المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



هل القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة، هو حجّة؟  
  
1083   08:33 صباحاً   التاريخ: 6-9-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 2 ص 247.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / مباحث الحجة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016 986
التاريخ: 5-9-2016 988
التاريخ: 5-9-2016 2579
التاريخ: 23-7-2020 2375

...[قلنا] أنّ القطع الطريقي حجّة، والحجّية ذاتيّة له، وقلنا إنّه بحسب الحقيقة ليس طريقاً للوصول إلى الواقع بل هو نفس الوصول إلى الواقع والمشاهدة له سواء كان قطع القطاع أو غيره، ومن أي سبب حصل، ولأي شخص كان وفي أي مورد من موارد الفقه.

لكن نسب إلى الأخباريين إنكار حجّية القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة وعدم عدّ العقل من الأدلّة الشرعيّة، والذي يظهر من كلماتهم اُمور: أحدها: إنكار الملازمة بين حكم العقل والشرع، والثاني: عدم حصول القطع من المقدّمات العقليّة، والثالث: منع الشارع عن الرجوع إليها وإن حصل منها القطع، هذا من أهمّ وجوه الاختلاف بين المسلكين (المسلك الأخباري ومسلك الاُصولي) ولازمها سقوط دليل العقل من بين الأدلّة الأربعة الشرعيّة، فصارت الأدلّة عندهم ثلاثة بل صارت دليلا واحداً لعدم أخذهم بالكتاب بغير طريق السنّة وعدم اعتمادهم على الإجماع إذا لم يكن في المجمعين معصوم.

أمّا المقام الأوّل: أي إنكار الملازمة بين حكم العقل والشرع فيتصوّر فيه احتمالات أربع، لتعيين مرادهم:

الأوّل: أن يكون المقصود إنكار الحسن والقبح العقليين.

الثاني: إنكار كبرى الملازمة بين الحكم العقلي والحكم الشرعي في سلسلة التشريع.

الثالث: إنكاره قدرة العقل على إدراك المصالح والمفاسد.

الرابع: عدم قدرته على إدراك الموانع والمعارضات.

أمّا الاحتمال الأوّل، وهو عزل العقل بالمرّة عن إدراك الحسن والقبح كما ذهب إليه الأشاعرة فيردّه بداهة العقل، ومراجعة الوجدان أدلّ دليل على إدراك العقل للحسن والقبح، حيث لا إشكال في أنّ العقل يحكم بحسن بعض الأفعال كالإحسان وإعانة المظلوم وإغاثة الملهوف، وقبح بعضها الآخر كالظلم وقتل النفوس الأبرياء والتجاوز على الحقوق والأموال المحترمة.

أمّا الاحتمال الثاني (وهو إنكار حكم العقل بالملازمة بين ما استقلّ العقل بحسنه ووجود المصلحة الملزمة فيه وبين حكم الشارع بوجوبه، وهكذا بين ما استقل بقبحه ووجود المفسدة وبين حكم الشارع بحرمته) فقد نقل المحقّق النائيني (رحمه الله) عن صاحب الفصول وجوهاً لعدم الملازمة:

أحدها: وجود الأوامر الإمتحانية في الشرع مع عدم وجود الملاك في متعلّقاتها، فيمكن وجود الحكم الشرعي مع عدم وجود الحكم العقلي لعدم الملاك والمصلحة في مورده.

وجوابه: أنّ مورد البحث في المقام هو الأوامر الجدّية غير الإمتحانية.

ثانيها: موارد التقيّة إذا كانت في نفس الحكم دون المتعلّق كما إذا أمر الإمام (عليه السلام) بشيء لحفظ دم نفسه سلام الله عليه بنفس الأمر من دون أن يكون هناك مصلحة في المأمور به فقد تخلّف الحكم عن الملاك.

وفيه: ما مرّ من الجواب عن الوجه الأوّل من أنّ مورد البحث ما إذا كان الأمر بداعي الجدّ، وإن شئت قلت: أنّ المصلحة إذا كانت في نفس الإنشاء بأن تكون التقيّة في نفس الأمر لا أن تكون التقيّة في المأمور بها، فهو لا يكون بأمر حقيقة بل هو مجرّد تكلّم بلفظ، والمصلحة في نفس التكلّم، وأين ذلك من تخلّف الحكم عن الملاك؟

ثالثها: أنّه لا ريب في أنّ الملاك ربّما يكون في بعض الأفراد دون بعض، ومع ذلك يجعل الحكم على كلّي يشملهما، وهذا كما في باب العدّة، فإنّ مصلحة حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه اقتضت تشريع حكم العدّة مطلقاً حتّى فيما لا يلزم فيه من عدم العدّة اختلاط المياه فقد تخلّف الحكم في تلك الموارد عن الملاك.

وجوابه: أنّ المصلحة على قسمين: مصلحة نفس الحكم التي يمكن أن يكون نوعيّة غالبية ولا تكون موجودة في جميع الأفراد والمصاديق، ومصلحة كلّية الحكم، فيمكن أن لا يوجد في فرد مصلحة نفس الحكم، وفي نفس الحال لا يستثنى ولا يخصّص ذلك الفرد لوجود المصلحة الثانية، أي مصلحة كلّية الحكم فيه، وذلك مثل حرمة الخمر الجارية في جميع مصاديقها مع أنّ مفسدتها وهي السكر لا يوجد في قطرة واحدة منها مثلا، ومع ذلك يكون شربها حراماً حفظاً لكلّية الحكم، وأين ذلك من الالتزام بعدم تبعية الحكم للملاك كما هو المدّعى؟

رابعها: أنّه لا ريب في أنّ الملاك والمصلحة في العبادات إنّما يترتّب على إتيانها بقصد قربى لا على مجرّد وجوداتها في الخارج، ومن المعلوم أنّ الأوامر فيها لا تتعلّق إلاّ بأنفسها لما ذكر في محلّه من عدم جواز قصد القربة في متعلّق الأمر، فما فيه الملاك يستحيل تعلّق الأمر به، وما تعلّق به الأمر لا يكون واجداً للملاك على الفرض.

وجوابه: أنّه قد مرّ في محلّه إمكان أخذ قصد القربة في المأمور به بلا إشكال فراجع.

خامسها: أنّه ثبت لنا في الشريعة موارد لم يحكم الشارع فيها على طبق الملاكات الموجودة فيها كما هو مقتضى قوله (صلى الله عليه وآله) «لولا أن أشقّ على اُمّتي لأمرتهم بالسواك» بل أمرنا بالسكوت فيما سكت الله عنه في قوله (صلى الله عليه وآله)«اسكتوا عمّا سكت الله عنه فإنّ الله لم يسكت عنها نسياناً الخ» فإذا أمكن تخلّف الحكم الشرعي عن الملاك ولو في مورد واحد فبمجرّد إدراك العقل لحسن شيء أو قبحه لا يمكن استكشاف الحكم الشرعي في ذلك المورد بل لابدّ من السكوت فيه.

وجوابه واضح: لأنّ المقصود في هاتين الروايتين أنّ عدم الحكم الشرعي مع وجود الملاك يكون لوجود مصلحة أهمّ التي تمنع عن الحكم، وإن شئت قلت: إنّ مصلحة الحكم هنا معارضة مع مفسدة العسر والحرج وأشباهه، وبعبارة اُخرى: أنّ محلّ الكلام إنّما هو في مورد لا يتطرّق فيه احتمال المزاحم مثل المشقّة ونحوها، إذ معه لا يمكن استقلال العقل حتّى يستكشف منه الحكم الشرعي.

إذا عرفت عدم صحّة الوجوه التي استدلّ بها لعدم وجود الملازمة فنقول: دليلنا على الملازمة وعلى أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد أمران:

الأوّل: أنّ العقل يحكم بأنّه قبيح على الحكيم أن يأمر بغير مصلحة وينهى بغير مفسدة.

الثاني: الآيات والرّوايات التي علّلت الأحكام وإشارات إلى مصالحها أو مفاسدها: فمن الآيات قوله تعالى في الصّيام: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وقوله في الحجّ: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28] وقوله في الزّكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وقوله في الصّلاة: { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وقوله في القصاص: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] وقوله في الجهاد: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [البقرة: 216]

ومن الرّوايات ما ورد في رواية تحف العقل وحاصله: أنّ كلّ ما هو مأمور به على العباد وقوام لهم في اُمورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره ممّا يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وهبته وعاريته، وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهى عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ... فحرام، هذا هو المستفاد من مجموع ما ورد في تلك الرّواية الطويلة، فإنّ هذه الرّواية تنادي بأعلى صوتها بأنّ الحلال تابع للمصلحة والحرام تابع للمفسدة وكذلك غيرها من الرّوايات الكثيرة المذكورة في كتاب علل الشرائع وغيره.

أمّا الاحتمال الثالث (وهو أن يكون المراد إنكار قدرة العقل على إدراك المصالح والمفاسد) والاحتمال الرابع (وهو أن يكون مرادهم عدم إدراك العقل لموانعها ومعارضاتها) فجوابهما واضح لأنّه لا إشكال في أنّ العقل ولو بنحو الموجبة الجزئيّة يمكن أن يدرك المصالح الملزمة وحسن الأشياء أو المفاسد وقبحها لما مرّ من حكمه بحسن الإحسان وإعانة المظلومين وقبح الظلم وقتل النفس المحترمة، والمنكر ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان.

هذا كلّه هو المقام الأوّل، وهو إنكارهم الملازمة بين حكم العقل والشرع.

أمّا المقام الثاني: وهو عدم حصول القطع من المقدّمات العقليّة النظريّة فنسب إلى بعض الأخباريين أنّه لا يحصل القطع من المقدّمات العقليّة لكثرة وقوع الخطأ فيها.

والجواب عنه:

أوّلا: أنّ ما ذهبوا إليه بنفسه دليل وبرهان عقلي اُقيم على نفي العقل.

ثانياً: أنّه ينتقض بوقوع الخطأ والاختلاف الكثير بين الذين لا يعتمدون إلاّ على الأدلّة النقليّة، وحيث إن بعضهم تفطّن لذلك ـ أجاب عنه بأنّه إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة عقليّة باطلة بالمقدّمة النقليّة الظنّية أو القطعيّة، ولكنّه خلاف الإنصاف لانتقاضه بوقوع الاختلاف بين الأخباريين المنكرين لحجّية العقل أيضاً فإنّهم كثيراً ما يختلفون في ظهورات الأدلّة النقليّة واستظهاراتهم منها.

ثالثاً: أنّ هذا أيضاً خروج عن المفروض في محلّ النزاع لأنّ البحث هنا في حجّية القطع على فرض حصوله من المقدّمات العقليّة.

رابعاً: أنّ عزل العقل عن الإدراك والحجّية بالمرّة يوجب سدّ باب إثبات الصانع وسائر الاُصول الاعتقاديّة، وإثباتها بالأدلّة النقليّة دور واضح.

ثمّ إنّ للمحدّث الاسترابادي (رحمه الله) في المقام كلاماً لإثبات عدم حصول القطع من المقدّمات العقليّة، ونقله شيخنا الأعظم(رحمه الله) في رسائله، وحاصله ببيان منّا: أنّ العلوم مطلقاً على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما ينتهي إلى الحسّ كالعلوم التجريبية.

الثاني: ما ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس، ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق.

الثالث: ما ينتهي إلى مادّة بعيدة عن الإحساس ومن هذا القسم الحكمة الإلهية والطبيعية وعلم الكلام وعلم اُصول الفقه والمسائل النظريّة الفقهيّة وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق.

ومن المعلوم عدم وقوع الخلاف بين العلماء أو الخطأ في نتائج الأفكار في القسمين الأوّلين، بخلاف القسم الثالث حيث وقعت الاختلافات والمشاجرات الكثيرة الشديدة بين الفلاسفة في الحكمة الإلهية والطبيعية وبين علماء الإسلام في اُصول الفقه ومسائل الفقه وعلم الكلام وغير ذلك، والسبب في ذلك بُعد هذه العلوم عن الإحساس فلا بدّ في إثباتها من المنطق، والقواعد الفقهيّة عاصمة من الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادّة.

ويمكن أن نضيف إلى ما ذكره: أنّ العلم الإجمالي بوقوع الخطأ في هذا القسم مانع عن حصول القطع في مسائله، لأنّ الموجبة الكلّية لا تجتمع مع السالبة الجزئيّة كما مرّ، وهذا يقتضي أن يتبدّل علمنا التفصيلي بكلّ واحد من تلك المسائل إلى الظنّ ويرجع هذا إلى عدم حجّية إدراكات العقل في غير المحسوسات وما تكون مبادئه قريبة من الإحساس.

والمحقّق الخراساني (رحمه الله)تجاوز هذا الوجه إتّكالا على أنّ النزاع مع هذا المحدّث نزاع صغروي، لكننا نعتقد بأهميّته لأنّه على أي حال سواء كان النزاع في الصغرى أم في الكبرى يوجب عزل العقل بالمرّة عن الإدراك والحجّية، فلا بدّ من حلّه والجواب عنه.

فنقول يرد عليه:

أوّلا: إنّ ما ذهب إليه من عدم وقوع الخطأ في الحسيّات وما ينتهي إلى مادّة قريبة من الإحساس ممنوع بالوجدان لوقوع الخطأ الكثير في المبصرات والمسموعات وغيرها الحواس، فيقطع الإنسان مثلا بوصول الماء إلى البشرة في الوضوء ثمّ ينكشف خلافه تفصيلا أو إجمالا، وهكذا في الرياضيات فينكشف الخلاف مثلا في جمعه وتفريقه وإن لم يظهر الخطأ في قواعده.

ثانيا: أنّ كلامه يوجب بطلان نفسه، لأنّ استدلاله ليس من الحسّيات ولا من الرياضيات بل داخل في القسم الثالث الذي لا يحصل القطع فيه عنده.

ثالثاً: ما مرّ سابقاً من أنّ القطع الحقيقي وإن لم يكن في بعض العلوم النظريّة إلاّ أنّه لا إشكال في حصول القطع العادي العرفي الذي استقرّت سيرة العقلاء على حجّيته وقد أمضاها الشارع أيضاً.

هذا كلّه في المقام الثاني.

أمّا المقام الثالث: فهو في روايات استدلّوا بها على عدم حجّية العقل، وهي المهمّ في المقام بل هو الأساس في إنكارهم حجّية العقل وهي على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما تنهى عن العمل بالرأي، وفسّر الرأي عندهم بحكم العقل.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على غاية بعد العقول عن دين الله.

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على أنّ المدرك الوحيد للأحكام هو روايات أهل البيت (عليهم السلام).

أمّا الطائفة الاُولى: النهي عن العمل بالرأي

فمنها: ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام): «من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضادّ الله حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم»(1).

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أتاه من ربّه فأخذ به(2).

ومنها: ما رواه غياث بن إبراهيم عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)أنّه قال في كلام له: «الإسلام هو التسليم ـ إلى أن قال ـ أنّ المؤمن أخذ دينه عن ربّه ولم يأخذه عن رأيه»(3).

ومنها: ما رواه في الاحتجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال لأبي حنيفة في احتجاجه عليه في إبطال القياس: «أيّما أعظم عند الله؟ القتل؟ أو الزنا؟ قال بل القتل فقال (عليه السلام): فكيف رضى في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلاّ بأربعة؟ ثمّ قال له: الصّلاة أفضل أم الصّيام؟ قال: بل الصّلاة أفضل قال (عليه السلام) فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصّلاة في حال حيضها دون الصّيام وقد أوجب الله عليها قضاء الصّوم دون الصّلاة، ثمّ قال له: البول أقذر أم المني؟ فقال البول أقذر فقال: يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول ـ إلى أن قال (عليه السلام): تزعم أنّك تفتي بكتاب الله ولست ممّن ورثه وتزعم أنّك صاحب قياس، وأوّل من قاس إبليس ولم يُبْنَ دين الله على القياس وزعمت أنّك صاحب رأي وكان الرأي من الرسول (صلى الله عليه وآله) صواباً ومن غيره خطأً لأنّ الله تعالى قال: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } [المائدة: 48] ولم يقل ذلك لغيره»(4). الحديث.

ومنها: ما رواه يحيى البكّاء عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ستفترق اُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة منها ناجية والباقون هالكون والناجون الذين يتمسّكون بولايتكم، ويقتبسون من علمكم ولا يعملون برأيهم فأولئك ما عليهم من سبيل»(5). الحديث.

ومنها: ما رواه معاوية بن ميسرة بن شريح قال: شهدت أبا عبدالله (عليه السلام) في مسجد الحنيف وهو في حلقة فيها نحو من مائتي رجل وفيهم عبدالله بن شبرمة فقال له: يا أبا عبدالله إنّا نقضي بالعراق فنقضي بالكتاب والسنّة ثمّ ترد علينا المسألة فنجتهد فيها بالرأي ـ إلى أن قال ـ : فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فأيّ رجل كان علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فأطراه ابن شبرمة وقال فيه قولا عظيماً. فقال له أبو عبدالله (عليه السلام): «فإنّ علياً أبى أن يدخل في دين الله الرأي وأن يقول في شيء من دين الله بالرأي والمقاييس ـ إلى أن قال ـ : لو علم ابن شبرمة من أين هلك الناس ما دان بالمقاييس ولا عمل بها»(6).

ومنها: ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عن أبيه (عليه السلام) قال، قال: أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا رأي في الدين»(7).

ومنها: ما رواه أبو بصير قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ترد علينا أشياء لا نجدها في الكتاب والسنّة فنقول فيها برأينا فقال: «أما إنّك إن أصبت لم تؤجر وإن أخطأت كذبت على الله»(8).

ومنها: ما رواه زيد في حديث أنّه لمّا نزل قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله قضى الجهاد على المؤمنين في الفتنة بعدي ـ إلى أن قال ـ : يجاهدون على الأحداث في الدين إذا عملوا بالرأي في الدين ولا رأي في الدين إنّما الدين من الربّ أمره ونهيه»(9).

ومنها: ما رواه حبيب قال: قال لنا أبو عبدالله (عليه السلام): «ما أحد أحبّ إليّ منكم إنّ الناس سلكوا سبلا شتّى منهم من أخذ بهواه ومنهم من أخذ برأيه وإنّكم أخذتم بأمر له أصل»(10).

ومنها: ما روي عن أبي محمّد الحسن بن علي (عليه السلام) أنّه سئل عن كتب بني فضّال، فقال: «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا»(11).

والجواب عنها: أنّها خارجة عن محلّ النزاع أي القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة بل هي ناظرة إمّا إلى الآراء والقياسات الظنّية كما تشهد عليه ما مرّ من رواية مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (عليه السلام) حيث ورد فيها: «ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضادّ الله ففسّر الرأي فيها بما لا يعلم».

أضف إلى ذلك أنّ من لاحظ تاريخ فقه العامّة يرى أنّهم كانوا يعتقدون في الفقه بخلأ فقهي (خلافاً لما ذهب إليه علمائنا أجمع، فيتوهّمون أنّ هناك مسائل لم يبيّن حكمها في الكتاب والسنّة ولم يرد فيه نصّ ويعبّرون عنها بما لا نصّ فيه) ولعدم جريان البراءة فيها عندهم يتمسّكون أوّلا بذيل القياس إن وجدوا لها شبيهاً ونظيراً في الفقه وإلاّ يلتجئون إلى الاستحسان والاجتهاد بمعنى جعل القوانين وفقاً لآرائهم، وهذا هو المقصود من الرأي الوارد في هذه الطائفة من الرّوايات فهي ناظرة إلى هذا المعنى بحسب الحقيقة، وفي ضوء هذه النكتة التاريخيّة يتّضح المراد من هذه الأخبار.

وإن شئت قلت: هذا الإرتكاز الذهني المتداول بينهم يكون بمنزلة قرينة لبّية لتعيين المراد من الرأي الوارد في هذه الطائفة.

ويشهد عليه أيضاً ترادف الآراء بالمقاييس في لسان الرّوايات، فمن المسلّم أنّ المقصود من القياس ليس هو قياس الأولويّة الذي يكون قطعيّاً بل المراد منه القياس الظنّي، فليكن مترادفها أيضاً كذلك.

ومن هنا يظهر أيضاً أنّ المراد من التعبير بالاجتهاد الوارد في الرّوايات هو نفس العمل بالرأي والظنّ، لا تطبيق الاُصول على الفروع.

وأمّا أن تكون ناظرة إلى مقابلتهم الأئمّة والاستغناء عن مسألتهم، وله أيضاً شواهد: منها

ما رواه يونس بن عبدالرحمن قال: قلت لأبي الحسن الأوّل (عليه السلام): بما أُوحّد الله؟ فقال: «يا يونس لا تكوننّ مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه ضلّ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيّه كفر»(12).

ومنها: ما مرّ من رواية حبيب ورد فيها: «منهم من أخذ برأيه وإنّكم أخذتم بأمر له أصل».

أمّا الطائفة الثانية: ما تدّل على غاية بعد العقول عن دين الله

فمنها: ما رواه عبدالرحمن بن الحجّاج قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «ليس شيء أبعد من عقول الرجال عن القرآن»(13).

ومنها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، أنّ الآية ينزل أوّلها في شيء، وأوسطها في شيء وآخرها في شيء»(14).

ومنها: ما رواه جابر قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «ياجابر أنّ للقرآن بطناً وللبطن ظهراً، ولى شيء أبعد من عقول الرجال منه، أنّ الآية لينزل أوّلها في شيء وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء، وهو كلام متصرّف على وجوه»(15).

والجواب عنها هو الجواب عن الطائفة الاُولى من أنّها ناظرة إلى الآراء الظنّية أو ناظرة إلى ترك أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) كما يشهد له ما رواه ابن عبّاس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال: «من قال في القرآن بغير علم فيتبوّء مقعده من النار»(16).

وما جاء في ما رواه إسماعيل بن جابر عن الصادق (عليه السلام): «وإنّما هلك الناس في المتشابه لأنّهم لم يقفوا في معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ونبذوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)وراء ظهورهم»(17).

أمّا الطائفة الثالثة: التي تدلّ على انحصار الحجّة الشرعيّة بالنقل

فمنها: ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنّة زالت الجبال ولم يزل»(18).

ومنها: ما روي عن حريز: «أنّ أبا حنيفة قال له: أنت لا تقول شيئاً إلاّ برواية قال: أجل» فهو يدلّ على أنّ مثل حريز الذي كان من كبار أصحاب الصادق (عليه السلام)وخواصّهم لا يقول شيئاً إلاّ برواية ولا حجّة عنده إلاّ الرّواية(19).

والجواب عنها أيضاً هو الجواب عن الطائفتين السابقتين، فلا بدّ من ملاحظة خصوصيّات تلك الأعصار حتّى يثبت لنا أنّ مراد أبي حنيفة في قوله «أنت لا تقول شيئاً إلاّ برواية» عدم اعتناء حريز بالقياس والاستحسان، حيث إنّه لا ريب في أنّ الحريز أيضاً كان يعمل بحكم العقل في تقديم الأهمّ على المهمّ مثلا والتمسّك بالكذب لنجاة مؤمن لو ابتلى به، وإن لم يصدر فيه من جانب الإمام (عليه السلام)رواية، كما أنّ المراد من أخذ الدين من أفواه الرجال أيضاً ليس إلاّ أخذه من القياسات الظنّية والاستحسانات غير القطعيّة.

أضف إلى ذلك ما رواه ابن أبي ليلى عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال لأبي حنيفة: «فدع الرأي والقياس وما قال قوم في دين الله ليس له برهان»(20) فإنّها تشهد على أنّ مقصود هذه الطائفة من الأخذ بالرواية هو الاجتناب عن الآراء الظنّية، حيث إنّها تعبّر عن الرأي القياس بـ «ما ليس له برهان».

هذا كلّه في الوجوه التي استدلّ بها الأخباريون لمرامهم.

ثمّ إنّ المحقّق النائيني (رحمه الله) أضاف إليها وجهاً رابعاً، وحاصله: أنّا نحتمل كون حجّية دليل العقل من جانب الشارع مشروطاً بوساطة من جانب الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم، وبعبارة اُخرى: أنّ دليل العقل يدلّ على الحكم الشأني لا الفعلي ويصل إلى مرحلة الفعليّة إذا اُيّد بالكتاب أو السنّة، ومجرّد وجود هذا الاحتمال يوجب بطلان الاستدلال بالأدلّة العقليّة.

وأجاب عنه بالقول: «أنّ العقل بعد ما أدرك المصلحة الملزمة في شيء كالكذب المنجي

للنبي أو لجماعة من المؤمنين مثلا، وأدرك عدم مزاحمة شيء آخر لها، وأدرك أنّ الأحكام الشرعيّة ليست جزافيّة وإنّما هي لأجل ايصال العباد إلى المصالح وتبعيدهم عن المفاسد، كيف يعقل أن يتوقّف في استكشاف الحكم الشرعي بوجوبه ويحتمل مدخلية وساطتهم صلوات الله وسلامه عليهم بل لا محالة يستقلّ بحسن هذا الكذب ويحكم بمحبوبيته، والحاصل أنّ المدّعى هو تبعيّة الحكم الشرعي لما استقلّ به العقل من الحسن والقبح، وبعد الاستقلال لا يبقى مجال لهذا الاحتمال أصلا»(21). أقول: ولذلك نعتقد بأنّ من لم يصل إليه بلاغ من رسول فلا أقلّ من استحقاقه للعقاب على ترك ما يستقلّ به العقل، فلو قتل إنساناً عالماً عامداً كان مستحقّاً للعذاب عند الله تعالى بلا إشكال، ولا يمكن أن يقال: إنّ هذا الحكم ما لم يصل إلى هذا القاتل من ناحية الشرع كان معذوراً في هذا الفعل.

ثمّ إنّ الاُصوليين استدلّوا لحجّية العقل في قبال الأخباريين بوجوه:

الأوّل: الأخبار الواردة في هذا المجال:

منها: ما رواه محمّد بن عبدالجبّار عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبدالله(عليه السلام)قال قلت له: ما العقل؟ قال: «ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان»، قال: قلت فالذي كان في معاوية؟ فقال: «تلك النكراء، تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل»(22).

ومنها: ما رواه هشام عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث طويل: «يا هشام أنّ لله على الناس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) وأمّا الباطنة فالعقول»(23).

ومنها: ما رواه إسماعيل بن مهران عن بعض رجاله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «العقل دليل المؤمن»(24).

ومنها: ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لمّا خلق الله العقل استنطقه ثمّ قال له: أقبل فأقبل، ثمّ قال له أدبر فأدبر، ثمّ قال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منك ولا أكملتك إلاّ فيمن أُحبّ، اَما أنّي إيّاك آمر وإيّاك أنهى وإيّاك اُعاقب وإيّاك اُثيب»(25).

أضف إلى ذلك لحن خطابات القرآن، حيث إنّها متوجّهة إلى اُولي الألباب وقوم يعقلون ويتفكّرون، وهذا ينافي عدم حجّية العقل كما لا يخفى، ولا أقلّ فيها من التأييد للمراد.

الثاني: الأخبار التي استدلّ فيها الأئمّة (عليهم السلام) بوجوه عقليّة كما يظهر لمن تتبّع فيها.

الثالث: اتّفاق الاُصوليين والأخباريين على العمل بالأدلّة العقليّة في كلماتهم فمن راجع كلمات الأخباريين كصاحب الحدائق يجد صدق ما ذكرناه.

الرابع: عدم الخلاف في حجّيته في اُصول الدين وهو يستلزم الحجّية في الفروع بالأولوية القطعيّة.

______________
1. وسائل الشيعة: ح 12، من الباب 6، من أبواب صفات القاضي.

2. المصدر السابق: ح 14.

3. المصدر السابق: ح

4. وسائل الشيعة: ح 28، الباب 6، من أبواب صفات القاضي.

5. المصدر السابق: ح 30.

6. المصدر السابق: ح 33.

7. المصدر السابق: ح 34.

8. المصدر السابق: ح 35.

9. المصدر السابق: ح 50.

10. وسائل الشيعة: ح 31، الباب 6، من ابواب صفات القاضي.

11. المصدر السابق: ح 13، الباب 11، من ابواب صفات القاضي.

12. وسائل الشيعة: ح 7، الباب 6، من أبواب صفات القاضي.

13. المصدر السابق: ح 69، الباب 13.

14. المصدر السابق: ح 73.

15. المصدر السابق: ح 74.

16. المصدر السابق: ح 74.

17. المصدر السابق: ح 62.

18. وسائل الشيعة: ح22، الباب 10، من أبواب صفات القاضي.

19. المصدر السابق: ح32، الباب 11.

20. المصدر السابق: ح 33، الباب 10.

21. أجود التقريرات: ج 2، ص 40.

22. اُصول الكافي: كتاب العقل والجهل، ح 3.

23. المصدر السابق: ح 12.

24. المصدر السابق: ح 24

25. اُصول الكافي: كتاب العقل و الجهل، ح 1.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.