أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2016
4656
التاريخ: 6-10-2016
1512
التاريخ: 7-10-2016
2295
التاريخ: 9-10-2016
1572
|
الجانب الثقافي :
من أهم المؤثرات الإيجابية التي أفرزها التنافس ، ذلك التواصل الثقافي بين بلدان الشرق الأدنى القديم ، ولا سيما بين البلدان المعنية بالأمر .
وإذا أردنا التحدث عن تأثيرات ثنائية في هذا الخصوص ، فإن الفتح المصري لبلاد الشام أوجد حالة من التفاعل الثقافي والحضاري بين البلدين لم ترق إليها في العهود السابقة ، حيث أدى اختلاط سكان بلاد الشام بالمجتمع المصري إلى أدخال الكثير من المفردات الجزرية في اللغة المصرية القديمة ، ولقد عثر على كثير منها في أوراق البردي التابعة للأسرة التاسعة عشرة(1)، ثم أن نساء بلاد الشام اللواتي جلبهن تحتمس الثالث وما بعده من الفراعنة المصريين وتزوجن في مصر ، كن يعلمن أبناءهن بعض الكلمات من لغتهن الجزرية ، مما أدى إلى دخول الكثير من هذه المفردات في اللغة المصرية القديمة (2) .
وفي حقبة العمارنة بدأ المصريون يطلقون على البحر كلمة ( يم ) الجزرية الأصل ، بينما كانوا يسمونه في السابق (الخضراء أو الخضراء جدا) مما يرجح دخول هذه المفردة إلى مصر من بلاد الشام، ولا سيما إذا ما علمنا أن المعبود (يم) الكنعاني (3) كان معروفا في مصر حين ذاك بشكل كبير(4)، هذا فضلا عن كلمات أخرى وجدت في اللغة المصرية القديمة مأخوذة من اللغة الكنعانية(5) .
وعلى ما يبدو كان للغة الجزرية باعتبارها لغة أهل البلد الذي تقاتل من أجله المصريـون والحيثيون ، حضورها في مخيلة رعمسيس الثاني وهو يأمر الشعراء باستخدام الفاظها لتسطير أحداث معركة قادش على واجهة المعابد المصرية الشهيرة(6)، كما كان للفتوحات المصرية أثرها الفعال في اثارة الحس التاريخي عند المصريين ، حيث اصطحب تحوتمس الثالث في حملاته على بلاد الشام علماء وكتاب يسجلون ويؤرخون كل ما يحدث(7) .
ويتضح التأثير الثقافي المصري على بلاد الشام ، فيما أثبته العلامة شامبليون من أن خمسة عشر حرفا من الأحرف الفينيقية مشتقة من الحروف الهيروغليفية ، أما السبعة فهي قريبة الشبه بها(8)، ووجدت أيضا تأثيرات مصرية على الكتابة الأبجدية الفينيقية كما هو الحال بالنسبة للحروف الدالة على الألف والباء والميم والتاء(9)، وكانت اللغة المصرية إحدى اللغات المستخدمة في تدوين نصوص أوغاريت(10)، واستخدم السكان في حمص بعض المفردات اللغوية المصرية، عندما كانت بلادهم تابعة للمصريين(11)، واشير الى ان جبيل استخدمت الخط الهيروغليفي المصري وخط اخر خاص بها متأثرا بالرموز الهيروغليفية المصرية(12) .
ويستشف من بعض نصوص الأدب المصري التي دونت في حقبة الأسرة التاسعة عشرة تقارب الثقافات بين الشعبين المصري والشامي ، ولاسيما في المجال اللغوي(13)، ولا يستبعد هذا الأمر على الأقل بالنسبة لبعض قطاعات المجتمع في بلاد الشام ، كالتجار مثلا ، فأولئك لابد أنهم أتقنوا اللغة المصرية وأجادوا التعامل بها بحكم العلاقة التجارية مع مصر، ولكن بصورة عامة لم يتأثر سكان بلاد الشام بالفكر واللغة المصرية إلا قليلا ، فأربعة قرون من الحكم المصري لبلاد الشام لم يكن كافيا لجعله مصريا كما يقول حتي(14) .
وبخصوص الحيثيين فإن تأثيرهم اللغوي على بلاد الشام اتضحت معالمه في مدينة أوغاريت التي خضعت للدولة الحيثية منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، وارتبطت معها بعلاقات تجارية متميزة أدت إلى استمرار جالية تجارية حيثية في أوغاريت تركت نصوصا من كتاباتها هناك(15)، وكان سكان المدينة عموما يفهمون اللغة الحيثية قراءة وكتابة(16)، وكذلك الحال بالنسبة للناس في حمص، حينما خضعت بلادهم للإمبراطورية الحيثية(17).
ولا شك أن مدينتي كركميش وحلب قد تأثرتا بشتى فروع الثقافة الحيثية – كسائر فنون الحضارة الأخرى – نظراً لأن كلا منهما كان مركزا للسيادة الحيثية المباشرة على بلاد الشام ، وقد استوطنتهما أغلبية حيثية منذ أيام شوبيلوليوما .
الجانب المعماري:
انعكس الثراء والرخاء الذي جنته مصر جراء فتوحاتها في بلاد الشام إبان الدولة الحديثة لاسيما فتوحات تحتمس الثالث على ازدهار الحركة العمرانية في مصر وتطورها ، ولا أدل على ذلك من كثرة المعابد الشهيرة التي شيدها فراعنة هذا العهد ، التي بقيت أثارها شاخصة ليومنا هذا ، كالأقصر والرمسيوم وأبي سنبل وغيرها من المعابد المهمة الأخرى ، ناهيك عن مئات معابد القبور التي اكتشفت في عاصمة الإمبراطورية (طيبة) ، وكانت مخصصة لكبار القواد الذين صحبوا الفرعون في حملاته الى بلاد الشام والنوبة ، وفيها ذكر لأسمائهم وسيرهم وأبرز أعمالهم الحربية(18)، كما انعكس ذلك على بيوت العامة منهم التي بدت أكثر فخامة وأتساعا وأجمل أثاثا مقارنة بالعهود السابقة(19) .
وفضلاً عن ذلك كان من أثر حروب رعمسيس الثاني الطويلة في بلاد الشام ، ولاسيما ضد الحيثيين، أن أضطر لأنشاء عاصمه جديده في موقع عاصمة الهكسوس القديمة (أفاريس) وأسماها (بر رعمسيس) ، فأصبحت طيبه مركز ديني فحسب يذهب أليها الملك فقط لحضور الاحتفالات، وقد أنعكس ذلك على أزدهار الحركة العمرانية في الدلتا ، حيث بنى فيها رعمسيس الثاني عدة مدن أخرى(20) .
والجدير بالذكر أن بلاد الشام لم تقدم أموالها فقط لتشييد أبنية مصر التاريخية ، بل قدمت أبناءها أيضا ، إذ سخر أمنحوتب الثاني الأعداد الكبيرة من الأسرى التي جلبها من هناك لبناء مشروعاته الضخمة(21)، والحال ينطبق أيضا على رعمسيس الثاني الذي استغل الأسرى فـي تشييد مشاريعه العمرانية الضخمة(22) .
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل أن المصريين تأثروا بأسلوب البناء في بلاد الشام ونقلوا ذلك إلى بلادهم ، فقد عرف المصريون أثناء حملاتهم على بلاد الشام نوعا آخر من الحصون يختلف عما ألفوه في بلادهم ، وهي عبارة عن أسوار تتخللها أبراج تبنى واجهاتها من الحجر ، فأدرك المصريون فائدتها أثناء الحرب فبنوا على غرارها في بلادهم ، وقد أحاط فراعنة الأسرة التاسعة عشرة الجهة الشرقية من الدلتا بهذه النوعية المقتبسة من الأسوار ذي الأبراج لحمايتها من أي خطر خارجي ، ثم اقتبسوا كذلك الأسم الجزري لهذه الحصون (ماجاديلو) وأطلقوه عليها فصار في لغتهم (ماكاتيلو) ، إلا أن المصريين أحدثوا تغييرا في مادة بنائه فبدلا من اللبن ، بنوا أسوارهم بالحجارة ، وقد عثر على نماذج من هذا البناء المحور في هيلوبوليس ومنف(23)، ويستدل من البناء المكشوف الذي بني فيه معبد إخناتون ، بأنه كان على غرار الطراز الذي شاع في جبيل آنذاك مما يدلل على تأثره به(24) .
وعلى الجانب الآخر فأن العمارة في مدن فينيقية ولا سيما في جبيل اقتبست الكثير من فن العمارة المصرية وخاصة في بناء المعابد(25).
كما أن طريقة البناء الحيثي تأثرت وأثرت بنظيرتها في بلاد الشام ، فقد استعمل الحيثيون الحجارة في تشييد الجزء الأسفل من الجدران ، أما الجزء الأعلى فقد اقتصر على اللبن أو الحجارة الصغيرة المقواة بالإطار الخشبي ، وهذه الطريقة ظهرت في مدينة ألالاخ في قصر الملك ( زمري –ليم ) الـذي يرجع تاريخ بنائه إلـى سنة (1760 ق.م)(26)، ولابد أن الحيثيين
اقتبسوها بعد استيلائهم على ألالاخ وبقية الأجزاء الشمالية من بلاد الشام منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، وبموازاة هذا عثر في رأس العين جنوبي مدينة صور على مسكن شيد حوالي القرن الثالث عشر قبل الميلاد يمثل تقليدا لقصور الحيثيين في كركميش(27) .
__________
(1) علام، نعمت إسماعيل، المصدر السابق، ص147.
(2) المصدر نفسه، ص144.
(3) الأحمد ، سامي سعيد ، الهاشمي ، رضا جواد، المصدر السابق ، ص308 .
(4) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص301 .
(5) أبراهيم ، نجيب ميخائيل ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص108 .
(6) وهو اله المياه عند الكنعانيين ويصور في النقوش على شكل تنين ويسمى بالثعبان الملتوي ، ينظر :- الدباغ ، تقي ، المصدر السابق ، ص112 .
(7) بريتشارد ، جيمس ، المصدر السابق ، صص76-77 .
(8) الأحمد ، سامي سعيد ، فترة العصر الكاشي ، ص397 .
(9) لوبون ، غوستاف ، الحضارة المصرية ، ترجمة صادق رستم ، مصر ، ب.ت. ، ص127 .
(10) Nelson , H.H., Op. Cit, P.27.
(11) طلس ، أسعد ، مصر والشام في الغابر والحاضر ، مصر ، 1945 ، ص49 .
(12) عصفور، محمد أبو المحاسن، المدن الفينيقية، ص187، 189.
(13) المصدر نفسه ، ص187 ؛ الخازن ، نسيب وهيبه ، من الساميين إلى العرب ، بيروت ، 1962 ، ص43 .
(14) الخوري ، عيسى أسعد ، تاريخ حمص منذ أقدم أدوارها إلى الأن ، حمص ، 1939 ،ص104 .
(15) شكري ، محمد انور ، حضارة مصر ، ص112 .
(16) ينظر :- صايغ ، انيس ، المصدر السابق ، صص12،45،69 .
(17) حتي ، فيليب ، تاريخ سورية ، جـ1 ، ص148 .
(18) فريحة ، أنيس ، ملاحم وأساطير ، بيروت ، 1966 ، صص23-24 .
(19) روليج ، فولجانج ، الشعوب واللغات والكتابات ، الأثار السوريه ، سوريه ملتقى الشعوب والحضارات ، ترجمة نايف بللوز، فينا ، 1985 ، صص338-339 .
(20) الخوري ، عيسى أسعد ، المصدر السابق ، ص104 .
(21) برستد ، جيمس هنري ، العصور القديمه ، صص70-73 .
(22) أبو النصر، عادل، المصدر السابق، ص184.
(23) أبراهيم ، نجيب ميخائيل ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص230 .
(24) مهران، محمد بيومي، المصدر السابق، جـ4، ص46.
(25) عصفور، محمد أبو المحاسن، معالم حضارات الشرق ، ص63 .
(26) كمال ، محرم ، المصدر السابق ، صص34-35 .
(27) زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، ص299 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|