أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-12-2020
2223
التاريخ: 2024-01-26
985
التاريخ: 20-12-2020
6555
التاريخ: 1-12-2016
1740
|
ومن الدويلات المهمة التي قامت في العصر البابلي القديم مملكة "اشنونا" في الأراضي الخصبة في المثلث المحصور ما بين دجلة وديالى وسفوح مرتفعات "زاجروس" شرقاً، وسميت نسبة إلى مركزها أو عاصمتها المسماة "اشنونا" (تل أسمر الآن)، التي سبق أن تكلمنا عنها في الفصل الخاص بعصر فجر السلالات حيث ازدهرت في هذه المنطقة حضارة وادي الرافدين منذ اواخر العصر الذي أطلقنا عليه "الحجري ــ المعدني" (Chalcolihic)، فقد رأينا كيف أن التحريات التي قامت بها جامعة "شيكاغو" (المعهد الشرقي) (1937 – 1930) قد كشفت عن نتائج مهمة عرفتنا بحضارة وادي الرافدين في عصر فجر السلالات، حتى أن هذه التسمية وتقسيمات هذا العصر إلى الأطوار الثلاثة التي تكلمنا عنها استندت بالدرجة الأولى إلى تلك النتائج. ولما أن قامت الدول الكبيرة في العصر الآكدي وفي عهد سلالة أور الثالث كانت هذه المنطقة من أغنى الاقاليم التابعة لهما. وبالإضافة إلى المراكز الرئيسية التابعة إلى هذه المنطقة التي عددناها سابقاً، مثل تل أسمر وخفاجي وأشجالي وتل أجرب وغيرها ظهر من تحريات مديرية الآثار أن هناك جملة مراكز أخرى مهمة تمتد إلى مدينة بغداد الحالية ولا سيما ضواحيها الشرقية، مثل تل حرمل في منطقة تل محمد أو ما يسمى الآن بغداد الجديدة، وقد اظهرت التنقيبات التي أجريت في الموضع (1962-1945) نتائج مهمة في معرفتنا بحضارة وادي الرافدين في العصر الذي نتلكم عنه الآن، أي العصر البابلي القديم(1)، وقد تبين من النصوص المكتشفة فيه أن اسم الموضع القديم "شادبم" ، وكان من بين المراكز الإدارية المهمة التابعة إلى مملكة "اشنونا"، من بعد استقلالها في نهاية سلالة "أور" الثالثة. ووجدت في تل حرمل مجموعات كثيرة من ألواح الطين ( ما بين 4000 و 5000 لوح) المتنوعة في محتوياتها، مثل العقود والوثائق التجارية والقانونية والاقتصادية والمعاملات الأخرى والرسائل، وجملة ألواح رياضية مهمة، ونسخة من الشريعة العائدة إلى مملكة "اشنونا"، التي يرقى زمنها إلى أوائل العصر البابلي القديم (في حدود 1850 – 1900ق.م) ، ونسبت عند اكتشافها إلى احد ملوك المملكة المسمى "بلالاما"، ولكن ثبت ان هذه النسبة غير مؤكدة أو غير صحيحة. وإلى جانب الأهمية الخاصة بمحتويات الألواح المكتشفة في تل حرمل، فلها أهمية خاصة ناشئة من كونها مؤرخة بحوادث رسمية خاصة بسني حكم الملوك في اشنونا، وقد عثر من بين الألواح المهمة على ثبت بالحوادث المؤرخ بها الخاصة بحكم الملك المسمى "ابالبيل" الثاني(2).
ومن المواضع المهمة التابعة إلى مملكة "اشنونا" التل المسمى تل الضباعي وقد تحرت فيه مديرية الآثار (1963 – 1960)، وهو قريب من تل حرمل السالف الذكر، ووجدت يه أيضاً مجموعة مهمة من ألواح المدونة بمختلف المعاملات والشؤون الحياتية، من بينها بضعة ألواح الطين المدونة بمختلف المعاملات والشؤون الحياتية، من بينها بضعة ألواح رياضية مهمة(3)، وتبين من دراسة هذه الألواح أن اسم تل الضياعي القديم كان بهيئة "أوزارز لولو" او "زارلو" او "زرا لولو"، وجد في الموضع معبد صغير شيد لعبادة إله المدينة الذي ورد اسمه في الألواح المكتشفة بهيئة "لا صميم" (ويكتب هذا الاسم في بعض الألواح بالعلاقة المسمارية KAS مسبوقة بعلامة التأليه).
إن موقع دولة "اشنونا" الجغرافي الذي حددناه بالنسبة إلى بلاد الرافدين، من مجاورتها لبلاد عيلام وبلاد آشور، وبلاد أكد في الوسط جعلها ذات أهمية خاصة في تاريخ حضارة وادي الرافدين ، بالإضافة إلى تأثرها الحضاري والاقتصادي من الجهات الشمالية والشرقية، وببلاد سومر واكد من الجنوب، حيث تأثيراً حضارة وادي الرافدين تلتقي بالتأثيرات الثقافية الآتية من الجهات الاخرى، ولذلك تميزت حضارة هذه المملكة بخصائص محلية بالإضافة إلى طابع حضارة القطر العامة، فمن هذه الخصائص المحلية أسماء بعض الآلهة، وعلى رأسها كبير الآلهة المسمى "تشباك"، الذي يطابق بالإله الحوري "تشوب"(4)، وأسماء ملوكها وحكامها، ولا سيما في فترة العهد البابلي القديم، فبعضها أسماء سامية ، وبعضها من أصول عيلامية وحورية. وكانت منطقة أشنونا، كما ذكرنا، تابعة إلى ملوك الدولة الآكدية، ثم من بعد فترة الحكم الكوتي إلى ملوك سلالة "أور" الثالثة، حيث شيدت المعابد لعبادة ملوك هذه السلالة ولا سيما الملك "شو ــ سين" (الذي كان يسمى كمل ــ سين سابقاً)، وقد كشف عن المعبد المشيد له في تل أسمر. ويبدو ان منطقة اشنونا كانت اولى الولايات التي انفصلت عن امبراطورية "أور"، وفي عهد آخر ملوكها "ابي ــ سين" في حدود 2028ق.م، وكان آخر الحكام التابعين إلى أور الشخص المسمى "اتوريا"، فأخذت اشنونا تستبدل التقويم السومري الخاص بسلالة أور وأسماء الأشهر والحوادث المتخذة للتأريخ بتقويم خاصة بها، كما برز شأن إلهها "تشباك" السالف الذكر، وصار ملوك هذه الدويلة المستقلة يلقبون أنفسهم "عبد تشباك" بدلاً من "عبد ملك أور"، وحول المعبد الذي شيد لعيادته ملك أور "شو ــ سين" إلى بناء ذي وظيفة دنيوية، وشيد بجانبه قصر كبير، كما حلت اللغة الآكدية (السامية) محل اللغة السومرية بصفتها لغة التدوين الرسمية.
ومما يقال عن الاوائل من ملوك أشنونا أن تسلسلهم وأطوال حكمهم غير معروفة، وقد خلفوا لنا طائفة من كتاباتهم الرسمية، ونصوصاً أخرى متنوعة خاصة بالشؤون الإدارية والاقتصادية، والكثير منها مؤرخ بطريقة التأريخ من الحوادث المهمة، وبعد نيلهم الاستقلال على أثر انحلال امبراطورية أور صاروا يوسعون من رقعة مملكتهم، ودخلوا في العلاقات الدولية المختلفة مع الدويلات المجاورة، وقد استوطنت بعض الجماعات الآمورية منطقة اشنونا، وقد سبق ان ذكرنا الإقليم المسمى "يموت ــ بعل" المتاخم لأشنونا والذي يكون جزءاً من هذا المنطقة الخصبة ما بين دجلة غرباً وديالى شرقاً.
وبلغت مملكة اشنونا في الفترة الاولى من استقلالها مستوى ملحوظاً من الازدهار السياسي والاقتصادي. والمرجح أنه حكم في هذه الفترة الملوك الآتية أسماؤهم: "ايليشو ــ ايليا" و "نور ــ آخم" و "كيريكيري" وابنه "بلالاما" الذي شيدت في زمنه المدينة الجديدة التي أطلق عليها اسم "توتب" (خفاجي)، وهو الذي قوى تحصينات مدينة "اشنونا" العاصمة، ويرجع إلى عهده تأسيس مدينة جديدة اخرى اسمها "تابي ــ تشباك"، وإقامة معبد لإله المدينة "تشباك" باسم "اي ــ سكل" (5E – Sikil)()، ويدل اللوح الذي وجد في "اشنونا" على أن "بلالاما" كان معاصراً لملك دويلة "دير" (تلول العقر الآن قرب بلدة بدرة) المسمى "آنو متبل".
وحلت من بعد حكم "بلالاما" في تاريخ مملكة "اشنونا" فترة مظلمة لا يعلم مقدار طولها بوجه التأكيد، صارت فيها مرة تحت نفوذ دويلة "أيسن" ومرة أخرى تحت نفوذ ملك "دير" ثم تحت سلطة "كيش"، إلى أن ظهر فيها سلسلة جديدة من الحكام أولهم "ابق ــ ادد" الثاني (في حدود 1850 ق.م) ابن "ابالبيل" الأول فاستعادت هذه المملكة في عهدهم استقلالها وازدهارها. وخلف "ابن ــ أدد" ابنه المسمى "نرام ــ سين" الذي وسع نفوذ المملكة إلى الفرات الأوسط، في المدينة المسماة "رابيقم" (في منطقة الرمادي) وإلى مدينة آشور و "قبارا" في سهل أربيل ومدينة "أشناكم" على الخابور، ولقب نفسه "ملك بلاد آشور". والمرجح كثيراً أن "نرام ــ سين" اشنونا و "نرام ــ سين" المذكور في أثبات الملوك الآشوريين كانا شخصاً واحداً. وجاء إلى حكم "اشنونا" من بعد نرام ــ سين أخوه المسمى "دادوشا" وكان ملكاً قوياً طموحاً في حقل الفتوح الخارجية، فقد سن الحرب على مدينة "ماري" حين كان يحكم فيها "اشمي ــ دكان" نيابة عن أبيه شمشي ــ أدد" الأول المشهور، وقد أسهم "دادوشا" في إنهاء الحكم الآشوري في ماري، وخلفه ابنه المسمى "ابالبيل" الثاني، وانتهى حكم هذه السلالة في عهد آخر ملوكها المسمى "ضلى ــ سين" على يد حمورابي في عام 1761ق.م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حول نتائج هذه التنقيبات التي أشرف عليها مؤلف هذا الكتاب انظر مجلة "سومر" المجلد الثاني (1946) والمجلد الرابع (1948). وعن الشرقة المكتشفة في تل حرمل وتعيين الموضع بالاسم القديم "شاديم" انظر:
A. Goetze, the Laws of Eshnunna (1956).
وعن الرسائل المكتشفة فيه راجع "سومر"، المجلد (1958) 14 القسم الانجليزي.
(2) نشرها المؤلف في سومر، المجلد الخامس (1948).
(3) انظر مجلة سومر (1963).
(4) بالإضافة إلى المراجع التي أثبتناها عن تل حرمل والضباعي، فإن أحسن خلاصة عن تأريخ مملكة "اشنونا" في المرجع الآتي:
Frankfort and Jacobsen, The Gimil-sin Temple and The Palace of The Palace of The Rulers of Tell Asmar.
(5) انظر: Edzard, ZZB. P.72.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|