أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-7-2020
2535
التاريخ: 7-8-2016
1689
التاريخ: 31-8-2016
1568
التاريخ: 31-8-2016
1586
|
ذكر المشهور لتمييز الحقيقة عن المجاز علامات نذكر منها ما يلي:
الأوّل: التبادر:
إنّ سبق المعنى من اللّفظ إلى الذهن بلا قرينة ، دليل على أنّه هو الموضوع له، والمعنى المجازي وإن كان ينسبق إليه أحياناً لكنّه يتبادر بمعونة القرينة.
وقد أُشكِل على كون التبادر علامة الوضع بالدور وحاصله:
انّ العلم بالوضع متوقّف على التبادر، وهو متوقّف على العلم بالوضع، إذ لولا العلم بأنّ اللّفظ موضوع لذلك المعنى، لما تبادر.
والجواب: انّ المراد من التبادر في المقام، هو التبادر عند المستعلم الذي هو من أهل اللسان وقد نشأ بينهم منذ نُعومة أظفاره إلى أنّ شبّ وشاب، وعندئذ العلم التفصيلي بالوضع موقوف على التبادر عند ذاك الشخص، و لكنّ التبادر عنده غير موقوف على ذلك العلم التفصيلي، بل يكفي العلم الإجمالي الإرتكازي للوضع حيث إنّ المستعلم من أهل اللغة، له علم بالوضع منذ نشأ بين أهل اللّسان وإن لم يكن ملتفتاً إلى علمه هذا وبالجملة: العلم التفصيلي بالوضع موقوف على التبادر، والتبادر موقوف على العلم الإرتكازي الحاصل للإنسان الناشئ بين أهل اللغة من لدن صباه و إن كان غير ملتفت إلى علمه بالوضع.
وهذا النوع من العلم الإجمالي لا صلة له بالعلم الإجمالي المبحوث عنه في باب البراءة والاشتغال.
هذا إذا كانت الحجّة للمستعلم تبادرَ نفسه الذي هو من أهل اللسان وأمّا إذا كانت الحجّة للمستعلم، تبادرَ الغير فهو كما إذا كان المستعلم من غير أهل اللسان ورأى أنّه كلّما يطلق الماء يتبادر عند بعض أهل اللسان، الرطب السيّال، فهو أيضاً غير مستلزم للدور، لأنّ العلم التفصيلي للمستعلم متوقّف على التبادر بين بعض أهل اللسان، و التبادر لديه يتوقّف على علمه الارتكازي بكون اللّفظ موضوعاً لذلك المعنى. ويحصل ذلك العلم الارتكازي له بنشوئه بين أهل اللسان منذ صباه.(1)
الثاني: صحة الحمل:
إنّ من علامات الوضع صحّة الحمل، توضيحه:
يلاحظ عليه: أنّه ليس شيئاً جديداً بل هو عبارة أُخرى عن العلم الإرتكازي بالوضع، فإنّ مرجع اقتران كلمة «ماما» برؤية الأُمّ، في حياته إلى علمه الإرتكازي بالوضع فانّ التقارن الممتد بين لفظ «ماما» ورؤية الأُمّ، يورث الملازمة بينهما عند الطفل فإذا سمع الأوّل من دون الرؤية ينتقل إلى الثانية بلا اختيار، وهذا هو المراد من العلم الإرتكازي بالوضع.
إنّ الحمل على قسمين:
1. حمل أوّلي ذاتي، و هو عبارة عن الوحدة بين المحمول والموضوع مفهوماً، كما إذا قيل: الحيوان الناطق إنسان.
2. حمل شائع صناعي، و هو عبارة عن اختلاف الموضوع والمحمول مفهوماً والاتحاد مصداقاً ووجوداً، كما إذا قلنا: زيد إنسان.
إذا أردنا أن نتعرف على أنّ لفظ الإنسان هل هو موضوع للحيوان الناطق، فنجعل المعنى موضوعاً، واللّفظ الذي بصدد استعلام حاله محمولاً، فنقول: الحيوان الناطق إنسان، فنستكشف عن صحّة الحمل مفهوماً، كون الثاني موضوعاً للمعنى المفروض، أعني: الحيوان الناطق. و بعبارة أُخرى: نجعل ما نتصوّر انّه معنى، موضوعاً للقضية وننظر إليه بما انّه معنى محض ليس معه لفظ، ونجعل اللّفظ الذي نريد تبيين معناه محمولاً، فيقال: الحيوان المفترس، أسد.
هذا إذا كان اللّفظ والمعنى متمّيزين كما في المثالين، وأمّا إذا لم يكن كذلك كما في المترادفات التي يصلح أن يكون كلّ مبيّناً وموضحاً للآخر، فيجعل المعلوم موضوعاً والمبهم محمولاً، و يقال: المطر هو الغيث و إن جاز العكس.
فكما أنّ صحّة الحمل آية الوضع، فكذلك صحّة السلب آية عدمه، كما إذا قال: الرجل الشجاع ليس بأسد.
هذا كلّه حول الحمل الأوّلي، وأمّا الحمل الشائع الصناعي فيجعل المصداق موضوعاً واللفظ الذي بصدد استعلام حاله محمولاً ويقال : زيد إنسان، لكنّه لا يثبت به كون الموضوع هو الموضوع له للمحمول، وإنّما يُثبت كونه من مصاديق المعنى الذي وضع له المحمول.
فتحصل من ذلك انّ الحمل الأوّلي يثبت كون المعنى هو الموضوع له، لكن الحمل الثاني يثبت انّه مصداق للمعنى الذي وضع له اللّفظ.
ثمّ إنّه أورد على كون صحّة الحمل علامة بأُمور نذكر منها أمرين أحدهما في المتن والآخر في الهامش:
الأوّل: انّ الاستكشاف والاستعلام حاصل من التبادر الحاصل من تصوّر الموضوع السابق على الحمل، فيكون إسناده إلى الحمل في غير محلّه.(2)
يلاحظ عليه أوّلاً: أنّه إنّما يرد إذا كان المستعلم عن طريق صحّة الحمل من أهل اللسان، فيتقدم التبادر عنده على صحّة الحمل دون ما إذا لم يكن من أهله فليس عنده تبادر حتى يتقدم على صحة الحمل، و من صحّ عنده الحمل، بما انّه ليس بصدد استكشاف المعنى، غافل عن تبادره.
وثانياً: سلمنا انّ المستعلم من أهل اللسان لكنّه إنّما يرد إذا كان زمان الاستكشاف مقارناً لزمان الحمل فيسبقه التبادر و يغني عن غيره .وأمّا إذا كان زمان الحمل مقدماً على زمان الاستكشاف كما إذا ألقى محاضرة واشتملت على أحد الحملين من دون أن يكون بصدد استكشاف المعنى الموضوع له، ثمّ صار بصدد الاستكشاف فرجع إلى خطاباته ومحاضراته ورأى أنّ حمل المحمول بما له من المعنى الإرتكازي على الموضوع متلائم جداً، فيستكشف انّ الموضوع الذي حمل عليه اللّفظ، هو المعنى الحقيقي.(3)
الثالث: الاطراد:
الاطراد هو العلامة الثالثة وقد قرر بالنحو التالي:
إذا اطرد استعمال لفظ في أفراد كلّي بحيثية خاصة، كرجل باعتبار الرجولية في زيد و عمرو مع القطع بعدم تعدّد الوضع، استكشف منه وجود علاقة الوضع بينها و بين ذاك الكلّي، وعلم أنّه موضوع للطبيعي من المعنى.
واحتمال كونه مجازاً لأجل وجود العلاقة، مدفوع بعدم الاطراد في علائق المجاز، فانّ علاقة الجزء والكلّ ليست مطردة بشهادة انّه يصحّ استعما ل«العين» في المراقب ولا يصحّ استعمال الشعر فيه، ويصحّ استعمال اللسان في الوكيل دون الصدر فيه وغير ذلك.
وأورد عليه المحقّق الخراساني بما هذا توضيحه:
1. انّ المجاز وإن لم يطرد في نوع علائقه ومطلق المشابهة، إلاّ أنّه في خصوص ما يصحّ معه الاستعمال في المجاز مطرد كالحقيقة، فاستعمال الجزء في الكلّ مطرد في خصوص ما إذا كان للجزء دور خاص في المورد، كالمراقبة في العين، والتبيين في اللسان، والعمل في اليد.(4)
يلاحظ عليه: أنّ المجاز غير مطرد حتى في صنف العلاقة الذي وصفه لما عرفت من أنّ صحّة المجاز وراء العلاقة قائمة بأمرين :
أ. حسن الادّعاء.
ب. كون المقام مناسباً لإظهار هذا الادّعاء.
وعلى ذلك فالمجاز غير مطرد حتى في صنف العلائق بل يتوقّف ـ مضافاً إلى صنف العلاقة ـ على توفُّر الشرطين المذكورين ولذا لا يصحّ استعمال الأسد في الرجل الأبخر لعدم حسن الادّعاء، كما لا يصحّ نداء الرجل الشجاع بلفظ يا أسد إذا لم يكن المقام مناسباً لإظهار الادّعاء كما إذا كان النداء لأجل تناول وجبة طعام.
هذا كلّه حول تقرير القوم.
ولكنّ التحقيق انّ العلامة المفيدة التي يدور عليها كشف الحقيقة وتمييزها عن المجاز هو هذه العلامة ولكنّ القوم ـ أنار اللّه برهانهم ـ لم يعطوا للمسألة حق النظر، ولو أمعنوا فيها لأذعنوا بأنّه من أنجع العلائم وأشملها، وذلك انّ الجاهل باللغة إذا أراد أن يعرف معاني اللغات الأجنبية من أهل اللسان، فليس له طريق إلاّ الاستماع في مقامات مختلفة لمحمولات عديدة على موضوع واحد، كما إذا رأى أنّ الفقيه يقول: الماء طاهر ومطهّر، أو قليل أو كثير، و الكيمياوي يقول: الماء رطب سيال، والفيزياوي يقول: الماء لا لون له، ورأى اطراده في الموضوع الخاص، يحدس انّ اللفظ موضوع على ما استعمل فيه في هذه الموارد، لأنّ المصحّح: إمّا الوضع أو العلاقة، والثاني لا اطراد فيه والمفروض انّه مطرد فتعين الأوّل.
وهذا هو الطريق الرائج في تحصيل معاني اللغات، و على ذلك بُني منهج التفسير البياني في تحقيق كلمات الذكر الحكيم، حيث يتتبَّع موارد استعمال اللفظ في القرآن إلى استخراج المعنى الحقيقي له.
وقد ذكرنا لذلك مثالاً في الموجز (5) فلاحظ.
الرابع: تنصيص أهل اللغة:
قد ذكروا انّ تنصيص أهل اللغة من أسباب التعرّف على الوضع وتمييز الحقيقة عن المجاز.
وقد استشكل عليه بانّ ديدن أهل اللغة بيان المستعمل فيه لا الموضوع له، فترى أنّهم يذكرون للفظة القضاء معاني عشرة وللوحي معاني كثيرة مع أنّهما ليسا من المشترك اللفظي، فلا يكون تنصيص أهل اللغة علامة للوضع.
أقول: إنّ علماء الأُصول لم يُولُوا هذا الموضوع أهمية نظيره في الاطراد، ويعلم ذلك من خلال النقاط التالية:
1. انّ المعاجم والقواميس ليست على نحو واحد، فليس الجميع على ما وصفوه من ذكر موارد الاستعمال، بل هناك مَنْ تطرّق إلى تمييز المعنى الحقيقي عن المجازي، و المعنى الأصلي عن المعاني المتفرعة منه، وقد ألّف على هذا المنوال كتاب المقاييس لأحمد بن زكريا (المتوفّى 395هـ) وأساس البلاغة للزمخشري (المتوفّى 538هـ)، فالكتابان يعدّان من أحسن ما أُلّف في هذا الباب.
2. انّ الإمعان في المعاجم المعروفة المتداولة التي تتكفل لبيان موارد الاستعمال ربما يوصل الإنسان الذكي إلى تمييز المعنى الحقيقي عن المجازي شريطة أن يكون له ذوق لغوي وفطانة خاصة، مثلاً: إذا رجع إلى «القاموس» يرى انّه ذكر للفظ القضاء معاني عشرة وللوحي معاني متنوعة، لكن لو أمعن النظر يقف على أنّ الجميع صور مختلفة لمعنى واحد و هو إتقان العمل، في مورد القضاء، و الإفهام بخفاء في مورد الوحي، والباقي صور لهذين المعنيين، ولذلك يجب على الفقيه، ممارسة المعاجم ومطالعتها ـ مع ما فيها من الخلل ـ كمطالعة الكتب الفقهية والأُصولية حتى يخالط علمُ اللغة دمَه و لحمَه، عندئذ يتسنّى له القضاء في اللغة و يميّز المعنى الحقيقي عن المجازي كما هو ديدن الأوائل من علمائنا كالصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي والطبرسي، فكانوا ذوي باع طويل في اللغة قبل أن يكونوا فقهاء.
3. انّ الأوائل من مدوني اللغة كالخليل بن أحمد الفراهيدي (المتوفّى 170هـ) و الجوهري (المتوفّى 299هـ) قد أخذوا كثيراً من المعاني من ألسن سكّان البوادي الذين قطنوا الجزيرة العربية، فإذا أخبر الخليل في كتاب العين عما سمعه من سكان البوادي، يُصدَّق كما يصدَّق قوله في النحو والصرف والعروض وغيرها من العلوم العربية.
________________
1. وربما يجاب عن الدور بأنّه لا محل له أساساً، لأنّه مبني على افتراض انّ انتقال الذهن إلى المعنى من اللّفظ فرع العلم بالوضع مع أنّه فرع نفس الوضع أي وجود عملية القرن الأكيد بين تصوّر اللّفظ وتصوّر المعنى في ذهن الشخص، فالطفل الرضيع الذي اقترنت عنده كلمة «مـامـا» برؤية أُمّه، يكفي نفس هذا الاقتران الأكيد ليتصوّر أُمّه عند ما يسمع كلمة «ماما» مع أنّه ليس عالماً بالوضع إذ لا يعرف معنى الوضع.( دروس في علم الأُصول، الحلقة الثانية: 86.
2. تهذيب الأُصول: 1/58.
3. الثاني: ما يقال انّ صحّة الحمل إنّما تكون علامة على كون المحمول عليه، هو نفس المعنى المراد في المحمول أو مصداق المعنى المراد، امّا انّ هذا المعنى المراد في جانب المحمول هل هو معنى حقيقي للّفظ أو مجازي؟ فلا سبيل إلى تعيين ذلك عن طريق صحّة الحمل، بل لابدّ أن يرجع الإنسان إلى مرتكزاته لكي يعيّن ذلك.( دروس في علم الأُصول: الحلقة الثانية: 87.)
يلاحظ عليه: هذا الشرط أنّ كون المعنى المراد في جانب المحمول معنى حقيقي، حاصل وذلك من خلال كون الحمل عارياً عن كلّ شرط و يكفي هذا في كون المعنى حقيقياً، بخلاف المعنى المجازي فلا يصحّ الحمل إلاّ مع شرطين: ; الأوّل: وجود الادّعاء المصحّح للاستعمال، وانّ هذا هذا أو من مصاديقه .
الثاني: كون المقام مناسباً لإعمال الادّعاء دونما إذا لم يكن.
وهذان الشرطان متوفران في قوله سبحانه: (وقُلن حاش للّه ما هذا بَشراً إِنْ هذا إلاّ مَلَكٌ كَريم) (يوسف:31) حيث تخيّل للنساء الجالسات انّ فتى امرأة العزيز قد ارتقى من الجمال بمكان صيَّره ملكاً .وبما انّ المفروض كون الحمل فاقداً لكلّ من الشرطين يثبت كون المعنى المراد في جانب المحمول معنى حقيقياً.
4. كفاية الأُصول: 1/28ــ 29.
5. الموجز:12ـ13.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|