المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17793 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الامور التي يجب على قارى‏ء القرآن مراعاتها
20-2-2019
التعويض النقدي في عقد المقاولة
26-8-2019
مراحل إدارة الأزمات
2023-02-11
أبو عبد الله الحسين بن عبد الله
12-6-2017
التعريف التشريعي للموظف العام
2024-09-16
تفسير الآية (45-54) من سورة يس
9-10-2020


المعجزة  
  
5721   03:23 مساءاً   التاريخ: 7-11-2014
المؤلف : فضل حسن عباس ، سناء فضل عباس
الكتاب أو المصدر : إعجاز القرآن الكريم
الجزء والصفحة : ص10- 20 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /

أصل مادة معجزة ، يقول الراغب الأصفهاني  (عجز : عجز الإنسان مؤخره ، وبه شبه مؤخر غيره ، قال {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20] والعجز أصله التأخر عن الشيء وحصوله عند عجز الامر ، أي مؤخره كما ذكر في الدبر ، وصار في التعارف أسما للقصور عن فعل الشيء ، وهو ضد القدرة ، قال {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ} [المائدة : 31] وأعجزت فلانا الأمور ، قال {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ } [الشعراء : 171] وقال {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} (1) [هود : 72]

والراغب إمام المعي ، وكتابه المفردات من خير المعاجم القرآني حقيقة ، نتمنى أن يقضي الله من يسنج على منواله .

وذكر ابن فارس (2) أن العين والجيم والزاي تدل على أصلين : أحدهما الضعف والآخر مؤخر الشيء ، وجاء في بعض المعاجم أن معنى العجز الضعف .

وأما هذه الآراء الثلاثة ، نرى أن أولاها قول الراغب الأصفهاني ، فأصل العجز في اللغة مؤخر الإنسان ، واستعير لغيره ، وهناك صلة وثيقة بين هذا المعنى وبين القصور عن الشيء ، فإن التأخر والقصور متلازمان ، لأن من تأخر عن غيره إنما يرجع ذلك الى تقصيره ، لسنا مع ابن فارس – إذن – بأن هذه المادة تدل على أصلين اثنين ، بل هي تدل على أصل واحد وهو مؤخر الشيء ، والتقصير إنما هو ناتج عن هذا المعنى .

والمتدبر لآي القرآن الكريم هذه القضية ، واللغويون والمفسرون مجمعون على أ، ليس للعجز إلا هذا المعنى .

هذا وإن امانة العلم وجدية البحث تقتضي منا أن ننبه على ما ورد في كتبا جديد لمؤلف نحب ونشكر له جهوده الطيبة ، وهو الدكتور صلاح الخالدي يقول في كتابه :

(وعند إمعان النظر في أصلي كلمة (العجز) وتعريفاتها واستعمالاتها واشتقاقاتها ، تجد انها تحمل معنيين متضادين ، العجز والقدرة ، ... فإعجاز النخل  : أواخرها ، وهي أقوى جزء فيها ، لأنها تحمل كل ما فوقها ، وأعجاز الليل : أواخره ، وهي اللحظات التي تسبق الفجر ، وهي أشد أعداء الليل ظلاما وحلوكة وسوادا ، وأعجاز الإبل أقوى ما فيها لأنها تحمل عليها الاحمال والاثقال ، وعجز البيت أقوى من صدره : لأن فيه القافية التي تربطه مع باقي أبيات القصيدة .

وعندما يتحدى المتحدي الآخرين ، فغنه لا يتحدى إلا الأقوياء ، ومن يظنون أن بمقدورهم غلبته  وتعجيزه ، إذ أنه لو تحدى الضعفاء فلا فضل له ولا فخر في غلبته لهم ، بل ربما كان هذا مأخذا يؤخذه عليه) (3).

ثم حاول الكاتب تطبيق هذا الذي قاله على آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية فقال (.... والمعجزة هي امس الفاعل المؤنث من ذلك الفعل ، فالتاء فيها هي تاء التأنيث ، وليست المبالغة ، كما قال بعض العلماء ، لأنك تقول مؤمن ومؤمنة ، ومبصر ومبصرة ، كما تقول ك معجز ومعجزة ، والله أعلم) (4)

وعند قوله سبحانه  وتعالى {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} [هود : 72] وهي امرأة إبراهيم أبينا عليه الصلاة والسلام ، يقول : إن هذه الكلمة يتمثل فيها الضعف والقوة معا ، وكذلك عند قوله سبحانه عن امرأة لوط عليه الصلاة والسلام { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [الشعراء : 170، 171] يقول   :

فامرأة إبراهيم عليه السلام ، عجوز ، عاجزة عن الحمل والإنجاب ، ولكن الله منحها القوة بحيث قدرت على الحمل والإنجاب ، فتحولت بإذن الله من عجوز عاجزة الى عجوز قوية ، لقد تمثلت فيها قوة العاجز .

 أما امرأة لوط عليه السلام فعلى العكس من امرأة إبراهيم عليه السلام حيث كان بمقدورها أ، تكون قوية ، وأن تلحق بالركب المؤمن الناجية ، ولكنها عجزت عن ذلك وضعفت ، فبقيت مع القوم الهالكين ، لقد أعجزها كفرها عن النجاة ، لقد تمثل فيها عجز القوي .

إن امرأة إبراهيم – عليها السلام - عجوز ، نموذج لقوة العاجز ، وإن امرأة لوط (عليه السلام) عجوز نموذج لعجز القوي (5).

ويقول عند وقله تعالى : {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20] وقوله تعالى : {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة : 7] و وقد جاءت أعجاز النخل مذكرة في سورة القمر ، وصف بها صف مذكر ، { تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } [القمر : 20] ، وكان منظور فيها الى مجموع النخر ، وجموع التكسير يجوز تذكريها وتأنيها ، تقول : جاء الرجال ، وجاءت الرجال .

بينما جاءت أعجاز النخل مؤنثة في سورة الحاقة ، ووصف بها وصف مؤنث { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة : 7] حيث كان منظورا الى أفراد النخل ، أي منظورا فيها الى كل نخلة على حدة والنخلة مؤنثة .

ويتمثل في (أعجاز النخل ، معنى الإعجاز ، وهو عجز القوي ، أو اجتماع الضعف مع القوة ، فعجز النخلة هو أقوى شيء فيها ، لأنه يحمل ما فوقه من جسمها ، ولكن هذا العجز القوي يضعف ويعجز عن الثبات والصمود أمام العواصف الشديدة ، ولذلك ينقعر ويسقط بما يحمل ، ويكون خاويا ملقى على الأرض (6) .

ويستمر الكاتب في التدليل على ما ذهب إليه من الأحاديث الشريف :

1- عن ابي الدرداء عن النبي (صلى الله عليه واله) قال : (أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ قالوا وكيف يقرأ ثلث القرآن قال يقرآ (قل هو الله أحد) فإنها تعدل ثلث القرآن) (7) .

فالمسلم قادر على أن يفعل ذلك ، فلماذا يتعاجز عنه ؟

2- عن سعيد بن أبي وقاص عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أنه قال : (أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة ؟ قالوا ومن يطيق ذلك ، قال يسبح مائة تسبيحة ، فيكتب له ألف حسنة ، وتمحى عنه ألف سيئة) (8) .

فهم قادرون على كسب ألف حسنة في اليوم ، ولكنهم ظنوا أنهم عاجزون عن ذلك ولا يطيقونه ، والرسول (صلى الله عليه واله) انكر عليهم تعاجزهم وبين لهم قدرتهم على ذلك.

3- عن عقبة بن عامر أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال : (قال ربكم أعجز يا ابن آدم تصلي أول النهار أربع ركعات بهن آخر يومك) (9) فكل مسلم في مقدوره واستطاعته صلاة أربع ركعات ، وغير مقبول من ادعاؤه عنها (10) .

وما ذكره الكاتب الفاضل يوجد عليه أكثر من ملحظ علمي ، وإليكم بيان ذلك :

أولا : قول إن كلمة العجز تحمل معنيين متضادين هما العجز والقدرة ، قول فيه غرابة عن أوضاع اللغة ، فه فضلا عن أنه لم يقل به أحد من العماء من قبل و فإنه مناف لدقة اللغة ، وإحكامها وموضوعيتها ، فإن من دقة العربية أن لا يكون فيها هذا التمويه ، والذي يفهم من كلام الكاتب أن كلمة العجز من الأضداد ، معناه أن تدل الكلمة على معنيين متضادين كل على حدة ، فكلمة (أسروا) في قوله تعالى {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [الأنبياء : 3] من الأضداد : لأنها يمكن أن تفسر بالإظهار ، ويمكن ا، تفشر بالخفاء ، فهي صالحة لأن تفسر بكل من المعنيين على حدة ، وكلمة (عسعس) في قوله سبحانه {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير : 17] من الأضداد ، فيمكن أن تفسر بالإقبال أو الإدبار ، وهذا باب واسع وله كتب خاصة به يطلع عليها من شاء .

أما كلمة (العجز) فلا يمكن أن تفسرها بالعجز تارة وبالقدرة تارة أخرى ، وإذا مل تكن من الأضداد فلا يمكن أن تدل على معنيين متضادين ، فإن هذا يتنافى مع دقة اللغة وأصالتها ، وهذا ما قرره أئمة التفسير والبيان ويكفي ان نذكر هنا كلمة الزمخشري – رحمة الله عليه – (إن اللفظ الواحد لا يصح) استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين) (11) .

وما استدل به الكاتب لما ذهب إليه لا يخلو من مناقشة  فـ (أعجاز النخل) التي ذكرت في الكتاب الكريم لم تذكر في معرض القوة ، ولم يقل أحد إن عجز البيت أقوى من صدره لوجود القافية فيه ، بل ربما كانت هذه الصفة أولى بها صدر البيت ، وكون القرآن يتحدى الأقوياء ليس فيه دليل على ما ذهب إليه الكاتب كذ1لك ، لأننا نعمل بداهة أن كلمة الإعجاز الاصطلاحية لم تكن مستعملة في عصر النبوة ، وكون العجز مؤخر الشيء فهو أقوى ما فيه ، غير مقبول كذلك ، لأننا لا يمكن أن نخلط بين الوضع اللغوي للكلمة ، وما يترتب على هذا الوضع من صفات عارضة .

إن أعجاز النخر إنما لوحظ فيها معنى مؤخر الشيء بقطع النظر عن قوتها أو ضعفها ولا صلة لاقتلاع الربح لها بالوضع اللغوي ، فهي أعجاز ، أقتلعها الريح أم لم يقتلعها ، وإن أعجاز الليل روعي فيها هذا المعنى كذلك وهو التأخر ، بقطع النظر عن كونها مدلهمة أو مقمرة ، أو صيفا أو شتاء ، وإن عجز البيت لوحظ فه هذا المعنى كذلك بقطع النظر عن كونه ركيكاً أو جيداً .

ثم إن محاولة الكاتب تطبيق هذا على الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية كقوله عن امرأة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فتحولت فيها بإذن الله من عجوز عاجزة الى عجوز قوية ، لقد تمثلت فيها قوة العاجز) وعن امرأة سيدنا ول عليه الصلاة والسلام (لقد أعجزها كفرها عن النجاة ، لقد تمثل فهيا عجز القوي) ، أقول إن مثل هذه المحاولة كان جديراً أن تبعدها وأن نبتعد بها عن تأويل آيات القرآن الكريم ، فالعجوز كما قال الراغب – إنما سميت كذلك لعجزها عن كثير من الأمور ، أما كونها أكرمها الله تعالى بمعجزة خارقة للعادة {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود : 72] ، أقول أما كونها قد أكرمها الله بهذا فليس له علاقة بالوضع اللغوي ، وإلا يمكننا أن نقول إن الشيخ في قوله تعالى : { وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} يدل على الضعف والقوة كذلك ، وكون امرأة لوط عليه الصلاة والسلام اختارت الكفر ، ولا دخل له في المعنى اللغوي كذلك .

وأما الأحاديث النبوية الشريفة فليس فيها ما يشير الى هذين المعنيين المتضادين من قريب أو بعيد ، بل إن المتدبر لها وللسياق الذي جاءت فيها ، يدرك بداهة أن لا إشارة فيها البتة الى معنى القوة ، فقراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والتسبيح مائة مرة ، وصلاة أربع ركعات كلها ليست من الامور التي تحتاج الى قوة مادية أو علمية ، بل هي مما يتساوى فيه الناس جميعا ، وليس بعض الناس فيها أقوى من بعض.

إن كلمة الإعجاز لا تدل إلا على مؤخرة الشيء ، وعلى التقصير عن بلوغ المراد ، ولا يمكن أن تحمل في طياتها معنى القدرة ، ولا ينبغي أن تخلط بين الوضع اللغوي للكلمة ، وبين ما يكون لها من صفات خلقية أو خلقية .

وقد يكون للكلمة ظلال كثيرة ، ولوازم متعددة ، فليس من الصواب أن تخلط بين الوضع اللغوي ، وبين مالها ن ظلال أو لوازم ومن هنا بين العماء أن للدلالات أقساما متعددة ، فهناك دلالة المطابقة ، وهي دلالة اللفظ على المعنى الذي وضع له ، وهناك دلالة الالتزام ، وهي دلالة الشيء على بعض لوازم ، وهذه بالطبع ليست دلالة لغوية .

ثانيا : عند قوله تعالى : {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة : 7] وقوله : {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20] يذكر ان النخل ذكر لأنه نظر فيه الى مجموع النخل ، وفي (نخل خاوية) أنث الوصف لأنه نظر فيه الى أفراد النخل ، ويحسن أن نتحدث هنا عن قضيتين اثنيتن الاولى تتصل بالنحو ، والثانية تتصل بالصورة البيانية .

القضية الأولى : أما ما يتصل ، فإن النخل يذكر ويؤنث  ، يقال : هذا نخل ، وهذه نخل ، فلوحظ وصف التذكير في سورة القمر ، ووصف التأنيث في سورة الحاقة (12) ، والآيتان في ذلك سواء ، فلم ينظر الى المجموع في سورة القمر ، ولا الى الإفراد في سورة الحاقة ، فاللفظ واحد في السورتين .

أما مراعاة أحد الجانبين في سورة والآخر في سورة أخرى ، فهو ما توضحه القضية الثانية وهي الصورة البيانية .

القضية الثانية : ولأول وهلة يظن أن التشبيه واحد في الآيتين ، ولكن الرماني أدرك بيقظة فكره ، وشفافية إحساسه فرقا بين التشبيهين ، فعند حديثه عن التشبيه البليغ ، ذكر له طرقا أربعا :

1- إخراج ما لا تقع الحاسة عليه الى ما  تقع عليه  ومنه قوله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور : 39].

2- إخراج ما لا قوة له في الصفة الى ما له قوة فيها كقوله {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن : 24] .

3- إخراج ما لم تجر به عادة الى ما قد جرت به العادة ، كقوله تعالى : {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20].

4- إخراج ما لا يعلم بالبديهة الى ما يعلم ومنه قوله تعالى : {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة : 7] .

ويتباد لأول وهلة أن التشبيهين – (كأنهم أعجاز نخل منقعر) و (ونخل خاوية) – من واد واحد ، لاتحاد المشبه والمشبه به ، ولكن الرمان كان داركا للمحة ، غواصا على معرفة ما بين المعاني من فرومق ، فلم يجعل الآيتين الكريمتين من واد واحد ، بل جعل لكل من الآيتين الكريمتين واديا خاصا بها ، ومسلكا مستقلا ، فقوله سبحانه {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20] جعله من باب مالم تجر به عادة ، وقوله سبحانه : {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} من باب مالم يعلم بالبديهة ، وهو لعمر الحق ملحظ يدل على ذكاء وفطنة ، وأحوذية ودقة ، ذلك أن تشبيه الناس ، وقد اقتلعت الريح رؤوسهم عن اجسادهم ، ليس من الأمور المعروفة عن الناس ، فاختار له القرآن الكريم مشبها به ألفوه كثيرا في بيئتهم الطبيعية ، ولا زال الناس يعرفونه ويألفونه حتى اليوم ، فكم من ريح اقتلعت الأشجار من جذورهم وهذا منظر ليس غريبا عن الإنسان في كل زمان ومكان .

أما الآية الأخرى وهي قوله سبحانه {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} فإن المراد منها خلو هذه الأعجاز من الحركة والحياة ، فلا خضرة ولا نمو ، وهذا أمر مركوز في فطر الناس ، وهو من الامور المدركة ضرورة وبداهة ، وهذا مهو الفرق بين الآيتين اللتين تبدوان لأول وهلة كأنهما متحدتان) (13) .

إذنه فقوله سبحانه (نخل منقعر) و (نخل خاوية) لم ينظر في احد الوصفين الى الإفراد ، والآخر الى الجمع ، بل نظر الى الجمع فيهما معا ، واختير لكل سورة من السورتين الكريمتين – القمر والحاقة – الصورة التي تناسب موضوعها ، فسورة الحاقة تتحدث عن ويم القيامة بعد أن تنتهي الحياة والحركة ، وهذا السياق يتسق مع قوله سبحانه (خاوية) ، أما سورة القمر فلها سياق آخر ، السياق الذي يتلاءم مع انشقاق القمر ، والنحس المستمر ، ويبقى في الآيتين كلام كثير يتصل بهذين التشبيهين ، نرجو أن يتسنى لنا بيانه في موضع آخر .

ثالثا : يقول الكاتب أن التاء في (معجزة) للتأنيث وليست للمبالغة كما يقول بعض العلماء ومثل لذلك بـ مؤمن ومؤمنة ومبصر ومبصرة .

والحق أن جمهور العلماء مجمعون على أن التاء ليست للتأنيث ، ولكن بعضهم جعلها للمبالغة ، وبعضهم جعلها للنقل ، قال العلامة سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد : والتاء فيها – المعجزة – للنقل ، كما في الحقيقة ، أو للمبالغة كما في علامة) وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (والتاء فيها للمبالغة) ومن المفيد ا، نشرح ذلك .

التاء التي تلحق الأسماء ، قد تكون للتأنيث كما في مؤمن ومؤمنة ، ومبصر ومبصرة ، ومسلم ومسلمة ، فغن كلا من هذه الاوصاف إمام مذكر أو مؤنث ، فالمسلم وصف للذكر ،   والمسلمة وصف للأنثى ، وهكذا مؤمن ومبصر ومحسن وهكذا تأتي التاء لتميز الأنثى من الذكر .

 وقد تكون التاء للمبالغة ، كما في علامة ونساية ، يقال رجل علامة ونساية ، إذا كان كثير العلم ، ومشتهرا بمعروفة الأنساب .

وقد تكون للنقل ، كما في حقيقة وذبيحة ، ونطيحة ، وكافة ، أي النقل من الوصفية الى الإسمية ، فلفظ حقيقة أصله وصف ، ولكن جاءت التاء لتنقله الى الإسمية كأنما تنوسي الوصف فيه ، وهكذا ذبيحة ونطيحة ، ألا ترى أننا نقول هذا اللفظ حقيقة ، وهذا الكبش ذبيحة .

ولا يجوز أن تكون التاء هنا للتأنيث ، لأنها لو كانت للتأنيث لم يجز أن يوصف بها المذكر ، فإنا نعلم بداهة أن الصفة تتبع الموصوف في أربعة من عشرة : منها التذكير والتأنيث ، فلا يجوز أن يقال (رجل مؤمنة وامرأة مؤمن) وإنما يقلا : (رجل مؤمن ومرأة مؤمنة) قال تعال : {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة : 221] .

إذا عرفنا هذا – ونرجو أن نكون قد استوعبناه – ادركنا أن التاء في معجزة ، لا يجوز أن تكون للتأنيث ؛ لأن تاء التأنيث تفرق بين المذكر والمؤنث ، وليست كذلك المعجزة ، فإنه يمكن أن يوصف بها القرآن ، فنقول (القرآن هو الكلام المعجز) ، كما نقول (القرآن معجزة النبي (صلى الله عليه اله) .

وعلى هذا فالتاء للنقل كما في كلمة (حقيقة) نقول : هذا اللفظ حقيقة في الاستعمال ، او المبالغة كما في علامة ، وهذا ما ذكره السعد وصاحب القاموس وغيرهما (14) .

___________________

(1) المفردات ص 323 .

(2) معجم مقاييس اللغة (4/232).

(3)  البيان في إعجاز القرآن / د . صلاح الخالدي ص 20 – 21 .

(4) المرجع السابق ص23 .

(5) المرجع السابق ص 23 .

(6) المرجع السابق ص 40 .

(7) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الصلاة باب فضل قراءة (قل هو الله أحد) .

(8) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/174) .

(9) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4 / 201) .

(10) البيان في أعجاز القرآن د. صلاح الخالدي ص 22 .

(11) الكاشف (3/149) .

(12) الجمان ي تشبيهات القرآن ص 310 .

(13) انظر بحثنا (برسالة الرماني : النكت في إعجاز القرآن تحليل ونقد) المنشور في مجلة دراسات المجلد السادس عشر العدد العاشر س 1989م .

(14) القاموس المحيط للفيروزآبادي / بابا لزاي / فصل العينص 663 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .