أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-12-2015
4057
التاريخ: 5-11-2014
2753
التاريخ: 2024-05-09
756
التاريخ: 5-11-2014
21425
|
نَوّع عبد القاهر الاستعارة إلى ما فيه فائدة وما لا فائدة فيه ، وعنى بغير المفيدة : ما لا يكون الغرض منه سوى التَنوّق في التعبير والتوسّع في الأداء ، وهذا بأن ينقص من قدر الكلام أشبه من أن يزيده حسناً ؛ ومِن ثَمّ يقبح استعماله على الأديب الأريب .
قال : وموضع هذا الذي لا يفيد نقله ، حيث يكون اختصاص بما وُضع له من طريق أُريد به التوسّع في أوضاع اللغة والتنوّق في مراعاة دقائق من الفروق في المعاني المدلول عليها ، كوضعهم للعضو الواحد أسامي كثيرة بحسب اختلاف أجناس الحيوان ، نحو : وضع الشفة للإنسان ، والمِشفَر للبعير ، والجَحفَلة للفرس ، وما شاكل ذلك من فروق ربّما وُجدت في غير لغة العرب أيضاً .
فإذا استعمل الشاعر شيئاً منها في غير الجنس الذي وُضع له فقد استعاره منه ونقله عن أصله وجاز به موضعه ؛ وبذلك قد فاته لطف الخصوصية الملحوظة عند الوضع .
كقول العجاج : ( وفاحماً ومرسناً مُسرّجا ) (1) أراد بالمَرسِن أنف الممدوح ، وهو في الأصل اسم لأنف الحيوان ؛ لأنّه موضع الرَّسن ، لكنّه تغافل عن هذه الخصوصية المناسبة لأصل الوضع ، وتوهّمه اسماً لمطلق الأنف المشترك ، واستعاره لأنف الممدوح ، تنوّقاً وتوسّعاً في الكلام ، ولا يخفى مدى ابتعاد هذه الاستعارة عن الظرافة واللطف ، إن لم تكن قريبةً من الوهن والقباحة .
وقال آخر ، يصف إبلاً :
تـسمعُ للماءِ كصوت المِسحَل بين وريدِها وبين الجَحفلِ (2)
فاستعار الجَحفل لشفّة البعير ، وهو موضوع لشفّة الفرس من غير فائدة لذلك .
وقال آخر : ( والحشوُ (3) من حَفّانِها كالحَنظَل ) فأجرى الحَفّان على صِغار الإبل ، وهو موضوع لصِغار النعام .
وقال آخر :
فـبِتنا جـلوساً لـدى مُهرِنا نُنزِعُ من شفتيه الصَفارا (4)
فاستعمل الشفة في الفرس ، وهي موضوعة للإنسان .
فهذا النوع من الاستعارة لا يفيد شيئاً سوى استعمال لفظه مكان أُخرى تفنّناً
في العبارة ، من قبيل الألفاظ المترادفة ، في حين عدم الترادف ، بل الاستعارة هاهنا بأن تنقص الكلام جزء من الفائدة أشبه ؛ لأنّ معنى الاستعارة نفي الاشتراك ، وهو يناقض نفي الخصوصية عند النقل ، إذ مع ملاحظة الخصوصية في المستعار منه لا يصحّ نقله إلى المستعار له ، فلو لم تُلحظ الخصوصية ونفيتها تصحيحاً للنقل أصبح اللفظ مشتركاً بين الموضعين ، ولا استعارة في المشتركات (5) .
وجعل ابن الأثير التوسّع في الكلام على ضربين :
أحدهما : يرد على وجه الإضافة ، فيما لا تناسب بين المضاف والمضاف إليه ، واستعماله قبيح ؛ لأنّه يلتحق بالتشبيه المضمر الأداة ، وإذا ورد التشبيه ولا مناسبة يبن المشبّه والمشبّه به كان ذلك قبيحاً .
ولا يُستعمل هذا الضرب من التوسّع إلاّ جاهل بأسرار الفصاحة والبلاغة أو ساهٍ غافلٌ يذهب به خاطره إلى استعمال ما لا يجوز ولا يحسن ، كقول أبي نؤاس :
بُحَّ صوتُ المالِ ممّا منكَ يشكو ويصيحُ
فقوله : ( بُحَّ صوتُ المال ) مِن الكلام النازل بالمرّة ، ومراده من ذلك أنّ المال يتظلّم من إهانتك إيّاه بالتمزيق ( التفريق ) ، فالمعنى حسن ، والتعبير عنه قبيح .
وقوله أيضاً :
ما لِرِجلِ المالِ أمستْ تشتكي منكَ الكَلالا ؟
فإضافة الرجل إلى المال أقبح من إضافة الصوت .
ومِن هذا الضرب قول أبي تمّام :
وكـم أحـرزتْ مـنكُم عـلى قُبح قَدِّها صُروفُ النوى مِن مُرهَفٍ حسن القدِّ (6)
فإضافة القدّ إلى النوى من التشبيه البعيد البعيد . وإنّما أوقعه فيه المماثلة بين
القدّ والقدّ .
وكذلك ورد قوله :
بَلوناكَ أَمّا كَعبُ عِرضِك في العُلا فَـعالٍ وأمّـا خـدُّ مـالكَ أسفلُ
فقوله : ( كعب عرضك ) و( خدُّ مالك ) ممّا يُستقبح ويُستنكر ، ومراده أنّ عِرضك مصون ومالك مبتذل ، إلاّ أنّه عبّر عنه أقبح تعبير .
وأمّا الضرب الآخر من التوسّع ، فإنّه يرد على غير وجه الإضافة ، وهو حسنٌ لا عيب فهي . وهو سبب صالح ؛ إذ التوسّع في الكلام أمرٌ مطلوب .
وقد ورد في القرآن الكريم ، كقوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت : 11].
فنسبة القول إلى السماء والأرض من باب التوسّع ؛ لأنّهما جماد ، والنطق إنّما هو للإنسان لا للجماد ، ولا مشاركة هاهنا بين المنقول والمنقول إليه .
وكذلك قوله تعالى : {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان : 29] (7) .
قال عبد القاهر : وأمّا المفيد من الاستعارة فهو الذي يترتّب عليه فائدة وغرض من الأغراض لولا مكان تلك الاستعارة لم يحصل ، وذلك الغرض هو التشبيه على أنحائه الكثيرة ، ومثاله : قولنا : رأيت أسداً ، وأنت تعني رجلاً شجاعاً ، وبحراً ، تريد رجلاً جواداً ، وبدراً ، تريد إنساناً مضيء الوجه متهلّلاً ، وتقول : سَلَلت سيفاً على العدوّ ، تريد رجلاً ماضياً في نُصرتك ، أو رأياً نافذاً ، وما شاكل ذلك ، فقد استعرت اسم الأسد للرجل ، ومعلوم أنّك أفدت بهذه الاستعارة ما لولاها لم يحصل لك ، وهو المبالغة في وصف المقصود بالشجاعة وإيقاعك منه في نفس السامع صورة الأسد في بطشه وإقدامه وبأسه وشدّته ، وسائر المعاني المركوزة في طبيعته ، ممّا يعود إلى الجرأة والبسالة ، وهكذا في غيره من الأمثلة .
قال : والاستعارة في الحقيقة هي هذا الضرب دون الأوّل ، وهي أمدّ ميداناً ، وأشدّ افتناناً ، وأكثر جرياناً ، وأعجب حُسناً وإحساناً ، وأوسع سعةً ، وأبعد غوراً ، وأذهب نجداً في الصناعة وغوراً ، مِن أن تُجمع شُعبها وشعوبها ، وتُحصر فنونها وضروبها ، نعم وأسحر سحراً ، وأملأ بكلّ ما يملأ صدراً ، ويُمتّع عقلاً ، ويُؤنس نفساً ، ويُوفّر أُنساً ، وأهدى إلى أن تُهدى إليك عذارى قد تُخيّر لها الجمال ، وعُني بها الكمال .
وفي الفضيلة الجامعة فيها : أنّها تبرز هذا البيان أبداً في صورة مستجدّة تَزيد قدره نبلاً ، وتُوجب له بعد الفضل فضلاً ، وأنّك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت فيها فوائد ، حتى تراها مكرّرة في مواضع ، ولها في كلّ واحد من تلك المواضع شأن مفرد ، وشرف منفرد ، وفضيلة مرموقة ، وخلابة مَوموقة (8) .
ومن خصائصها التي تُذكر بها وهي عنوان مناقبها : أنّها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ ، حتى تخرج من الصَدَفة الواحدة عدّة من الدُرر ، وتجني من الغصن الواحد أنواعاً من الثمر .
وإذا تأمّلت أقسام الصنعة التي بها يكون الكلام في حدّ البلاغة ، ومعها يُستحقّ وصف البراعة ، وجدتها تفتقر إلى أن تعيرها حُلاها (9) وتقصر عن أن تنازعها مداها ، وصادفتها (10) نجوماً هي بدرها ، وروضاً هي زهرها ، وعرائس ما لم تُعرها حُليها فهي عواطل ، وكواعب ما لم تُحسنها فليس لها في الحسن حظ كامل . فإنّك لَترى بها الجماد حيّاً ناطقاً ، والأعجم فصيحاً ، والأجسام الخُرس مبيّنة ، والمعاني الخفية بادية جلية !
وإذا نظرت في أمر المقاييس وجدتها ولا ناصر لها أعزّ منها ، ولا رونق لها ما لم تزنها ، وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما لم تكُنها (11) ، إن شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل ، كأنّها قد جُسّمت حتى رأتها العيون ، وإن شئت لطّفت الأوصاف الجسمانية ، حتى تعود روحانية لا تنالها إلاّ الظنون .
وهذه إشارات وتلويحات في بدائعها ، وإنّما ينجلي الغرض منها ويبين إذا تُكلِّم على التفصيل واُفرد كل فنّ بالتمثيل (12) .
____________________
(1) صدره : ( ومقلةً وحاجباً مزجّجا ) . المقلة : العين . والمزجّج : المدقّق المطوّل .
(2) المِسحَل : آلة السَحل أي النحت كالمِبْرد .
(3) الحشو : صغار الإبل .
(4) الصفار : القراد وما بقي في أُصول أسنان الدابّة من تبن ونحوه .
(5) راجع أسرار البلاغة : ص23 .
(6) المُرهف : الدقيق الحسن الهندام ، والقدّ : القوام . ويُروى : صروف الردى ، وهو بمعناه .
(7) المَثل السائر : ج2 ص79 ـ 81 .
(8) الخلابة : الجذب بلطائف الكلام . الوَمق : التودّد .
(9) أي حُلي الاستعارة ، وهكذا سائر الضمائر في الجمل التالية .
(10) عطف على ( وجدتها ) حيث كان جواباً للشرط .
أي إذا لم تكن على وجه الاستعارة (11)
(12) أسرار البلاغة : ص33 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|