أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-11-2014
1845
التاريخ: 2-12-2015
11569
التاريخ: 2-12-2015
3410
التاريخ: 4-12-2015
1891
|
جاء القرآن بسبكٍ جديد وأُسلوبٍ فريد ، كان غريباً على العرب ، لا هو نثر كنثرهم ، ولا شعر كشعرهم ، ولا فيه شيء من هذر السجّاع ، ولا تكلّفات الكهّان ، وإن كان قد جمع بين مزايا أنواع الكلام ، واشتمل على خصائص أنحاء البيان ، فيه طلاقة النثر واسترساله البديع ، وأناقة الشعر وسلاسته الرفيع ، وجزالة السجع الرصين ، وهذا عجيب !
قال الإمام كاشف الغطاء : تلك صورة نظمه العجيب وأُسلوبه الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها ، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير ، ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه ، بل حارت فيه عقولهم ، وتدلّهت دونه أحلامهم ، ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر ... هكذا اعترف له أفذاذ العرب وفصحاؤهم الأوّلون (1) .
قال عظيم العرب وفريدها الوليد : يا عجباً لِما يقول ابن أبي كبشة ، فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي جنون ، وإنّ قوله لمن كلام الله (2) .
وقال ـ ردّاً على مَن زعم أنّه من الشعر ـ : فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّي ، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة منّي ، ولا بأشعار الجنّ ، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا .
ثُمّ قال : ووالله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنّه ليعلو وما يُعلى ... وفي رواية الإصابة زيادة : ( وما هذا بقول بشر ) ، وفي نسخة الغزالي : ( وما يقول هذا بشر ) (3) .
ولمّا سمع عتبة بن ربيعة ـ وكان سيّداً في العرب ـ آياً من مفتتح سورة فصّلت ، قرأها عليه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وسلّم أتى معشر قريش ، فسألوه ، ما وراءك ؟ قال : ورائي أنّي قد سمعت قولاً ، والله ما سمعت مثله قطّ ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة (4) .
وهكذا أنيس به جنادة ، لمّا بعثه أبو ذر ليستخبر من حالة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وسلّم وكان من أشعر العرب ، فلمّا رجع قال : لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر ( أي أوزانه ) فما يلتئم على لسان أحد بعدي ( أي غيري ) أنّه شعر ، والله إنّه لصادق ، وإنّهم لكاذبون (5) .
إلى غيرها من كلمات تنمّ عن رفيع شأن هذا الكلام الإلهي الخالد ... وقد مرّت (6) .
وتوضيحاً لهذا الجانب من إعجاز القرآن البياني ـ في سبكه وأُسلوبه ـ نقول : لا شكّ أنّه نثر ، لا كنثرهم ، أمّا من حيث اللفظ فإنّه رُصّع على أحسن ترصيع ، ورُصفت كلماته وجمله وتراكيبه على أجمل ترصيف ، فيه جمال الشعر ووقار النثر وإجادة السجع الرصين ، مع قوّة البيان ورشاقة التعبير ، من غير أن يعتريه وهن أو ضعف ، في طول كلامه وتعدّد بياناته .
وهكذا من حيث المعنى ، جاء بمعانٍ جديدة كانت مهجورةً أو مطموسةً ، فأحياها من جديد ، وأبان من مراميها ، وألقى الضوء على فلسفة الوجود وسرّ الحياة في المبدأ والمعاد ، فجاء بمعارف جليلة وتعاليم نبيلة ، أنار بها درب الحياة بما أذهل القلوب وأبهر العقول وأحار ذوي الألباب .
وفي ذلك يقول العلاّمة محمّد عبد الله درّاز : أًسلوب القرآن لا يعكس نعومة أهل المدينة ولا خشونة أهل البادية ، وزن المقاطع في القرآن أكثر ممّا في النثر وأقلّ ممّا في الشعر ، وأنّ نثره ينفرد ببعض الخصائص والميزات ، فالكلمات فيه مختارة ، غير مبتذلة ولا مستهجنة ، ولكنّها رفيعة رائعة معبّرة ، الجمل فيها ركّبت بشكل رائع ، حتى أنّ أقلّ عدد من الكلمات يعبّر عن أوسع المعاني وأغزرها ، إنّ تعابيره موجزة ، ولكنّها مدهشة في وضوحها ، حتى أنّ أقلّ حظّاً من التعلّم يستطيع فهم القرآن دونما صعوبة ، وهناك عمق ومرونة في القرآن ممّا يصلح أن يكون أساساً لمبادئ وقوانين العلوم والآداب الإسلامية ومذاهب الفقه وفلسفة الإلهيات (7) .
وفي أُسلوب القرآن نجد أنّه وضع لبعض الألفاظ معاني جديدة ، وخاصّة ما اتّصل منها بالفقه الإسلامي ، كما استحدث ألفاظاً جديدة وأعرض عن ألفاظ ، فمنع استعمال مدلولاتها وأعاض عنها بغيرها ، وخاصّة وحشيّ اللفظ ... .
كذلك أبطل سجع الكهّان وطوابع الوثنية ، وأضعف فنون الفخر والاستعلاء والهجاء ، وطبع الحوار بطابع السماحة وإقامة الحجّة والبحث عن الدليل ، وأحلّ الإيجاز محلّ الإسهاب ، والحكمة مكان الإطالة ، وترك في الأُسلوب العربي الإسلامي طابعه الوسيط السمح ، وأعطاه جزالةً وسلاسةً وعذوبةً ووضوحاً ... ذلك أنّ القرآن رقّق القلوب وأفسح للعقول مجال النظر والفكر (8) .
والآن فإليك بعض التوضيح عن قوافي الشعر وأوزانه ، والكلام عن تكلّفات الأسجاع القديمة ، ممّا تحاشاه القرآن الكريم :
الشعر : كلام ذو وزن وتقفية ، قد سُبك على نظام خاصّ ، ومتقيّد بقافية خاصّة ، على أنواعها الخمسة المعروفة التي ذكرها الخليل (9) .
وهذا النظم تشرحه البحور المقيسة التي هي الأوزان الشعرية التي كانت عليها العرب ، إلاّ ما شذّ ، وقد أنهاها الخليل بن أحمد الفراهيدي إلى خمسة عشر بحراً ، هي :
( الطويل ، المديد ، البسيط ، الوافر ، الكامل ، الهزج ، الرجز ، الرمل ، السريع ، المنسرح ، الخفيف ، المضارع ، المقتضب ، المجتثّ ، المتقارب ) .
ولكلّ بحر أصل وفروع يشرحها علم العروض (10) .
قال السكّاكي : وهذه الأوزان هي التي عليها مدار أشعار العرب ، بحكم الاستقراء لا تجد لهم وزناً يشذّ عنها ، اللّهمّ إلاّ نادراً (11) .
والقافية ـ عند الخليل ـ : من آخر حرف في البيت ، إلى أَوّل ساكن قبله ، مع المتحرّك الذي قبل الساكن . مثل ( تابا ) في قوله : ( أقلّي اللومَ عاذِلَ والعِتابا ) فيجب أن تجري القصيدة في جميع أبياتها على نفس المنوال .
قال السكّاكي : ولابدّ في القافية ـ على رأي الخليل وقد رجّحه ، لوقوفه على أنواع علوم الأدب نقلاً وتصرفاً واستخراجاً واختراعاً ورعايةً في جميع ذلك حقّ رعايته ـ أن تشتمل على ساكنين ، فيستلزم لذلك خمسة أنواع :
أحدها : أن يكون ساكناها مجتمعين ، ويُسمّى : ( المترادف ) .
ثانيها : أن يكون بينهما حرفان متحرّكان ، ويُسمّى : ( المتواتر ) .
ثالثها : أن يكون بينهما حرفان متحرّكان ، ويُسمّى : ( المتدارك ) .
ورابعها : أن يكون بينهما ثلاثة أحرف متحرّكات ، ويُسمّى : ( المتراكب ) .
وخامسها : أن يكون بينهما أربعة أحرف متحرّكات ، ويُسمّى ( المتكاوس ) .
ثُمّ ذكر أنّ للمترادف 17 موقعاً ، وللمتواتر 21 موقعاً ، وللمتدارك 11 ، وللمتراكب 8 وللمتكاوس موقع واحد ، فهذه 58 موقعاً لأنواع القافية الخمسة .
ثُمّ القافية لاشتمالها على حرف الرويّ ـ ( وهو : الحرف الآخر من حروف القافية إلاّ ما كان تنويناً أو بدلاً من التنوين أو كان حرفاً إشباعيّاً مجلوباً لبيان الحركة ) ـ تتنوّع إلى ستة أنواع :
الأَوّل : القافية المقيّدة ، وهي ما كان رويّها ساكناً ، نحو قوله : ( وقاتم الأعماق خاوي المخترق ) ، وحركة ما قبل الرويّ المقيّد يُسمّى : ( توجيهاً ) .
الثاني : القافية المطلقة ، وهي ما كان رويّها متحركاً ، نحو قوله : ( قِفا نبكِ مِن ذكرى حبيبٍ ومنزلٍ ) ، ويُسمّى حركة الرويّ : ( مجرى ) .
الثالث : القافية المردفة ، وهي ما كان قبل رويّها ألفٌ ، مثل ( عماداً ) أو واو أو ياء مدّتين ، نحو ( عمود ) و( عميد ) ، أو غير مدّتين ، مثل ( قول ) و( قيل ) ، وتُسمّى كل من هذه الحروف ( ردفاً ) ، وحركة ما قبل الردف ( حذواً ) .
_____________________
(1) الدين والإسلام : ج2 ص107 .
(2) تفسير الطبري : ج29 ص98 .
(3) المستدرك للحاكم : ج2 ص507 .
(4) ابن هشام : ج1 ص314 .
(5) شرح الشفاء للقاري : ج1 ص320 .
(6) راجع ( المدخل لدراسة الإعجاز ) التمهيد : ج4 ص200 ـ 203 .
(7) راجع الفصحى لغة القرآن لأنور الجندي : ص40 .
(8) عن بحث للدكتور عبد المنعم خفاجي في جريدة الدعوة ( الفصحى لغة القرآن ) : ص40 .
(9) سنذكرها في الصفحة القادمة .
(10) أصل الطويل : ( فعولن . مفاعيلن... ) أربع مرّات .
وأصل المديد : ( فاعلاتن . فاعلن... ) أربع مرّات .
وأصل البسيط : ( مستفعلن . فاعلن ) أربع مرّات .
وأصل الوافر : ( مفاعلتن ... ) ستّ مرّات .
وأصل الكامل : ( متفاعلن... ) ستّ مرّات .
وأصل الهزج : (مفاعيلن...) ستّ مرّات .
وأصل الرجز : ( مستفعلن... ) ستّ مرّات .
وأصل الرمل : ( فاعلاتن... ) ستّ مرّات .
وأصل السريع : ( مستفعلن . مستفعلن . مفعولات ) مرّتين .
وأصل المنسرح : ( مستفعلن . مفعولات . مستفعلن ) مرّتين .
وأصل الخفيف : ( فاعلاتن . مُس ، تفع ، لن . فاعلاتن ) مرّتين .
وأصل المضارع : ( مفاعيلن . فاعلاتن . مفاعلن ) مرّتين .
وأصل المقتضب : ( مفعولات . مستفعلن . مستفعلن ) مرّتين .
وأصل المجتثّ : ( مستفعلن . فاعلاتن . فاعلاتن ) مرّتين .
وأصل المتقارب : ( فعولن... ) ثماني مرّات .
(11) راجع مفتاح العلوم للسكّاكي ( علم العروض ) : ص244 ـ 267 . وجامع العلوم للإمام الرازي : ص74 ـ 82 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|