أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-28
168
التاريخ: 28-9-2016
2399
التاريخ: 2024-03-09
797
التاريخ: 26-9-2016
1415
|
كان نبيّنا الأعظم محمّد ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، المثل الأعلى في سائر نواحي الكمال اصطفاه اللّه مِن الخَلق واختاره من العباد ، وحباه بأرفع الخصائص والمواهب التي حبا بها الأنبياء (عليهم السلام) ، وجمع فيه ما تفرّق فيهم مِن صنوف العظمات والأمجاد ما جعله سيّدهم وخاتمهم .
وناهيك في عظمته أنّه استطاع بجهوده الجبّارة ومبادئه الخالدة ، أنْ يحقّق في أقلِّ من ربع قرن من الانتصارات الروحيّة والمكاسب الدينيّة ، ما لم يستطع تحقيقه سائر الأنبياء والشرائع في أكثر مِن قرون .
جاء بأكمل الشرائع الإلهيّة ، وأشدّها ملائمة لأطوار الحياة ، وأكثرها تكفّلاً بإسعاد الإنسان ماديّاً وروحيّاً ، ديناً ودنياً ، فأخرج الناس من ظلمة الكُفر إلى نور الإسلام ، ومِن شقاء الجاهليّة إلى السعادة الأبديّة , وجعل أُمّته أكمل الأُمم ديناً ، وأوفرهم عِلماً ، واسماهم أدباً وأخلاقاً ، وأرفعهم حضارةً ومجداً .
وقد عانى في سبيل ذلك مِن ضروب الشدائد والأهوال ، ما لم يعانه أيُّ نبيّ .
من أجل ذلك ، فإن القلم عاجز عن تعداد أياديه ، وحصر حقوقه على المسلمين سيّما في هذه الرسالة الوجيزة .
فلا بدّ من الإشارة إليها والتلويح عنها .
وهي ، بعد الإيمان بنبوته ، وتصديقه فيما جاء به من عند اللّه عزّ وجل ، والاعتقاد بأنّه سيّد الرسل ، وخاتم الأنبياء :
1 - طاعته :
وطاعة النبيّ فرضٌ محتّمٌ على الناس ، كطاعة اللّه تعالى ، إذ هو سفيره إلى العباد ، وأمينه على الوحي ، ومنار هدايته الوضّاء .
وواقع الطاعة هو : إتباع شريعته ، وتطبيق مبادئه الخالدة ، التي ما سعِد المسلمون ونالوا آمالهم وأمانيهم ، إلاّ بالتمسّك بها والحفاظ عليها , وما تخلفوا واستكانوا إلا بإغفالها والانحراف عنها .
أنظر كيف يحرض القرآن الكريم على طاعة النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، ويحذّر مغبّة عصيانه ومخالفته ، حيث قال :
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر : 7].
وقال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب : 36].
وقال سُبحانه : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء : 13، 14] .
وقال عزّ وجل : {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة : 20، 21].
2 - محبّته :
تختلف دواعي الحبّ والإعجاب باختلاف نزَعات المُحبّين وميولهم ، فمِن الناس مَن يحب الجمال ويُقّدسه ، ومنهم مَن يحبّ البطولة والأبطال ويمجدهم، ومنهم من يحب الأريَحيّة ويشيد بأربابها .
وقد اجتمع في النبيّ الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) كلّ ما يفرض المحبّة ويدعو إلى الإعجاب ، حيث كان نموذجاً فذاً ، ونمطاً فريداً بين الناس , لخصّ اللّه فيه آيات الجمال والكمال ، وأودع فيه أسرار الجاذبيّة ، فلا يملك المرء إزائه إلاّ الحبّ والإجلال ، وهذا ما تشهد به شخصيّته المثاليّة ، وتأريخه المجيد .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو يصف شمائل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) :
( كان نبيُّ اللّه أبيضَ اللون ، مُشرباً حمرة ، أدعج العين ، سبط الشعر ، كث اللحية ، ذا وفرة دقيق المسربة ، كأنّما عنقه إبريق فضّة يجري في تراقيه الذهب ، له شعر مِن لبَّتِه إلى سرّته كقضيب خيط ، وليس في بطنه ولا صدره شعر غيره ، شثن الكفين والقدمين ، إذا مشى كأنّه ينقلع مِن صخر ، إذا أقبل كأنّما ينحدر مِن صب ، إذا التفت التفت جمعاً بأجمعه ، ليس بالقصير ولا بالطويل ، كأنّما عرَقه في وجهه اللؤلؤ ، عرقه أطيبُ مِن المسك ) .
وقال ( عليه السلام ) وهو يصف أخلاق الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( كان أجود الناس كفّاً ، وأجرأ الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجةً ، وأوفاهم ذمّةً ، وأليَنُهم عريكةً ، وأكرمهم عِشرةً ، مَن رآه بديهة هابه ، ومَن خالطه فعرفه أحبّه ، لم أر مثله قبله ولا بعده ) (1) .
ولأجل تلك الشمائل والمآثر ، أحبّه الناس على اختلاف ميولهم في الحبّ : أحبّه الأبطال لبطولته الفذّة التي لا يجاريه فيها بطلٌ مغوار ، وأحبّه الكرام إذ كان المثل الأعلى في الأريحيّة والسخاء ، وأحبّه العُبَّاد لتولّهه في العبادة وفنائه في ذات اللّه ، وأحبّه أصحابه المخلصون المثاليّته الفذّة في الخَلق والخُلق .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( جاء رجلٌ مِن الأنصار إلى النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) فقال : يا رسول اللّه ، ما استطيع فراقك ، وإنّي لأدخل منزلي فأذكرك ، فأترك ضَيعتي وأقبِل حتّى أنظر إليك حبّاً لك ، فذكرت إذا كان يوم القيامة ، وأدخلتَ الجنّة ، فرُفِعت في أعلى عِليّين فكيف لي بك يا نبيّ اللّه ؟ ، فنزل : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء : 69] .
فدعا النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) الرجلَ فقرأها عليه وبشّره بذلك ) .
وقال أنَس : جاء رجلٌ من أهل البادية ، وكان يُعجبنا أنْ يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، فقال : يا رسول اللّه متى قيام الساعة ؟ , فحضرت الصلاة ، فلمّا قضى صلاته ، قال : ( أين السائل عن الساعة ؟).
قال : أنا يا رسول اللّه.
قال : ( فما أعددتَ لها ؟).
قال : واللّه ما أعددت لها مِن كثير عمل صلاة ولا صوم ، إلا أنّي أحبّ اللّه ورسوله .
فقال له النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( المرء مع من أحبّ ) .
قال أنَس : فما رأيت المسلمين فرِحوا بعد الإسلام بشيء أشدّ مِن فرحهم بهذا .
وعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) ، قال : ( كان رجلٌ يبيع الزيت ، وكان يحبّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) حبّاً شديداً ، كان إذا أراد أنْ يذهب في حاجة لم يمضِ حتّى ينظر إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، قد عُرِف ذلك منه ، فإذا جاء تطاول له حتّى ينظر إليه . حتّى إذا كان ذات يوم ، دخل فتطاول له رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) حتّى نظر إليه ثمّ مضى في حاجته ، فلم يكن بأسرع مِن أنْ رجَع ، فلمّا رآه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) قد فعل ذلك ، أشار إليه بيده اجلس ، فجلس بين يديه ، فقال : مالك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ؟.
فقال : يا رسول اللّه ، والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ، لغشى قلبي شيء مِن ذكرك ، حتّى ما استطعت أنْ أمضي في حاجتي ، رجعت إليك.
فدعا له وقال له خيراً .
ثمّ مكث رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أيّاماً لا يراه ، فلمّا فقده سأل عنه ، فقيل له : يارسول اللّه ، ما رأيناه منذ أيّام .
فانتعل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وانتعل معه أصحابه ، فانطلق حتّى أتى سوق الزيت فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد ، فسأل عنه جيرته ، فقالوا : يا رسول اللّه ، مات...ولقد كان عندنا أميناً صدوقاً ، إلاّ انّه قد كان فيه خصلة .
قال : وما هي ؟.
قالوا : كان يَزهَق ( يعنون ، يتبع النساء ) .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : لقد كان يحبّني حُبّاً ، لو كان بخّاساً لغفر اللّه له )(2) .
3 - الصلاة عليه :
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب : 56] .
درَج الناس على إجلال العظماء وتوقيرهم بما يستحقّونه من صور الإجلال والتوقير ، تكريماً لهم وتقديراً لجهودهم ومساعيهم في سبيل أُممهم .
ومن هنا كان السلام الجمهوري والتحيّة العسكريّة فرضاً على الجنود ، تبجيلاً لقادتهم وإظهاراً لإخلاصهم لهم .
فلا غرابة أنْ يكون من حقوق النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) على أمته - وهو سيّد الخلق وأشرفهم جميعاً - تعظيمه والصلاة عليه ، عند ذكر اسمه المبارك أو سماعه ، وغيرهما من مواطن الدعاء .
وقد أعرَبت الآية الكريمة عن بالغ تكريم اللّه تعالى وملائكته للنبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } [الأحزاب : 56] ، ثمّ وجّهَت الخطاب إلى المؤمنين بضرورة تعظيمه والصلاة والسلام عليه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب : 56].
وجاءت نصوص أهل البيت ( عليهم السلام ) توضّح خصائص ورغبات الصلاة عليه بأُسلوبٍ شيّق جذّاب .
فمِن ذلك ما جاء عن ابن أبي حمزة عن أبيه ، قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عن قول اللّه عزَّ وجل : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب : 56] .
فقال : ( الصلاة مِن اللّه عزّ وجل رحمة ، ومِن الملائكة تزكية ، ومِن الناس دُعاء . وأمّا قوله عزّ وجل : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، فإنّه يعني بالتسليم له فيما ورد عنه ) .
قال : فقلت له : فكيف نصلّي على محمّدٍ وآله ؟.
قال : ( تقولون : صلوات اللّه وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمّدٍ وآل محمّدٍ ، والسلام عليه وعليهم ورحمة اللّه وبركاته ) .
قال : فقلت فما ثواب من صلّى على النبيّ وآله بهذه الصلاة ؟.
قال : الخروج من الذنوب ، واللّه ، كهيئة يومٍ ولدته أُمّه (3) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( من صلّى على محمٍّد وآل محمّدٍ عشراً صلّى اللّه عليه وملائكته مِئة مرّة ، ومَن صلىّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ مِئة صلّى اللّه عليه وملائكته ألفاً ، أما تسمع قول اللّه تعالى : {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (} [الأحزاب : 43] (4) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( كلّ دعاء يُدعى اللّه تعالى به ، محجوبٌ عن السماء حتّى يُصلّى على محمّدٍ وآل محمّد ) (5) .
وعن احدهما ( عليهما السلام ) قال : ( ما في الميزان شيءٌ أثقل من الصلاة على محمّدٍ وآل محمّد ، وإنّ الرجل ليوضَع أعمالَه في الميزان فيميل به ، فيُخرج ( صلّى اللّه عليه وآله ) ( الصلاة عليه ) فيضعها في ميزانه ، فيرجح به ) (6) .
وقال الرضا ( عليه السلام ) : ( مَن لم يقدر على ما يُكفّر به ذنوبه ، فليُكثر مِن الصلاة على محمّد وآله ، فإنّها تهدِم الذنوب هَدماً ) (7) .
وجاء في الصواعق (ص 87) ، قال : ويُروى ( لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء ) .
فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ .
قال : ( تقولون : اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وتمسكون ، بل قولوا : اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد) .
مودّة أهل بيته الطاهرين :
الذين فرضَ اللّه مودّتهم في كتابه ، وجعلها أجر الرسالة ، وحقّاً مفروضاً من حقوق النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، فقال تعالى { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى : 23].
وقد اتّصف أهل البيت ( عليهم السلام ) بجميع دواعي الإعجاب والإكبار ، وبواعث الحبِّ والولاء ، كما وصَفهم الشاعر :
مِـن مـعشرٍ حُـبّهم دينٌ ii وبُغضهم كـفرٌ وقُـربهم مـنجىً ii ومـعتصمُ
إنْ عُـدّ أهـلُ الـتقى كانوا ii أئمّتهم أو قيل مِن خيرِ أهل الأرضِ قِيل هُمُ
نَعَم هُم صفوةُ الخَلق ، وحُجج العباد ، وسُفن النجاة ، وخير مَن أقلّته الأرض وأظلّته السماء - بعد جدّهم الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) - حسَباً ونسَباً وفضائل وأمجاداً .
وكيف يرتضي الوجدان السليم محبّة النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) دون أهل بيته الطاهرين الجديرين بأصدَق مفاهيم الحبِّ والودِّ ، إنّها ولا ريب محبّةٌ زائفة تنُمّ عن نفاقٍ ولؤم ، كما جاء عن عبد اللّه بن مسعود قال : كنا مع النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) في بعض أسفاره ، إذ هتَف بنا أعرابي بصوتٍ جمهور ، فقال : يا محمّدٍ .
فقال له النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ما تشاء ؟.
فقال : المرء يحبّ القوم ولا يعمل بأعمالهم .
فقال النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( المرء مع من أحبّ ) .
فقال : يا محمّد ، اعرض عليَّ الإسلام .
فقال : ( أشهد أنْ لا إله إلاّ اللّه ، وانّي رسول اللّه ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم شهر رمضان ، وتحجّ البيت ) .
فقال : يا محمّد ، تأخذ على هذا أجرأ ؟.
فقال : ( لا ، إلاّ المودّة في القربى ) .
قال : قرباي أو قرباك ؟.
فقال : ( بل قرباي ) .
قال : هلمّ يدك حتّى أُبايعك ، لا خير فيمن يودّك ولا يودّ قرباك (8) .
وقد أجمع الإماميّة أنّ المراد بالقربى في الآية الكريمة ، هُم الأئمّة الطاهرون مِن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ووافقهم على ذلك ثُلّة مِن أعلام غيرهم مِن المفسّرين والمحدّثين ، كأحمد بن حنبل ، والطبراني ، والحاكم عن ابن عبّاس .
كما نصّ عليه ابن حجَر ، في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر من صواعقه ، قال : لمّا نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول اللّه مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟.
قال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( عليّ وفاطمة وابناهما ) (9) .
انظر، كيف يحرّض النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) أُمّته على مودّة قرباه وأهل بيته ، كما يحدّثنا به رواة الفريقين : فمّما ورد من طرقنا :
عن الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : مَن أحبّنا أهل البيت فليحمد اللّه على أوّل النِّعَم ) .
قيل : وما أوّل النعم ؟ .
قال : ( طيب الولادة ، ولا يحبّنا إلاَّ مَن طابت ولادته ) (10) .
وعن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : حُبّي وحبُّ أهل بيتي نافعٌ في سبعةِ مواطن ، أهوالهنّ عظيمة : عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط ) (11) .
وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : لو أنّ عبداً عبَد اللّه ألف عام ، ثمّ يُذبح كما يُذبح الكبش ، ثمّ أتى اللّه ببغضنا أهل البيت ، لرُدّ اللّه عليه عمله)(12) .
وعن الباقر ( عليه السلام ) عن النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) قال : ( لا تزول قدَم عبدٍ يوم القيامة مِن بين يدَيّ اللّه ، حتّى يسأله عن أربع خِصال : عمرِك فيما أفنيته ، وجسدِك فيما أبليته ومالك من أين اكتسبته وأين وضعته ، وعن حبنا أهل البيت ) (13) .
وعن الحكم بن عتيبة ، قال : بينا أنا مع أبي جعفر ( عليه السلام ) ، والبيت غاصٌّ بأهله ، إذ أقبل شيخٌ يتوكّأ على عنزة له ، حتّى وقف على باب البيت فقال : السلام عليك يابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ، ثمّ سكت .
فقال أبو جعفر : ( وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته ) .
ثمّ أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال : السلام عليكم ، ثمّ سكت ، حتّى أجابه القوم جميعاً وردّوا عليه السلام .
ثمّ أقبل بوجهه على أبي جعفر ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : يابن رسول اللّه ، أدنني منك ، جعلني اللّه فداك ، فو اللّه إنّي لأحبّكم وأحبُّ مَن يحبّكم ، وواللّه ما أحبّكم وما أحبّ مَن يحبّكم لطمعٍ في دنيا , وإنّي لأبغض عدوّكم وأبرأ منه ، وواللّه ما أبغضه وأبرأ منه لوترٍ كان بيني وبينه , واللّه إنّي لأُحلّ حلالكم ، وأُحرّم حرامكم ، وأنتظر أمركم , فهل ترجو لي ، جعلني اللّه فِداك ؟!.
فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ( إليّ , إليّ ) ، حتّى أقعَده إلى جنبه .
ثمّ قال : ( أيّها الشيخ ، إنّ أبي عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) ، أتاه رجلٌ فسأله عن مثل الذي سألتني عنه ، فقال له أبي : إنْ تمُت ترِد على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وعليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ( عليهم السلام ) ، ويثلج قلبُك ، ويبرد فؤادُك ، وتقرّ عينيك ، وتستقبل بالرَّوح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا ـ وأهوى بيده إلى حلقه - وإنْ تعش ترَ ما يقرُّ اللّه به عينك ، وتكون معنا في السنام الأعلى ) (14) .
وممّا جاء مِن طُرق إخواننا :
وأخرج ابن حنبل والترمذي ، كما في الصواعق (ص 91) : أنّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أخذ بيد الحسنَين ، وقال : ( مَن أحبّني ، وأحبَّ هذين وأباهما وأُمّهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة ) (15) .
وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير ، قال : قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( ألا مَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات شهيداً ، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات مغفوراً له ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّدٍ مات تائباً ، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبِّ آل محمّدٍ بشّره ملَك الموت بالجنّة ، ثمّ منكر ونكير ألا ومات على حبِّ آل محمّدٍ يُزَفُّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومِن مات على حبّ آل محمّدٍ فُتِح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومن مات على بُغض آل محمّدٍ جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيسٌ مِن رحمة اللّه ) (16) .
(وأورد ابن حجَر ص 103 من صواعقه حديثاً ، هذا نصّه) : إنّ النبيّ خرَج على أصحابه ذات يوم ، ووجهه مشرقٌ كدائرة القمر , فسأله عبد الرحمان بن عوف عن ذلك ، فقال ( صلّى الّله عليه وآله ) : ( بشارةٌ أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي ، بأنّ زوِّج عليّاً من فاطمة وأمَر رَضوان خازن الجِنان فهزّ شجرة طوبى ، فحملت رِقاقاً ( يعني صكاكاً ) بعدد مُحبّي أهل بيتي ، وأنشأ تحتها ملائكةً مِن نور ، دفع إلى كلّ ملَك صكّاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق ، فلا يبقى محبٌّ لأهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّاً فيه فكاكه مِن النار فصار أخي وابن عمّي وابنتي فِكاك رِقاب رجالٍ ونِساءٍ من أُمّتي مِن النار )(17) .
(وجاء في مستدرك الصحيحين ج 3 ، 127) ، عن ابن عبّاس قال : نظر النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) إلى عليّ ( عليه السلام ) فقال : ( يا عليّ ، أنت سيّدٌ في الدنيا وسيّدٌ في الآخرة حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب اللّه ، وعدوّك عدوّي ، وعدوّي عدوّ اللّه ، والويل لِمَن أبغضك بعدي ) (18) .
وأخرج الحافظ الطبري ، في كتاب الولاية ، بإسناده عن عليّ ( عليه السلام ) أنّه قال : ( لا يحبّني ثلاثة : ولدُ زنا ، ومنافق ، ورجلٌ حمَلت به أُمّه في بعض حيضها ) (19) .
وأخرج الطبراني في الأوسط ، والسيوطي في إحياء الميّت ، وابن حجَر في صواعقه في باب الحثّ على حبّهم : قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( الزموا مودّتنا أهل البيت ، فإنّه مَن لقيَ اللّه وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا )(20).
ولا ريب أنّ المراد بأهل البيت ( عليهم السلام ) ، هُم الأئمّة الاثنا عشر المعصومون (صلوات اللّه عليهم) ، دون سواهم ؛ لأنّ هذه الخصائص الجليلة ، والمزايا الفذّة ، لا يستحقّها إلاّ حُججُ اللّه تعالى على العباد ، وخلفاء رسوله الميامين .
_____________________
1- سفينة البحار : م 2 , ص 414 .
2- الوافي : ج 3 ، ص 143 - 144.
3- البحار : م 19 ، ص 78 ، عن معاني الأخبار للصدوق (ره) .
4- الوافي : ج 5 ، ص 228 ، عن الكافي .
5- الوافي : ج 5 ، ص 227 ، عن الكافي .
6- الوافي : ج 5، ص 228 ، عن الكافي.
7- البحار : م 19 ، ص76 ، عن عيون أخبار الرضا وأمالي الشيخ الصدوق (ره) .
8- البحار : م 7 ، ص 389 ، عن مجالس الشيخ المفيد (ره) .
9- انظر الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء ، للإمام شرف الدين (ره) : ص 18.
10- البحار : م 7 ، ص 389 ، عن علل اِلشرائع ومعاني الأخبار وأمالي الصدوق(ره) .
11- البحار : م 7 ، ص 391 ، عن الخصال .
12- البحار : م 7 ، ص 397 ، عن محاسن البرقي .
13- البحار : م 7 ، ص 389 ، عن مجالس الشيخ المفيد .
14- الوافي : ج 3 ، ص 139 ، عن الكافي .
15- الفصول المهمّة للإمام شرف الدين : ص 41 .
16- الفصول المهمّة للإمام شرف الدين : ص 42 .
17- الفصول المهمّة ، للإمام شرف الدين : ص 43 .
18- فضائل الخمسة ، من الصحاح الستّة : ج 1 ، ص 200 .
19- الغدير : ج 4 ، ص 322 .
20 المراجعات ، للإمام شرف الدين : ص 22 .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|