أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2022
1748
التاريخ: 2024-08-11
395
التاريخ: 20-9-2016
2494
التاريخ: 5/9/2022
2086
|
وفي المقام جهات من البحث :
[جهات البحث] :
الجهة الأولى: في بيان المراد من العسر والحرج :
فنقول: أما الحرج فيظهر من كلمات أهل اللغة أن معناه الضيق، فعن القاموس الحرج المكان الضيق وكذلك عن الصحاح وعن النهاية الحرج في الأصل الضيق وفي المجمع {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] أي من ضيق بان يكلّفكم ما لا طاقة لكم به وفي المنجد الحرج المكان الضيق الكثير الاشجار ويستفاد من بعض الاخبار أنه عبارة عن الضيق لاحظ ذيل حديث مسعدة بن زياد: عبد اللّه بن جعفر الحميري عن مسعدة بن زياد قال: حدثني جعفر عن أبيه عليه السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: مما اعطى اللّه أمتي وفضّلهم على سائر الامم أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها الّا نبيّ وذلك ان اللّه تبارك وتعالى كان اذا بعث نبيا قال له اجتهد في دينك ولا حرج عليك وان اللّه تبارك وتعالى أعطى ذلك أمّتي حيث يقول {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] يقول من ضيق ... الحديث «1».
وأما العسر فعن النهاية أنه خلاف اليسر وهو الضيق وكذلك عن القاموس وفي المنجد العسر الشدة والضيق وأما الأصر فعن القاموس الأصر الثقل وعن النهاية أنه الضيق وعن الصحاح أنه الثقل فالجامع بين الكل الضيق والثقل والظاهر أنه بحسب المتفاهم العرفي ما لا يتحمل عادة فان كان طبع التكليف الشرعي المتوجه الى العباد أمرا غير قابل للتحمل كالجهاد ونحوه ولا يرتفع بهذه القاعدة كما هو ظاهر.
نعم لا يبعد ان يقال بأنه في تلك الموارد اذا كان الحرج أشد من المقدار المتعارف يرتفع الحكم الشرعي فتأمّل كما أنه لو علم من الشارع عدم رضائه بوقوع أمر كاللواط مثلا نلتزم بحرمته وإن كان في الامساك عنه حرج شديد.
الجهة الثانية: فيما يمكن ان يستدل به أو استدل للمدعى :
منها قوله تعالى : {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وتقريب الاستدلال بالآية الشريفة ان قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] بعد قوله {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] بمنزلة العلّة والكبرى الكلية كما في قوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر فيستفاد من الآية الشريفة أنه لم يجعل في الشريعة المقدسة امرا عسرا ويمكن الاستدلال بالآية على المدعى بتقريب آخر وهو ان المراد بالارادة في الآية الشريفة الارادة التشريعية فالمراد من قوله تعالى: لٰا يُرِيدُ عدم الارادة تشريعا هذا من ناحية ومن ناحية اخرى حذف المتعلق يفيد العموم فالنتيجة أنه يستفاد من الآية ان اللّه لا يريد في وعاء التشريع العسر فلا يريد التكليف الذي يكون عسرا.
ومنها: الآية الاخيرة لسورة { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] ومحل الشاهد فيها عدة موارد :
الأول: قوله تعالى: لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا فان المراد من الآية أنه لا يكلف تكليفا عسرا لا أنه لا يكلف غير المقدور عقلا فانه أمر غير ممكن ولا يقع على أحد من الامة ولا مجال للمنّة كما هو المستفاد من الآية والسياق، الثاني قوله تعالى: وَلٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً والاصر هو الثقل والظاهر من الآية أنه تعالى استجاب دعوة نبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبعبارة واضحة يفهم الانسان من سياق الآية وايراد المطلب في القرآن الكريم ان اللّه تبارك وتعالى في مقام بيان لطفه بالنسبة الى رسول الإسلام واستجابة دعوته، الثالث قوله تعالى: وَلٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ والظاهر أن المراد بما لا طاقة به الامر العسر والسياق يقتضي الاستجابة مضافا الى ما ورد في رواية علي بن ابراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن هذه الآية مشافهة اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليلة اسري به الى السماء قال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: لما انتهيت الى محل سدرة المنتهى فاذا الورقة منها تظل أمّة من الامم فكنت من ربّي ق {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] كما حكى اللّه عزّ وجلّ فناداني ربّي تعالى { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285] فقلت: انا مجيبا عنّي وعن أمّتي {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] فقال اللّه لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا لَهٰا مٰا كَسَبَتْ وَلَهٰا مَا اكْتَسَبَتْ فقلت رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا وقال اللّه لا أؤاخذك فقلت رَبَّنٰا ولٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا فقال اللّه لا احملك فقلت: رَبَّنٰا وَلٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ واعْفُ عَنّٰا وَاغْفِرْ لَنٰا وارْحَمْنٰا أَنْتَ مَوْلٰانٰا فَانْصُرْنٰا عَلَى الْقَوْمِ الْكٰافِرِينَ فقال اللّه تعالى قد اعطيتك ذلك لك ولأمّتك فقال الصادق عليه السّلام ما وفد الى اللّه تعالى أحد اكرم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حيث سأل لأمته هذه الخصال «2».
ومنها قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] وتقريب الاستدلال بالآية ان اللّه لا يريد جعل الامر الحرجي في الدين فيستفاد منها الميزان الكلي .
وفي المقام مناقشة وهي ان المستفاد من الآية ان اللّه تعالى لم يرد بهذا الأمر المذكور في الآية ايقاع الحرج لكن حيث ان المذكور فيها ذو ملاك ومصلحة أمر به وجعله على المكلفين وبعبارة اخرى المستفاد من الآية ان اللّه لا يكلف بتكاليف حرجية خالية عن الملاك والفائدة وبهذا البيان لا يمكن الوصول الى المقصود وليس للاستدلال على المدعى سبيل.
ولكن بعد المراجعة الأخيرة اختلج بالبال أن يقال يمكن أن يكون المراد من الآية الشريفة بيان ان اللّه لا يريد بالتكاليف التي يكلفكم بها ايقاع الحرج عليكم ولذا عند الضرورة والمحذور عن استعمال الماء تصل النوبة الى الطهارة الترابية بل يريد ان يطهركم ويزيل عنكم الخباثة المعنوية كي يناسب قيامكم للصلاة التي تكون مشروطة بالطهارة وعليه لا يمكن الاستدلال بهذه الآية على المدعى لكن يكفي للاستدلال عليه بقية الوجوه ومنها قوله تعالى في سورة الحج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] وتقريب الاستدلال بما ان المستفاد منها كبرى كلية وهي ان اللّه تعالى لم يجعل في الدين امرا حرجيا ويؤيد المدعى بل يدل عليه ما ورد في تفسير الآية وهو ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري عن مسعدة بن زياد .
وأما الروايات التي يمكن أن يستدل بها فمنها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل اصبعه فيه قال: وقال ان كانت يده قذرة فأهرقه وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال اللّه تعالى: وَمٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «3» وتقريب الاستدلال به على المدعى ظاهر.
ومنها ما رواه أبو بصير أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون الى جانب القرية فتكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدابة وتروث فقال ان عرض في قلبك منه شيء فقل هكذا يعني. أفرج الماء بيدك ثم توضّأ فان الدين ليس بمضيق فان اللّه يقول مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «4».
ويمكن الاستدلال أولا بقوله عليه السّلام فان الدين ليس بمضيق وثانيا باستشهاده عليه السّلام بقوله تعالى فلاحظ.
ومنها ما رواه فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في الرجل لجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء فقال: لا بأس مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «5».
ومنها ما رواه فضيل قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء فقال: لا بأس هذا مما قال اللّه تعالى: مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «6».
ومنها ما رواه محمد بن ميسر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل الجنب ينتهي الى الماء القليل في الطريق ويريد ان يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال يضع يده ثم يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال اللّه عزّ وجلّ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «7» وتقريب الاستدلال ظاهر.
ومنها ما رواه عبد الاعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء قال: يعرف هذا واشباهه من كتاب اللّه عزّ وجلّ قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه «8» ولكن عبد الاعلى لم يوثق بل مدح.
ومنها ما رواه زرارة أنه قال لأبي جعفر عليه السّلام: ألا تخبرني من أين علمت وقلت ان المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين وذكر الحديث الى ان قال أبو جعفر عليه السّلام ثم فصّل بين الكلام فقال {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } [المائدة: 6] فعرفنا حين قال { بِرُءُوسِكُمْ } ان المسح ببعض الرأس لمكان الباء الى ان قال {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] فلمّا ان وضع الوضوء عمن لم يجد الماء اثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال {بِوُجُوهِكُمْ} ثم وصل بها {وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } [المائدة: 6] أي من ذلك التيمم لأنه علم ان ذلك اجمع لم يجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها ثم قال مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ والحرج الضيق «9».
ومنها ما رواه حمزة بن الطيار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي اكتب فأملى عليّ انّ من قولنا ان اللّه يحتج على العباد بما أتاهم وعرّفهم ثم أرسل اليهم رسولا وأنزل عليهم الكتاب فأمر فيه ونهى، أمر فيه بالصلاة والصيام فنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن الصلاة فقال انا انيمك وانا اوقظك فاذا قمت فصلّ ليعلموا اذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ليس كما يقولون اذا نام عنها هلك وكذلك الصيام أنا أمرضك وأنا أصحك فاذا شفيتك فاقضه ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام وكذلك اذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد احدا في ضيق ولم تجد أحدا الّا وللّه عليه الحجة وللّه فيه المشيئة ولا أقول انهم ما شاءوا صنعوا ثم قال ان اللّه يهدي ويضلّ وقال وما امروا الّا بدون سعتهم وكل شيء أمر الناس به فهم يسعون له وكل شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم ثم تلا عليه السّلام { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ } [التوبة: 91] فوضع عنهم { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: 91، 92] قال فوضع عنهم لأنهم لا يجدون «10» هذه هي جملة من الروايات التي يمكن أن يستدل بها على المدعى ويؤيدها ما اشتهر في ألسنة العلماء والفضلاء والطلاب ان الشريعة الاسلامية سهلة سمحة كما روى عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: بعثت بالحنيفية السمحة السهلة «11» وما رواه زياد ابن سوقة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وازراره محللة ان دين محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حنيف «12».
واما الاجماع فعلى فرض تحققه فامّا مقطوع المدرك وامّا محتمله وعلى كلا التقديرين لا يفيد كما هو ظاهر.
وأما العقل فليس له سبيل الى هذا الموضوع وانّما العقل يدرك امتناع تعلق التكليف بغير المقدور لكونه لغوا وعبثا والحكيم لا عبث في تكاليفه كما هو اظهر من الشمس.
فالنتيجة أنه لا شبهة من حيث الدليل تمامية القاعدة وان الحرج مرفوع في الشريعة المقدسة ان قلت اذا كان الامر كذلك فكيف نرى جعل بعض الاحكام والحال أنه حرجي كالجهاد وامثاله قلت القاعدة لا تكون عقلية كي لا يمكن تخصيصها بل قاعدة شرعية والتخصيص في الحكم الشرعي لا يكون عزيزا.
وصفوة القول انّ الحكم اذا كان حرجيا في نفسه وطبعه أي يكون حرجيا بالنسبة الى كل احد يكون دليله مخصصا للقاعدة وأمّا اذا كان حرجيا بالنسبة الى بعض دون الاخر يكون مرتفعا عن مورد الحرج الا أن يعلم أنه اريد العموم ولا تبعيض فيه فايضا يكون الدليل مخصصا للقاعدة.
الجهة الثالثة: في أنّ المستفاد من دليل القاعدة انّ المرفوع الحرج أو المرفوع الحكم الذي يوجب الحرج والأول موافق لمرام صاحب الكفاية والثاني لمرام الشيخ قدّس سرّه والفرق واختلاف الأثر ظاهر بين المسلكين فان قلنا بان المرفوع الحكم الناشي منه الحرج نلتزم بعدم وجوب الاحتياط فيما يكون الجمع بين الاطراف حرجيا ونقول بارتفاع الوجوب المتعلق بالواجب الموجود بين الاطراف وأمّا ان قلنا بان المرفوع الفعل الحرجي الثقيل فلا وجه لارتفاع الوجوب في موارد العلم الإجمالي اذا لم يتعلق الوجوب بالأمر الحرجي والظاهر من الدليل ما ذهب اليه صاحب الكفاية اذ العناوين عناوين للأمور الخارجية فان العمل الكذائي حرج مثلا لو كان الصعود الى الجبل امرا صعبا وحرجيا يصدق ان الوجوب مرفوع عنه والحاصل ان الحرج وما يرادفه مما وقع في الادلة عبارة عن الافعال الخارجية وما جعلت في الدين فان جعلها في الدين عبارة عن توجيه التكليف نحوها وعدم جعلها في الدين عبارة عن عدم توجيه التكليف نحوها ويترتب على هذا أثر ظاهر مهم فلا تغفل ولقائل ان يقول أنه لا شبهة في أنّه لو كان لعمل مقدمات صعبة ولكن نفس العمل لا يكون كذلك مثلا قراءة سورة قصيرة في فصل الشتاء ليست امرا حرجيا ذا مشقة ولكن اذا أمر المولى بها بان يؤتى بها على رأس جبل شاهق صعب الصعود يكون هذا التكليف حرجيا وعسرا والحال ان نفس الفعل لا عسر فيه وهل يمكن ان يقال ان هذا التكليف ليس عسرا وهل يمكن ان يدعي المولى اني لا اريد بالمكلف العسر واريد به اليسر وصفوة القول ان التكليف لو استلزم الحرج على المكلف ولو من ناحية مقدمات العمل يصح ان يقال ان التكليف حرجي فلاحظ.
ويختلج بالبال أن يقال أنه يمكن اثبات عدم وجوب الاحتياط بتقريب آخر وهو أنه لو استلزم الاحتياط الحرج نسأل ان الاحتياط المذكور في وعاء الشرع واجب أم لا؟ ان قلت انه واجب قلت وجوبه يناقض نفي الحكم الحرجي اذ الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية وان قلت لا يكون واجبا قلت هو المطلوب وإن قلت نشك في وجوبه وعدمه قلت مقتضى البراءة عدم وجوبه وهذا التقريب يفيدنا في القول بعدم وجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي مضافا الى ما بنينا عليه في ذلك البحث من جواز جريان الأصل في بعض الاطراف ولا يخفى ان التقريب الثاني الذي ذكرناه في المقام يغاير التقريب الأول في الأثر فان التقريب الأول يقتضي ارتفاع الحكم من اصله وأما التقريب الثاني فانما يقتضي ترك الاحتياط فقط ارتفاع الحكم في الواقع.
وإن شئت فقل التقريب الأول يقتضي الارتفاع الواقعي والتقريب الثاني يقتضي الارتفاع الظاهري فيما لا يكون الاحتياط حرجيا.
اللهم الّا أن يقال انه قد ثبت في الأصول عدم وجوب مقدمة الواجب شرعا وانما يكون وجوبها عقليا فلا تنافي بين عدم وجوب الاحتياط شرعا وبين وجوبها عقلا فلا يتم التقريب المذكور لارتفاع الحكم في مقام الظاهر نعم مقتضى مقالة الشيخ قدّس سرّه انّ الحكم الواقعي في موارد كون الاحتياط حرجيا يرتفع بدليل رفع العسر والحرج.
الجهة الرابعة: في أن أدلة الحرج هل تكون حاكمة على أدلة الأحكام أم لا؟
الظاهر أنها حاكمة فانه لم يعتبر في الحكومة بلفظ أي أو أعني بل معنى الحكومة أن يكون أحد الدليلين ناظرا الى دليل الآخر ويكون متصرفا في مدلوله والمقام كذلك إذ لو لم يكن حكم مجعول في الدين لم يكن قوله مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ صحيحا فإنه لا موضوع لهذا البيان فمعنى هذه الجملة ان المجعولات الدينيّة لا يكون فيها أمر حرجي ويؤيد المدعى بل يدل عليه ما وقع في جملة من الروايات من التطبيق أي تطبيق القاعدة على الموارد كما تقدمت ومرت عليك.
الجهة الخامسة: ان الميزان في القاعدة بالحرج الشخصي :
كما هو الميزان في جميع القضايا الحقيقية وكون الميزان بالنوعي امرا على خلاف الظاهر ويحتاج الى دليل خاص وقرينة.
غاية الأمر يتوجه الاشكال وهو أن المستفاد من الروايات الواردة في المقام ان الميزان بالحرج النوعي فان الاجتناب عن الغدير الذي يلاقيه النجاسة ليس حرجيا لكل أحد بل الحرج فيه نوعي.
لكن يمكن الجواب بان المستفاد من تلك الروايات أيضا الحرج الشخصي لكن قد علم من الخارج ان الكر لا ينجس بالملاقات.
وببيان أوضح ان المستفاد من الدليل ان الميزان الحرج الشخصي لكن في بعض الموارد. قد علم من الدليل رفع الحكم حتى في مورد عدم الحرج بالنسبة الى بعض ولك ان تقول أنّ المستفاد من بعض ادلة القاعدة ان رفع الحكم يدور مدار الحرج الشخصي غاية الأمر انّ الحكم مرفوع في بعض الموارد حتى مع عدم الحرج الشخصي وهذا تخصيص في عمومية العلة وان شئت فقل المستفاد من مجموع الادلة ان الميزان في جريان القاعدة الحرج الشخصي وعدم جريانه في النوعي وهذه القضية الثانية خصصت في بعض الأحكام كالقصر في السفر ومن الظاهر ان التخصيص في الضوابط الشرعية أمر رائج فلاحظ.
الجهة السادسة: أنه لا فرق بين العدميات والوجوديات :
فان الحرج يوجب رفع الحكم أعم من أن يكون متعلقا بالوجود كالوجوب أو بالعدم كالحرمة فلو كان الامساك عن الحرام حرجا يرتفع حرمته وبعبارة واضحة لا فرق من هذه الجهة بين الايجاب والتحريم لا طلاق الدليل بل يمكن ان يقال مقتضى اطلاق دليل القاعدة رفع الحكم غير الالزامي ولا نرى مانعا في هذه العجالة عن الالتزام به وبعبارة اوضح انه اذا كان فعل حرجيا لا يتعلق به الأمر الاستحبابي إذ ليس في الدين الحرج وقس عليه النهي عن امر يكون تركه حرجيا.
الجهة السابعة: أنه لا فرق بين الحكم التكليفي والوضعي :
فلو كان جعل أمر وضعي حرجيا يرتفع بدليل رفع الحرج وعليه لو كانت العلقة الزوجية حرجية على أحد طرفي العقد يلزم رفعها بدليل رفع الحرج ولا يخفى انه ينكشف ان الزوجية انما امضيت من قبل الشارع من زمان العقد الى زمان تحقق الحرج والحال ان العقود تابعة للقصود فكيف يمكن التبعيض ويؤيد رفع الحرج الحكم الوضعي ما افتى به السيد اليزدي في ملحقات عروته «13» في مسألة المفقود مع عدم صبر زوجته قال: يمكن ان يقال بجوازه (الطلاق) بقاعدة نفي الحرج والضرر.
الجهة الثامنة: أن حكومة لا حرج على أدلة الأحكام حكومة واقعية ولازمها ارتفاع الحكم واقعا وعليه يقع الاشكال في جواز الوضوء الحرجي وقد يقال في رفع الاشكال بان مقتضى الامتنان رفع الالزام لا رفع الملاك ويجاب بانه بعد رفع الالزام لا دليل على الملاك ويجاب بان الدلالة الالتزامية ليست تابعة للمطابقية في الحجية ويجاب ببطلان هذا الكلام فان الالتزام تابع للمطابقية في جميع المراتب.
ولكن مع ذلك يمكن تقريب صحة الوضوء بوجه آخر وهو ان الامتنان يقتضي وجود الملاك والّا فمع عدم الملاك للوضوء لا معنى للمنة في رفع الالزام عنه فلازم الامتنان وجود الملاك وهو يكفي في صحة الوضوء.
ويمكن التقريب بوجه ثالث وهو أن دليل لا حرج لا يرفع الاستحباب والأمر المتوجه الى الوضوء نفسا هو الاستحباب وهو باق مع الحرج فالوضوء صحيح لكن يشكل التقريب المذكور بما تقدم منا من ان دليل لا حرج يشمل الحكم غير الالزامي فلا يبقى موضوع لهذا التقريب وفي المقام اشكال وهو انّ المستفاد من الآية تقسيم المكلف الى الواجد والفاقد والتقسيم قاطع للشركة.
والجواب انّ المكلف مع الحرج واجد للماء لكن لو توضأ يكون وضوئه صحيحا ومع صحة وضوئه لا يصدق انه محدث فلا سبيل الى ان يتعلق به الأمر بالتيمم فلاحظ وإن شئت قلت ان القضية حقيقية والشارع قسم المكلف الى قسمين ووجه الامر بالوضوء الى قسم منهما ووجه الامر بالتيمم الى قسم آخر غاية الامر بعض الاقسام من الواجد لو توضأ يكون وضوئه صحيحا وينقلب موضوع المحدث الى المتطهر وبعبارة واضحة ان الحرج أوجب سقوط الالزام بالوضوء ووصلت النوبة الى التيمم لكن حيث ان الملاك موجود في الوضوء فاذا توضأ يكون وضوئه صحيحا فلا يبقى مجال للتيمم وصفوة القول ان الوضوء ان كان حرجيا لا يكون واجبا ولا تنافي بين الصحة وعدم الوجوب وببيان أوضح أن المكلف في صورة الحرج يكون واجدا للماء لكن مع ذلك لا يكون الوضوء واجبا عليه لطفا من المولى والظاهر أنه يتم الأمر لا يبقى اشكال واللّه العالم ومما يدل على جواز التيمم مع وجدان الماء جواز التيمم لمن آوى الى فراشه فذكر انه غير متوض فانه يجوز له ان يتمم وعلى الجملة ان الامتنان يتوقف على وجود الملاك فاذا فرضنا ان القاعدة امتنانية يلزم الالتزام بوجود الملاك ومع وجود الملاك يصح الوضوء.
الجهة التاسعة: في تعارض الضرر والحرج :
كما لو كان التصرف في الملك الشخصي يضر بالغير والامساك عن التصرف يكون حرجا الذي يختلج بالبال ان يقال مقتضى اطلاق دليل القاعدة جريانها في هذه الموارد.
إن قلت مفاد القاعدة حكم امتناني وجريانها في هذه الموارد خلاف الامتنان بالنسبة الى الطرف المقابل قلت يكفي للامتنان كون رفع الحرمة الحرجية عن هذا الطرف ولا يلزم ان يكون امتنانيا بالنسبة الى جميع الاطراف ولكن الانصاف ان الالتزام بالجواز فيما يستلزم التصرف في مال الغير أو عرضه أو بدنه مشكل واللّه الهادي الى سواء السبيل.
إن قلت أيّ دليل دل على كون القاعدة امتنانية قلت المستفاد من الآية الشريفة {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ان المقتضي للإرادة موجود غاية الأمر الشارع الأقدس منّ على عباده ولم يرد العسر بل اراد اليسر.
الجهة العاشرة: ان القاعدة هل تكون من المسائل الفقهية أو تكون من المسائل الأصولية :
الحق أنها من المسائل الفقهية إذ المسألة الاصولية لا تتعرض لحكم افعال المكلف بل لها دخل في استنباط الحكم الشرعي وأما المسألة الفقهية فمتعرضة لحكم فعل المكلف ومن الظاهر ان المستفاد من القاعدة بيان ما يتعلق بافعال العباد.
______________
(1) البرهان: ج 3 ص 105 الحديث 6.
(2) البرهان: ج 1 ص 266 الحديث 2.
(3) الوسائل: الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 11.
(4) الوسائل: الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 14.
(5) نفس المصدر الحديث 5.
(6) نفس المصدر الحديث 1.
(7) الوسائل: الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 5.
(8) الوسائل: الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 5.
(9) الوسائل: الباب 13 من أبواب التيمم الحديث 1.
(10) الكافي: ج 1 ص 164 الحديث 4.
(11) مجمع البحرين مادة حنف.
(12) الوسائل: الباب 23 من أبواب لباس المصلي الحديث 1.
(13) ملحقات العروة: ج 1 ص 75 مسألة 33.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|