصر كان في النهاية إلى جانب، وذلك حين جمع هيرودوتس قواته وأعاد تنظيمها، فعبر الأردن، والتحم مع الأنباط في معركة ضارية عند "عمان" فأنزل بهم خسائر فادحة، فاقت خمسة آلاف قتيل، وأربعة آلاف أسير، فضلا عن سبعة آلاف أخرى لقوا حتفهم بأيدي اليهود، حينما حاولوا الفرار من الحصار، وكان نتيجة ذلك كله أن اضطر الأنباط إلى دفع جزية لـ "هيرودوتس"، وإذا كان ما زعمه المؤرخ اليهودي صحيحًا، أو حتى قريبًا من الصواب، فليس هناك من ريب في أن قوة هيرودوتس لم تكن وراء هذه الانتصارات، وإنما كان السبب قوة الرومان الطاغية، وجنود الأنباط غير المدربين(32).
وجاء "عبادة الثالث" "30-9ق. م"، وربما لقى ميتة عنيفة على يد وزيره صالح "سيليئوس" الذي لقى نفس المصير في روما حوالي عام 5ق. م(33)، وعل أي حال، فإلى عهد هذا الملك ترجع الحملة الرومانية على اليمن بقيادة "إليوس جالليوس"- الأمر الذي أشرنا إليه من قبل- وإنه لمن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك كتابة أثرية على تمثال لـ"عبادة الثالث" هذا، تصفه "بالإلهي"، مما يدل على أن الأنباط كانوا يؤلهون ملوكهم بعد الموت(34)، وربما كان الأنباط في ذلك يقلدون السلوقيين الذين لقبوا أنفسهم بلقب "ديوس Deos" أي "الإله".
وخلف عبادة الثالث على عرش الأنباط "الحارث الرابع"، لمدة تقارب نصف القرن من الزمان "9ق. م-40ق. م" وقد حمل لقب "رحم عم" أي المحب لأمته، ولقب "ملك النبط"(35)، ورغم أن الرجل كاد أن يفقد عرشه حين تولاه دون إذن من "أغسطس" "27ق. م-14م"، قيصر روما، إلا أن عهده كان عهد رخاء وسلام، تابع فيه نشر الحضارة الرومانية، كما كانت علاقاته بجيرانه اليهود في بادئ الأمر طيبة، ومن ثم فقد زوج ابنته من "هيرودوتس" حاكم اليهودية،، وابن هيرودوتس الكبير، إلا أن هيرودوتس قد تجرأ بعد حين من الدهر، فطلق ابنة الحارث الرابع، ليتزوج من راقصة كانت السبب في مقتل "يوحنا المعمدان"(36). وأيًّا ما كان الأمر، فإن الحرب سرعان ما تدق طبولها بين اليهود والأنباط، ولكن ليس بسبب قتل النبي الكريم، وإنما بسبب زواج هيرودوتس بأرملة أخيه، وطلاق ابنة الحارث الرابع، فضلا عن اختلافهما على بعض مناطق الحدود، وهكذا نشبت المعارك بينهما، وانتهت بانتصار الحارث في "جلعاد"، ومن ثم فقد استنجد "هيرودوتس" بالقيصر "تيبيريوس" "14-37م" الذي أمر عامله في سورية بالقضاء على الأنباط، ولكن بينما كان القوات الرومانية تتحرك نحو "البتراء" تأتي الأخبار بوفاة القيصر، فتتوقف الحرب، وينجو الحارث الرابع، بل وتسوء حالة "هيرودوتس"، فيضطر الرومان إلى تنحيته عن العرش، ونفيه إلى إسبانيا(37),وإذا ما عدنا مرة أخرى إلى الإنجيل، فإننا نقرأ أن دمشق كانت في يد الحارث الرابع، وأن عامله هو الذي سعى إلى القبض على بولس الرسول، الذي استطاع أن ينجو منه بأن تدلى من طاقة في زنبيل من السور(38)، وأما متى خضعت دمشق للحارث، فربما كان ذلك حوالي عام 37م، وإبان الحرب التي استعر اوراها بينه وبين هيرودوتس(39)، وربما بقيت تحت سيادة الأنباط، في مقابل مبلغ يدفعونه للرومان.
وهناك عدد من النقوش جاء فيها ذكر الحارث الرابع، ومنها "197-216K354 Cih 11160"، وترجع في تواريخا إلى السنوات، الخامسة والتاسعة والثالثة عشرة والتاسعة والعشرين والأربعين والثالثة والأربعين، من حكم هذا الملك، وهي نصوص تتحدث في أمور دينية مرة، وفي أمور شخصية مرة أخرى، وتذكر أسماء بعض الأفراد مرة ثالثة، ومنها عرفنا أسماء بعض آلهة الأنباط مثل "دوشرا" و"منوتو" "مناة" و"قيشح"(40)، وقد وصف الحارث في بعضها بـ "رحم عم" أل المحب لأمته، كما جاء في بعضها أسماء بعض أفراد الأسرة المالكة، مثل "شقيلة" ملكة الأنباط وزوج الحارث، ومالك وعبادة ورب إيل، فضلا عن مجموعة أسماء كانت شائعة عند العرب قبل الإسلام، مثل كهلان ووعلان وسعد الله ومرة وسكينة وحميد وحوشب وخلف وقين وتيم الله وجهلمة وعميرة ووهب(41).
وخلف "مالك الثاني" "40-71 أو 75م" أباه الحارث الرابع(42)، ويبدو أن الأنباط قد فقدوا على أيام هذا الرجل مدينة دمشق، وإن كانت مجاوراتها من الناحية الشرقية والجنوبية الشرقية ظلت تحت السيادة النبطية(43)، هذا وقد وصلتنا من عهد مالك الثاني عملات فضية وبرونزية، نقشت عليها صورته وصورة زوجته لتي وصفت بأنها "شقيقة الملك"، مما يشير إلى أن بعض الملكات كن زوجات شقيقات للملوك الحاكمين، متبعين في ذلك عادة البطالمة، والذين نقولها بدورهم عن الفراعنة، وتشير كتابة أثرية على تمثال للملك عبادة بأن إحدى زوجات الحارث كانت أخته كذلك(44)، ولعل ذلك كله -بجانب ظهور التماثيل النصفية المزدوجة للزوجين منذ عهد عبادة الثالث، وحتى نهاية عهد الملكية، يشير إلى أن المرأة النبطية، إنما قد وصلت إلى منزلة رفيعة في أثناء عهد الملكية.
وهناك ما يشير إلى أن الملك النبطي قد اشترك بفرقة من جيشه -بلغ عددها خمسة آلاف من المشاة، فضلا عن ألف من الفرسان، في الهجوم الذي شنه "تيتوس" في عام 70م على أورشليم، والذي انتهى آخر الأمر بتدمير المدينة المقدسة، وبانتهاء اليهود ككيان سياسي له وزن في فلسطين(45).
وجاء بعد مالك الثاني ولده "رب إيل" الثاني "سوتر Soter" وقد حكم في الفترة "70-106م" أو "75-101م"(46)، ويبدو أن حكمه كان تحت وصاية أمه "شقيلة"، وأن أخاه "أنيس "أنيشو" كان يساعد أمه في شئون الحكم، وحينما بلغ الملك الصبي رشده، تزوج من أخته "جميلة" التي نقشت صورتها بجانب صورته على إحدى العملات واستقل بالحكم(47)، ويبدو أنه هو الذي وصف بأنه "الذي جلب الحياة والخلاص لشعبه"(48).
ويبدو أن الظروف السياسية بدأت تتغير عند وفاة "رب إيل الثاني"، ذلك أن الإمبراطورية الرومانية التي كانت قد ابتلعت الدويلات الصغيرة في سورية وفلسطين، بدأت تعد العدة لجولة فاصلة مع "الفرثيين"، ومن ثم فقد بدأ القادة الرومان يرون ضرورة إخضاع كل الدول التي كانت تفصل بينهم وبين أعدائهم، وهكذا أمر "تراجان" "98-117م" نائبه في سورية "كورنيليوس بالماء" في عام 106م، بأن يزحف على البتراء، وأن يضم دولة الأنباط إلى الإمبراطورية الرومانية، وهكذا أصبحت تعرف فيما بعد باسم "المقاطعة العربية Provincia"، وغدت "بصرى"(49) عاصمة لها، بينما أخذت البتراء تتضاءل شيئا فشيئا، حتى أصبحت في القرن الثالث الميلادي مجرد مكان ضيئل الشأن، وإن احتفظت بمكانها كمركز ديني مسيحي مهم(50).
___________________________
(1) G.A. COOKE, OP. CIT., P.216
(2) مكابيين ثان 5: 8.
(3) جواد علي 3/ 22، وكذا THE BIBLE DICTIONARY, I, P.107
(4) هو يهوذا المكابي الذي قام بثورة في عام 168ق. م، ضد الارستقراطية اليهودية، ثم سرعان ما تحولت إلى ثورة لتحرير اليهودية نفسها من سيطرة "أنطيوخس الرابع" "175-164ق. م"، وانتهت بتنصيب "سمعان" شقيق يهوذا كاهنا وحاكما على اليهودية في عام 141ق. م "مكابيين أول 13: 34-42"، وهكذا ولدت دويلة يهودية دامت حتى مجئ الرومان بعد ثمانين عامًا "فيليب حتى: المرجع السابق ص267-269".
(5) مكابيين أول 5: 24-27، 9: 35.
(6) مكابيين ثان 5: 8.
(7) عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص230، تاريخ يوسفيوس ص70.
(8)EI, III, P.801 وكذا J. HASTINGS, ERE, 9, P.121
(9) جواد علي 3/ 25، وكذا F. ALTHEIM AND R. STIEHL, OP. CIT., P.290
وكذا E. SCHRADER, OP. CIT., P.153
(10) KLT, P.153. وكذا EI, III, P.801. وكذا J. HASTINGS, OP. CIT., P.121
(11) F. ALTHEIM AND R. STIEHL, OP. CIT., P.290
(12) فيليب حتى: المرجع السابق ص419.
(13) جواد علي 3/ 26
وكذا THE UNIVERSAL JEWISH ENCYCLOPAEDIA, 8, P.79
(14) فيليب حتى: المرجع السابق ص419، جواد علي 3/ 27
وكذا CAH, P, P.409. وكذا EI, 3, P.801 وكذا J. HASTINGS, ERE, 9, P.121
وكذا JOSEPHUS THE JEWISH WAR, I, IV, 3-4
(15) يبدو أن حكمه كان قصيرا لم يتجاوز العام "87/ 86ق. م"، وقد عثر له عن تمثال في البتراء عام 1898م "انظر: J. CANTINEAU, OP. CIT., P.1
وكذا SYRIA, IV, 1923, P.152. وكذا DIE ARABER, I, P.291
(16) جواد علي 3/ 29، وكذا E. SCHRADER, OP. CIT., P.153
(17) الإيتوريون: من أصل عربي، ولغتهم آرامية، وهم "يطور" في التوراة "انظر: نكوين 25: 15، أخبار أيام أول 1/ 31، فيليب حتى: المرجع السابق ص269".
(18) جواد علي 3/ 30، وكذا A. KAMMERER, OP. CIT., P.515
وكذا R. DUSSAUD, LA PENETRATION DES ARABES EN SYRIE AVANT L'ISLAM, PARIS, 1955, P.55
(19) فيليب حتى: المرجع السابق ص270-271، جواد علي 3/ 29-30
وكذا CAH, 9, P.400 وكذا J. HASTINGS, OP. CIT., P.147
وكذا Josephus, The Jewish War, I, Iv, 7-8, Antiquities, Xiii, 15, 2
(20) جواد علي 3/ 30.
(21) جواد علي 3/ 31، وكذا Josephus, Xiii, Xv, 2, Vol. Ii, P.428
وكذا J. Hastings, Op. Cit., P.12. وكذا Eb, P.1932. وكذا Cah, Ix, P.400
(22) تاريخ يوسفيوس ص110-115 وكذا Josephus, The Jewish War, P.302
(23) وتسمى "ربة" ثم تغير اسمها في العصر الإغريقي إلى "فيلادلفيا" نسبة إلى بطليموس فيلادلفيوس "بطليموس الثاني" وهي في موقع "عمان" الحالية عاصمة الأردن، حيث يوجد في اسمها جزء من اسم العمونيين الذين تنسبهم التوراة إلى "بني عمي" بن لوط، وكانوا يسكنون إلى الشمال الشرقي من "مؤاب" في الإقليم الأعلى من "يبوق" "انظر: تكوين 19: 38، كتابنا "إسرائيل" ص345-346
وكذا M. Noth, Op. Cit., P.157-8. وكذا F. Unger, Op. Cit., P.45
(24) جواد علي 3/ 33
وكذا F. Altheim and R. Stiehl, Op. Cit., P.302. وكذا Cah, Ix, P.382
(25) وكذا F. Altheim and R. Stiehl, Op. Cit., P.303
وكذا J. De Morgan, Manuel De Numisme Orient, 2, 1924, P.237
وكذا جواد علي 3/ 33.
(26) فيليب حتى: المرجع السابق ص309، جواد علي 3/ 29، وكذا Eb, P.991
(27) فيليب حتى: المرجع السابق ص420 وكذا Clermont-Ganneau, Rao, Ii, P.379
وكذا Provincia Arabia, I, P.209
(28) جرجي زيدان: المرجع السابق ص88، صالح العلي: المرجع السابق ص39، عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص234، جواد علي 3/ 34
وكذا H. Von Wissmann and M. Hofner, Op. Cit., P.306
وكذا P.K. Hitti, Op. Cit., P.68
(29) فيليب حتى: المرجع السابق ص420 وكذا J. Hastings, Ere, 9, P.121
(30) فيليب حتى: المرجع السابق ص311-312 جواد علي 3/ 35-36
وكذا Josephus, Antquities, Xiv, 8, 3, 5, Xv, 6, 4, The Jewish War, I, Xiii, 8
(31) تاريخ يوسفيوس ص168، فيليب حتى: المرجع السابق ص311-312، جواد علي 3/ 35-36،
وكذا The Jewish War, I, Xviii, 4, 1-4
وكذا F. Altheim and R. Stiehl, Op. Cit., I, P.3-6-307
(32) جواد علي 3/ 37، وكذا F. Altheim and R. Stiehl, Op. Cit., P.306
وكذا Josephus, The Jewish War, I, P.383
(33) F. Altheim and R. Stiehl, Op. Cit., P.286 وكذا Ei, 3, P.801
وكذا J. Hastings, Op. Cit., P.121
(34) فيليب حتى: المرجع السابق ص423، وكذا G.A. Cooke, Op. Cit., P.244
(35) J. Hastings, Op. Cit., 9, P.121
(36) متى 14: 3-11، تاريخ يوسفيوس ص214، فيليب حتى: المرجع السابق ص420-422. قارن: ابن الأثير 1/ 301-302، تاريخ الطبري 1/ 585-593، تاريخ ابن خلدون 2/ 144، ولكن للأسف، فإن المراجع العربية "ابن الأثير، الطبري" مضطربة في تأريخها لهذه الفترة، حتى أنها تذهب إلى أن الله -سبحانه وتعالى- قد سلط على اليهود بخت نصر "نبوخذ نصر 605-562ق. م" جزاءً وفاقًا لما ارتكبوه في حق النبي الكريم سيدنا يحيى عليه السلام، وأنه قتل منهم سبعين ألف رجل وامرأة حتى سكن دم يحيى، مع العلم بأن العاهل البابلي كان يعيش في أخريات القرن السابع، وحتى عام 62 من القرن السادس قبل الميلاد، وأن سيدنا يحيى عليه السلام كان يعيش بعد ذلك بحوالي ستة قرون، حيث عاصر المسيح عليهما السلام.
(37) تاريخ يوسفيوس ص213، جواد علي 3/ 43-44.
وكذا Josephus, Antiquities Of The Jews, 18, V, 1
(38) رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 11: 32، وكذا P.K. Hitti, Op. Cit., P.69
(39) J. Hastings, Eb, P.206
(40) جواد علي 3/ 41، وكذا J. Hastings, Ere, 9, P.121
وكذا Ei, 3, P.801 وكذا F. Altheim And R. Stiehl, Op. Cit., P.304
وكذا Zdmg, 1869, Xxiii, P.435
(41) جواد علي 3/ 41-43، وكذا Rep, Epig, I, Ii, P.44, Ii, Iii, P.357
وكذا Cis, Ii, 354 وكذا G.A. Cooke, Op. Cit., P.244
وكذا Pronvincia Arabia, I, P.383
(42) جواد علي 3/ 46، وكذا J. Hastings, ere, 9, P.121 وكذا Ei, 3, P.801
(43) N Glueck, Op. Cit., P.542
(44) فيليب حتى: المرجع السابق ص423، وكذا A. KAMMERER, OP. CIT., P.254
(45) فيليب حتى: المرجع السابق ص423، وكذا JOSEPHUS, THE JEWISH WAR, III, 4, 2.
(46) J. HASTINGS, ERE, 9, P.121. وكذا EI, 3, P.801
(47) جواد علي 3/ 48، وكذا REP, EPIG, 468
(48) فيليب حتى: المرجع السابق ص423، وكذا A. KAMMERER, OP. CIT., P.255-6
(49) انظر: فيليب حتى: المرجع السابق ص323-324، مكابين أول 5: 26، 28، البكري 1/ 253-254، ياقون 1/ 441-442.
(50) N. GLUECK, OP. CIT., P.543. وكذا E. GIBBON, OP. CIT., P.214
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|