الفكر الديني الأكدي :

قام الفكر الديني الاكدي على نفس الاسس الدينية التي كانت سائدة في العصر السومري . فقد آمن الاكديون بأن الخليقة قد انبثقت من العنصرين الأزليين ، وهما أبسو وتيامات . ولقد اعتقد الانسان الاكدي في الالهة . ولما استتب الامر للأكديين لم يحرموا المعبودات السومرية بل أطلقوا عليها السام السامي الشائع في بلاد أكد . فالإله (أوتو) اله الشمس في لارسة ، كان يقابله شمش اله الشمس الثاني ومركز عبادته في سيبار. وكوكب الزهرة التي كانت تقدس تحت اسم اينانا في الوركاء . كانت هي بنفسها الالهة في مختلف المدن. فهناك مثلا اله (ادوم) اله السماء، والاله (انليل) اله الهواء الرئيسية ، كان لكل دويلة اله خاص ، كما كان لكل انسان خاص يعتقد في حمايته له ، ويقوم القرابين له .

ومن ناحية اعتقاد الانسان الاكدي في حياته ما بعد ال موت ، فتنبغي الاشارة الى ان فكرة الجنة والنار لم تكن قد تبلورت بعد في مخيلتهم . ولذلك كان الانسان العراقي القديم في العصر الاكدي يخشى الاله ويقوم بالعبادة وتقديم القرابين، بغرض الحصول على الحياة ،وطمعا في النعم المادية في الحياة الدنيوية فقط . ومن هنا فقد استقر في عقول الاكديين بأن العمل الصالح في الحياة الدنيا يكون جزاؤه السعادة . اما اقتراف الآثام او الذنوب او الاتجاه الى الشر ، فإنه يؤدي الى تخلى الاله عن ذلك الشخص ووقوعه في عالم الرذيلة . وعلى ذلك ، ففي الامكان القول بأن الوازع الديني في تلك المرحلة اقتصر على احترام الشرائع الالهية والعمل بمقتضاها . بمعنى ان اقصى ما يطلب من الفرد ،هو الطاعة واحترام القانون ، وان من يخرج عليه يعد مذنبا يحل عليه العقاب . فكان لابد لأنسان تلك المرحلة من الخضوع لمثل هذا القانون لا ايمانا به ، بل خوفا منه . واما الاصل فيما وراء الحياة الدنيا فلم يكن اليه من سبيل . وقد أدى ذلك في النهاية الى اهتمام المجتمع الأكدي بالحياة الدنيا ، أكثر من عنايته بالعالم الآخر . ولقد كان ذلك الاعتقاد من الاسباب التي أدت الى اللجوء الى السحر ، حتى يتمكن الانسان من النجاة من عالم الرذيلة . وليس من شك في ان كل هذه المعتقدات قد أدت الى زيادة نفوذ طبقة الكهنة في المجتمع الأكدي. وقد تخصص بعض الكهنة في مساعدة الناس بتلاوة التعاويذ السحرية، او ابعاد الارواح الشريرة . وكان يطلق عليهم في العصر الأكدي (أشيبو) أو طبقة السحرة . وكانت من مهام الاشيبو ، تطهير المرض ومرتكبي الآثام بالتعاويذ السحرية التي كانت تتلى لطرد الارواح

وبالإضافة الى ما تقدم ، ازدادت التنبؤات وقراءة الغيب في المجتمع الأكدي ، وكان ذلك يتم عادة بواسطة طبقة أخرى من رجال الدين ، يطلق عليهم (بارو) . وكان ادراك الغيب يتم عن طريق دراسة كبد الحيوان الذي يقدم كتضحية للاله ، الذي يلاحظ خطوطه وتشققه التي تساعد العراف على التنبؤ بالغيب . أما معرفة الغيب عن طريق الاواني ، فكانت تتم بواسطة وضع الماء مع الزيت في اناء ، ومشاهدة حلقات الزيت وتحركاتها فوق الماء .

وعن طريقها يستطيع العراف أن يقدم نصائحه عما سوف يحدث للمريض، أو عما سوف يحدث لمشروع معين من فشل او نجاح. وبالنسبة لطبقة الكهان المعروفة باسم سانجو Sangu ، فكانت تقوم بتأدية الطقوس الدينية في المعابد . وكان رئيس هذه الطبقة من رجال الدين يتمتع بنفوذ كبير . وعادة يكون رئيس الكهان (السانجو) ابنا لأمير المدينة . ونرى في وثائق اسرة أكد ان الوظائف الكهنوتية للملك كانت اقل اهمية منها في العصور الاشورية المتأخرة ، حيث سمى الحاكم نفسه " سانجو " كما فعل في عصر الاسرات المبكر . ولكن الملك كان يقف في كل الازمنة على رأس الاكليروس Clergy (رجال الدين) ويقوم بتعيين الكاهن الاكبر (1) هذا التعيين كان من الاهمية بمكان لدرجة ان عاما سمى باسمه وبطبيعة الحال فإنه كان يستشير الآلهة قبل ان يتم مثل ذا التعيين . وفي بعض النصص نلمس اكثر من طريقة للاتصال بين الالهة وخادمهم الملك ، كأن يظلم القمر في يوم معين ، او ان يخفق نهر دجلة في الارتفاع في لجش ، كما ان الآلهة كانت تجيب على بعض التساؤلات عن طريق الوحي المنزل ، كما أن الاحلام كان طريقة اخرى للاتصال بين الملك الآلهة . وبالرغم  من أن الملك كان مكلفا بتنفيذ مشيئة الآلهة ، فإنه لم يكن مفروضا فيه ان يظل مكتوف الايدي في انتظار اوامر الآلهة . فقد كانت تجيئه الاحلام والرؤيا المعبرة اذا ذهب للنوم في معبد . فواجب الملك هو الملاحظة دائما. وفي بعض الاحيان كانت بعض المسائل ذات الاهمية الشخصية للملك يتقرر تنفيذها بدون اعتبار لرأيه او لرغباته . فعلى سبيل المثال كان في استطاعة هؤلاء الذين يعرفون الطالع ان يمنعوا الملك من استقبال أمير التاج .

_______

(1). Thureau-Dangin, F., op. Cit., p. 335.