أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-10-2016
1842
التاريخ: 27-10-2016
2101
التاريخ: 26-10-2016
1097
التاريخ: 27-10-2016
1848
|
إذا كان الآكديون قد اقتبسوا الشيء الكثير من تراث السومريين الفني فإننا مع ذلك نلاحظ في فن العصر الآكدي روحاً جديدة تتسم بالقوة والحركة والحيوية مما يمكن الوقوف عليه في المنحوتات وفي فن نقش الأختام الإسطوانية التي جاءت إلينا من هذا العصر، ويكفي ان نذكر بهذا الصدد الرأس البرونزي المسبوك الذي وجد في نينوى، وهو يمثل إما سرجون أو حفيده "نيرام ــ سين" ويعد على قدر عظيم من البراعة الفنية، ونذكر أيضاً المنحوتات الجميلة التي خلفها "نرام ــ سين" ويشاهد فيها قوة التعبير والحركة الحيوية.
ومن الأمور الحضارية التي يجدر التنويه بها في موضوع انتقال السلطة السياسية إلى الآكديين الساميين انتفاء الصراع القومي الذي كان يفترضه الباحثون القدماء ما بين الساميين وبين السومريين على أن منشأه أسباب قومية. إذا الواقع من الأمر أن الملوك الآكديين إذ كانوا قد اتخذوا القسوة إزاء بعض المدن السومرية فإن سبب ذلك لأنها أعلنت الثورة وليس لأن أهلها من السومريين، وأنهم ساروا على السياسة نفسها تجاه بعض المدن الآكدية إذ أظهرت العصيان. وعلى الرغم من حلول بعض الملاك الآكديين محل أهل بعض المدن السومرية توجد أدلة تأريخية مهمة تشير إلى المعاملة العادلة القانونية التي عومل بها أصحاب الأملاك المنتزعة منهم أملاكهم، ومن الأمثلة على ذلك أن الملك الآكدي "مانشتوسو" لم يغتصب الأملاك التي استحوذ عليها بل عوض عنها تعويضاً عادلاً كما جاء ذلك في نصوص مسلته التأريخية المشهورة(1)، ومع أن كتابة هذه المسلة لا تذكر الأغراض التي اشتريت من أجلها تلك الأراضي، إلا أن أغلب الظن أنها خصصت لأتباع هذا الملك من المحاربين الآكديين، وقد جاء من بين الأسماء اثنان من أبناء حاكم مدينة "اوما" السومري ، واسم بهيئة "أوروكاجينا" ابن "اينكلسا" حاكم لجش ولا يعلم بوجه التأكيد هل ان "أوروكاجينا" هذا هو الذي أزاحه "لوكال زاكيزي" من الحكم. وجاءنا من العصر الآكدي عدد غير قليل من الوثائق الخاصة بالمعاملات التجارية والاقتصادية والإدارية من جملة مواقع قديمة مثل المواضع الأثرية في منطقة ديالى ومن "سوسة" ومدينة "نوزي" يورغان تبه الآن بالقرب من كركوك، وكان اسم هذه المدينة في العصر الآكدي "كاسر" (Gasur).
ويستشف من مثل هذه الوثائق بوادر الانتقال من الاقتصاد المعبدي الذي كان سائداً في عصر فجر السلالات السابق إلى النظام العلماني في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. والجدير بالملاحظة عن ألواح الطين الخاصة بالعصر الآكدي أنها ذات أشكال تسهل معرفتها بمجرد النظر إليه، فبالمقابلة مع ألواح عصر فجر السلالات المدورة الأشكال تقريباً أو المدورة الزوايا وذات الكتابة غير المنتظمة، تميزت ألواح العصر الآكدي بجودة طينتها وبأشكالها المستطيلة وانتظام كتابتها وتخطيط أسطرها، حيث العلامات المسمارية منقوشة بعناية ودقة، وتمتاز أيضاً بجمال منظرها بوجه عام، ولم يضاهها من هذه الناحية إلا الألواح الآشورية وبوجه خاص ألواح مكتبة الملك الآشوري "آشور بانيبال". هذا وقد سبق أن أشرنا إلى بعض التغييرات التي أحدثها الآكديون الساميون في نظام الخط المسماري الذي أوجد في الأصل لتدوين لغة غير اللغة الآكدية بل اللغة السومرية، فاقتضى إجراء بعض التحويرات ليلائم تأدية تدوين اللغة الآكدية. كما أن هذه اللغة بدورها تأثرت من جراء تدوينها بهذا الخط المسماري، ولا سيما أصواتها في اختفاء بعضها من الكتابة وبوجه خاص حروف الحلق والأصوات السامية الأخرى مثل الضاد والظاء والعين والحاء لعدم وجود علامات مسمارية خاصة تؤديها. وظهرت منذ العهد الآكدي ظاهرة لغوية في نظام الخط المسماري هي أن العلامات المتخذة رموزاً (أي العلامات التي تقوم مقام الكلمات) للتعبير عن كلمات سومرية صارت تقرأ في اللغة الآكدية بما يرادفها من كلمات في هذه اللغة، واستتبع عن ذلك الحاجة إلى وضع معاجم ولا سيما في العهد البابلي القديم الألف الثاني ق.م) لشرح العلامات المسمارية بما يرادفها من كلمات وقيم آكدية.
الفتوح الآكدية ونتائجها:
قبل أن نتناول ملوك الدولة الآكدية وأعمالهم نواصل هذه المقدمة العامة عن العصر الآكدي بذكر ما نتج عن الفتوح الآكدية الخارجية التي قام بها سرجون وخلفاؤه وأشهرهم حفيده "نرام ــ سين"، فقد أسفرت تلك الفتوح من تكوين امبراطورية واسعة شملت معظم أجراء الهلال الخصيب وبلاد عيلام والأقسام الشرقية من آسية الصغرى إلى سواحل البحر المتوسط . وقد ألتقى النفوذ المصري في أواخر ما يسمى بالدول القديمة أو عصر الأهرام بالنفوذ الآكدي في مدن الساحل الفينيقية مثل جبيل وصور وصيدا، ولكن لم يحدث اصطدام مسلح بين الدولتين في هذا العصر، وسنرى من كلامنا على عهد مؤسس الدولة الآكدية "سرجون" كيف أن الكتابات التأريخية من العهود التي أعقبت العصر الآكدي تروي لنا غزو "سرجون" إقليم "كبدوكية" في شرقي الأناضول لنجدة مستعمرة من التجار الآكديين تأسست هناك للتجارة بالصوف والفضة كما يرجح امتداد النفوذ السياسي والثقافي في كريت وقبرص بدلالة ما وجد في هذه الجهات النائية من آثار حضارة وادي الرافدين وفي مقدمتها الأختام الاسطوانية. وأبانت التحريات الآثارية التي أجريت في منطقة الخابور وجهات الجزيرة العليا وجود مستوطنات من العصر الآكدي ومن العصور السابقة، نخص بالذكر منها الحصن الذي شيده "نرام ــ سين" في "تل براك" على الخابور، الامر الذي يشير إلى اتساع السيطرة الآكدية وعناية ملوك الدولة الآكدية في ضمان السيطرة على الطرق التجارية المهمة ما بين العراق وسورية الشمالية وموانئ البحر المتوسط وبلاد الأناضول. وسنشاهد اتساع الامبراطورية الآكدية في عهد "نرام ــ سين"، حفيد سرجون، حيث مد نفوذه إلى إيران وسورية الشمالية، كما ازداد النشاط التجاري مع الخارج إلى أقاليم نائية مثل "مجان" أو "مكان" (عمان في بلاد اليمن) ومثل البلاد المسماة "ملوخا" التي عينت في العصور القديمة بأنها في بلاد السند ثم بلاد نوبيا، كما ازدادت الاتصالات مع سواحل الجزيرة وفي مقدمتها بلاد "دلمون" أو "تلمون" التي أصبح تعيينها بالبحرين من الأمور المؤكدة تقريباً، ومما لا شك فيه أن يكون مثل هذه الاتصالات ثد تم عن طريق البحر، كل ذلك لجلب المواد الخام مثل النحاس والأحجار الكريمة وشبه الكريمة.
كانت الفتوح الآكدية تستهدف بالدرجة الاولى السيطرة على البقاع الغنية بالمواد والمواد الأولية الضرورية لازدهار الحضارة . وكان الحصول على مثل هذه المواد يتم في العصور السابقة ولا سيما في عصر فجر السلالات السابق عن طريقة التجارية الخارجية، ولكن هذه الوسيلة لم تن مضمونة على الدوام ثم إنا لنزاع ما بين دول المدن في ذلك العصر وتضارب مصالحها الاقتصادية وتنافسها كان من العوامل المعوقة لازدهار التجارية الخارجية. هذا وقد رأينا كيف أن آخر حكام عصر فجر السلالات المسمى "لوكال زاكيزي" قد مد فتوحه إلى مصادر تلك المواد الأولية، ولكن السلالة الآكدية قد حققت السيطرة الفعلية الدائمة تقريباً على أشهر مصادر التجارة الخارجية، فيكون الفتح الآكدي على ذلك أول نظام للإمبراطورية وطلائع الاستعمار الاقتصادي المباشر.
ونرانا في غنى عن القول إن تلك الفتوح كان لها أثر بعيد في تأريخ الحضارات البشرية، والاتصالات المباشرة ما بين شعوب منطقة الشرق الأدنى، ونشر حضارة وادي الرافدين في أقاليمه، فبدأ انتشار استعمال الكتابة المسمارية حيث استعارت الشعوب المجاورة الخط المسماري لتدوين لغاتها المختلفة، وإلى هذا انتشرت عناصر الحضارة ومقوماتها، من بينها الكثير من الأساليب الادبية والقصص والأساطير والمعتقدات الدينية، كانت عاملاً مهماً في تحضير كثيرة من الشعوب البدائية المتاخمة لوادي الرافدين عن طريق اقتباسها من عناصر هذه الحضارة وأساليبها الحربية وأسلحتها. وقد تمكن بعض الأقوام الجبلية الذين ورد ذكرهم باسم الكوتيين من الجهات الشمالية الشرقية أن تقضي على الدولة الآكدية في نهاية الأمر بعد اقتباسها فنون الحرب والسلاح من الآكديين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هي مسلة شبه هرمية من حجر الديوريت الأسود، ارتفاعها نحو (5) أقدام، وهي منقوشة بكتابة آكدية من 69 عموداً او حقلاً من الكتابة تسجل صفقات شراء اراضي من جانب الملك "مانشتوسو" في بعض المدن. ويرى الاستاذ "كلب" (Gelb) ان هذه المسلة نسخة زورت في العصر البابلي القديم (الألف الثاني ق.م) وقد عثر عليها في مدينة "سوسة" (عاصمة بلاد عيلام) حيث كانت من بين الغنائم التي أخذها العيلاميون من وادي الرافدين في نهاية العهد الكشي (القرن الثاني عشر ق.م). انظر نص المسلة وترجمتها في المرجع المرموز له بـ :
MDP, I, Pl, IX, Tome 2, Pl, 1ff.
وعن النصوص الأخرى من هذا العهد انظر:
Felb, Sargonic Texts from the Diyala Region.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|