أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-23
607
التاريخ: 2024-08-07
458
التاريخ: 2024-06-18
738
التاريخ: 2024-01-27
1210
|
الروعة والبنيان الراسخ في عصر الأسرة الرابعة 2680 - 2560ق. م
تجديدات عهد سنفرو:
بدأ عصر الأسرة الرابعة بعهد "سنفرو" أو "بتاح سنفروي" كما سماه أبواه، بمعنى الإله "بتاح جملني"، وكان العهد منذ بدايته بشيرًا بنهضة جديدة اتسع خلالها نشاط مصر التجاري مع جيرانها، وامتد نشاطها العسكري إلى نهايات حدودها، وتطورت فيها عمائرها وفنونها تطورًا واسعًا.
فاتسع نطاق تبادلها التجاري مع فينيقيا بحيث سجلت حوليات سنفرو في قائمة بالرمو ورود أربعين سفينة منها محملة بأخشاب "عش" خلال عام واحد من أعوام حكمه (1)، وهي أخشاب من فصيلة الأرز أو الصنوبر استخدمها رجال في تشييد سفن كبيرة بلغ طول بعضها مائة ذراع، أي نحو اثنين وخمسين مترًا، كما استخدموها في صناعة أبواب قصوره وفي بعض الأجزاء الداخلية من هرمه. ويبدو أن عهده كان ذا اهتمام خاص بالملاحة؛ إذ ذكرت حولياته مشروعًا لصناعة ستين سفينة لكل سفينة منها ستة عشر مجذافًا، دفعة واحدة (2). وقد زكت ضخامة المركب النيلية التي عثر عليها بجوار هرم ولده خوفو صدق ما روته حوليات حجر بالرمو عن ضخامة السفن البحرية في عهده.
وسجلت الحوليات نفسها نشاطًا عسكريًّا واسعًا في سبيل تأمين الحدود الجنوبية والغربية وتعويد أهلها على النظام والطاعة واشتدت عليهم بعض الشيء في هذا السبيل. وتوفر للعهد نشاط مماثل على الحدود الشرقية وفي شبه جزيرة سيناء، وكانت لسيناء كجزء من مصر أهمية في اقتصاديات البلاد وصناعتها؛ إذ ظلت المورد الرئيسي للفيروز والدهنج والنحاس، وسمي جزء منها باسم مدرجات الفيروز، ثم هي بموقعها تحف بطرق التجارة البرية بين مصر وبين جنوب الشام، غير أنها لتطرفها واتساعها وصحراويتها وجدبها كثيرًا ما دفع الفقر قبائلها البدوية من حين إلى حين إلى تهديد بعثات الاستثمار وقوافل التجارة والاعتداء عليها ونهب مؤنها وبضائعها،. وتعين لذلك على الحكومات القائمة في مصر القديمة أن تباشر حماية بعثاتها وقوافلها بقوات عسكرية تصحبها وتكفل لها الأمان والهيبة. ولم يكن الأمر يخلو من اشتباكات بين قوات الحكومة وبين البدو.
وحرص قادة هذه القوات على أن يسجلوا أخبار نشاطهم على صخور سيناء ولا سيما صخور "وادي" مغارة، وينسبوها إلى فرعونهم ويصوروه على وجه الصخر وهو يؤدب كبير شيوخ البدو ويكاد يهوي على رأسه بمقمعته. واحتفظت صخور "وادي" مغارة بصورة من هذا القبيل للملك سنفرو، تعتبر آية من آيات الفن في عهده، على الرغم من أنها نقشت على صخر رديء(3). وظلت ذكرى سنفرو ماثلة في شبه جزيرة سيناء أجيالًا طويلة، حتى اعتبره خلفاؤه من حماتها، وقدسوه فيها، وضموه إلى رعاتها من الأرباب(4). وظلت بعض نقط الحراسة على الحدود الشمالية الشرقية تعرف باسمه حتى الدولة الوسطى على أقل تقدير.
تطور بناء الهرم:
وضحت نتائج النشاط التجاري والسياسي في عهد سنفرو، في آثاره وآثر أسرته، وفي نصوص رعاياه (5). وسمح رخاء عهده لرجاله بأن يشيدوا له هرمين عظيمين بمعابدهما في منطقة دهشور، وأن يكملوا هرم أبيه حوني في ميدوم. ومثلت هذه الأهرام وملحقاتها مرحلة جديدة من مراحل العمارة المصرية. فقد شاد له مهندسه هرمه في دهشور ليكون هرمًا كامل الشكل منذ بدايته، وبدأ بناءه بزاوية ميل مقدارها 54.14 درجة، ولكنه بعد أن بلغ بهذا الميل ما يزيد ارتفاعه عن تسعة وأربعين مترًا، أدرك أنه لو واصل البناء على أساسه فلسوف يرتفع الهرم إلى أكثر مما قدره له أو أكثر مما تحتمل قاعدته، ولحظ أن بعض الجدران الداخلية للهرم بدأت تتشقق بالفعل، فغير زاوية الميل إلى 53.210، وأكمل بناء الهرم حتى بلغ ارتفاعه 101.15 من الأمتار، ولكنه ظهر في هيئته الأخيرة منكسر الزاوية في منتصفه على غير ما أراده صاحبه ومهندسه. ولهذا استغل المهندس سعة إمكانيات عهده في تشييد هرم آخر شمالي الهرم الأول بما يقل عن الكيلومترين واستفاد في تصميمه من تجاربه في الهرم السابق، فبدأ بزاوية ميل مناسبة تبلغ 43.40 درجة. وعندما أتمه أصبح أول هرم كامل صحيح النسب حاد الزوايا مستوي الجوانب، بلغ ارتفاعه نحو 99 مترًا. وقد كُسي هو والهرم الأول بأحجار جيرية بيضاء ملساء(6). وأطلق الكهنة برضاء الملك أو بوحيه، على كل هرم من الهرمين اسم "خع سنفرو" ربما بمعنى شع سنفرو، أو تجلي سنفرو(7). وليس من المستبعد أنهم جعلوا بين هذا الاسم وبين كساء الهرمين وصاحب الهرمين نوعًا من الارتباط المقصود، فقد كان من شأن الكساء الأبيض الناصع لكل هرم أن يستقبل أشعة الشمس القوية ويعكس نورها على ما حوله، فيبدو النور في أسفل الوادي وكأنما يصدر عن الهرم نفسه، أو بمعنى آخر كأنما يشع عن صاحبه الثاوي فيه.
كان الشكل الهرمي ثمرة أخيرة للتطور المعماري الطويل الذي بدأ في عصر بداية الأسرات بالمصطبة ماثلة الجوانب ذات المسطح الواحد وانتقل منها إلى المصطبة ذات المسطحين أي ذات الإضافة الواحدة المحيطة بها، والمصطبة ذات المسطحات الثلاثة أي ذات الإضافتين المحيطتين بها. ثم تطور في عصر الأسرة الثالثة على هرم زوسر المدرج، وبعده إلى هرم ميدوم الذي حاول مهندسوه أن يجعلوه كاملًا مستويًا في مظهره مدرجًا في مخبره. وارتقى في بداية عصر الأسرة الرابعة إلى هرم دهشور الجنوبي الذي أظهر نواحي الخطأ والصواب في التجارب المعمارية لمنشئيه، وانتهى أخيرًا إلى هرم دهشور الشمالي نجح مهندسه في تنفيذ هيئته الهرمية كاملة. وليس ما يمنع من أن نفترض أن أصحاب هذا التطور الهرمي قد استرشدوا في بعض مراحله بنموذج طبيعي مائل في بيئتهم وهو مظهر التلال الهرمية أو المخروطية التي تحف بالوادي من شرقه وغربه والتي كان المعماريون يرونها رأي العين كلما جالوا في الصحراء التي تحيط بمناطق الجبانات نفسها.
ألحق رجال سنفرو بهرمه الجنوبي معبدين، معبدًا صغيرًا يلاصق الواجهة الشرقية للهرم، وينفتح ناحية الشرق، ويسمى اصطلاحًا باسم معبد الشعائر، ومعبدًا آخر عند اتصال الهضبة التي شادوا الهرم فوقها بالوادي المنزرع، ويسمى اصطلاحًا باسم معبد الوادي. ويصل بين المعبدين طريق ممهد صاعد. وجرت العادة على تخصيص المعبد الأول لأداء الدعوات والشعائر اليومية والموسمية لصالح الملك المتوفى وتقديم القرابين باسم روحه لتنعم بها وتستفيد منها فائدة معنوية تناسبها وتناسب عالمها الذي تعيش فيه "ولهذا أسميناه معبد الشعائر وليس المعبد الجنازي كما تسميه أكثر المؤلفات، حيث تقل صلته بالجنازة". وقد أسلفنا في حديثنا عن عصر الأسرة الثالثة ما يحتمل من ارتباط وجود معبد الشعائر ناحية الشمال من هرم زوسر بعقائد أهل عصره عن انتقال أرواح ملوكهم وأخيارهم بعد الموت إلى السماء وحياتها بين النجوم النيرة الشمالية الخالدة وهي مجموعة النجم القطبي. أما اتجاه معبد سنفرو إلى الشرق فيمكن تعليله بأحد تعليلين وهما: أن تشييد معابد الأهرام في الصحراء الغربية في أغلب الأحوال أثار رغبة أصحابها في أن تستقبل واجهاتها ومداخلها دنيا الأحياء في الشرق أي في الوادي المنزرع، وتستقبل مواكب الكهنة ومواكب القرابين الآتية منه. وكانت هذه هي نفس الرغبة التي حدث بكبار أصحاب المصاطب القديمة على بناء مقاصير قربان مقابرهم ناحية الشرق منذ عصر الأسرة الأولى. أما التعليل الثاني فهو رغبة منشئ المعبد أو صاحبه في أن يتجه بمدخله ناحية الشمس عند شروقها، إما تعبدًا لرب الشمس، أو بناء على اعتقاد جديد بأن روح الملك سوف تصحب رب الشمس في تجواله في سماء الدنيا نهارًا وسماء الآخرة ليلًا. ولما كان من المفروض أن تظهر معه في الشرق كل صباح وجب أن ينفتح باب معبدها إلى ناحية الشرق أيضًا ليستقبلها كلما رنت إلى زيارة هذا المعبد حين تقدم القرابين فيه باسمها كل صباح، وبعد أن تكون قد أتمت رحلتها الليلية مع ربها. وأصبح تشييد معبد الشعائر شرقي الهرم سنة متبعة منذ عهد سنفرو، بينما اقتصر الاتجاه ناحية الشمال على مداخل الأهرام دون مداخل معابدها. "وإن كان هرم سنفرو الجنوبي قد تضمن مدخلين، مدخلًا شماليًّا وآخر غربيًّا". ويبدو في هذا الازدواج بين الشمال وبين الشرق ما يتصل بخاصية لازمت الحضارة المصرية في كل أطوارها، وهي خاصية المحافظة ومسايرة الجديد للقديم دون أن يقضي عليه.
معالم أخرى:
وضعت مظاهر الرفاهة والغنى والحياة الرغدة في مقابر أسرة سنفرو في ميدوم ودهشور والجيزة، ومنها مقبرة زوجته حوتب حرس التي يعتقد الأثري ريزنر أن أغلب محتوياتها قد نهبت في دهشور في عهد ولدها العظيم خوفو، وإذا صح هذا كان معناه أن التقديس الرسمي للملوك لم يكن يمنع بعض رعاياهم من الاعتداء على آثارهم إذا سنحت لهم الفرصة ودفعهم دافع الطمع. ولا زال القليل الباقي من آثار حوتب حرس التي نقلت إلى مقبرة أخرى في الجيزة، ينم عن ذوق رفيع في صناعة وزخرفة سريرها ومقعدها ومحفتها، وتطعيم أخشابها بالأبنوس وتصفيحها برقائق الذهب، وصناعة حليها الفضية وملاعقها الذهبية وأوانيها المرمرية وأباريقها وقناني دهونها الأنيقة، ثم في تنفيذ نقوشها الصغيرة التي صورت الملكة وسجلت ألقابها، وصورت زوجها على عرشه، وصورت عدة زخارف على هيئة الفراشات والحيات في روعة وإتقان بالغين. ثم نقوش الأميرين نفرماعت ورع حوتب في ميدوم وقد صورت بعض وجوه العمل اليومي في الزراعة وتربية الحيوان والملاحة والصيد فضلًا عن بعض وسائد المرح الخفيف. ورسوم مقبرة الأميرة آتت زوجة الأمير نفرماعت التي تعتبر من أفضل رسوم الدولة القديمة، وأهم ما بقي منها هي اللوحة المشهورة بلوحة الأوز، وتتميز بدقة تفاصيلها وألوانها ووضوح نسيج ريش طيورها، مع طرافة توزيع ظلالها، وتصوير الحشائش وحبات الحصى الصغيرة تحت أقدام هذه الطيور. وأخيرًا تمثالًا الأمير رع حوتب وزوجته نفرة، وكل منهما غني عن التعريف بما اكتمل فيه من سلامة النسب والحيوية المتدفقة التي زاد منها احتفاظ كل منهما بألوانه الأصيلة وتطعيم عينيه، مع الاهتمام البالغ بتصوير ملامح الوجهين والنجاح في التعبير عن مشاعر صاحبيهما(8)، ولا زال المتحف المصري بالقاهرة يفخر باحتوائهما.
ولم تقتصر مظاهر الرخاء في عهد سنفرو على آثاره وآثار أسرته، وإنما دلت نصوص فردية من عهده على أن مجال الثراء ومجال الترقي في المناصب الحكومية كانا متاحين للنابهين من أفراد شعبه. ومن هذه النصوص نص رجل يدعى مثن، ذكر فيه أنه لم يرث عن أبيه غلالًا ولا أثاثًا، وإنما قليلًا من المدخرات والأتباع، وأنه بدأ حياته الوظيفية باشكاتبًا لإدارة التموين وأمينًا على محتوياتها، ثم ترقى في الوظائف حتى ولي إدارة بعض أقاليم الوجهين، القبلي والبحري، فضلًا عن رئاسة عدد من مدنهما الكبيرة. وذكر أنه كوفئ بإقطاعية واسعة من الأرض، واستغل اثنتي عشرة ضيعة لحسابه، وشاد لنفسه دوارًا أحاطت به حدائق غناء، وبلغت مساحته معها نحو عشرة آلاف متر مربع. وذلك فضلًا عن خمسين فدانًا "سثاة" كان قد ورثها عن أمه. ولم تقتصر إنعامات الدولة عليه على شئون دنياه وحدها، وإنما كفلت له رزق آخرته، فخصصت لمقبرته مائة رغيف يوميًّا قربانًا من معبد شعائر أم ولد الملك "ني ماعت حاب" "وهي أم زوسر"(9).
تلقب سنفرو بلقب معبر، وهو "نب ماعت"، أي رب العدالة. وامتازت الأوضاع السياسية في عهده بإنشاء منصب الوزارة رسميًّا لأول مرة، وقد أسنده إلى أمير كبير من أولاده أو من أسرته وهو نفرماعت. وظلت الوزارة في الأمراء الكبار وحدهم حتى نهاية عصر الأسرة الرابعة. ويعتقد الأستاذ ريزنر أن الملوك. جعلوها في البداية في أكبر أبناء الملكات الثانويات تعويضًا لهم عن وراثة العرش وإرضاء لأمهاتهم(10).
ذكرت بردية تورين أن سنفرو حكم أربعة وعشرين عامًا. وقد توفر له بين قومه نصيب وافٍ من مدلول لقبه "نب ماعت". فاحتفظ له الأدب الشعبي بذكرى عطرة قلما احتفظ بها لملك سواه، وتضمنت هذه الذكرى ثلاث روايات صورته جميعها على وتيرة واحدة، فوصفته بأنه "ملك فاضل"، وصورته متواضعًا يميل إلى المعرفة ويكرم العلماء ويحسن الاستماع ويكتب بنفسه ولا يأبى أن يسأل عما لا يعرفه، كما صورته يميل إلى المرح والاستمتاع. وسوف نستشهد بروايتين منها في فصل الأدب المصري القديم.
_____________
(1) Palermo, Rt. VI, 2 and See, Wb. I, 228 FO. "Abies Cilicica" Cedar Wood.
(2) Urk. I, 236.
(3) Petrie, Researches In Sinai, Pls. 50, 51.
(4) Breasted, Ancient Records. I, 722; L. D., Ii, 137 G. Ibid. I, 165, 5; 312, 21.
(5) A. Fakry, the Monuments of Sneferu, Cairo, 1959; G. Reisner. Development ….., 197, F.,
(6) 199 F. ; Edwards, Pyrmids of Egypt, 68 F., 82. 1. Lauer, Le Probléme Des Pyramides, Patis, 1949.
(7) Gauthier, L.R., 65. - ولكنهم ميزوا بين كل منهما بقولهم الأمامي والخلفي أو القبلي والبحري.
(8) توجد هذه النماذج بالمتحف المصري.
(9) Urk., I, Lf. "2, 4, 9". Mdaik 1965, L F.
(10) A. Weil, Die Vaziere Des Pharonenre: Ches, I; G. Reisner, the Tomb of Hetep Heres, I, 9.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|