أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-11-2016
694
التاريخ: 2-11-2016
987
التاريخ: 3-11-2016
924
التاريخ: 3-11-2016
864
|
تخصص أثبات الملوك للملك "أور ــ نمو" حكماً دام ثماني عشرة سنة، ابتداء من إعلان استقلاله عن "أوتو ـ حيكال""، على أننا لا نعرف تسلسل الاحداث الخاصة بالسني الأولى من حكمه. وقد جاء في إحدى جهات البلاد، كما يذكر نفسه في مقدمة شريعته التي سيأتي الكلام عليها أنه أخضع حاكم لجش المسم "نمخني" مما سبقت الإشارة إليه في القسم الخاص بالكوتيين. ودونت إحدى الحوادث المؤرخ بها أنه مهد الطريقة من "الجهات السفلي إلى الجهات العليا"، أي إنه سار من "البحر الأسفل" (الخليج) إلى البحر الاعلى "البحر المتوسط).
أما عن شريعة "أور ــ نمو" الشهيرة التي وجدت منها نسخ غير كاملة في مدينة "نفر"(1)، فقد أفردنا لها بحثاً خاصاً في الفصل المخصص للشرائع في الجزء الثاني من هذا الكتاب. ومما لا شك أن عهد هذا الملك كان بداية تعاظم سلطان الدولة وازدهارها الاقتصادي، فقد قام بمشاريع عمرانية ضخمة في عاصمته "أور" وفي مدينة الوركاء ونفر وغيرها من المدن المعظمة، كما تشير إلى ذلك النصوص القصيرة المدونة على مخاريط الطين (Clay Cones) واحجار الأبواب (Door Sockets). ففي مدينة "نفر" جدد معبد الإله "أنليل"، اما تجديد معبد حارة "تمال" العائد إلى ننليل، زوجة الإهل "أنليل" فقد اضطلع به ابنه وخليفته "شولكي". وشيد في مدينة الوركاء زقورتها العائدة إلى الإلهة "أنانا" )عشتار)، وحرم المعبد فيها، واضطلع ابنه "شولكي" بإكمال جملة مشاريع بدأ بها أبوه.
ووجه "أور ــ نمو" نشاطه بالدرجة الاولى إل إعمال عاصمته "أور" وانجز فيها عدة مشاريع عمرانية كبيرة، وفي مقدمتها زقورة المدينة "برجها المدرج)(2)، الذي تعتبر أقدم ما يمثل تلك البنايات العجيبة التي تفردت بها حضارة وادي الرافدين، ونعني بذلك الزقورات (جمع زقورة)(3)، إذ يعتبر الباحثون عهد سلالة "اور" الثالثة الزمن الذي تطورت فيه هذه الأبنية إلى هيئاتها المميزة المعروفة، من بعد نشوء المعابد العالية التي كانت تقام فوق مصاطب في العصر "الشبيه بالكتابي" (منتصف الألف الرابع ق.م). وتعاصر زقورة أور في الزمن زقورتا الوركاء وأريدو وكذلك زقورة "نفر". وتمتاز هذه الزقورات وبوجه خاص في عهد سلالة "أور" الثالثة بأنها مؤلفة من ثلاث طبقات، وقد ازداد عدد طبقاتها في العصور التالية فبلغ مؤلفة من ثلاث طبقات، وقد ازداد عدد طبقاتها في العصور التالية فبلغ في العصور المتأخرة سبع طبقات، وأشهر مثال على الزقورات من هذه الأدوار المتأخرة برج بابل الشهير الذي أصبح في العصر البابلي الحديث (القرن السادس ق.م) مكوناً من سبع طبقات.
وبالنظر إلى أهمية زقورة "أور" فيحسن أن نورد لها وصفاً موجزاً فنقول إن "أور ــ نمو" شيد هذه الزقورة على أنقاض زقورة أقدم منها يرجح أن ترجع في زمنها إلى عصر فجر السلالات ولعلها نشأت قبل هذا الزمن. وقد جعل "أور ــ نمو" هيكلها الداخلي من آجر اللبن، وغفله بغلاف من الآجر المشوي (المفخور)، ثخنه (8) أقدام، وقد بني هذا الغلاف الآجرى بملاط (Mortar) من القير(4) وتتألف الزقورة كما قلنا من ثلاث طبقات، قياس السفلي منها في قاعدتها 200 × 150 قدماً (نحو 62,50 × 43 متراً) وعلو ما بقي من طبقتها العليا (60) قدماً (نحو 20 متراً)، وكان المعبد العالي فوق هذه الطبقة الثالثة التي لم يبق منها الآن سوى معالم واطئة. وقد جدد البرج في عهود الملوك المتأخرين، آخرهم "نبونيدس"، آخر ملوك الدولة البابلية الحديثة، وقد جعلها هذا الملك على ما يرجح سبع طبقات، ولا تزال تشاهد هذه التغيرات التي أحدثها "نبونيدس". وبقي من البرج في وجهه الشمالي الشرقي السلالم الثلاثة التي كان يرقى بها إلى أعلى البرج، واحد في الوسط واثنان جانبيان يتصلان بالسلم الوسطى في الأعلى. وقد اضطلعت مديرية الآثار العراقية بصيانة البرج من عام 1959 إلى 1963 بتثبيت الجدران المتصدعة المتداعية وإعادة الأجزاء المتساقطة من السلالم.
ومما يلفت النظر في برج "اور" أن من ينظر يشعر بجماله ورشاقته المتأنيين من التناسب في قياسات الجوانب وأوجه القاعدة السفلى. فمثلاً إذا أنعمنا النظر من قريب في سطوح هذا الأوجه بدت لنا وكأنها على شيء يسير من التحدب أو الانتفاخ، وهي الخاصية المعمارية التي تميزت بها الأبنية اليونانية ولا سيما الأعمدة، مما يطلق عليه مصطلح التحدب(5). وتقوم زقورة "أور" فوق دكة او مصطبة وسط الساحة المقدسة المخصصة لمعابد المدينة ولا سيما معبد الإله القمر "ننا" (وكان يلفظ سابقاً ننار وهو سين في اللغة الآكدية)، وتحيط هذه الساحة بالمخازن ومساكن الكهنة ومعبد هذا الإله وزوجته "ننكال". واسمه بالسومرية "أي ــ تمن ــ ني ــ كور" (E-temen-ni-gur). وتشغل هذه المنطقة هذه المنطقة المقدسة النصف الشمالي من المدينة، وكان مجرى الفرات القديم يمر بمحاذاة الجانب الغربي من البرج.
ومما يقال عن زقورة "أور" إنها من نوع الزقورات ذوات القواعد المستطيلة، حيث الطبقة الأولى السفلى قياسها 62,50 × 43 متراً كما قلنا، وارتفاعها 11 متراً، وقياس الطبقة الثانية 36×26 متراً، وارتفاعها (6) أمتار وبقايا الطبقة الثالثة 120 متراً، ولكن لم يبق سالماً من ارتفاعها الأصلي سوي (3) امتار، فيكون ارتفاع ما بقي من الزقورة الآن (20) متراً، كما ذكرنا. وقد خلد "اور ــ نمو" إقامته للزقورة في قطعة منحوتة من الحجر، لم يبق سالماً منها إلا مشاهد جزئية أهمها مشهد صور في قطعة منحوتة من الحجر، لم يبق سالماً منها إلا مشاهد جزئية اهمها مشهد صور فيه الملك وهو واقف بهيئة صلاة وتعبد أمام الإله الجالس على عرشه (وهو الإله القمر ننا) لتسلم الأوامر منه، ويشاهد في المشهد الأسفل الملك وقد تسلم الأوامر المقدسة في تشييد الزقورة ودعها البناء مثل الخيط وعصا البناء.
وبالإضافة إلى هذه القطعة المنحوتة وجد عدد من التماثيل النفسية بعضها مصنوع من البرونز المسبوك وبعضها من الحجر، وهي تمثل الملك "اور ــ نمو" وخلفاءه من أبنائه وهي منقوشة في الغالب بنصوص سومرية قصير باسم الملك وألقابه وتسجيل بناء أحد المعابد.
ويأتي حفر الأقنية والأنهار وجداول الري من بعد مشاريع البناء من حيث تسجيلها فيما جاء إلينا من كتابات "اور ــ نمو". وقد شغلت إبان فترة الحكم الكوتي المظلمة، فلزم على مؤسس سلالة "اور" الثالثة وخلفائه بذل الجهود المتواصلة لإعادة الرخاء والأزدهار الاقتصادي إلى البلاد. فنقرأ في كتابة أحد المخاريط الطينية الذي وجد في "لجش"(6) خبر حفر الملك "أور ــ نمو" لنهر ري كبير اسمه "ننا ــ كوكال" (Nanna Gugal) في الحدود ما بين منطقة لجش و"أور"، وانه حفر له خزاناً كبيراً "كأنه البحر". في كتابات مخاريط الطين التي وجدت في الموضع المسمى "دقدقة" (شمال شرقي الزقورة بنحو2/11ميلأ) نقرأ جانباً من أعمال الري في هذه المنقطة في إعادة اتصال مدينة بنهر الفرات عند هذا الموضع، وتشييد ميناء وجدت بقاياه، لربط مدينة "أور" بالبحر (الخليج) عن طريق النهر.
شولكي:
خلف "شولك"(7) أباه "أور ــ نمو" على عشر أور. وقد حكم زمناً طويلاً، في حدود الثمانية والأربعين عاماً، صرف معظم النصف الأول منها في إقامة مشاريع بنائية وعمرانية، وفي مقدمتها إكمال بناء جملة معابد وأبراج مدرجة "زقورات" كان قد بدأ بها أبوه ولكن لم يستطع إتمامها، مثل زقورة "أور" ، والوركاء، وتجديد بناء حارة "تمال"، موضع عبدة الإلهة "ننليل" في مدينة نفر. وأصلح التقويم ووحده كما جعل الموازين والمكاييل على قياس واحد مطرد. ويجد الزائر للمتحف العراقي والمتاحف العالمية الاخرى نماذج من هذه الموازين المنقوشة بكتابة قصيرة باسم الملك ومقدار الوزن، وهي مصنوعة من الحجر في الغالب على هيئة البط، رؤوسها ملتفة إلى الوراء.
وحذا "شولكي" حذو الملك الآكدي "نرام سين" في استعمال لقب "ملك الجهات الأربع". وتوجد إمارات قوية على أنه بولغ في تقديسه إلى حد التأله والعبادة في أثناء حياته ومن بعد مماته. فكانت القرابين تقدم إلى تماثيله في أنحاس الامبراطورية مرتين في الشهر، وسمي احد شهور السنة في التقويم السومري باسم "شولكي المقدس". ولما مات دفن في قبر فخم شيد فوقه معبد لتقديم القرابين إليه وعبادته، ولا تزال بقايا هذا القبر والقبور الفخمة الاخرى العائدة لملوك سلالة "أور" من الآثار البارزة في المدينة، ولكن المنقبين وجدوها خالية معبوثاً بها، وقد انتهكت في أثناء الغزوات المدمرة التي قام بها الاموريون العيلاميون. وقد وصل إلينا نحو ثلاثين ترتيلة دينية خصصت لهذا الملك، وقد حوطب فيها بتمجيد كأنه إله من الآلهة، وانه تحدر من صلب الآلهة مثل "لوكال نبدأ" والإلهة "ننسون" اللذين كانا أيضاً أبوي جلجامش ولذلك دعى "اور ــ نمو" في إحدى تلك التراتيب بأنه أخو جلجامش، وإلى ذلك ادعى "شولكي" بأنه ذو قربى بالإله الشمس "أوتو". وقد شيد للملك معبد في مدينة "نفر". ومما أثر عن شولكي أنه أتقن فن الكتابة والأدب، ولعل هذا يسوغ الاستنتاج بأن الكثير من تلك المدائح والتراتيل التي وضعت لتقديسه كانت من نظمه؛ وتمتاز هذه التراتيل بأنها ذات أسلوب أدبي رفيع، يدل على ذلك ولع مدارس الكتبة من العهد البابلي القديم الذي أعقب زمن "اور" الثالثة باستنساخ بعض هذه القطع الادبية، ويدخل ضمن ذلك الرسائل الملكية. وقد جاءت إلينا نماذج من هذه النسخ من كتبة مدينة "نفر"، ولا سيما تراتيل شولكي وبعض رسائل "ابي ـ سين"، آخر ملوك هذه السلالة (8)، وسيرد ذكر هذه الرسائل في موضع آخر من هذا الفصل.
ومما يقال عن ألواح الطين الخاصة بحكم "شولكي" إنها قليلة العدد من اوائل حكمه، ووجد معظمها في لجش وفي أور، وغالبها غفل من التأريخ قبل عام حكمه الرابع والعشرين. اما نشاطه الحربي والسياسي فتظهر بوادره ابتداء من منتصف حكمه، فنجد الحادثة المؤرخ بها عام حكمه الثامن عشر تسجل زواجاً سياسياً، بزواج ابنته من حاكم احد الأقاليم العيلامية، المسمى "برخشي" أو "ورخشي"، الذي قام بدور بارز في أحداث الدولة الآكدية. ويظهر من عام حكمه الرابع والعشرين نشاطه العسكري في الفتوحات الخارجية، مبتدئاً بالأقاليم الشمالية والشمالية الشرقية، بالإضافة إلى بلاد آشور، ومنها مدينة "آشور" ومدينة "أوربيلم" (Urbilum) ( وهي اربائيلو، أربيل، الواردة في المصادر الآشورية)، ومدينة "سمورم" (Simmurm) التي يرجح انها تقع في منطقة بلدة "التون كوبري" على الزاب الأسفل، ومدينة "ششرم" (Shashrum) ، المرجح كثيراً تعيينها بالتل الأثري المسمى "شمشارا"، وقد وردت بهيئة شوشرا في الألواح المكتشفة في الموضع من العهد الآشوري القديم . كما وجهت حملات عسكرية على قبائل "اللولوو". اما في بلاد عيلام فقد توطدت سلطة "اور" في عهده، ومثل ذلك يقال بالنسبة إلى أقاليم الفرات الأوسط والاعلى.
ويتميز عهد "شولكي" بوجه خاص وملوك سلالة أور الثالثة بوجه عام من ناحية الوثائق المدونة بكثرة ما جاء إلينا من مختلف العقود القانونية والتجارية والسجلات الأخرى الدقيقة الخاصة بجميع انواع الواردات والصرف والشؤون الخاصة المختلفة، مما يتعلق بإدارة المعابد والمرافق والمؤسسات العائدة إلى الدولة. وقد احصيت هذه السجلات الإدارية والاقتصادية بزهاء عشرين ألف لوح، نشر القسم الأعظم منها(9) ولكنها ما زالت بحاجة إلى التحليل والدرس لاستخلاص النتائج منها عن الحياة الاقتصادية والإدارية والاجتماعية والدينية.
ونختتم كلامنا عن "شولكي" بالتنويه بأن شهرته لم تقتصر على الفتح وتنظيم إدارة الدولة وتقديسه الذي بلغ حد العبادة، بل أضاف الكتبة إلى ذلك أنه كان أول موسيقار في المملكة، فكان يحسن العزف على ما لا يقل عن ثماني آلات موسيقية، من بينها قيثارة وصفت بأنها ذات "ثلاثين وتراً"، وآلة موسيقية سميت باسم أحد ملوك كيش القدامى هو "اور ــ زبابا"(10)، الذي سبق أن رأينا كيف أن سرجون الآكدي كان ساقياً له ثم استقل عنه.
أمار ــ سين:
"أمار ــ سين" أو "بور ــ سين"(11)، الملك الثالث من سلالة "اور" الثالثة، وقد خلف أباه "شولكي"، وحكم تسع سنوات. ومما يقال عن حكمه بوجه عام إنه سار على خطي أبيه في توزيع نشاطه بين البناء والتشييد، وفي مقدمة ذلك إقامة المعابد، وبين النشاط العسكري والسياسي، ولا سيما في الأقاليم الشرقية والشمالية الشرقية، وهي الأقاليم التي لم تخضع خضوعاً تاماً لسلطان امبراطورية "أور" الامر الذي اضطر "أمار ــ سين" إلى إرسال الحملات العسكرية منذ بداية حكمه، فقد سمي الحدث الذي اتخذ لتأريخ عامه الثاني بأنه (العام الذي دمر فيه أمار ــ سين "أوربيلم" )، مجدداً بذلك ما قام به أبوه قبل نحو خمس سنوات. وأرخت السنتان السادسة والسابعة من حكمه بأحداث حربية في هذه الجهات، وذكرت مواضع ومدن سبق أن ورد ذكرها في عهد أبيه مثل "ششرم". اما في بلاد عيلام فيبدو أن الأحوال فيها استمرت هادئة مستقرة، وكذلك يقال بالنسبة إلى أرجاء الامبراطورية الاخرى، وكانت الطرق ونظام المواصلات ممهدة ما بين العاصمة وبين الولايات التابعة لها. ولعل أبرز ما كان يتميز به نظام الحكم والإدارة في عهد هذه السلالة بروز السلطة المركزية وتعاظمها، ويتجلى ذلك في طريقة ارتباط الولايات التابعة بالمحكومة المركزية "زريقم" الذين عين والياً على بلاد آشور في عهد "شولكي"، وقد شيد هذا الحاكم في تلك المدينة معبداً "لحياة سيده امار ــ سين".(12)، لأن هذا الملك قدس كذلك وبلغ درجة الألوهية مثل أبيه. وقد نعت في كتاباته بأنه "الإله الشمس الذي يهب الحياة إلى البلاد وقاضي البلاد". وشيد له قبر في مدينة "اور"، بجوار قبر أبيه، وأقيم فوق "سرداب" اللحد معبد لعبادته وتقديم القرابين والصلوات إليه.
وعلى الرغم من قصر حكم "امار ــ سين"، فقد قام بجملة مشاريع بنائية، ولا سيما في حقل تشييد المعابد كما نوهنا بذلك من قبل. فقد خصص جهوداً كبيرة في إعمار العاصمة "أور"، وتليها في ذلك المدينة المقدسة "نفر"، كما تشير إلى ذلك نتائج التنقيبات والنصوص المكتشفة. وشيد في مدينة "أريدو" زقورتها (برجها المدرج).
ولا يعلم على وجه التأكيد كيف كانت نهاية حياة "أمار ــ سين"، والطريف ذكره بهذا الصدد ما جاء في أحد نصوص الفأل من أنه "مات على إثر عضة حذاء"(13).
شو ــ سين:
"شو ــ سين" (وكان يقرأ سابقاً كمل ــ سين)، الملك الرابع من سلالة "أور" الثالثة؛ وتذكر أثبات الملوك انه ابن "أمار ــ سين" ولكن أدلة تأريخية أخرى تشير إلى أنه كان اخاه. ودام حكمه تسع سنوات، شغلها مثل أسلافه في مشاريع البناء والتشييد والحملات الحربية، ونال مثلهم أيضاً نصيباً من التقديس والتأليه. ففي حقل البناء ظهر نشاطه، مثل الملوك السابقين، في تجديد بناء المعابد في المدن المشهورة. ودونت أخبار هذا النشاط فيما وصل إلينا من نصوص مدونة، نذكر على سبيل المثال بناءه لمعبد الإله "شارا" في مدينة "أوما" (تل جوخة الآن قرب تلو)، وقد استغرق بناؤه سبع سنوات، واستعملت فيه (9) ملايين آجره كبيرة و (17) مليون آجرة صغيرة(14). وشيد له الحاكم التابع له المسمى "أتوريا" في "أشنونا" (عاصمة المملكة المسماة بالاسم نفسه) معبداً خاصاً لعبادته، وقد تناولته التحريات الأثرية التي أجرتها بعثات التنقيب من جامعة شيكاغو في منطقة ديالى (15).
وتشير الحوادث المؤرخة بها سنوات حكم "شو ــ سين" إلى توطيد الأمور واستتباب السلم في أرجاء الأمبراطورية، ولكن لم يخل حكمه من نشاط عسكري ولا سيما الحملات الحربية التي وجهها إلى منطقة جبال "زاجروس"، واستطاع فيها دحر اتحاد او تحالف من الدويلات الإيرانية(16)، كما أرسل الجيوش إلى الجهات الشمالية الشرقية في عام حكمه الثالث لإخضاع الثائرين في المنطقة المسماة "سمانم"، وفي سنته السابعة إلى الاقاليم المسمى "زبشالي"، وقد سجل انتصاره في المنطقة الاولى في منحوتات وضعها في مدينة "نفر"، ولكن لم يعثر عليها وإنما جاءتنا اخبارها المدونة من العهود التالية. وفي بلاد "عيلام" عين "شو ــ سين" حكامه في المدن المهمة. واشتهر في عهده شخصية مهمة هو حاكم لجش المسمى "أر ــ نانا" الذي شيد لسيده الملك معبداً في لجش، ووجدت له في هذه المدينة جملة أحجار ابواب (Door Sockets) نقشت فيها ألقابه وتبعيته إلى الملك "شو ــ سين" وقد عينه هذا الملك حاكماً عاماً (بالسومرية "سوكال ــ ماخ" ) في الأقاليم الشرقية.
بدء اندفاع الأموريين إلى وادي الرافدين:
بدأت في حكم "شو ــ سين" بوادر اندفاع هجرات سامية جديدة من أنحاء بوايد الشام، وهم الاموريون او الكنعانيون الشرقيون الذين قضوا على أمبراطورية "اور" في عهد آخر ملوكها المسمى "آبي ــ سين" وقامت على أنقاضها جملة دويلات من هؤلاء الاموريين، مما سنشرحه بعد قليل. فقد أرخت السنة الرابعة من حكم "شو ــ سين" بأنها السنة التي شيد فيها "سور الأموريين" وسمي هذا السور أو الجدار: "مورق تدنم" أي السور الذي يصد الأموريين (17) لأن كلمة "تدنم" من أسماء هؤلاء الأموريين أو هي صفة من صفاتهم. ومع أن "شو ـت سين" استطاع ان يصد اندفاع الأموريين على طوال نهر الفرات، إلا أن هذا كان صداً مؤقتاً. والمرجح كثيراً ان هذا السور شيد في موضع ما بالقرب من هيت (توتل أو دودل) وقد جاءت تفصيلات في وصف هذا السور في رسالة غير كاملة. واقتضى لإقامة هذا السور بموجب تلك الرسالة، كسر ضفاف النهرين (الفرات ودجلة) لعله لملئ الخندق الملاصق للسور، ويبدأ السد الترابي من الموضع المسمى قنال "ابكلات" وان طوله 26 "بيرو" (البيرو ساعة مضاعفة) أي في حدود 275 كم أو (170) ميلاً، وان جعل بدايته من الموضع المذكور أي "ابكلات" (وفي صيغة اخرى ابكلات) يمكننا من تعيين موضعه المحتمل بأنه لم يكن بعيداً من شمالي غربي بغداد، وأن القنال المذكور "ابكلات" يرجح ان يكون النهر الذي ورد ذكره في الأخبار المتأخرة باسم "بلاكوباس" الذي يقال إن الاسكندر الكبير هو الذي حفره، ويقترن عادة باسم المدينة "لوكات" التي يحتمل أنها بلدة الفلوجة. ولكن طول السد الذي قدر بنحو (170) ميلاً اطول بكثير من المسافة القصيرة ما بين الفرات ودجلة في منطقة الفلوجة، ولذلك فيرجح أن يكون طرفه الغربي عند بلدة الرمادي بالقرب من بحيرة الحبانية، والطرف الشرقي عند التلال الكائنة ما بين الفلوجة وبغداد(18).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن شريعة "أور ــ نمو" راجع:
(1) Karmer and Falkenstein in Orientalia, 23, (1954).
(2) Szlechthre in RA, (1955), 196ff.
(3) Kramer, The Sumerians.
(4) Finkelstein, in JCS, (1968 – 69), PP.ff.
(2) عن برج "أور" انظر:
Wooley, Ur ERcavtions, V, (1939)
وعن الأبراج المدرجة في حضارة وادي الرافدين بوجه عام:
Lenzen. Die Entwicklung Dar Zikkurat, (1941).
A. Parrot, Les Ziggurats ET Tour de Babel. (1949).
(3) لفظ الزقورة بابلي مأخوذة من مادة أو جذر يعني "علاء، يعلو" (زقر أو سقر أو صفر).
(4) ومن هنا منشأ الاسم المحلي لبقايا "أور" التي تعرف باسم "المقير" أو "اور المقير"، والمحتمل كثيراً أن هذا أصل التسمية العربية للمنطقة "ذي قار".
(5) أي (Entasis)، وهو كما قلنا تحدب طفيف يجعل في الغال في أبدان الأعمدة من أجل تصحيح خداع النظر الذي تبدو فيه الأعمدة أو الجدران مقعرة لو أنها شيدت وهي مستوية السطوح.
(6) حول مشاريع الري التي قام بها "أور ـت نمو" وخلفاؤه انظر:
CAH, I, Part2, (1971), 599ff.
(7) يكتب اسم هذا الملك بالمقطعين Shul – Gi، ومن المحتمل أن يقرأ المقطع الاول أي Shul بهيئة Dun فتكون قراءة الاسم "دونكي"، مثلما كان يقرأ سابقاً.
(8) حول هذه التراتيل ومظاهر التأليه الأخرى راجع:
(1) Falkenstein and Von Soden, Sumer. Und. Akkad. Hymnen Und Gebte, (1953).
(2) Falkenstein in IRAQ. (1960) 139ff.
وعن رسائل ملوك "أور" F. Ali, "Two Collections of Sumerian Letters" in Archiv Orientalni: 33, (1965), 529ff.
Kramer, in Orientalia, (1953). Van Dijk in Sumer, 15, (1959), Jacobsen in JCS, VII, (1953).
Sollberger, Tests from Cuneiform Sources, I, (1966).
(9) حول ألواح الطين في عهد سلالة "أور" الثالثة انظر المراجع الآتية:
(1) L. Oppeheim, Catalogue of the Cuneifrm Texts in the W. Eames Collection, (1948).
(2) Johnes and Snyder, Sumerian Econonic Texts from The Third Dynasty of Ur, (1961).
(3) Fish, in IRAQ, (1938).
(10) في نص نشر حديثاً انظر: CAH., I, part 2, (1971), 606-7.
(11) الصيغة الأولى من الاسم أي (امار ــ سين) هي الصيغة السومرية، ولكن يرجح كذلك أن يقرأ الاسم بهيئة (بور ــ سين) وهو الشكل الآكدي (السامي) وقد سبق أن ذكرنا أن الملوك الثلاثة الأخيرين من هذه السلالة كانوا ذوي أسماء سامية.
(12) انظر: A. Goetze in JCS, (1947), 216 (1928), P. 131.
(13) انظر: Goetze in JCS, 1947), 261, Nos. 29-31
(14) Saggs, The Greatness That Was Babylon, (1962), P. 57
(15) حول هذا المعبد انظر: Frankfort, The Gimil-sin Temple
(16) D. D. Edzard in Archiv Fur Orientforschung, (1959-60), If.
(17) لعله من المفيد أن نورد نص الحادثة المؤرخة بها السنة الرابعة من حكم "شو ــ سين" بلفظها السومري:
Mud Shu-d Suen Lugal Uri-ma-Ke bad mar – Tu mu-ri-iq ti-id-ni-im Mu-Du (Edzard, ZZB, P. 33).
(18) حول هذا السور انظر: Gadd in CAH, I, part2, (1971), 610ff.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|