أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-15
873
التاريخ: 2024-04-15
713
التاريخ: 2024-06-29
530
التاريخ: 2024-06-13
519
|
ما من حاكم شاع لقبه في التاريخ القديم والوسيط كشيوع لقب فرعون Pharo. ولعل السبب في هذا، ارتباط لقب هذا الحاكم بمصر ذات الحضارة القديمة الرائعة، فضلاً عن أن هذا الحاكم قد ارتبط لقبه بقصص الأنبياء المذكورة بإفاضة في الكتب المقدسة (التوراة والإنجيل والقرآن)، وكان الفرعون يمثل في هذه القصص الطرف الرئيس في الصراع بين الخير (الأنبياء) والشر (الفرعون)، بين الباطل والحق وبين الكفر والإيمان، وكان الفرعون يمثل الجانب السلبي، فهو الحاكم المتألّه المتجبر المتغطرس، المتحدي قدرة الله ونبيه وفي نهاية القصة ينتصر الخير، ويخذل الله فرعون وجنوده حتى الموت. وعلى هذا تربت الأجيال، فكان فرعون في مخيلتها الكافر، الذي لا يؤمن بالله، يتحدى الأنبياء، ويدَّعي الألوهية، فكرهته جموع المؤمنين لظلمه وتعسفه وجبروته، ولتسخيره الأمة في المنشآت المعمارية.
والحقيقة غير كل ما ذكر، لقد حكم فرعون كإله يعيش على الأرض، وساد مجتمعاً له مثله وقيمه في نظرته إلى الملك، ولم يتطرق إلى فكر المصري في يوم من الأيام أن فرعون ظالم متجبر متعسف، بل كان ينظر إليه أنه مقدس فوق مستوى البشر في فهمه وقوته، له قوى خارقة ليست للبشر، وكل ما يقوم به هو رحمة لشعبه، وهذا المجتمع معذور في هذا؛ إذ فرضت عليه ظروفه الجغرافية والتاريخية هذه المفاهيم التي ترسخت في آلاف السنين.
تاريخ ألوهية الفرعون:
كانت مصر في نهاية الألف الرابعة قبل الميلاد تتكون من دولتين، مصر السفلى (الدلتا) ومصر العليا (الصعيد). وقد استطاع أهل الصعيد ضم الشمال إلى دولتهم نحو 3200ق.م، بعد حرب ضروس. ونتيجة لهذه الحرب ربما نشأت ألوهية الفرعون، إذ أعلن الفرعون أنه الإله (حر(حوروس)) إله السماء الذي يرمز إليه بالصقر الحر العربي الأصل، وأعلن أيضاً أن آلهتي الجنوب والشمال (نخبت وواجيت) قد اندمجتا في شخصه. وكان هذان الادعاءان كافيين لإقناع المصريين أن ملكهم المؤله، لا ينتمي إلى قطر دون الآخر، ولذلك قبله المصريون في الصعيد والدلتا. وقد رسخ هذا الإبداع واقع مصر الزراعي، فقد كانت مصر ومازالت تعتمد في حياتها على الزراعة، ولذلك أجبرتها ظروفها هذه على إيجاد حكومة قوية، تؤمن الحماية للزرع، برئاسة ملك لا يجرؤ أحد على مخالفته.
الأسماء الفرعونية:
اسم الفرعون قبل التتويج: يسمى الفرعون حين ولادته اسماً كأي مولود، وهو غالباً اسم عائلي مثل تحوتمس ورعمسيس، ولكن بعد التتويج كان على كبار الكهنة الاجتماع ليختاروا اسم العرش الخاص بالفرعون المتوج، وليعلنوا قرارهم على أساس أن مجتمع الآلهة في السماء برئاسة الإله الأعظم قد أقر هذا الاسم، كما جاء في النص المصري:
(أن الإله قد أوحى إلى قلوبهم بالاسم الذي صنعه هو وفقاً لما قرره قبل ولادته).
ومن الجدير بالذكر، أن أسماء الفراعنة قبل التتويج وبعده، قد حفلت بمعانٍ جميلة تحمل الرجاء لصاحبها وأهله، وغالباً ما كانت ترتبط بأسماء الآلهة، مثل خنوم خوي ف(خوفو) الإله خنوم يحميه، سنفرو: الإله يتسبب أن أكون جميلاً، أمنمحات: آمون في المقدمة، اعح مس (أحمس): القمر يولد، تحوتمس: الإله تحوتي يولد (إله المعرفة)، رعمسيس: ابن الإله رع، حتشبسوت: السيدة النبيلة في المقدمة، نفرتيتي: الجميلة قادمة، وكانت كل هذه الأسماء الفرعونية توضع في الكتابات في خانة ملكية تسمى الخرطوش.
الألقاب الفرعونية:
أُبدعت الألقاب الفرعونية المصرية مع بداية الوحدة بين الشمال والجنوب، وقد اكتملت
في نهاية عصر الأسرة الرابعة، وبلغ عددها خمسة ألقاب، كانت تكتب أمام الخرطوش الذي
يحوي اسم الفرعون الخاص بالعرش أو اسمه قبل التتويج وهي الآتية:
ـ حر (الإله حر(حوروس) ويمثله الصقر).
ـ حر نب (الصقر الذهبي).
ـ نسوبيتي (نبات النسو الذي يرمز إلى الصعيد والنحلة ترمز إلى الشمال).
ـ نبتى (نخبت آلهة الجنوب ويرمز لها بأنثى الصقر، وواجيت آلهة الشمال، ورمزها الحية).
ـ سارع (ابن إله الشمس رع).
الكنى الفرعونية:
ربط المصري القديم اسم مليكه بصفات تؤكد عظمته ومجده وقدسيته وشجاعته وسيادته على مصر، ومنها على سبيل المثال: نب تاوي (ملك الأرضين - الدلتا والصعيد)، كانخت (الثور المنتصر)، نثر نفر (الإله الطيب)، نب (الرب)، حم نثر (خادم الإله) ونب خعو (رب التجليات).
برعو: استخدم المصري القديم هذا المصطلح منذ وقت مبكر من تاريخه، للدلالة على القصر الفرعوني، فكلمة تعني قصر تعني عظيم. ومنذ بداية عصر الأسرة التاسعة عشرة وما بعدها، أصبح هذا المصطلح مألوفاً للأمة، وصار يدل على الفرعون المصري إذ استُخدم في النصوص المصرية كما يأتي:
تقدم برعو، وقال برعو.... الخ. وبكلمات أخرى أصبح المصطلح برعو ذا دلالة عظيمة تليق بحاكم مصر العظيم، مثلما صار مصطلح الباب العالي دلالة على تعظيم يليق بسلطان الدولة العثمانية.
تتويج الفرعون:
كان التتويج غالباً ما يتم في مدينة مَنُف الواقعة عند رأس الدلتا، وهي أول عاصمة لمصر الموحدة نحو 3200ق.م، والتتويج احتفال ديني بنقل السلطات من الإله إلى الفرعون مباشرة، وكان يتم في معبد الإله حيث يتقدم الفرعون إلى إله الدولة مع الكاهن الأعظم الذي يسأله القبول، أي أن يَقْبل الإله الفرعون ليمثله على الأرض، وأن يمنحه القوة والقدرة على الحكم وأن يسمح له بتقلد رموز الفرعونية والتحلي بالتيجان. وبعد القبول يقوم الإله حورس والإله ست أو تحوتي، وكان يمثلهما كاهنان مقنعان بقناع هذه الآلهة، بتطهير الفرعون بالماء المقدس، ثم يضعان فوق رأسه التيجان، ويربطان إلى عرشه نبات النسو (رمز الجنوب) والبردي (رمز الشمال) رمزاً لوحدة القطرين الصعيد والدلتا. وبعد هذا على الفرعون أن يجلس تحت شجرة مقدسة (شجره الأشد)، ليقوم كل من تحوت (إله المعرفة) وسشات (آلهة الكتابة) بتسجيل اسم الفرعون على أوراقها، وتمنياتهما له بطول العمر والحظ السعيد. ثم يطلق الفرعون أربعة سهام باتجاه الجهات الأربع الأصلية، فضلاً عن أربعة طيور باتجاه الجهات الأربع، أما السهام فهي نذير لكل من تراوده نفسه إلحاق الأذى بالفرعون، والطيور رسل إلى كل العالم بتعيين ملك جديد، وينتهي الاحتفال بالطواف حول جدران مدينة منف، وزيارة آلهة مصر العظمى في معابدها، وإقامة الاحتفالات إلى أن يصل الفرعون إلى عاصمته.
الحياة الخاصة للفرعون:
آمن المصري منذ وقت مبكر أن للفرعون، بوصفه إلهاً، خصوصيات لا يشاركه فيها عامة الناس، ومن أهم هذه الخصوصيات زواج الفراعنة، فقد كان تعدد الزوجات مسموحاً به في مصر، ولذلك تزوج الفرعون المصري أكثر من زوجة، ولكن كانت الزوجة الفرعونية من العائلة المالكة، وكانت تدعى أخت الفرعون.
ولم يتفق الباحثون في شأن هذا الزواج، فهل كانت الزوجة أخت الفرعون فعلاً، أم أن دعوتها بالأخت للتحبب فقط؟! على أن الزواج من القريبات كان في ظاهره للحفاظ على الدم الفرعوني المقدس، أما في حقيقته فقد كان زواجاً سياسياً، إذ كان الفرعون يتزوج من صاحبة الحق بالعرش ليؤكد شرعية وصوله إلى العرش.
وكانت حياة الفرعون منظمة تنظيماً دقيقاً، فالفرعون يستيقظ مبكراً، ثم يأتي المكلفون بزينة الفرعون وحمامه وملابسه، فيقدمون خدماتهم له، ثم يقوم بتقديم القرابين في المعبد ويستمع إلى ابتهالات الكاهن الأكبر ثم يتوجه إلى حضور الاجتماعات الرسمية.
حياة الفرعون الرسمية:
كان الفرعون يقيم في قصر مقسوم إلى قسمين، الأول لحياته الخاصة، ويضم زوجاته وأولاده وخدمه، أما القسم الثاني، فقد خصص للحياة الرسمية، حيث كان يعيش بجانب الفرعون كبارالموظفين من رجال البلاط، وأطباء الفرعون، والمشرفون على المراسيم.
وكان للقصر شرفة يُطلّ منها الفرعون على كبار القوم ليلقي عليهم بإنعاماته الفرعونية من الذهب، وفي القصر الرسمي هذا كان الفرعون يستقبل الوفود الأجنبية الرسمية، أو الوفود التي تحمل جزى بلادها من سورية أو النوبة وغيرها، وهي تتزيا بأزيائها الوطنية، وكانت تقضي التقاليد عند مقابلة الفرعون بالسجود وتقبيل الأرض بين يديه.
لباس الفرعون:
يستنتج من دراسة الآثار المصرية، أن الفرعون لبس لباساً خاصاً لكل مناسبة، ففي الحرب كان يلبس لباساً طويلاً يغطي جسمه من كتفيه إلى قدميه، في هذه المناسبة يضع على رأسه تاج الحرب الأزرق.
أما في المناسبات الدينية، فكان الفرعون يلبس نقبةً قصيرةً أو طويلة، ويغطي رأسه بقطعة قماش مقلّمة، وفي مناسبة عيد السد، كان يلبس لباساً يغطي كل جسده، وكأنه لُف به لفاً. أما الملكات فكن يلبسن لباساً محتشماً يستر كل أجسامهن.
استخدم الفرعون العديد من التيجان مثل التاج الأبيض (تاج الصعيد) والتاج الأحمر(تاج الدلتا) والتاج المزدوج (تاج الصعيد الأبيض، وبضمنه تاج الدلتا الأحمر) والتاج الأزرق (تاج الحرب) وتاج أتف (رمز الدلتا ورمز الاتحاد بين الشمال والجنوب)، وفي مقدمة كل تاج وفوق جبين الفرعون يبرز الصل لينفث السم والرعب في قلوب من توسوس لهم أنفسهم شراً بالفرعون، ومن أهم الشارات التي كان يحملها الفرعون المقمعة والعصا المعكوفة الرأس والمذبة.
واجبات الفرعون:
أنيطت بالفرعون مهام عظيمة تتناسب ومنصبه السياسي والديني والاجتماعي، لا تختلف هذه المهام من حيث المبدأ عن مهام رئيس الدولة في العصر الحاضر، فهو القائد العام للجيش، يحدد الهدف ويقود الجيش ويرسم الخطة الحربية، كما فعل تحوتمس الثالث في معركة مجدّو، ورعمسيس الثاني في معركة قادش.
تجدر الإشارة إلى أن النصوص المصرية تعزو كل الفضل في الانتصارات العسكرية والمشاريع المدنية إلى الفرعون، إذ لا يدانيه مخلوق في فهمه الأمور ومقدرته على تقدير الموقف، ورجاحة عقله وشجاعته في خوض المعارك، واتخاذ القرار الحاسم الصحيح، كما كان من مهام الفرعون إنشاء الأسطول الحربي وتسليح الجيش والسهر عليه.
وكان على الفرعون أن يقيم المشروعات المدنية، مثل حفر الترع، وإرسال البعثات التجارية (حملة حتشبسوت إلى بلاد بونت) والتعدينية إلى سيناء والنوبة لإحضار النحاس والذهب، وشق الطرق وإصلاحها مثل (الطريق الحربي شمال سيناء). وفي مجال الدين، عليه إقامة المعابد للآلهة، وإقامة التماثيل والرموز الخاصة بها، ورعاية الطقوس الدينية.
وكان من أهم واجبات الفرعون بناء الدار الأبدية (المقبرة الفرعونية) لتحفظ جثة الفرعون سليمة، كي تتعرف إليها الروح، وقد تطور شكل هذه الدار من المصطبة إلى الهرم المدرج، فالهرم الكامل في عصر الدولة المصرية القديمة. وفي عصر الدولة المصرية الحديثة1580- 1087ق.م، نحتت مقابر الملوك في جوف الجبل الواقع إلى الغرب من طيبة: العاصمة الامبراطورية.
وكان من واجبات الفرعون أيضاً اختيار وريث للعرش، وتعيين حكام للأقاليم، والإشراف عليهم، وجباية الضرائب. وهكذا يمكن القول، إن الفرعون كان حاكم مصر، يلقى التبجيل والتقديس من شعبه، استناداً إلى موروث إيماني تغلغل في أعماقه، لم يتغير هذا الإيمان على الرغم من مرور آلاف السنين؛ لأن من خصائص الإيمان الديني التمكن في النفس وبطء التغيير، كما يمكن القول إن النظرة إلى الفرعون قد تغيرت كلياً بفضل اكتشاف الآثار المصرية ومعرفة اللغة المصرية القديمة، فأسبغ المؤرخون على من يستحق من الفراعنة صفات تليق بما حققوه من إنجازات بهرت العالم، فأطلقوا على تحوتمس الثالث (نابليون الامبراطورية المصرية) وعلى أخناتون (الموحد الأول في التاريخ) وعلى رعمسيس الثاني (رعمسيس الكبير) وسيستمر احترام العالم للفراعنة، لما حققوه من إنجازات حضارية عظيمة سواءً بالكتابة أم الدين أم الفن أم الأدب أم البناء.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|