أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
3512
التاريخ: 20-09-2014
2048
التاريخ: 2024-05-09
611
التاريخ: 5-11-2014
1970
|
للكناية فوائد وحِكم ذكرها أرباب البيان ، ولخّصها جلال الدين السيوطي في ستة وجوه :
أحدها : التنبيه على عِظَم القدرة ، نحو {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [الأعراف : 189] كناية عن آدم ( عليه السلام ) فإنّ إخراج الذرّ الكثير من أصل واحد دليل على عظمة الصانع تعالى وقدرته الخارقة ، فلو كان صرّح باسمه ( عليه السلام ) لكانت إشادة بشأنه بالذات .
ثانيها : ترك اللفظ إلى ما هو أجمل ، نحو : {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص : 23] ، فكنّى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب في ذلك ؛ لأنّ ترك التصريح بذِكر المرأة أجمل منه ، ولهذا لم تذكر في القرآن امرأة باسمها إلاّ مريم .
قال السهيلي : وإنّما ذكرت ( مريم ) باسمها على خلاف عادة الفصحاء ؛ لنكتة ، وهي أنّ الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في ملأ ، ولا يبتذلون أسماءهنّ ، بل يُكنّون عن الزوجة بالفَرس والعيال ونحو ذلك ، فإذا ذكروا الإماء لم يكنّوا عنهنّ ولم يصونوا أسماءهنّ عن الذِكر ، فلمّا قالت النصارى في مريم ما قالوا صرّح الله باسمها ، ولو لم يكن تأكيداً للعبودية التي هي صفة لها و تأكيداً لأنّ عيسى لا أب له ، وإلاّ لنسب إليه .
ثالثها : أن يكون في التصريح ممّا يستقبح ذكره ، ككناية الله عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرَفث والدخول والسرّ في قوله : {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } [البقرة : 235] والغشيان في قوله : {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} [الأعراف : 189] .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ، قال : المباشرة الجماع ، ولكن الله يكنّي ، وأخرج عنه ، قال : إنّ الله كريم يُكنّي ما شاء ، وإنّ الرفث هو الجماع .
وكنّى عن طلبه بالمراودة في قوله : {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف : 23] ، وعنه أو عن المعانقة باللباس في قوله : {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة : 187]
وبالحرث في قوله : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة : 223].
وكنّى عن البول ونحوه بالغائط في قوله {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء : 43] ، وأصله المكان المطمئنّ من الأرض .
وكنّى عن قضاء الحاجة بأكل الطعام في قوله في مريم وابنها : {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة : 75] .
وكنّى عن الأستاه بالأدبار في قوله : { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال : 50] ، أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في هذه الآية قال : يعني أستاههم ، ولكنّ الله يُكنّي ما شاء .
وأورد على ذلك التصريح بالفرج في قوله : {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء : 91].
وقوله : {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } [التحريم : 12] .
وأُجيب بأنّ المراد به فرج القميص ، والتعبير به من لطيف الكنايات وأحسنها ، أي لم يعلّق بثوبها ريبة ، فهي طاهرة الثوب ، كما يقال : نقيّ الثوب ، وعفيف الذيل كناية عن العفّة ، ومنه : {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [المدثر : 4] ، وكيف يُظنّ أنّ نفخ جبريل وقع في فرجها ، وإنّما نَفخ في جيب درعها . ونظيره أيضاً {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة : 12] .
قال الفرّاء : والفرج هاهنا : جيب درعها ، وذُكر أنّ جبرائيل ( عليه السلام ) نفخ في جيبها . وكل ما كان في الدرع من خَرق أو غيره يقع عليه اسم الفرج ، قال الله تعالى : {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق : 6] يعني السماء من فطور ولا صدوع (1) .
وقال في موضع آخر : ذكر المفسّرون أنّه جيب درعها ، ومنه نُفخ فيها (2) ودرع المرأة قميصها ، وهكذا قال السيد شبّر والطبرسي وغيرهما من أعلام المفسّرين (3) .
قال الراغب : الفرج والفرجة : الشقّ بين الشيئين كفرجة الحائط ، والفرج : ما بين الرجلين . وكنّى به عن السَوأَة ، وكثُر استعماله حتى صار كالصريح فيه .
قلت : وإطلاق الفرج على الجيب باعتبار أنّه الشقّ الواقع بين جانبي الدرع ، إطلاق على أصله ، وكنّى به عن السَوأَة ، سواء أكانت من الرجال أم من النساء ، كما في قوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون : 5] ، {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} [الأحزاب : 35].
وحفظ الفرج كناية عن التحفّظ على طهارته وأن لا يتدنّس باقتراب قذارة أو يتلوّث بارتكاب حرام ، كناية بليغة عن التعفّف واجتناب الفحشاء .
وعليه فحصانة الفرج كناية عن طهارة الذيل ، الذي هو بدوره كناية عن التعفّف ، ومِن ثَمّ فيه كناية عن كناية نظير المجاز عن المجاز ، فتدبّر ، فانّه لطيف .
رابعها : قصد المبالغة والبلاغة ، نحو قوله تعالى : {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [الزخرف : 18] ، كنّى عن النساء بأنهنّ يَنشأنَ في الترفّه والتزيّن والشواغل عن النظر في الأُمور ودقيق المعاني ، ولو أتى بلفظ النساء لم يُشعر بذلك ، والمراد نفي ذلك عن الملائكة ، وقوله : {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة : 64] كناية عن سعة جوده وكرمه جدّاً .
خامسها : قصد الاختصار ، كالكناية عن ألفاظ متعدّدة بلفظ ( فعل ) ، نحو : ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ، {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة : 24] أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله .
سادسها : التنبيه على مصيره ، نحو قوله تعالى : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد : 1] أي جهنّميّ مصيره إلى اللهب . وقوله : {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ} [المسد : 4، 5] أي نمّامة ، مصيرها إلى أن تكون حطباً لجهنّم في جيدها غلّ .
قال بدر الدين ابن مالك في المصباح (4) : إنّما يعدل عن الصريح إلى الكناية لنكتة ، كالإيضاح أو بيان حال الموصوف ، أو مقدار حاله ، أو القصد إلى المدح أو الذم ، أو الاختصار ، أو الستر ، أو الصيانة ، أو التعمية ، أو الألغاز ، أو التعبير عن الصعب بالسهل ، أو عن المعنى القبيح باللفظ الحسن .
واستنبط الزمخشري نوعاً من الكناية غريباً ، وهو أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر ، فتأخذ الخلاصة من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز ، فتُعبّر بها عن المقصود ، كما تقول في نحو : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه : 5]. إنّه كناية عن المُلك ، فإنّ الاستواء على السرير لا يكون إلاّ مع المُلك ، فجُعل كناية عنه ، وكذا قوله : {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر : 67] كناية عن عظمته وجلاله من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتي الحقيقة والمجاز (5) .
قال ـ عند الكلام عن آية طه ـ : لمّا كان الاستواء على العرش ـ وهو سرير المُلك ـ ممّا يَردف المَلِك جعلوه كناية عن المُلك ، فقالوا : استوى فلان على العرش ، يريدون : مَلِك ، وإن لم يقعد على السرير البتة ، وقالوه أيضاً ؛ لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ( مُلك ) في مؤدّاه ، وإن كان أشرح وأبسط وأدلّ على صورة الأمر .
قال : ونحوه قولك : يد فلان مبسوطة ، ويد فلان مغلولة ، بمعنى أنّه جواد أو بخيل ، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت ، حتى أنّ مَن لم يبسط يده قطّ بالنوال أو لم تكن له يد رأساً قيل فيه : يده مبسوطة ، لمساواته عندهم مع قولهم : هو جواد ... ومنه قوله عزّ وجلّ : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة : 64] أي هو بخيل ، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة : 64] أي هو جواد ... من غير تصوّر يد ولا غلّ ولا بسط .
قال : والتفسير بالنعمة ، والتمحّل للتثنية ، مِن ضيق العطن ، والمسافرة عن علم البيان مسيرة أعوام (6) .
وقال عن آية الزمر : والغرض من هذا الكلام ـ إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه ـ تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير ، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز .
قال : وزبدة الآية وخلاصتها هي الدلالة على القدرة الباهرة ، وأنّ الأفعال العظام التي تتحيّر فيها الأفهام والأذهان ولا تكتَنهها الأوهام هيّنة عليه ، هواناً لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه ، إلاّ إجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل .
قال : ولا ترى باباً في علم البيان أدقّ ولا أرقّ ولا ألطف من هذا الباب ، ولا انفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء ، فإنّ أكثره وعليّته تخييلات ، قد زلّت فيها الأقدام قديماً ، وما أتى الزالّون إلاّ من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير ، حتى يعلموا أنّ في عداد العلوم الدقيقة علماً لو قدّروه حقّ قدره ، لَما خفي عليهم أنّ العلوم كلها مفتقرة إليه وعيال عليه ؛ إذ لا يحلّ عقدها المؤربة ولا يفكّ قيودها المكربة إلاّ هو . وكم آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول قد ضيم وسيم الخسف بِلا تأويلات الغثّة والوجوه الرثّة ؛ لأنّ مَن تأوّل ليس مِن هذا العلم في عِير ولا نفير ، ولا يعرف قبيلاً منه من دبير (7) .
ومن أنواع البديع التي تشبه الكناية : الأرادف ، وهو أن يريد المتكلّم معنى فلا يُعبّر عنه بلفظه الموضوع له ، ولا بدلالة الإشارة ، بل بلفظ يُرادفه ، كقوله تعالى : {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة : 210]. والأصل : وهلك مَن قضى اللهُ هلاكه ، ونجا مَن قضى الله نجاته ، وعدل عن لفظ ذلك إلى الأرداف ؛ لِما فيه من الإيجاز والتنبيه على أنّ هلاك الهالك ونجاة الناجي كان بأمر آمر مطاع ، وقضاء مَن لا يُردّ قضاؤه يدلّ على قدرة الآمر به وقهره ، وأن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يَحضّان على طاعة الآمر ، ولا يحصل ذلك كله من اللفظ الخاص .
وكذا قوله : {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ } [هود : 44] ، حقيقة ذلك : جلست ، فعدل عن اللفظ الخاص بالمعنى إلى مرادفه ؛ لِما في الاستواء من الإشعار بجلوس متمكّن لا زيغ فيه ولا ميل ، وهذا لا يحصل من لفظ الجلوس .
وكذا قوله : {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن : 56] ، أي عفيفات ، وعدل عنه للدلالة على أنّهنّ مع العفّة لا تطمح أعينهنّ إلى غير أزواجهنّ ، ولا يشتهينّ غيرهم ، ولا يُؤخذ ذلك من لفظ العفّة .
قال بعضهم : والفرق بين الكناية والأرداف أنّ الكناية انتقال من لازم إلى ملزوم ، والأرداف من مذكور إلى متروك .
ومن أمثلته أيضاً : {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } [النجم : 31] عدل في الجملة الأُولى عن قوله ( بالسُّوأى ) مع أنّ فيه مطابقة كالجملة الثانية إلى ( بِمَا عَمِلُوا ) تأدّباً أن يُضاف السوء إلى الله تعالى (8) .
___________________
(1) معاني القرآن : ج3 ص169 .
(2) معاني القرآن : ج2 ص210 .
(3) مجمع البيان : ج7 ص62 وج10 ص319 ، تفسير شبّر : ص321 وص524 .
(4) المصباح في تلخيص المفتاح لمحمّد بن عبد الله بن مالك الملقّب بابن الناظم أحد أئمة النحو والمعاني والبديع ، توفي سنة 686 ( طبقات الشافية : 5 ـ 41 ) .
(5) الإتقان : ج3 ص145 ـ 146 .
(6) الكشّاف : ج3 ص52 .
(7) الكشّاف : ج4 ص142 ـ 143 .
(8) معترك الأقران : ج1 ص287 ـ 291 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|