أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015
2351
التاريخ: 23-04-2015
2449
التاريخ: 23-04-2015
2178
التاريخ: 7-11-2014
2520
|
أصل مادة معجزة ، يقول الراغب الأصفهاني (عجز : عجز الإنسان مؤخره ، وبه شبه مؤخر غيره ، قال {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20] والعجز أصله التأخر عن الشيء وحصوله عند عجز الامر ، أي مؤخره كما ذكر في الدبر ، وصار في التعارف أسما للقصور عن فعل الشيء ، وهو ضد القدرة ، قال {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ} [المائدة : 31] وأعجزت فلانا الأمور ، قال {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ } [الشعراء : 171] وقال {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} (1) [هود : 72]
والراغب إمام المعي ، وكتابه المفردات من خير المعاجم القرآني حقيقة ، نتمنى أن يقضي الله من يسنج على منواله .
وذكر ابن فارس (2) أن العين والجيم والزاي تدل على أصلين : أحدهما الضعف والآخر مؤخر الشيء ، وجاء في بعض المعاجم أن معنى العجز الضعف .
وأما هذه الآراء الثلاثة ، نرى أن أولاها قول الراغب الأصفهاني ، فأصل العجز في اللغة مؤخر الإنسان ، واستعير لغيره ، وهناك صلة وثيقة بين هذا المعنى وبين القصور عن الشيء ، فإن التأخر والقصور متلازمان ، لأن من تأخر عن غيره إنما يرجع ذلك الى تقصيره ، لسنا مع ابن فارس – إذن – بأن هذه المادة تدل على أصلين اثنين ، بل هي تدل على أصل واحد وهو مؤخر الشيء ، والتقصير إنما هو ناتج عن هذا المعنى .
والمتدبر لآي القرآن الكريم هذه القضية ، واللغويون والمفسرون مجمعون على أ، ليس للعجز إلا هذا المعنى .
هذا وإن امانة العلم وجدية البحث تقتضي منا أن ننبه على ما ورد في كتبا جديد لمؤلف نحب ونشكر له جهوده الطيبة ، وهو الدكتور صلاح الخالدي يقول في كتابه :
(وعند إمعان النظر في أصلي كلمة (العجز) وتعريفاتها واستعمالاتها واشتقاقاتها ، تجد انها تحمل معنيين متضادين ، العجز والقدرة ، ... فإعجاز النخل : أواخرها ، وهي أقوى جزء فيها ، لأنها تحمل كل ما فوقها ، وأعجاز الليل : أواخره ، وهي اللحظات التي تسبق الفجر ، وهي أشد أعداء الليل ظلاما وحلوكة وسوادا ، وأعجاز الإبل أقوى ما فيها لأنها تحمل عليها الاحمال والاثقال ، وعجز البيت أقوى من صدره : لأن فيه القافية التي تربطه مع باقي أبيات القصيدة .
وعندما يتحدى المتحدي الآخرين ، فغنه لا يتحدى إلا الأقوياء ، ومن يظنون أن بمقدورهم غلبته وتعجيزه ، إذ أنه لو تحدى الضعفاء فلا فضل له ولا فخر في غلبته لهم ، بل ربما كان هذا مأخذا يؤخذه عليه) (3).
ثم حاول الكاتب تطبيق هذا الذي قاله على آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية فقال (.... والمعجزة هي امس الفاعل المؤنث من ذلك الفعل ، فالتاء فيها هي تاء التأنيث ، وليست المبالغة ، كما قال بعض العلماء ، لأنك تقول مؤمن ومؤمنة ، ومبصر ومبصرة ، كما تقول ك معجز ومعجزة ، والله أعلم) (4)
وعند قوله سبحانه وتعالى {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} [هود : 72] وهي امرأة إبراهيم أبينا عليه الصلاة والسلام ، يقول : إن هذه الكلمة يتمثل فيها الضعف والقوة معا ، وكذلك عند قوله سبحانه عن امرأة لوط عليه الصلاة والسلام { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [الشعراء : 170، 171] يقول :
فامرأة إبراهيم عليه السلام ، عجوز ، عاجزة عن الحمل والإنجاب ، ولكن الله منحها القوة بحيث قدرت على الحمل والإنجاب ، فتحولت بإذن الله من عجوز عاجزة الى عجوز قوية ، لقد تمثلت فيها قوة العاجز .
أما امرأة لوط عليه السلام فعلى العكس من امرأة إبراهيم عليه السلام حيث كان بمقدورها أ، تكون قوية ، وأن تلحق بالركب المؤمن الناجية ، ولكنها عجزت عن ذلك وضعفت ، فبقيت مع القوم الهالكين ، لقد أعجزها كفرها عن النجاة ، لقد تمثل فيها عجز القوي .
إن امرأة إبراهيم – عليها السلام - عجوز ، نموذج لقوة العاجز ، وإن امرأة لوط (عليه السلام) عجوز نموذج لعجز القوي (5).
ويقول عند وقله تعالى : {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20] وقوله تعالى : {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة : 7] و وقد جاءت أعجاز النخل مذكرة في سورة القمر ، وصف بها صف مذكر ، { تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } [القمر : 20] ، وكان منظور فيها الى مجموع النخر ، وجموع التكسير يجوز تذكريها وتأنيها ، تقول : جاء الرجال ، وجاءت الرجال .
بينما جاءت أعجاز النخل مؤنثة في سورة الحاقة ، ووصف بها وصف مؤنث { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة : 7] حيث كان منظورا الى أفراد النخل ، أي منظورا فيها الى كل نخلة على حدة والنخلة مؤنثة .
ويتمثل في (أعجاز النخل ، معنى الإعجاز ، وهو عجز القوي ، أو اجتماع الضعف مع القوة ، فعجز النخلة هو أقوى شيء فيها ، لأنه يحمل ما فوقه من جسمها ، ولكن هذا العجز القوي يضعف ويعجز عن الثبات والصمود أمام العواصف الشديدة ، ولذلك ينقعر ويسقط بما يحمل ، ويكون خاويا ملقى على الأرض (6) .
ويستمر الكاتب في التدليل على ما ذهب إليه من الأحاديث الشريف :
1- عن ابي الدرداء عن النبي (صلى الله عليه واله) قال : (أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ قالوا وكيف يقرأ ثلث القرآن قال يقرآ (قل هو الله أحد) فإنها تعدل ثلث القرآن) (7) .
فالمسلم قادر على أن يفعل ذلك ، فلماذا يتعاجز عنه ؟
2- عن سعيد بن أبي وقاص عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أنه قال : (أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة ؟ قالوا ومن يطيق ذلك ، قال يسبح مائة تسبيحة ، فيكتب له ألف حسنة ، وتمحى عنه ألف سيئة) (8) .
فهم قادرون على كسب ألف حسنة في اليوم ، ولكنهم ظنوا أنهم عاجزون عن ذلك ولا يطيقونه ، والرسول (صلى الله عليه واله) انكر عليهم تعاجزهم وبين لهم قدرتهم على ذلك.
3- عن عقبة بن عامر أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال : (قال ربكم أعجز يا ابن آدم تصلي أول النهار أربع ركعات بهن آخر يومك) (9) فكل مسلم في مقدوره واستطاعته صلاة أربع ركعات ، وغير مقبول من ادعاؤه عنها (10) .
وما ذكره الكاتب الفاضل يوجد عليه أكثر من ملحظ علمي ، وإليكم بيان ذلك :
أولا : قول إن كلمة العجز تحمل معنيين متضادين هما العجز والقدرة ، قول فيه غرابة عن أوضاع اللغة ، فه فضلا عن أنه لم يقل به أحد من العماء من قبل و فإنه مناف لدقة اللغة ، وإحكامها وموضوعيتها ، فإن من دقة العربية أن لا يكون فيها هذا التمويه ، والذي يفهم من كلام الكاتب أن كلمة العجز من الأضداد ، معناه أن تدل الكلمة على معنيين متضادين كل على حدة ، فكلمة (أسروا) في قوله تعالى {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [الأنبياء : 3] من الأضداد : لأنها يمكن أن تفسر بالإظهار ، ويمكن ا، تفشر بالخفاء ، فهي صالحة لأن تفسر بكل من المعنيين على حدة ، وكلمة (عسعس) في قوله سبحانه {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير : 17] من الأضداد ، فيمكن أن تفسر بالإقبال أو الإدبار ، وهذا باب واسع وله كتب خاصة به يطلع عليها من شاء .
أما كلمة (العجز) فلا يمكن أن تفسرها بالعجز تارة وبالقدرة تارة أخرى ، وإذا مل تكن من الأضداد فلا يمكن أن تدل على معنيين متضادين ، فإن هذا يتنافى مع دقة اللغة وأصالتها ، وهذا ما قرره أئمة التفسير والبيان ويكفي ان نذكر هنا كلمة الزمخشري – رحمة الله عليه – (إن اللفظ الواحد لا يصح) استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين) (11) .
وما استدل به الكاتب لما ذهب إليه لا يخلو من مناقشة فـ (أعجاز النخل) التي ذكرت في الكتاب الكريم لم تذكر في معرض القوة ، ولم يقل أحد إن عجز البيت أقوى من صدره لوجود القافية فيه ، بل ربما كانت هذه الصفة أولى بها صدر البيت ، وكون القرآن يتحدى الأقوياء ليس فيه دليل على ما ذهب إليه الكاتب كذ1لك ، لأننا نعمل بداهة أن كلمة الإعجاز الاصطلاحية لم تكن مستعملة في عصر النبوة ، وكون العجز مؤخر الشيء فهو أقوى ما فيه ، غير مقبول كذلك ، لأننا لا يمكن أن نخلط بين الوضع اللغوي للكلمة ، وما يترتب على هذا الوضع من صفات عارضة .
إن أعجاز النخر إنما لوحظ فيها معنى مؤخر الشيء بقطع النظر عن قوتها أو ضعفها ولا صلة لاقتلاع الربح لها بالوضع اللغوي ، فهي أعجاز ، أقتلعها الريح أم لم يقتلعها ، وإن أعجاز الليل روعي فيها هذا المعنى كذلك وهو التأخر ، بقطع النظر عن كونها مدلهمة أو مقمرة ، أو صيفا أو شتاء ، وإن عجز البيت لوحظ فه هذا المعنى كذلك بقطع النظر عن كونه ركيكاً أو جيداً .
ثم إن محاولة الكاتب تطبيق هذا على الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية كقوله عن امرأة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فتحولت فيها بإذن الله من عجوز عاجزة الى عجوز قوية ، لقد تمثلت فيها قوة العاجز) وعن امرأة سيدنا ول عليه الصلاة والسلام (لقد أعجزها كفرها عن النجاة ، لقد تمثل فهيا عجز القوي) ، أقول إن مثل هذه المحاولة كان جديراً أن تبعدها وأن نبتعد بها عن تأويل آيات القرآن الكريم ، فالعجوز كما قال الراغب – إنما سميت كذلك لعجزها عن كثير من الأمور ، أما كونها أكرمها الله تعالى بمعجزة خارقة للعادة {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود : 72] ، أقول أما كونها قد أكرمها الله بهذا فليس له علاقة بالوضع اللغوي ، وإلا يمكننا أن نقول إن الشيخ في قوله تعالى : { وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} يدل على الضعف والقوة كذلك ، وكون امرأة لوط عليه الصلاة والسلام اختارت الكفر ، ولا دخل له في المعنى اللغوي كذلك .
وأما الأحاديث النبوية الشريفة فليس فيها ما يشير الى هذين المعنيين المتضادين من قريب أو بعيد ، بل إن المتدبر لها وللسياق الذي جاءت فيها ، يدرك بداهة أن لا إشارة فيها البتة الى معنى القوة ، فقراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والتسبيح مائة مرة ، وصلاة أربع ركعات كلها ليست من الامور التي تحتاج الى قوة مادية أو علمية ، بل هي مما يتساوى فيه الناس جميعا ، وليس بعض الناس فيها أقوى من بعض.
إن كلمة الإعجاز لا تدل إلا على مؤخرة الشيء ، وعلى التقصير عن بلوغ المراد ، ولا يمكن أن تحمل في طياتها معنى القدرة ، ولا ينبغي أن تخلط بين الوضع اللغوي للكلمة ، وبين ما يكون لها من صفات خلقية أو خلقية .
وقد يكون للكلمة ظلال كثيرة ، ولوازم متعددة ، فليس من الصواب أن تخلط بين الوضع اللغوي ، وبين مالها ن ظلال أو لوازم ومن هنا بين العماء أن للدلالات أقساما متعددة ، فهناك دلالة المطابقة ، وهي دلالة اللفظ على المعنى الذي وضع له ، وهناك دلالة الالتزام ، وهي دلالة الشيء على بعض لوازم ، وهذه بالطبع ليست دلالة لغوية .
ثانيا : عند قوله تعالى : {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة : 7] وقوله : {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20] يذكر ان النخل ذكر لأنه نظر فيه الى مجموع النخل ، وفي (نخل خاوية) أنث الوصف لأنه نظر فيه الى أفراد النخل ، ويحسن أن نتحدث هنا عن قضيتين اثنيتن الاولى تتصل بالنحو ، والثانية تتصل بالصورة البيانية .
القضية الأولى : أما ما يتصل ، فإن النخل يذكر ويؤنث ، يقال : هذا نخل ، وهذه نخل ، فلوحظ وصف التذكير في سورة القمر ، ووصف التأنيث في سورة الحاقة (12) ، والآيتان في ذلك سواء ، فلم ينظر الى المجموع في سورة القمر ، ولا الى الإفراد في سورة الحاقة ، فاللفظ واحد في السورتين .
أما مراعاة أحد الجانبين في سورة والآخر في سورة أخرى ، فهو ما توضحه القضية الثانية وهي الصورة البيانية .
القضية الثانية : ولأول وهلة يظن أن التشبيه واحد في الآيتين ، ولكن الرماني أدرك بيقظة فكره ، وشفافية إحساسه فرقا بين التشبيهين ، فعند حديثه عن التشبيه البليغ ، ذكر له طرقا أربعا :
1- إخراج ما لا تقع الحاسة عليه الى ما تقع عليه ومنه قوله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور : 39].
2- إخراج ما لا قوة له في الصفة الى ما له قوة فيها كقوله {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن : 24] .
3- إخراج ما لم تجر به عادة الى ما قد جرت به العادة ، كقوله تعالى : {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20].
4- إخراج ما لا يعلم بالبديهة الى ما يعلم ومنه قوله تعالى : {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة : 7] .
ويتباد لأول وهلة أن التشبيهين – (كأنهم أعجاز نخل منقعر) و (ونخل خاوية) – من واد واحد ، لاتحاد المشبه والمشبه به ، ولكن الرمان كان داركا للمحة ، غواصا على معرفة ما بين المعاني من فرومق ، فلم يجعل الآيتين الكريمتين من واد واحد ، بل جعل لكل من الآيتين الكريمتين واديا خاصا بها ، ومسلكا مستقلا ، فقوله سبحانه {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 20] جعله من باب مالم تجر به عادة ، وقوله سبحانه : {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} من باب مالم يعلم بالبديهة ، وهو لعمر الحق ملحظ يدل على ذكاء وفطنة ، وأحوذية ودقة ، ذلك أن تشبيه الناس ، وقد اقتلعت الريح رؤوسهم عن اجسادهم ، ليس من الأمور المعروفة عن الناس ، فاختار له القرآن الكريم مشبها به ألفوه كثيرا في بيئتهم الطبيعية ، ولا زال الناس يعرفونه ويألفونه حتى اليوم ، فكم من ريح اقتلعت الأشجار من جذورهم وهذا منظر ليس غريبا عن الإنسان في كل زمان ومكان .
أما الآية الأخرى وهي قوله سبحانه {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} فإن المراد منها خلو هذه الأعجاز من الحركة والحياة ، فلا خضرة ولا نمو ، وهذا أمر مركوز في فطر الناس ، وهو من الامور المدركة ضرورة وبداهة ، وهذا مهو الفرق بين الآيتين اللتين تبدوان لأول وهلة كأنهما متحدتان) (13) .
إذنه فقوله سبحانه (نخل منقعر) و (نخل خاوية) لم ينظر في احد الوصفين الى الإفراد ، والآخر الى الجمع ، بل نظر الى الجمع فيهما معا ، واختير لكل سورة من السورتين الكريمتين – القمر والحاقة – الصورة التي تناسب موضوعها ، فسورة الحاقة تتحدث عن ويم القيامة بعد أن تنتهي الحياة والحركة ، وهذا السياق يتسق مع قوله سبحانه (خاوية) ، أما سورة القمر فلها سياق آخر ، السياق الذي يتلاءم مع انشقاق القمر ، والنحس المستمر ، ويبقى في الآيتين كلام كثير يتصل بهذين التشبيهين ، نرجو أن يتسنى لنا بيانه في موضع آخر .
ثالثا : يقول الكاتب أن التاء في (معجزة) للتأنيث وليست للمبالغة كما يقول بعض العلماء ومثل لذلك بـ مؤمن ومؤمنة ومبصر ومبصرة .
والحق أن جمهور العلماء مجمعون على أن التاء ليست للتأنيث ، ولكن بعضهم جعلها للمبالغة ، وبعضهم جعلها للنقل ، قال العلامة سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد : والتاء فيها – المعجزة – للنقل ، كما في الحقيقة ، أو للمبالغة كما في علامة) وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (والتاء فيها للمبالغة) ومن المفيد ا، نشرح ذلك .
التاء التي تلحق الأسماء ، قد تكون للتأنيث كما في مؤمن ومؤمنة ، ومبصر ومبصرة ، ومسلم ومسلمة ، فغن كلا من هذه الاوصاف إمام مذكر أو مؤنث ، فالمسلم وصف للذكر ، والمسلمة وصف للأنثى ، وهكذا مؤمن ومبصر ومحسن وهكذا تأتي التاء لتميز الأنثى من الذكر .
وقد تكون التاء للمبالغة ، كما في علامة ونساية ، يقال رجل علامة ونساية ، إذا كان كثير العلم ، ومشتهرا بمعروفة الأنساب .
وقد تكون للنقل ، كما في حقيقة وذبيحة ، ونطيحة ، وكافة ، أي النقل من الوصفية الى الإسمية ، فلفظ حقيقة أصله وصف ، ولكن جاءت التاء لتنقله الى الإسمية كأنما تنوسي الوصف فيه ، وهكذا ذبيحة ونطيحة ، ألا ترى أننا نقول هذا اللفظ حقيقة ، وهذا الكبش ذبيحة .
ولا يجوز أن تكون التاء هنا للتأنيث ، لأنها لو كانت للتأنيث لم يجز أن يوصف بها المذكر ، فإنا نعلم بداهة أن الصفة تتبع الموصوف في أربعة من عشرة : منها التذكير والتأنيث ، فلا يجوز أن يقال (رجل مؤمنة وامرأة مؤمن) وإنما يقلا : (رجل مؤمن ومرأة مؤمنة) قال تعال : {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة : 221] .
إذا عرفنا هذا – ونرجو أن نكون قد استوعبناه – ادركنا أن التاء في معجزة ، لا يجوز أن تكون للتأنيث ؛ لأن تاء التأنيث تفرق بين المذكر والمؤنث ، وليست كذلك المعجزة ، فإنه يمكن أن يوصف بها القرآن ، فنقول (القرآن هو الكلام المعجز) ، كما نقول (القرآن معجزة النبي (صلى الله عليه اله) .
وعلى هذا فالتاء للنقل كما في كلمة (حقيقة) نقول : هذا اللفظ حقيقة في الاستعمال ، او المبالغة كما في علامة ، وهذا ما ذكره السعد وصاحب القاموس وغيرهما (14) .
___________________
(1) المفردات ص 323 .
(2) معجم مقاييس اللغة (4/232).
(3) البيان في إعجاز القرآن / د . صلاح الخالدي ص 20 – 21 .
(4) المرجع السابق ص23 .
(5) المرجع السابق ص 23 .
(6) المرجع السابق ص 40 .
(7) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الصلاة باب فضل قراءة (قل هو الله أحد) .
(8) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/174) .
(9) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4 / 201) .
(10) البيان في أعجاز القرآن د. صلاح الخالدي ص 22 .
(11) الكاشف (3/149) .
(12) الجمان ي تشبيهات القرآن ص 310 .
(13) انظر بحثنا (برسالة الرماني : النكت في إعجاز القرآن تحليل ونقد) المنشور في مجلة دراسات المجلد السادس عشر العدد العاشر س 1989م .
(14) القاموس المحيط للفيروزآبادي / بابا لزاي / فصل العينص 663 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|